سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته

العودة   ملتقى مونمس ® > القسم الإسلامي > المنتدى الإسلامي العام

المنتدى الإسلامي العام يحوي قصص وروايات ومواضيع دينية نصية

!~ آخـر 10 مواضيع ~!
إضغط على شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع
5.00 من 5 عدد المصوتين: 2
انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-04-2012, 10:18 AM
الصورة الرمزية Arsalan
عضو نشيط
 
شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب









Smile ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~

 






.


.: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :.

أسعد الرحمن أيامكُم ولياليكُم بذكره وحسن أعماله [IMG]https://www.*********/images/smilies/smile.gif[/IMG] [IMG]https://www.*********/images/smilies/q1.gif[/IMG]

كـيـف حـالكُم , وأحـوالـكُم أيـها الأحــبـة فـي الله [IMG]https://www.*********/images/smilies/smile.gif[/IMG] [IMG]https://www.*********/images/smilies/q1.gif[/IMG]

عساكُم بخير وكُلُ الأمورِ بخير وصحتكُم طيبة [IMG]https://www.*********/images/smilies/w3.gif[/IMG]


.







.


الحمدلله , ها نحنُ نعود إليكُم مُجدداً لنُكمل سيرة هذا الرجلُ العظيم ونطرح

الجزء الثاني مِن سيرتهْ الكريمة , عسى أن تفيدُ وتستفيدُ مِنها بأحسن وجه

وما يرضى الله تعالى ولزيارة الجزءُ الأول تفضلُ مِن :: هـــُـنا :: [IMG]https://www.*********/images/smilies/smile.gif[/IMG]

والآن أترككُم مع عمر بن الخطاب وسيرته رضيَ الله عنه ~

على بركة الله : -


.





.
رابعاً: رأي عمر في عدم قبول دية قتلى المسلمين، واعتراضه على إقطاع الصديق للأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن:


.

1- رأي عمر في عدم قبول دية قتلى المسلمين في حروب الردة:

جاء وفد بُزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية؟ قال تنزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا، وتَدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين أمراً يعذرونكم به، فعرض أبو بكر ما قال على القوم، فقام عمر بن الخطاب، فقال: قد رأيت رأياً سنشير عليك، أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردّون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله، أجورها على الله ليس لها ديات. فتبايع القوم على ما قال عمر([1]) .


.

2- اعتراضه على إقطاع الصديق للأقرع بن حابس وعينيه بن حصن:

جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر – رضي الله عنه – فقالا:
يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعنا لعلنا نحرثها أو نزرعها، لعل الله أن ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر لمن حوله: ما تقولون فيما قالا، إن كانت أرضاً سبخة لا ينتفع بها؟ قالوا: نرى أن تقطعهما إياها، لعل الله ينفع بها بعد اليوم. فأقطعهما إياها، وكتب لهما بذلك كتاباً، وأشهد عمر، وليس في القوم، فانطلقا إلى عمر يشهدانه، فوجداه قائماً يهنأ([2]) بعيراً له، فقالا: إن أبا بكر أشهدك على ما في الكتاب فنقرأ عليك أو تقرأ؟ فقال: أنا على الحال الذي تريان، فإن شئتما فاقرءا وإن شئتما فانظرا حتى فرغ، فأقرأ عليكما قالا: بل نقرأ فقرءا فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل عليه فمحاه، فتذمرا، وقالا مقالة سيئة، فقال: إن رسول الله كان يتألفكما، والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله قد أعز الإسلام، فاذهبا فأجهدا جهدكما، لا رعى الله عليكما إن رعيتما. فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر: فقال:لا بل هو لو كان شاء. فجاء عمر – وهو مغضب – فوقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أرض هي لك خاصة أم للمسلمين عامة. قال: بل للمسلمين عامة. قال: فما حملك أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك. قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، فكل المسلمين أوسعتهم مشورة ورضي. فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد كنت قلت لك إنك على هذا أقوى مني، ولكن غلبتني([3]).

هذه الواقعة دليل لا يقبل الشك أن حكم الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كان يقوم على الشورى، فهي تظهر لنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حريصاً على استشارة المسلمين في الصغير والكبيرة، وما كان ليبرم أمراً دون مشورة إخوانه([4]).

إن الخبر السالف الذكر يؤكد لنا أن خليفة رسول الله رضي الله عنه كان يمضي الشورى في كل شأن من شؤون المسلمين، بل وكان ينزل عن رأيه، وهو من هو رضي الله عنه، إنها صورة للشورى الحقيقية المنضبطة مع أوامر الله، مع الحلال والحرام، لا الشورى المزيفة التي تجري تحت قباب مجالس دستورية لم تجن من ورائها الشعوب إلا المرارة والاستبداد والظلم والضياع([5]).



.

خامساً: جمع القرآن الكريم:

كان من ضمن شهداء المسلمين في حرب اليمامة كثير من حفظة القرآن وقد نتج عن ذلك أن قام أبو بكر رضي الله عنه بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن حيث جمع من الرقاع والعظام والسعف ومن صدور الرجال([6])، وأسند الصديق هذا العمل العظيم إلى الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: بعث إليّ أبو بكر رضي الله عنه لمقتل أهل اليمامة([7])، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر([8]) يوم اليمامة بقراء القرآن الكريم، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن([9])، كلها فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! فقال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال
أبو بكر: وإنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله r، فتتبع القرآن فاجمعه([10]). قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما كلفني به من جمع القرآن([11]).


.

ونستخلص من واقعة جمع القرآن الكريم بعض النتائج منها:

1- إن جمع القرآن الكريم جاء نتيجة الخوف على ضياعه نظراً لموت العديد من القراء في حروب الردة، وهذا يدل على أن القراء والعلماء كانوا وقتئذ أسرع الناس إلى العمل والجهاد لرفع شأن الإسلام والمسلمين بأفكارهم وسلوكهم وسيوفهم فكانوا خير أمة أخرجت للناس ينبغي الاقتداء بهم لكل من جاء بعدهم.


.

2- إن جمع القرآن تم بناء على المصلحة المرسلة ولا أدل على ذلك من قول عمر لأبي بكر حين سأله كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه والله خير وفي بعض الروايات أنه قال له: إنه والله خير ومصلحة للمسلمين، وهو نفس
ما أجاب به أبو بكر زيد بن ثابت حين سأل نفس السؤال وسواء صحت الرواية التي جاء فيها لفظ المصلحة أو لم تصح، فإن التعبير بكلمة خير، يفيد نفس المعنى، وهو مصلحة المسلمين في جمع القرآن، فقد كان جمع القرآن مبنياً على المصلحة المرسلة أول الأمر ثم انعقد الإجماع على ذلك بعد أن وافق الجميع بالإقرار الصريح أو الضمني وهذا يدل على أن المصلحة المرسلة يصح أن تكون سنداً للإجماع بالنسبة لمن يقول بحجيتها كما هو مقرر في كتب أصول الفقه.


.

3- وقد اتضح لنا من هذه الواقعة كذلك كيف كان الصحابة يجتهدون في جو من الهدوء يسوده الود والاحترام، هدفهم الوصول إلى ما يحقق الصالح العام لجماعة المسلمين، وأنهم كانوا ينقادون إلى الرأي الصحيح وتنشرح قلوبهم له بعد الإقناع والاقتناع، فإذا اقتنعوا بالرأي دافعوا عنه كما لو كان رأيهم منذ البداية، وبهذه الروح أمكن انعقاد إجماعهم حول العديد من الأحكام الاجتهادية([12]).
.




-:مواضيع أخرى تفيدك:-

Share


التعديل الأخير تم بواسطة Arsalan ; 05-05-2012 الساعة 01:23 AM
رد مع اقتباس
6 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:21 AM   رقم المشاركة : 2
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~




.

الفصل الثالث

استخلاف الصديق للفاروق، وقواعد نظام حكمه، وحياته في المجتمع


.

المبحث الأول: استخلاف الصديق للفاروق وقواعد نظام حكمه:


أولاً: استخلاف الصديق للفاروق:

لما اشتد المرض بأبي بكر جمع الناس إليه فقال: إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميت لما بي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم فأمروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمرتم في حياتي كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي([13]) وتشاور الصحابة رضي الله عنهم، وكل يحاول أن يدفع الأمر عن نفسه ويطلبه لأخيه إذ يرى فيه الصلاح والأهلية، لذا رجعوا إليه، فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك قال: فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده، فدعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب فقال له: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني: فقال أبو بكر: وإن فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان. فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال: أنت أخبر به، فقال: على ذلك
يا أبا عبد الله فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله والله لو تركته ما عدتك ثم دعا أسيد بن حضير فقال له: مثل ذلك، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك يرضى للرضا، ويسخط للسخط، والذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، وكذلك استشار سعيد بن زيد وعدداً من الأنصار والمهاجرين، وكلهم تقريباً كانوا برأي واحد في عمر إلا طلحة بن عبيد الله خاف من شدته فقال لأبي بكر ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني أبالله تخوفونني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك([14]) وبين لهم سبب غلظة عمر وشدته فقال: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما عليه([15]) ثم كتب عهداً مكتوباً يقرأ على الناس في المدينة وفي الأنصار عن طريق أمراء الأجناد فكان نص العهد بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي، وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ
ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب} وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(227) { (الشعراء،آية:227)

إن عمر هو نصح أبي بكر الأخير للأمة، فقد أبصر الدنيا مقبلة تتهادى وفي قومه فاقة قديمة يعرفها، فإذا ما أطلوا لها استشرفوا شهواتها، فنكلت بهم واستبدت، وذاك ما حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه([16]) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم([17])، لقد أبصر أبو بكر الداء فأتى لهم رضي الله عنه بدواء ناجح … جبل شاهق، إذا ما رأته الدنيا أيست وولت عنهم مدبرة، إنه الرجل الذي قال فيه النبي r: إيها يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك([18]). إن الأحداث الجسام التي مرت بالأمة، قد بدأت بقتل عمر، هذه القواصم خير شاهد على فراسة أبي بكر وصدق رؤيته في العهد لعمر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أفرس الناس ثلاثة صاحبة موسى التي قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، وصاحب يوسف حيث قال:أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وأبو بكر حين استخلف عمر([19]) ، فقد كان عمر هو سد الأمة المنيع الذي حال بينها وبين أمواج الفتن([20]) .

هذا وقد أخبر عمر بن الخطاب بخطواته القادمة فقد دخل عليه عمر فعرفه أبو بكر بما عزم فأبى أن يقبل، فتهدده أبو بكر بالسيف فما كان أمام عمر إلا أن يقبل([21]) ، وأرد الصديق أن يبلغ الناس بلسانه واعياً مدركاً حتى لا يحصل أي لبس فأشرف أبو بكر على الناس وقال لهم: أترضون بمن استخلف عليكم، فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا. فقالوا: سمعنا وأطعنا([22]) وتوجه الصديق بالدعاء إلى الله يناجيه ويبثه كوامن نفسه، وهو يقول: اللهم وليته بغير أمر نبيك، ولم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، واجتهدت لهم رأيي، فولَّيت عليهم خيرهم، وأحرصهم على
ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، فأخلفني فيهم فهم عبادك([23]).

وكلف أبو بكر عثمان رضي الله عنه: بأن يتولى قراءة العهد على الناس وأخذ البيعة لعمر قبل موت أبي بكر بعد أن ختمه لمزيد من التوثيق والحرص على إمضاء الأمر، دون أي آثار سلبية، وقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به([24])، فبعد أن قرأ العهد على الناس ورضوا به أقبلوا عليه وبايعوه([25])، واختلى الصديق بالفاروق وأوصاه بمجموعة من التوصيات لإخلاء ذمته من أي شيء، حتى يمضي إلى ربه خالياً من أي تبعة بعد أن بذل قصارى جهده واجتهاده([26])، وقد جاء في الوصية: اتق الله ياعمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تُؤدى فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: إني أخاف أن لا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار، فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وردّ عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم، قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً، لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمة الله، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت ولست تُعجزه([27]).

وباشر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعماله بصفته خليفة للمسلمين فور وفاة أبي بكر رضي الله عنه([28]).

ويلحظ الباحث: أن ترشيح أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمر بن الخطاب، لم يأخذ قوته الشرعية، ما لم يستند لرضا الغالبية بعمر وهذا ما تحقق حين طلب أبو بكر من الناس أن يبحثوا لأنفسهم عن خليفة من بعده، فوضعوا الأمر بين يديه، وقالوا له، رأينا إنما هو رأيك([29])، ولم يقرر أبو بكر الترشيح إلا بعد أن استشار أعيان الصحابة فسأل كل واحد على انفراد، ولما ترجح لديه اتفاقهم أعلن ترشيحه لعمر، فكان ترشيح
أبي بكر صادراً عن استقراء، لآراء الأمة من خلال أعيانها، على أن هذا الترشيح
لا يأخذ قوته الشرعية إلا بقبول الأمة به، ذلك أن اختيار الحاكم حق للأمة، والخليفة يتصرف بالوكالة عن الأمة. ولا بد من رضا الأصيل، ولهذا توجه أبو بكر إلى الأمة: أترضون بمن استخلف عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهدي الرأي ولا وليت ذا قرابة، وأني قد استخلفت عمر بن الخطاب. فأسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا([30])، وفي قول أبي بكر أترضون بمن استخلف عليكم، إشعار بأن الأمر للأمة وأنها هي صاحبة العلاقة والاختصاص([31]).

إن عمر رضي الله عنه ولي الخلافة باتفاق أهل الحل والعقد وإرادتهم فهم الذين فوضوا لأبي بكر انتخاب الخليفة، وجعلوه نائباً عنهم في ذلك، فشاور ثم عين الخليفة، ثم عرض هذا التعيين على الناس فأقروه، وأمضوه ووافقوا عليه، وأصحاب الحل والعقد في الأمة هم النواب (الطبيعيون) عن هذه الأمة، وإذن فلم يكن استخلاف عمر رضي الله عنه إلا على أصح الأساليب الشورية وأعدلها([32]).

إن الخطوات التي سار عليها أبو بكر الصديق في اختيار خليفته من بعده
لا تتجاوز الشورى بأي حال من الأحوال، وإن كانت الإجراءات المتبعة فيها غير الإجراءات المتبعة في تولية أبي بكر نفسه([33])، وهكذا تم عقد الخلافة لعمر رضي الله عنه بالشورى والاتفاق، ولم يورد التاريخ أي خلاف وقع حول خلافته بعد ذلك، ولا أن أحداً نهض طول عهده لينازعه الأمر، بل كان هناك إجماع على خلافته وعلى طاعته في أثناء حكمه، فكان الجميع وحدة واحدة([34]).


.

ثانياً: النصوص الشرعية التي أشارت إلى أحقية خلافة الفاروق:



1- في نص القرآن الكريم دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلى وجوب الطاعة لهم وهو أن الله تعالى قال مخاطباً نبيَّه صلى الله عليه وسلم في الأعراب: } فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا {(التوبة،آية:83). وكان نزول براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك([35]) التي تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ولم يغز عليه الصلاة والسلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وقال تعالى أيضاً: } سَيَقُولُ الْمُخَلَّفونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ{ فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تبوك لهذا، ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم أثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:
} قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الأعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(16) { (الفتح،آية:16-17). فأخبر تعالى أنه سيدعوهم غير النبي إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم([36]).


قال أبو محمد بن حزم: وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك([37]). فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً وإذ قد وجبت طاعتهم فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم([38]).


.






.

2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن([39]).

هذا الحديث تضمن الإشارة إلى خلافة الشيخين رضي الله عنهما، كما تضمن الإشارة إلى خلافة الفاروق رضي الله عنه، وإلى كثرة الفتوح وظهور الإسلام في زمنه فهذا المنام النبوي مثال واضح لما حصل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وآثار صحبته فقد كان r هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام حيث قرر قواعد الدين ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجاً وأنزل الله تعالى عليه قوله:} الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الأسْلاَمَ دِينًا { (المائدة،آية:3).

ولما التحق بالرفيق الأعلى خلفه أبو بكر رضي الله عنه على الأمة سنتين وأشهراً وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ذنوباً أو ذنوبين)) وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما جاء التصريح بذلك في رواية أخرى([40]) وقد حصل في خلافته رضي الله عنه قتال المرتدين وقطع دابرهم وأشاع رقعة الإسلام في زمنه أكثر وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله لطول ولايته واتساع بلاد الإسلام وكثرة الأموال من الغنائم وغيرها فالحديث اشتمل على أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وصحتها وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها([41]).



.

3- عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: إني لا أدري
ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر وتمسكوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه([42])، دل هذا الحديث دلالة صريحة على أحقية خلافة عمر رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين. بفتح الذال أي الخليفتين اللذين يقومان من بعدي أبو بكر وعمر، فأمره صلى الله عليه وسلم بطاعتهما. يتضمن الثناء عليهما لكونهما أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين من بعده وسبب الحث على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخير ولذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين([43]).


.

4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بينما أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب )) قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم([44]).

ففي هذا الحديث إشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه: والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة
أبي بكر كانت قصيرة فلم تكثر فيها الفتوح التي هي من أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها – مع طول مدته – الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافاً، والفتن إلا انتشاراً([45])، فالحديث فيه إشارة واضحة إلى أحقية خلافة الفاروق رضي الله عنه([46]).



.

5- عن أبي بكر أن النبي r قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأينا الكراهية في وجه رسول الله r([47]).

في هذا الحديث إشارة إلى ترتيب الثلاثة في الفضل، فأفضلهم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين كما أن الحديث تضمن الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي الخلافة بعد الصديق رضي الله عنه وقوله في الحديث: فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لما علم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر([48]).


.

6- عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظللة تنطف([49]) السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون([50]) منها: فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً. قال: فوالله
يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت. قال: لا تقسم([51]). تضمن هذا الحديث الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه ووجه ذلك أن قوله في الحديث: ثم أخذ به رجل آخر فعلا به. هو أبو بكر رضي الله عنه وقوله ثانياً: ثم أخذ به رجل آخر فانقطع إشارة إلى خلافة الفاروق رضي الله عنه([52]).


.

7- عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من ندفع صدقاتنا بعدك قال: فأتيته فسألته فقال: إلى أبي بكر. فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه فسله فإن حدث بأبي بكر حدث فإلى من؟ فأتيته فسألته فقال: إلى عمر، فأتيته فأخبرتهم([53])…

اشتمل هذا الحديث على الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي أمر المسلمين بعد وفاة الصديق رضي الله عنه([54]).


.

8- ومما دل على أحقية خلافته رضي الله عنه اجتماع الصحابة على أنهم لا يقدمون إلا أفضلهم وأخيرهم مع قول أبي بكر وعلي رضي الله عنهما فيه، فأما قول
أبي بكر رضي الله عنه فيه فهو قوله: اللهم أمرت عليهم خير أهلك([55])، وأما قول علي رضي الله عنه فهو ما رواه البخاري عن محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن
أبي طالب قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله: قال أبو بكر قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر وخشيت أن يقول: عثمان. قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين([56])، فهذه الأحاديث التي ذكرتها فيها الدلالة الواضحة على أحقية عمر رضي الله عنه([57]).

قال السفاريتي رحمه الله: أعلم أن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه مرتبة ولازمة لأحقية خلافة الصديق الأعظم أبي بكر رضي الله عنه وقد قام الإجماع وإشارات الكتاب والسنة على أحقية خلافته فما ثبت للأصل الذي هو الصديق من أحقية الخلافة يثبت لفرعه الذي هو عمر بن الخطاب فيها فلا مطمع لأحد من فرق الضلال في الطعن والنزاع في أحقية الخلافة وقد علم أهل العلم علماً باتاً ضرورياً أن الصحابة الكرام أجمعوا على تولية الصديق الخلافة ومن شذ لا يقدح في ذلك من غير مرية([58]).


.



آخر تعديل Arsalan يوم 05-04-2012 في 10:27 AM.

رد مع اقتباس
7 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:23 AM   رقم المشاركة : 3
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~



.
ثالثاً: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه:

وقد نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على خلافة عمر طائفة من أهل العلم الذي يعتمد عليهم في النقل منهم:



.

1- روى أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت على عمر حين طعن. فقلت: أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلمحين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً فقال: أعد علي فأعدت عليه فقال: والله الذي لا إله غيره لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع([59]).


.

2- وقال أبو نعيم الأصبهاني مبيناً الإجماع على خلافة الفاروق رضي الله عنه: لما علم الصديق رضي الله عنه من فضل عمر رضي الله عنه ونصيحته وقوته على ما يقلده وما كان يعينه عليه من أيامه من المعونة التامة لم يكن يسعه في ذات الله ونصيحته لعباد الله تعالى أن يعدل هذا الأمر عنه إلى غيره، ولما كان يعلم من أمر شأن الصحابة رضي الله عنهم أنهم يعرفون منه ما عرفه ولا يشكل عليهم شيء من أمره فوض إليهم ذلك فرضي المسلمون ذلك وسلموه، ولو خالطهم في أمره ارتياب أو شبهة لأنكروه، ولم يتابعوه كاتباعهم أبا بكر رضي الله عنهم فيما فرض الله عليه الاجتماع وأن إمامته وخلافته ثبتت على الوجه الذي ثبت للصديق، وإنما كان الدليل لهم على الأفضل والأكمل فتبعوه على ذلك مستسلمين له راضين به([60]).


.


3- وقال أبو عثمان الصابوني بعد ذكره خلافة الصديق باختيار الصحابة وإجماعهم عليه قال: ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه واتفاق الصحابة عليه بعده وإنجاز الله
سبحانه بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه وعده([61]).


.


4- وقال النووي في معرض ذكره لإجماع الصحابة على تنفيذ عهد الصديق بالخلافة

لعمر حيث قال: أجمعوا على اختيار أبي بكر وعلى تنفيذ عهده إلى عمر([62]).


.


5- وقال ابن تيمية: وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماماً لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم([63]).


.


6- وقال شارح الطحاوية: وتثبتت الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه وذلك بتفويض أبي بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه([64]).

ومن هذه النقول التي تقدم ذكرها تبين أن خلافة عمر رضي الله عنه تمت بإجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تلقوا عهد أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة لعمر بالقبول والتسليم ولم يعارض في ذلك أحد وكذا أجمعت الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة على ما أجمع عليه أصحاب رسول الله ولم يخالفهم إلا من لا يعتد بخلافه ممن ابتلي ببعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشيعة الرافضة ومن جرى في ركابهم ممن فتن بهم فإن اعترض معترض على إجماع الصحابة المتقدم ذكره بما رواه ابن سعد وغيره من أن بعض الصحابة سمعوا بدخول عبد الرحمن بن عوف وعثمان على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا؟ وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني أبالله تخوفني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت لك من وراءك([65])، والجواب عن هذا الانكار الصادر إن صح من هذا القائل ليس عن جهالة لتفضيل عمر بعد أبي بكر واستحقاقه للخلافة، وإنما كان خوفاً من خشونته وغلظته لا اتهاماً له في قوته وأمانته([66]).


.


رابعاً: خطبة الفاروق لما تولى الخلافة:

اختلف الرواة في أول خطبة خطبها الفاروق عمر، فقال بعضهم، إنه صعد المنبر فقال: اللهم إني شديد فليِّنِّي، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخِّني([67])، وروي إن أول خطبة كانت قوله: إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم بعد صاحبيّ، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فآلو فيه عن أهل الجزء – يعني الكفاية – والأمانة، والله لئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلنّ بهم، فقال من شهد خطبته ورواها عنه: فوالله ما زاد على ذلك حتى فارق الدنيا([68])، وروي أنه لما ولي الخلافة صعد المنبر وهمّ أن يجلس مكان أبي بكر فقال: ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلاً لمجلس أبي بكر. فنزل مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اقرؤوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم؛ إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف([69]).

ويمكن الجمع بين هذه الروايات إذا افترضنا أن عمر ألقى خطبته أمام جمع من الحاضرين فحفظ بعضهم منها جزءاً فرواه، وحفظ آخر جزءاً غيره فذكره، وليس من الغريب أن يمزج الفاروق في أول خطبة له بين البيان السياسي، والإداري والعظة الدينية، فذلك نهج هؤلاء الأئمة الأولين الذين لم يروا فارقاً بين تقوى الله والأمر بها وسياسة البشر تبعاً لمنهجه وشريعته، كما أنه ليس غريباً على عمر أن يراعي حق سلفه العظيم أبي بكر فلا يجلس في موضع كان يجلس فيه فيساويه بذلك في أعين الناس، فراجع عمر نفسه رضي الله عنه ونزل درجة عن مكان الصديق رضي الله عنه([70])، وفي رواية أخرى أنه بعد يومين من استخلافه تحدث الناس فيما كانوا يخافون من شدته، وبطشه، وأدرك عمر أنه لابد من تجليه الأمر بنفسه، فصعد المنبر وخطبهم فذكر بعض شأنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته، وكيف أنهما توفيا وهما عنه راضيان، ثم قال: … ثم إني قد وليت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي ولست أدع أحداً يظلم أحداً أو يتعدى عليه حتى أضع خدّه على الأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن للحق. وإني بعد شدتي تلك أضع خدي لأهل العفاف وأهل الكفاف، ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها؛ لكم علي أن لا أجتبي شيئاً من خراجكم، ولا مما أفاء الله عليكم إلا في وجهه، ولكم عليّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى وأسُدّ ثغوركم، ولكم عليّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمّركم([71]) في ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتقوا الله عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم([72])، وجاء في رواية: إنما مثل العرب مثل أنف اتبع قائده، فلينظر قائده حيث يقوده، أما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق([73]).

وفي هذه الروايات لخطبة عمر رضي الله عنه لما ولي الخلافة يتضح منهجه في الحكم الذي

لم يجد عنه، وأبرز ملامحه:


.


1- أنه ينظر إلى الخلافة على أنها ابتلاء ابتلي به سيحاسب على أداء حقه؛ فالحكم عند الراشدين تكليف وواجب وابتلاء، وليس جاهاً وشرفاً واستعلاء.


.


2- وهذا الاستخلاف يتطلب منه أن يباشر حمل أعباء الدولة فيما حضره من أمرها، وأن يولي على الرعية التي غابت عنه أفضل الأمراء وأكفأهم، غير أن ذلك – فيما يرى عمر – ليس كافياً لإبراء ذمته أمام الله تعالى؛ بل يرى أن مراقبة هؤلاء العمال والولاة فرض لا فكاك منه، فمن أحسن منهم زاده إحساناً، ومن أساء عاقبه ونكّل به([74])، وسيأتي بيان ذلك بإذن الله عن حديثنا مؤسسة الولاة، وفقه الفاروق في تطويرها.

.






.


3- إن شدة عمر التي هابها الناس سيخلصها لهم ليناً ورحمة، وسينصب لهم ميزان العدل، فمن ظلم وتعدى فلن يجد إلا التنكيل والهوان (( ولست أدع أحداً يظلم أحد ويتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض… )) أما من آثر القصد والدين والعفاف فسيجد من الرحمة ما لا مزيد عليه؛ أضع خدي لأهل العفاف([75])، وسيتّضح عدل عمر رضي الله عنه في رعيته من خلال المواقف واهتمامه بمؤسسة القضاء وتطويرها بحيث سيطر العدل على كل ولايات الدولة.


.


4- وتكفل الخليفة بالدفاع عن الأمة ودينها وأن يسد الثغور ويدفع الخطر، غير أن ذلك لن يتم بظلم المقاتلين، فلن يحبسهم في الثغور إلى حد لا يطيقونه، وإن غابوا في الجيوش فسيرعى الخليفة وجهازه الإداري أبناءهم وأسرهم([76])، ولقد قام الفاروق بتطوير المؤسسة العسكرية وأصبحت قوة ضاربة لا مثيل لها على مستوى العالم في عصره.


.


5- وتعهد الخليفة بأداء الحقوق المالية للرعية كاملة … من خراج وفيء، لا يحتجن منه شيئاً ولا يضعه في غير محله، بل سيزيد عطاياهم وأرزاقهم باستمرار الجهاد والغزو والحض على العمل وضبط الأداء المالي للدولة([77]) ، وقد قام بتطوير المؤسسة المالية، وضبط مصادر بيت المال وأوجه الإنفاق في الدولة.


.


6- وفي مقابل ذلك يطالب الرعية بأداء واجبها من النصح لخليفتها والسمع والطاعة له والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يشيع الرقابة الإسلامية في المجتمع.


.


7- ونبه إلى أنه لا يعين على ذلك إلا بتقوى الله ومحاسبة النفس واستشعار المسؤولية في الآخرة([78]).


.


8- علق الشيخ عبد الوهاب النجار على قول عمر رضي الله عنه: إنما مثل العرب كمثل جمل آنف بقوله:الجمل الآنف: هو الجمل الذلول المواتي الذي يأنف من الزجر والضرب ويعطي ما عنده من السير عفواً سهلاً وهذا تشخيص حسن للأمة الإسلامية لعهده فإنها كانت سامعة مطواعة إذا أمرت ائتمرت، وإذا نهيت انتهت. ويتبع ذلك المسؤولية الكبرى على قائدها فإنه يجب عليه أن يرتاد لها ويصدر في شأنه بعقل، ويورد بتمييز حتى لا يورطها في خطر، ولا يقحمها في مهلكة،
ولا يعمل شأنها إهمالاً يكون من ورائه البطر. وقد أراد بالطريق: الطريق الأقوم الذي لا عوج فيه. وقد برَّ بما أقسم به([79]).


.


9- سنة الله في الفظاظة والغلظة والرفق: مضت سنة الله في أحوال الناس واجتماعهم وفي إقبالهم على الشخص واجتماعهم عليه وقبولهم منه وسماعهم قوله وأنسهم به، أن ينفضوا عن الفظ الغليظ القلب حتى ولو كان ناصحاً مريداً للخير لهم حريصاً على ما ينفعهم([80]) وقد دل على هذا قول الله تعالى:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ … { (آل عمران، آية:159). ولذلك كان دعاء الفاروق لما تولى الخلافة: اللهم إني شديدٌ فليني، وقد استجاب الله هذا الدعاء، وامتلأت نفس عمر بالعطف والرحمة واللين وأصبحت من صفاته بعد توليته الخلافة، فقد عرف الناس عمر في عهدي الرسول وأبي بكر شديداً حازماً، وصوره لنا التاريخ على أنه الشخص الوحيد الذي مثل منذ دخل الإسلام حتى تولى الخلافة دور الشدة والقوة بجانب الرسول r وبجانب أبي بكر، حتى آلَ إليه الأمر انقلب رخاء ويسيراً ورحمة([81]).


.


10- كانت البيعة العامة في سيرة الخلفاء الراشدين مقيدة بأهل المدينة دون غيرهم. وربما حضرها وعقدها الأعراب والقبائل التي كانت محيطة بالمدينة، أو نازلة فيها، أما بقية الأمصار، فكانت تبعاً لما يتقرر في مدينة الرسول، وهذا لا يطعن بالبيعة، ولا يقلل من شرعيتها، لأن جمع المسلمين من كل الأقطار والأمصار كان أمراً مستحيلاً، ولا بد للدولة من قائم بها، ولا يمكن أن تعطل مصالح الخلق، أضف إلى ذلك أن الأمصار الأخرى قد أيدت في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان ما جرى في المدينة، تأييداً صريحاً أو ضميناً، ولا شك أن الأساليب التي لجأ إليها الناس في صدر الإسلام كانت تجارب تصب في حقل تطوير الدولة ومؤسساتها([82]) .


.


11- المرأة والبيعة: لم أجد أثناء البحث إشارة إلى أن المرأة قد بايعت في زمن أبي بكر وعمر وفي عصر الخلفاء الراشدين، ولم تشر كتب السياسة الشرعية القديمة إلى حق المرأة أو واجبها في البيعة – على حد علمي القاصر – والظاهر أن البيعة قد اقتصرت في معظم عصور التاريخ الإسلامي على الرجال دون النساء، فلا الرجال دعوها إليها، ولا هي طالبت بها، واعتبر تغيب المرأة عن البيعة أمراً طبيعياً، إلى درجة أن علماء الحقوق الدستورية الإسلامية لم يشيروا إليها في قليل ولا كثير غير أن هذا الواقع التاريخي والفقهي لا يغير من حقيقة الحكم الشرعي شيئاً، فليس في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية، وهما المصدران الرئيسيان للشريعة، ما يمنع المرأة من أن تشارك الرجل في البيعة([83]).


.



12- رد سبايا العرب: كان أول قرار اتخذه عمر في دولته رد سبايا أهل الردة إلى عشائرهم حيث قال: كرهت أن يكون السبي سنة في العرب([84]) ، وهذه الخطوة الجريئة ساهمت في شعور العرب جميعاً أنهم أمام شريعة الله سواء، وأنه لا فضل لقبيلة على قبيلة إلا بحسن بلائها وما تقدمه من خدمات للإسلام والمسلمين، وتلت تلك الخطوة خطوة أخرى هي السماح لمن ظهرت توبتهم من أهل الردة بالاشتراك في الحروب ضد أعداء الإسلام، وقد أثبتوا شجاعة في الحرب وصبراً عند اللقاء، ووفاءً للدولة لا يعدله وفاء([85]) .


.


13- تجذر منصب الخلافة في قلب الأمة وأصبح رمزاً للوحدة ولقوة المسلمين، ويرى الباحث القدرة الفائقة التي كان يتمتع به الصحابة الكرام، ومدى الأصالة في أعمالهم بحيث أن ما أقاموه في سويعات قليلة من نفس يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم احتاج هدمه إلى ربع قرن في المخطط البريطاني، رغم أن البريطانيين أنفسهم كانوا يطلقون على الخلافة في تلك الفترة الرجل العجوز، فأي شموخ هذا لتلك الخلافة، وأي رسوخ لها حيث تحتاج لهدمها - وبعد أن أصبحت شكلاً لا موضوعاً‌ - ربع قرن كامل، وبعد حياة استمرت قروناً من الزمن([86]).


.


14- الفرق بين الملك والخليفة: قال عمر رضي الله عنه: والله ما أدري أخليفة أم ملك، فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، فقال له قائل: إن بينهما فرقا، إن الخليفة لا يأخذ إلا حقاً، ولا يضعه إلا في حق، وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس، فيأخذ من هذا أو يعطي هذا، فسكت عمر([87]) ، وفي رواية: أن عمر سأل سلمان الفارسي: أملك أنا أم خليفة؟ فقال سلمان: إن أنت جبيت من الأرض درهماً أو أقل أو أكثر، ثم وضعته في غير موضعه فأنت ملك غير خليفة، فاستعبر عمر([88]) .
.

رد مع اقتباس
5 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:28 AM   رقم المشاركة : 4
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~



.

خامساً: الشورى:

إن من قواعد الدولة الإسلامية حتمية تشاور قادة الدولة وحكامها مع المسلمين والنزول على رضاهم ورأيهم، وإمضاء نظام الحكم بالشورى قال تعالى:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159) { (آل عمران، آية:159).

وقال تعالى: } وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(38) { (الشورى، آية:28). لقد قرنت الآية الكريمة الشورى بين المسلمين بإقامة الصلاة، فدل ذلك على أن حكم الشورى كحكم الصلاة، وحكم الصلاة واجبة شرعاً، فكذلك الشورى واجبة شرعاً([89])، وقد اعتمد عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى في دولته، فكان رضي الله عنه لا يستأثر بالأمر دون المسلمين ولا يستبد عليهم في شأن من الشؤون العامة، فإذا نزل به أمر لا يبرمه حتى يجمع المسلمين ويناقش الرأي معهم فيه ويستشيرهم.

ومن مأثور قوله: لا خير في أمر أبرم من غير شورى([90]) ، وقوله الرأي الفرد كالخيط السحيل والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض([91]) ،وقوله: (( شاور في أمرك من يخاف الله عز وجل)) ([92]) ، وقوله: الرجال ثلاثة: رجل ترد عليه الأمور فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي ورجل حائر بائر، لا يأتمر رشداً ولا يقطع مرشداً([93])، وقوله: يحق على المسلمين أن يكون أمرهم شورى بينهم وبين ذوي الرأي منهم، فالناس تبع لمن قام بهذا الأمر ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعاً لهم، ومن أقام بهذا الأمر تبع لأولى رأيهم ما رأوا لهم ورضوا به لهم من مكيدة في حرب كانوا فيه تبعاً لهم([94])، وكان يحث قادة حربه على الشورى، فعندما بعث أبا عبيد الثقفي لمحاربة الفرس بالعراق قال له: أسمع وأطع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر وخاصة من كان منهم من أهل بدر([95])، وكان يكتب إلى قادته بالعراق يأمرهم أن يشاوروا في أمورهم العسكرية عمرو بن معديكرب وطلحة الأسدي قائلاً: استشيروا واستعينوا في حربكم بطلحة الأسدي وعمرو بن معديكرب ولا تولهما من الأمر شيئاً فإن كل صانع أعلم بضاعته([96])، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص: وليكن عندك من العرب أول من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه والغاش عين عليك وليس عيناً لك([97])، ومما قاله عمر رضي الله عنه لعتبة بن غزوان حين وجهه إلى البصرة: قد كتبت إلى العلاء الحضرمي([98])، أن يمدك بعرفجة بن هرشمة([99])، وهو ذو مجاهدة للعدو ومكايدته فإذا قدم عليك فاستشره وقربه([100])، وكان مسلك الفاروق في الشورى جميلاً: فإنه كان يستشير العامة أول أمره فيسمع منهم، ثم يجمع مشايخ أصحاب رسول الله وأصحاب الرأي منهم ثم يفضي إليهم بالأمر ويسألهم أن يخلصوا فيه إلى رأي محمود، فما استقر عليه رأيهم أمضاه: وعمله هذا يشبه الأنظمة الدستورية في كثير من الممالك النظامية إذ يعرض الأمر على مجلس النواب مثلاً ثم بعد أن يقرر بالأغلبية يعرض على مجلس آخر يسمى في بعضها مجلس الشيوخ وفي بعضها مجلس اللوردات فإذا انتهى المجلس من تقريره أمضاه الملك. والفرق بين عمل عمر وعمل هذه الممالك أن هنا الأمر كان اجتهاداً منه وبغير نظام متبع أو قوانين مسنونة([101])، وكثيراً ما كان عمر يجتهد في الشيء ويبدي رأيه فيه ثم يأتي أضعف الناس فيبين له وجه الصواب وقوة الدليل فيقبله ويرجع عن خطأ ما رأى إلى صواب ما استبان له([102])، وقد توسع نطاق الشورى في خلافة عمر رضي الله عنه لكثرة المستجدات والأحداث وامتداد رقعة الإسلام إلى بلاد ذات حضارات وتقاليد ونظم متباينة فولدت مشكلات جديدة احتاجت إلى الاجتهاد الواسع مثل معاملة الأرض المفتوحة وتنظيم العطاء وفق قواعد جديدة لتدفع أموال الفتوح على الدولة، فكان عمر يجمع للشورى أكبر عدد من الصحابة الكبار([103])، وكان لأشياخ بدر لهم مكانتهم الخاصة في الشورى لفضلهم وعلمهم وسابقتهم إلا أن عمر رضي الله عنه أخذ يشوبهم بشباب، فإنهم على دربهم ماضون لأجلهم ورحمة ربهم ومغفرته والدولة لابد لها من تجديد رجالاتها وكان عمر العبقري الفذ قد فطن إلى هذه الحقيقة فأخذ يختار من شباب الأمة من علم منهم علماً وورعاً وتقى فكان عبد الله بن عباس من أولهم، وما زال عمر يجتهد متخيراً من شباب الأمة مستشارين له متخذاً القرآن فيصلاً في التخير حتى قال عبد الله بن عباس: وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً([104])، وقد قال الزهري لغلمان أحداث: لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم([105]). وقال محمد بن سيرين: إن كان عمر رضي الله عنه ليستشير في الأمر حتى إن كان ليستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذه وقد ثبت أنه استشار مرة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها([106]) وقد كان لعمر رضي الله عنه خاصة من علية الصحابة وذوي الرأي، منهم العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله، وكان لا يكاد يفارقه في سفر
ولا حضر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب([107])، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب وزيد بن ثابت([108])، ونظرائهم فكان يستشيرهم ويرجع إلى رأيهم([109])، وكان المستشارون يبدون آراءهم بحرية تامة وصراحة كاملة، ولم يتهم عمر رضي الله عنه أحداً منهم في عدالته وأمانته، وكان عمر رضي الله عنه يستشير في الأمور التي لا نص فيها من كتاب وسنة وهو يهدف إلى معرفة إن كان بعض الصحابة يحفظ فيها نصاً من السنة، فقد كان بعض الصحابة يحفظ منها ما لا يحفظه الآخرون، وكذلك كان يستشير في فهم النصوص المحتملة لأكثر من معنى لمعرفة المعاني والأوجه المختلفة، وفي هذين الأمرين قد يكتفي باستشارة الواحد أو العدد القليل، وأما في النوازل العامة فيجمع الصحابة، ويوسع النطاق ما استطاع كما فعل عند وقوع الطاعون بأرض الشام متوجهاً إليها([110])، وبلغ عمر خبره فوافاه الأمراء بسرغ موضع قرب الشام وكان مع عمر المهاجرون والأنصار، فجمعهم مستشيراً، أيمضي لوجهه، أم يرجع؟ فاختلفوا عليه: فمن قائل: خرجت لوجه الله فلا يصدنك عنه هذا. ومن قائل: إنه بلاء وفناء، فلا نرى أن تقدم عليه. ثم أحضر مهاجرة الفتح من قريش، فلم يختلفوا عليه، بل أشاروا بالعودة، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر([111]). فقال
أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟. فقال: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عدواتان إحداهما مخصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ فسمع بهم عبد الرحمن بن عوف، فجاءهم، وقال: إن النبي r قال: إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع ببلد وأنتم فيه فلا تخرجوا فراراً منه([112])، وكانت مجالات الشورى في عهد عمر متعددة منها في المجال الإداري والسياسي كاختيار العمال والأمراء، والأمور العسكرية، ومنها في المسائل الشرعية المحضة، كالكشف في الحكم الشرعي من حيث الحل والحرمة والمسائل القضائية([113]) وستتضح مجالات الشورى وتطبيقاتها وبحث عمر رضي الله عنه عن الدليل الأقوى من خلال هذا البحث كل في موضعه بإذن الله تعالى، والذي نحب أن نؤكد عليه أن الخلافة الراشدة كانت قائمة على مبدأ الشورى المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم تكن في عهد عمر فلتة استنبطها ولا بدعة أتى بها ولكنها قاعدة من قواعد المنهج الرباني.


.

سادساً: العدل والمساواة:

إن من أهداف الحكم الإسلامي الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلامي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم ومن أهم هذه القواعد العدل والمساواة، ففي خطاب الفاروق للأمة أقر هذه المبادئ، فعدالته ومساواته تظهر في نص خطابه الذي ألقاه على الأمة يوم توليه منصب الخلافة؛ ولا شك أن العدل في فكر الفاروق هو عدل الإسلام الذي هو الدعامة الرئيسية في إقامة المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي فلا وجود للإسلام في مجتمع يسوده الظلم ولا يعرف العدل.

إن إقامة العدل بين الناس أفراداً وجماعات ودولاً ليست من الأمور التطوعية التي تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه، بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين الإسلامي تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد اجتمعت الأمة على وجوب العدل([114])، قال الفخر الرازي أجمعوا على أن من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل([115]) .

وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية فإنّ من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلامي الذي تسود فيه قيم العدل والمساواة ورفع الظلم ومحاربته بكافة أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها دون أن يكلفه ذلك جهداً أو مالاً وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل التي من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إليه، وهذا
ما فعله الفاروق في دولته، فقد فتح الأبواب على مصاريعها لوصول الرعية إلى حقوقها، وتفقد بنفسه أحوالها، فمنعها من الظلم المتوقع عليها، وأقام العدل بين الولاة والرعية، في أبهى صورة عرفها التاريخ فقد كان يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ولا يهمه أن يكون المحكوم عليهم من الأقرباء أو الأعداء، أو الأغنياء أو الفقراء، قال تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(8) { (المائدة، آية:8).

لقد كان الفاروق قدوة في عدله أسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحاً منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل وبات من الصعب جداً على كل من عرف شيئاً يسيراً من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكبير عدة أسباب ومجموعة من العوامل منها:


.

1- أن مدة خلافته كانت أطول من مدة خلافة أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين اقتصرت خلافة أبي بكر على سنتين وعدة شهور فقط.


.

2- إنه كان شديد التمسك بالحق حتى إنه كان على نفسه وأهله أشد منه على الناس كما سنرى.


.

3- أن فقه القدوم على الله كان قوياً عنده لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس ويخشى الله ولا يخشى أحداً من الناس.


.

4- أن سلطان الشرع كان قوياً في نفوس الصحابة والتابعين بحيث كانت أعمال عمر تلقى تأييداً وتجاوباً وتعاوناً من الجميع([116]).

.






.


5- وهذه بعض مواقفه في إقامته للعدل والقسط بين الناس فقد حكم بالحق لرجل يهودي على مسلم، ولم يحمله كفر اليهودي على ظلمه والحيف عليه، أخرج الإمام مالك([117]) من طريق سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق([118]) ، وكان رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربني مائة سوط، قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك، فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فارضوه، فاقتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين([119]) ولو لم يرضوه لأقاده([120]) رضي الله عنه.

وجاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلاً:
يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال عذت معاذا قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو رضي الله عنهما يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه: فقدم عمر فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين؟ قال أنس: فضرب، فوالله، لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: اصنع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: منذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني([121]).

لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، … بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال([122]).

وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام قال تعالى:} يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13) { (الحجرات، آية:13).

إن الناس جميعاً في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس واللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع



سواء([123])، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهد وهذه بعض المواقف التي جسدت مبدأ المساواة في دولته:

- أصاب الناس في إمارة عمر رضي الله عنه سنة (جدب) بالمدينة وما حولها، فكانت تسقي إذا ريحت([124]) تراباً كالرماد، فسمي ذلك العام عام الرمادة، فآلى (حلف) عمر ألا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتى يحي الناس من أول الحياء، فقدمت السوق عُكَّة من سمن، ووطب من لبن، فاشتراهما غلام لعمر بأربعين، ثم أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، قد أبر الله يمينك، وعظم أجرك، قدم السوق وطب من لبن، وعكة من سمن، فاتبعناهما بأربعين، فقال عمر: أغليت بهما، فتصدق بهما، فإني أكره أن آكل إسرافاً، وقال عمر: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم([125])، هذا موقف أمير المؤمنين عام القحط الذي سمي عام الرمادة، ولم يختلف موقفه عام الغلاء، فقد: أصاب الناس سنة غلاء، فغلا السمن، فكان عمر يأكل الزيت، فتقرقر بطنه، فيقول: قرقر ما شئت، فو الله
لا تأكل السمن حتى يأكله الناس([126])، ولم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة للناس كافة، وإنما تعداه إلى شؤون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجاً، فصنع له صفوان بن أمية طعاماً، فجاؤوا بجفنه يحملها أربعة، فوضعت بين يدي القوم يأكلون وقام الخُدّام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضباً شديداً، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل، ثم قال للخدام: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين([127])، وكذلك فإن عمر رضي الله عنه لم يأكل من الطعام ما لا يتيسر لجميع المسلمين، فقد كان يصوم الدهر، فكان زمن الرمادة إذا أمسى أتى بخبز قد ثُرد بالزيت، إلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً([128])، فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأتي به، فإذا قديد من سنام ومن كبد، فقال: أنى هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، من الجزور التي نحرناها اليوم. فقال: بخ بخ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها، وأطعمت الناس كرادسها، ارفع هذه الجفنة، هات غير هذا الطعام، فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز([129]) ولم يكن عمر ليطبق مبدأ المساواة في المدينة وحدها، من غير أن يعلمه لعماله في الأقاليم، حتى في مسائل الطعام والشراب([130]) فعندما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان أتى بالخبيص، فلما أكله وجد شيئاً حلواً طيباً، فقال: والله لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا، فجعل له سفطين عظيمين، ثم حملهما على بعير مع رجلين، فسرّح بهما إلى عمر. فلما قدما عليه فتحهما، فقال: أي شيء هذا؟ قالوا: خبيص فذاقه، فإذا هو شيء حلو. فقال: أكل المسلمين يشبع من هذا في رحله؟ قال: لا. قال: أما لا فارددهما. ثم كتب إليه: أما بعد، فإنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك. أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك([131]).

ومن صور تطبيق المساواة بين الناس ما قام به عمر عندما جاءه مال فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدِّرة وقال إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك([132])، فإذا عرفنا أن سعداً كان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم للشورى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راضٍ عنهم، وأنه كان يقال له فارس الإسلام … عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة([133])، ويروي
ابن الجوزي أن عمرو بن العاص، أقام حد الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يوم كان عامله على مصر. ومن المألوف أن يقام الحد في الساحة العامة للمدينة، لتتحقق من ذلك العبرة للجمهور، غير أن عمرو بن العاص أقام الحد على ابن الخليفة في البيت، فلما بلغ الخبز عمر، كتب إلى عمرو ابن العاص: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاص: عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هو خير منك، واخترتك لجدالك عني، وإنفاذ عهدي، فأراك تلوثت بما قد تلوثت، فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع([134])، وقد تم إحضاره إلى المدينة وضربه الحد جهراً، روى ذلك ابن سعد وأشار إليه ابن الزبير، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولاً([135])، وهكذا نرى المساواة أمام الشريعة في أسمي درجاتها، فالمتهم هو ابن أمير المؤمنين، ولم يعفه الوالي من العقاب، ولكن الفاروق وجد أن ابنه تمتع ببعض الرعاية، فآلمه ذلك أشد الألم، وعاقب واليه – وهو فاتح مصر – أشد العقاب وأقساه. وأنزل بالابن ما يستحق من العقاب، حرصاً على حدود الله، ورغبة في تأديب ابنه وتقويمه وإذا كان هذا منهجه مع أقرب الناس عنده فما بالك بالآخرين؟([136]) ومن الأمثلة التاريخية الهامة التي يستدل بها المؤلفون على عدم الهوادة في تطبيق المساواة، ما صنعه عمر مع جبلة بن الأيهم وهذه هي القصه: كان جبلة آخر أمراء بني غسان من قبل هرقل، وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائماً على غزو الجزيرة العربية، وخاصة بعد نزول الإسلام. ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على الروم، أخذت القبائل العربية في الشام – تعلن إسلامها بدا للأمير الغساني أن يدخل الإسلام هو أيضاً، فأسلم وأسلم ذووه معه. وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء إلى المدينة وأقام بهازمنا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك – وهو حديث عهد بالإسلام – فلطم لطمة قاسية هشمت أنفه، وأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ماحل به وأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟


فأجاب بأنه قد ترفق كثيراً بهذا البدوي (وأنه لولا حرمة البيت الحرام لأخذت الذي فيه عيناه).

فقال له عمر : لقد أقررت، فأما أن ترضي الرجل وإما أن اقتص له منك.

وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك؟

فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.

فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية.

فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم ترضِ الرجل اقتصصت له منك.

فقال جبلة: إذا أتنصر.

فقال عمر: إن تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك([137]).

وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصراً، وندم بعد ذلك على هذا القرار أشد الندم، وصاغ ذلك في شعر جميل ما زال التاريخ يردده ويرويه وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعاً حياً وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة([138]).

لقد طبق عمر رضي الله عنه مبدأ المساواة الذي جاءت به شريعة رب العالمين وجعله واقعاً حياً يعيش ويتحرك بين الناس، فلم يتراجع أمام عاطفة الأبوة، ولم ينثنِ أم ألقاب النبالة، ولا تضيع أمام اختلاف الدين أو مجاملة الرجال الفاتحين، لقد كان ذلك المبدأ العظيم واقعاً حياً، شعر به كل حاكم ومحكوم، ووجده كل مقهور وكل مظلوم([139]) لقد كان لتطبيق مبدأ المساواة أثره في المجتمع الراشدي فقد أثر الشعور بها على نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصبية التقليدية، من الادعاء بالأولية والزعامة، والأحقية بالكرامة، وأزالت الفوارق الحسبية الجاهلية، ولم يطمع شريف في وضيع، ولم ييأس ضعيف من أخذ حقه، فالكل سواء في الحقوق والواجبات، لقد كان مبدأ المساواة في المجتمع الراشدي نوراً جديداً أضاء به الإسلام جنبات المجتمع الإسلامي وكان لهذا المبدأ الأثر القوي في إنشائه([140]).

.



رد مع اقتباس
6 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:30 AM   رقم المشاركة : 5
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~



.


سابعاً: الحريات:

مبدأ الحرية من المبادئ الأساسية التي قام عليها الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، ويقضى هذا المبدأ بتأمين وكفالة الحريات العامة للناس كافة ضمن حدود الشريعة الإسلامية وبما لا يتناقض معها، فقد كانت دعوة الإسلام لحرية الناس، جميع الناس دعوة واسعة وعريضة قلما تشتمل على مثلها دعوة في التاريخ، وكانت أول دعوة أطلقها في هذا المجال هي دعوته الناس في العديد من الآيات القرآنية لتوحيد الله والتوجه له بالعبادة وحده دون سائر الكائنات والمخلوقات، وفي دعوة التوحيد هذه كل معاني الحرية والاستقلال لبني الإنسان، أضف إلى ذلك أنّ الإسلام عرف الحرية بكل معانيها ومدلولاتها ومفاهيمها، فتارة تكون فعلاً إيجابياً كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتارة فعلاً سلبياً كالامتناع عن إكراه أحد في الدخول في الدين، وفي أحيان كثيرة يختلط معناها بمعنى الرحمة، والعدل والشورى والمساواة لأن كل مبدأ من هذه المبادئ التي نادى بها الإسلام لا يستقيم أمره ولا يمكن تحقيقه إلا بوجود الحرية، وقد أسهم مبدأ الحرية مساهمة فعالة إبان حكم الخلفاء الراشدين خاصة بانتشار الدين الإسلامي، وبتسهيل فتوحات المسلمين واتساع رقعة دولتهم لأن الإسلام كرم الإنسان وكفل حرياته على أوسع نطاق ولأن النظم السياسية الأخرى السائدة آنذاك في دولة الروم والفرس كانت أنظمة استبدادية وتسلطية، وفئوية قاسى بسببها الرعايا وبصورة خاصة المناوئون السياسيون والأقليات الدينية أشد درجات الكبت والاضطهاد والظلم، فعلى سبيل المثال كانت دولة الروم تفرض على الآخذين بالمذهب اليعقوبي ولا سيما في مصر والشام أن يدينوا بالمذهب الملكاني (دينها الرسمي) وكم أخذ المخالفون بالمشاعل توقد نيرانها ثم تسلط على أجسامهم حتى يحترقوا ويسيل الدهن من جوانبهم على الأرض، والجبابرة القساة يحملونهم حملاً على الإيمان بما أقره مجمع مقدونية أو يضعونهم في كيس مملوء بالرمال ثم يلقون بهم في أعماق البحار. وكذلك كانت دولة فارس في مختلف العصور تضطهد معتنقي الملل السماوية ولا سيما المسيحيين بعد ازدياد القتال عنفاً بينها وبين دولة الروم، وأما في الإسلام في زمن رسول الله، وعصر الخلفاء الراشدين، فقد كانت الحريات العامة المعروفة في أيامنا معلومة ومصانة تماماً([141])، وإليك بعض التفصيل عن الحريات في زمن الفاروق رضي الله عنه:



.

1- حرية العقيدة الدينية:

إن دين الإسلام لم يكره أحداً من الناس على اعتناقه، بل دعا إلى التفكر والتأمل في كون الله ومخلوقاته وفي هذا الدين وأمر اتباعه أن يجادلوا الناس بالتي هي أحسن، قال تعالى: } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ { (البقرة،آية:256). وقال تعالى: } فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ { (الشورى،آية:48). وقال تعالى: } ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125) { (النحل،آية:125).

وقال تعالى: } وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(46) { (العنكبوت،آية:46). والآيات في ذلك كثيرة ولذلك نجد الفاروق في دولته حرص على حماية الحرية الدينية ونلاحظ بأن عمر سار على هدي النبي والخليفة الراشد أبي بكر في هذا الباب فقد: أقرّ أهل الكتاب على دينهم؛ وأخذ منهم الجزية وعقد معهم المعاهدات كما سيأتي تفصيله، وخططت معابدهم ولم تهدم وتركت على حالها وذلك لقول الله تعالى: } وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا { (الحج،آية:40).

فحركة الفتوحات في عهد الفاروق التي قام بها الصحابة تشهد على احترام الإسلام للأديان الأخرى، وحرص القيادة العليا على عدم إكراه أحد في الدخول في الإسلام، حتى إن الفاروق نفسه جاءته ذات يوم امرأة نصرانية عجوز كانت لها حاجة عنده فقال لها: أسلمي تسلمي؛ إن الله بعث محمداً بالحق، فقالت: أنا عجوز كبيرة، والموت إليَّ أقرب، فقضى حاجتها، ولكنه خشي أن يكون في مسلكه هذا ما ينطوي على استغلال حاجتها لمحاولة إكراهها على الإسلام، فاستغفر الله مما فعل وقال: اللهم إني أرشدت ولم أكره([142])، وكان لعمر رضي الله عنه عبد نصراني اسمه (أشق) حدّث فقال: كنت عبداً نصرانياً لعمر، فقال أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم، فأبيت فقال: (لا إكراه في الدين). فلما حضرته الوفاة أعتقني وقال: اذهب حيث شئت([143])، وقد كان أهل الكتاب يمارسون شعائر دينهم وطقوس عبادتهم في معابدهم وبيوتهم، ولم يمنعهم أحد من ذلك لأن الشريعة الإسلامية حفظت لهم حق الحرية في الاعتقاد، وقد أورد الطبري في العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيليا (القدس) ونص فيه على إعطاء الأمان لأهل إيلياء على أنفسهم وأموالهم وصلبانهم وكنائسهم([144])،وكتب والي عمر بمصر عمرو بن العاص لأهل مصر عهداً جاء فيه؛ بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم وأكد ذلك العهد بقوله: على ماضي هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين([145])، وقد اتفق الفقهاء([146])، على أن لأهل الذمة
لهم ممارسة شعائرهم الدينية وأنهم لا يمنعون من ذلك مالم يظهروا، فإن أرادوا ممارسة شعائرهم إعلاناً وجهراً كإخراجهم الصلبان يرون منعهم من ذلك في أمصار المسلمين، وعدم منعهم في بلدانهم وقراهم([147]).

يقول الشيخ الغزالي عن كفالة الإسلام لحرية المعتقد إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض، لم يعرف لها نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار، مثل ما صنع الإسلام([148]).


لقد حرص الفاروق على تنفيذ قاعدة حرية الاعتقاد في المجتمع ولخص سياسته حيال النصارى واليهود بقوله: وإنما أعطيناهم العهد على أن نخلي بينهم وبين كنائسهم يقولون فيها ما بدا لهم، وأن لا نحملهم ما لا يطيقون، وإن أرادهم عدوهم بسوء قاتلنا دونهم، وعلى أن نخلي بينهم وبين أحكامهم، إلا أن يأتوا راضين بأحكامنا فنحكم بينهم وإن غيبوا عنا لم نتعرض لهم([149]).

وقد ثبت عن عمر أنه كان شديد التسامح مع أهل الذمة، حيث كان يعفيهم من الجزية عندما يعجزون عن تسديدها، فقد ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن عمر – رضي الله عنه – مر بباب قوم وعليه سائل يسأل – شيخ كبير ضرير البصر – فضرب عضده من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل([150])، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه([151])، وقد كتب إلى عماله معمّماً عليهم هذا الأمر([152]) وهذه الأفعال تدل على عدالة الإسلام وحرص الفاروق أن تقوم دولته على العدالة والرفق برعاياها ولو كانوا من غير المسلمين، وقد بقيت الحرية الدينية معلماً بارزاً في عصر الخلافة الراشدة، مكفولة من قبل الدولة، ومصانه بأحكام التشريع الرباني.



.

2- حرية التنقل أو حرية الغدو والرواح:

حرص الفاروق على هذه الحرية حرصاً شديداً ولكنه قيدها في بعض الحالات الاستثنائية التي استدعت ضرورة لذلك، أما الحالات الاستثنائية التي جرى فيها تقييد حرية التنقل أو حرية المأوى فهي قليلة جداً، ويكفينا أن نشير إلى الحالتين نظراً لأهميتها:


.

أ‌- أمسك عمر كبار الصحابة في المدينة ومنعهم من الذهاب إلى الأقطار المفتوحة إلا بإذن منه أو لمهمة رسمية كتعيين بعضهم ولاة أو قادة للجيوش وذلك حتى يتمكن من أخذ مشورتهم والرجوع إليها فيما يصادفه من مشاكل في الحكم ويحول في الوقت نفسه دون وقوع أية فتنة أو انقسام في صفوف المسلمين في حال خروجهم للأمصار واستقرارهم فيها([153])، فقد كان من حكمته السياسية ومعرفته الدقيقة لطبائع الناس ونفسيتهم، أنه حصر كبار الصحابة في المدينة، وقال: أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد([154])، وكان يعتقد أنه إذا كان التساهل في هذا الشأن، نجمت الفتنة في البلاد المفتوحة، والتفَّ الناس حول الشخصيات المرموقة، وثارت حولها الشبهات، وكثرت القيادات والرايات، وكان من أسباب الفوضى([155])، لقد خشي عمر رضي الله عنه: من تعدد مراكز القوى السياسية والدينية داخل الدولة الإسلامية، حيث يصبح لشخص هذا الصحابي الجليل أو ذاك هالة من الإجلال والاحترام على رأيه، ترقى به إلى مستوى القرار الصادر من السلطة العامة، وتجنباً لتعدد مراكز القوى، وتشتت السلطة، فقد رأى عمر إبقاء كبار الصحابة، داخل المدينة يشاركونه في صناعة القرار، ويتجنبون فوضى الاجتهاد الفردي، ولولا هذا السند الشرعي لكان القرار الصادر عن عمر – رضي الله عنه – غير مجد ولا ملزم لافتقاده لسببه الشرعي الذي يسوغه؛ إذ التصرف على الرعية منوط بالمصلحة([156]).


.

ب‌- وأما الحالة الثانية فقد حصلت عندما أمر عمر بإجلاء نصارى نجران ويهود خيبر من قلب البلاد العربية إلى العراق والشام وسبب ذلك أن يهود خيبر ونصارى نجران لم يلتزموا بالعهود والشروط التي أبرموها مع رسول الله r وجددوها مع الصديق، فقد كانت مقرات يهود خيبر ونصارى نجران أوكاراً للدسائس والمكر فكان لا بد من إزالة تلك القلاع الشيطانية، وإضعاف قواتهم، أما بقية النصارى واليهود، كأفراد فقد عاشوا في المجتمع المدني يتمتعون بكافة حقوقهم، روى البيهقي في سننه وعبد الرزاق بن همام الصنعاني في مصنفه عن ابن المسيب وابن شهاب: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب. قال مالك، قال ابن شهاب: ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فأجلى يهود خيبر. قال مالك: قد أجلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يهود نجران وفدك([157]).

لقد كانت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للصحابة يقيناً ولذلك لم يستطع اليهود
ولا نصارى نجران أن يلتزموا بعهودهم مع المسلمين لشدة عداوتهم وبغضهم وحسدهم للإسلام والمسلمين، فاليهود في خيبر كان من أسباب إجلائهم ما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: لما فدع([158]) أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عامل يهود خيبر على أموالهم وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيره هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا – محمد صلى الله عليه وسلم – وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك([159])، ليلة بعد ليلة؟ فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم فقال: كذبت ياعدو الله. فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك([160]) لقد غدر اليهود ونقضوا عهودهم، فكان طبيعياً أن يخرجوا من جزيرة العرب تنفيذاً لوصية رسول الله فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا، وأما نصارى نجران فلم يلتزموا بالشروط والعهود التي أبرموها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجددوها مع الصديق؛فأخلوا ببعضها وأكلوا الربا وتعاملوا به، فأجلاهم الفاروق من نجران إلى العراق وكتب لهم: أما بعد .. فمن وقع به من أمراء الشام أو العراق فليوسعهم خريب الأرض([161])، وما اعتملوا من شيء فهو لهم لوجه الله وعقب من أرضهم (( فأتوا العراق فاتخذوا النجرانية وهي قرية بالكوفة([162])، وذكر أبو يوسف أن الفاروق خاف من النصارى على المسلمين([163])، وبذلك تتجلى سياسة الفاروق فيما فعل من إخراجهم بعد توفر أسباب أخرى إضافة إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتجلى فقه الفاروق في توجيه الضربات المركزة إلى مقرات اليهود في خيبر، والنصارى في نجران بعد أن وجد المبررات اللازمة لإخراجهم من جزيرة العرب بدون ظلم أو عسف أو جور، وهكذا منع أوكار الدسائس والمكر من أن تأخذ نفساً طويلاً للتخطيط من أجل القضاء على دولة الإسلام الفتية.



.

3- حق الأمن، وحرمة المسكن، وحرية الملكية:

إن الإسلام أقر حق الأمن في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، قال تعالى:} فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ { (البقرة، آية:193). وقال أيضاً: } فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ { (البقرة، آية194). وقد عرف الإسلام أيضاً حق الحياة الذي هو أوسع من حق الأمن، لأن هذا الأخير يتضمن فعلاً سلبياً من جانب الدولة يعبر عنه بالامتناع عن الاعتداء أو التهديد في حين أن حق الحياة يتضمن علاوة على ذلك فعلاً إيجابياً وهو حماية الإنسان ودمه من أي اعتداء أو تهديد ويجعل هذه الحماية مسؤولية عامة ملقاة على عاتق الناس كافة، لأن الاعتداء بدون حق على أحدهم هو بمثابة الاعتداء عليهم جميعاً([164])، قال تعالى: } مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا { (المائدة،آية:32). ومن المنطلق القرآني والممارسة النبوية تكفل الفاروق في عهده للأفراد بحق الأمن وحق الحياة وسهر على تأمينهما وصيانتهما من أي عبث أو تطاول وكان الفاروق رضي الله عنه يقول: (إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم ويشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم فمن ظلمه عامله بمظلمة فليرفعها إليَّ حتى أقصه منه([165])، وجاء عن عمر أيضاً قوله: ليس الرجل بمأمون على نفسه أن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه([166])، وقوله هذا يدل على عدم جواز الحصول على الإقرار والاعتراف من مشتبه به في جريمة تحت الضغط أو التهديد سواء أكانت الوسيلة المستعملة بذلك مادية (كحرمانه من عطائه أو مصادرة أمواله) أو معنوية (كاللجوء إلى تهديده أم تخويفه بأي نوع من العقاب) وجاء في كتابه لأبي موسى الأشعري بصفته قاضياً: واجعل للمدعي حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك أنفى للشك)([167]) وهذا القول يدل على أن حق الدفاع كان محترماً ومصاناً([168])، وفيما يتعلق بحرمة المسكن، فإن الله سبحانه حرم دخول البيوت والمساكن بغير موافقة أهلها أو بغير الطريقة المألوفة لدخولها، فقال سبحانه بهذا الشأن} لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) 0فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ { (النور، آية: 27-28).

وقال أيضاً} وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا { (البقرة: 189)، كما قال:
}ولا تَجسَّسُوا { وقد كانت حرمة المسكن مكفولة ومصانة في عهد الفاروق وعصر الخلفاء الراشدين([169])، وأما حرية الملكية فقد كانت مكفولة ومصانة في عصر الراشدين ضمن أبعد الحدود التي تقرها الشريعة الإسلامية في هذا المجال فحين اضطر عمر رضي الله عنه، لأسباب سياسية وحربية بإجلاء نصارى نجران ويهود خيبر من قلب شبه الجزيرة العربية، إلى العراق والشام أمر بإعطائهم أرضاً كأرضهم في الأماكن التي انتقلوا إليها احتراماً منه وإقراراً لحق الملكية الفردية الذي يكفله الإسلام لأهل الذمة مثلما يكفله للمسلمين([170])، وعندما اضطر عمر إلى نزع ملكية بعض الدور من أجل العمل على توسيع المسجد الحرام في مكة، ولم يكن دفعه للتعويض العادل إلا اعترافاً منه وإقراراً بحق الملكية الفردية التي لا يجوز مصادرتها حتى في حالة الضرورة إلا بعد إنصاف أصحابها([171])، وحرية الملكية لم تكن في عهد الراشدين مطلقة وإنما هي مقيدة بالحدود الشرعية وبمراعاة المصلحة العامة، فقد روي أن بلالاً بن الحارث المزني جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يستقطعه أرضاً، فأقطعه أرضاً طويلة عريضة، فلما آلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه، قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً طويلة عريضة فقطعها لك، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنع شيئاً يسأله، وأنت لا تطيق ما في يدك فقال أجل: فقال عمر: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه، وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين، فقال لا أفعل والله شيئاً أقطعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: والله لتفعلن، فأخذ عمر ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين([172]) وهنا يدل على أن الملكية الفردية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصلحة الجماعة فإن أحسن المالك القيام بما يتطلبه معنى الاستخلاف في الرعاية والاستثمار فليس لأحد أن ينازعه ملكه، وإلا فإن لولي الأمر أن يتصرف بما يحول دون إهماله([173]).


.






.


4- حرية الرأي:

كفل الإسلام للفرد حرية الرأي كفالة تامة، وقد كانت هذه الحرية مؤمنة ومصانة في عهد الخلفاء الراشدين، فكان عمر رضي الله عنه يترك الناس يبدون آراءهم السديدة ولا يقيدهم ولا يمنعهم من الإفصاح عما تكنه صدورهم([174])، ويترك لهم فرصة الاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها، فعن عمر أنه لقي رجلاً فقال: ما صنعت؟ قال؟ قضى علي وزيد بكذا قال: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال: فما منعك والأمر إليك؟ قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لفعلت، ولكني أردك إلى رأي، والرأي مشترك ما قال علي وزيد([175])، وهكذا ترك الفاروق الحرية للصحابة يبدون آراءهم في المسائل الاجتهادية ولم يمنعهم من الاجتهاد ولم يحملهم على رأي معين([176])، وكان النقد أو النصح للحاكم في عهد الفاروق والخلفاء الراشدين مفتوحاً على مصراعيه، فقد قام الفاروق رضي الله عنه يخطب فقال: أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه، فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه([177])، وقد جاء في خطبة عمر لما تولى الخلافة: أعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة([178])، واعتبر الفاروق ممارسة الحرية السياسية البناءة (النصيحة) تعد واجباً على الرعية ومن حق الحاكم أن يطالب بها: أيها الرعية إن لنا عليكم حقاً: النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير([179])، وكان يرى أن من حق أي فرد في الأمة أن يراقبه ويقوم اعوجاجه ولو بحد السيف إن هو حاد عن الطريق، فقال: أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه([180])، وكان يقول: أحب الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي([181])، وقال أيضاً: إني أخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تهيباً مني([182])، وجاءه يوماً رجل فقال له على رؤوس الأشهاد: اتق الله يا عمر: فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها([183])، ووقف ذات يوم يخطب في الناس فما كاد يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا) حتى قاطعه أحدهم قائلاً: لا سمع ولا طاعة يا عمر، فقال عمر بهدوء: لم يا عبد الله؟ قال: لأن كلاً منا أصابه قميص واحد من القماش لستر عورته. فقال له عمر: مكانك، ثم نادى ولده عبد الله بن عمر، فشرح عبد الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش ليكمل به ثوبه، فاقتنع الصحابة وقال الرجل في احترام وخشوع: الآن السمع والطاعة يا أمير المؤمنين([184]) وخطب ذات يوم، فقال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي القصة –يعني يزيد بن الحصين- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة معترضة على ذلك: ما ذاك لك قال: ولم؟ قالت: لأن الله تعالى قال: } وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا(20) { (النساء،آية:20). فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ([185])، وجاء في رواية: أنه قال: اللهم غفراً كل إنسان أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت به نفسه فليفعل([186]) وليست حرية الرأي مطلقة في نظر الشريعة فليس للإنسان أن يفصح في كل ما يشاء، بل هي مقيدة بعدم مضرة الآخرين بإبداء الرأي، سواء كان الضرر عاماً أو خاصاً، ومما منعه عمر رضي الله عنه وحظره وقيده.


.

أ‌) الآراء الضالة المضلة في الدين واتباع المتشابهات: ومن ذلك قصة النبطي الذي أنكر القدر بالشام([187]) فقد اعترض على عمر –رضي الله عنه- وهو يخطب بالشام حينما قال عمر: ومن يضلل الله فلا هادي له، فاعترض النبطي منكراً للقدر، قائلاً: إن الله لا يضل أحداً! فهدده عمر بالقتل إن أظهر مقولته القدرية مرة أخرى([188])، وعن السائب بن يزيد أنه قال: أتى رجل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين: } وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا(1) فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا(2) { (الذاريات،آية:21) فقال عمر –رضي الله عنه- أنت هو؟ فقام إليه وحسر([189])، عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه، واحملوه على قِتْب([190])، ثم اخرجوا حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: إن صبيغاً([191])،ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك([192]).



.

ب) والوقوع في أعراض الناس بدعوى الحرية:

وقد حبس عمر –رضي الله عنه- الحطيئة([193]) من أجل هجائه الزبرقان بن بدر([194]) بقوله:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي([195])

لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسين([196]) وقد توعد عمر الحطيئة بقطع لسانه إذا تمادى في هجو المسلمين ونهش أعراضهم، وقد استعطفه الحطيئة وهو في سجنه بشعر منه قوله:


ماذا أقول لأفراخ بذي مرخ
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
أنت الأمير الذي من بعد صاحبه


زغب الحواصل لا ماء ولا شجر فاغفر عليك سـلام الله يا عمر
ألقى إليك مقاليد النهى البشـر

فرق له قلب عمر وخلى سبيله، وأخذ عليه ألا يهجو أحداً من المسلمين([197])، وقد ورد أن الفاروق اشترى أعراض المسلمين من الحطيئة بمبلغ ثلاثة آلاف درهم حتى قال ذلك الشاعر:


أخذت أطراف الكلام فلم تدع
ومنعتني عرض البخيل فلم يخف


شتما يضر ولا مديحاً ينفع
شتمي وأصبح آمنا لا يفزع([198])

5- رأي عمر في الزواج بالكتابيات:

لما علم عمر رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان تزوج يهودية كتب إليه: خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن: وفي رواية إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات([199]).

قال أبو زهرة: (يجب أن نقرر هنا أن الأولى للمسلم ألا يتزوج إلا مسلمة لتمام الألفة من كل وجه ولقد كان عمر –رضي الله عنه- ينهى عن الزواج بالكتابيات إلا لغرض سام كارتباط سياسي يقصد به جمع القلوب وتأليفها أو نحو
ذلك ...) ([200]).

لقد بين المولى عز وجل في كتابه بأن الزواج بالمؤمنة ولو كانت أمة أولى من الزواج بالمشركة ولو كانت حرة قال تعالى: } وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(221) { (البقرة،آية:221)، ففي هذه الآيات الكريمة ينهى الحق سبحانه وتعالى عن الزواج بالمشركات حتى يؤمن بالله ويصدقن نبيه، وحكم بأفضلية الأمة المؤمنة بالله ورسوله -وإن كانت سوداء رقيقة الحال- على المشركة الحرة وإن كانت ذات جمال وحسب ومال، ويمنع في المقابل المؤمنات من الزواج بالمشركين ولو كان المشرك أحسن من المؤمن في جماله وماله وحسبه([201])، وإذا كان الزواج بالمشركة حراماً بنص هذه الآية فإن الزواج بالكتابية جائز بنص آخر وهو قوله تعالى:
} وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ{ (المائدة،آية:5) وهو نص مخصص للعموم في النص الأول، هذا هو رأي الجمهور([202])، إلا أنهم قالوا إن الزواج بالمسلمة أفضل، هذا فيما إذا لم تكن هنالك مفاسد تلحق الزوج أو الأبناء أو المجتمع المسلم، أما إن وجدت مفاسد فإن الحكم هو المنع، وهذا ماذهب إليه بعض العلماء المعاصرين([203])، وهو رأي سبق إليه عمر بن الخطاب: إذ هو أول من منع الزواج بالكتابيات مستنداً في ذلك إلى حجتين:

أ‌- لأنه يؤدي إلى كساد الفتيات المسلمات وتعنيسهن.

ب‌- لأن الكتابية تفسد أخلاق الأولاد المسلمين ودينهم وهما حجتان كافيتان في هذا المنع، إلا أنه إذا نظرنا إلى عصرنا فإننا سنجد مفاسد أخرى كثيرة استجدت تجعل هذا المنع أشد([204])، وقد أورد الأستاذ جميل محمد مبارك مجموعة من هذه المفاسد منها:

أ‌- قد تكون للزوجة من أهل الكتاب مهمة التجسس على المسلمين.

ب‌- دخول عادات الكفار إلى بلاد المسلمين.

ت‌- تعرض المسلم للتجنس بجنسية الكفار.

ث‌- جهل المسلمين المتزوجين بالكتابيات مما يجعلهم عجينة سهلة التشكيل في يد الكتابيات.

ج‌- شعور المتزوجين بالكتابيات بالنقص وهو أمر أدى إليه الجهل بدين الله([205]).



وهي مفاسد كافية للاستدلال على حرمة الزواج بالكتابية في عصرنا.

إن القيود التي وضعها عمر على الزواج بالكتابيات تنسجم مع المصالح الكبرى للدولة والأهداف العظمى للمجتمعات الإسلامية، فقد عرفت الأمم الواعية ما في زواج أبنائها بالأجنبيات من المضار، وما يجلبه هذا الزواج من أخطار تعيب الوطن عفواً أو قصداً، فوضعت لذلك قيوداً وبالذات للذين يمثلونها في المجالات العامة، وهو احتياط له مبرراته الوجيهة، فالزوجة تعرف الكثير من أسرار زوجها إن لم تكن تعرفها كلها، على قدر ما بينهم من مودة وانسجام، ولقد كان لهذه الناحية من اهتمام عمر رضي الله عنه مقام الأستاذية الحازمة الحاسبة لكل من جاء بعده كحاكم على مر الزمان، إن الزواج من الكتابيات فيه مفاسد عظيمة، فإنهن دخيلات علينا ويخالفننا في كل شيء، وأكثرهن يبقين على دينهن، فلا يتذوقن حلاوة الإسلام وما فيه من وفاء وتقدير للزوج، قدر عمر كل ذلك بفهمه لدينه، وبصائب تقديره، لطبائع البشر، وبحسن معرفته لما ينفع المسلمين وما يضرهم، فأصدر فيه أوامره وعلى الفور وفي حسم([206]) لقد كانت الحرية في العهد الراشدي مصونة ومكفولة ولها حدودها وقيودها ولذلك ازدهر المجتمع وتقدم في مدار الرقي، فالحرية حق أساسي للفرد والمجتمع، يتمتع بها في تحقيق ذاته وإبراز قدراته، وسلب الحرية من المجتمع سلب لأهم مقوماته فهو أشبه بالأموات.

إن الحرية في الإسلام إشعاع داخلي ملأ جنبات النفس الإنسانية بارتباطها بالله، فارتفع الإنسان بهذا الارتباط إلى درجة السمو والرفعة، فأصبحت النفس تواقة لفعل الصالحات والمسارعة في الخيرات ابتغاء رب الأرض والسماوات، فالحرية في المجتمع الإسلامي دعامة من دعائمه تحققت في المجتمع الراشدي في أبهى صور انعكست أنوارها على صفحات الزمان([207]).

.


رد مع اقتباس
7 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:31 AM   رقم المشاركة : 6
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~



.

ثامناً: نفقات الخليفة، والبدء بالتاريخ الهجري ولقب أمير المؤمنين:

1- نفقات الخليفة:

لما كانت الخلافة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن من يتولاها ويحسن فيها فإنه يرجى له مثوبته، وجزاؤه عند الله سبحانه وتعالى، فإنه يجازي المحسن، بإحسانه، والمسيء بإساءته([208])، قال تعالى: } فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ(94) { (الأنبياء،آية:94) ذلك بالنسبة للجزاء الأخروي، وأما بالنسبة للجزاء الدنيوي فإن الخليفة الذي يحجز منافعه الصالحة للأمة، ويعمل على أداء الواجب نحوها يستحق عوضاً على ذلك، إذ أن المنافع إذا حجزت قوبلت بعوضين([209])، فالقاعدة الفقهية أن كل محبوس لمنفعة غيره يلزمه نفقته، كمفت وقاض ووال([210])، وأخذ العوض على تولي الأعمال مشروع بإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم العمال([211]) لمن ولاه عملاً([212]) ولما ولي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد
أبي بكر مكث زماناً، لا يأكل من بيت المال شيئاً حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة، لم يعد يكفيه ما يربحه من تجارته، لأنه اشتغل عنها بأمور الرعية، فأرسل إلى أصحاب رسول الله فاستشارهم في ذلك فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر فما يصلح لي فيه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل([213])، وقال عمر لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء، فأخذ عمر بذلك، وقد بين عمر حظه من بيت المال فقال: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم، إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف([214])، وجاء في رواية أن عمر خرج على جماعة من الصحابة فسألهم
ما ترونه يحل لي من مال الله؟ أو قال: من هذا المال؟ فقالوا: أمير المؤمنين أعلم بذلك منا، قال إن شئتم أخبرتكم ما أستحل منه، ما أحج وأعتمر عليه من الظهر، وحلتي في الشتاء وحلتي في الصيف، وقوت عيالي شبعهم، وسهمي في المسلمين، فإنما أنا رجل من المسلمين، قال معمر: وإنما كان الذي يحج عليه ويعتمر بعيراً واحداً([215])، وقد ضرب الخليفة الراشد الفاروق للحكام أروع الأمثلة في أداء الأمانة فيما تحت أيديهم، فقد روى أبو داود عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ذكر عمر بن الخطاب يوماً الفيء فقال: ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا بأحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسول الله r فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته([216])، وعن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعجبته هيئته ونحوه، فقال: يا أمير المؤمنين إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت -وكان أكل طعاماً غليظاً- فرفع عمر جريدة كانت معه فضرب بها رأسه، ثم قال: أما والله ما أراك أردت بها الله، ما أردت بها إلا مقاربتي، وإن كنت لعلّها: لأحسب أن فيك خيراً، ويحك هل تدري مثلي ومثل هؤلاء؟ قال: وما مثلك ومثلهم، قال مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال فذلك مثلي ومثلهم([217])، وقد استنبط الفقهاء من خلال الهدى النبوي والعهد الراشدي مجموعة من الأحكام تتعلق بنفقات الخليفة منها:


.

أ‌- أنه يجوز للخليفة أن يأخذ عوضاً عن عمله، وقد نص النووي([218])، وابن العربي([219])، والبهوتي([220])، وابن مفلح([221]) على جواز ذلك.


.

ب‌- وأن الخليفتين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد أخذا رزقاً على ذلك.


.

ث- وأن أخذ الرزق هو مقابل انشغالهما في أمور المسلمين كما قاله
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.


.

ت‌- وأن الخليفة له أن يأخذ ذلك سواء كان بحاجة إليه أولا، ويرى ابن المنير([222])، أن الأفضل له أن يأخذ، لأنه لو أخذ كان أعون في عمله مما لو ترك، لأنه بذلك يكون مستشعراً بأن العمل واجب عليه([223]).


.

2- بدء التاريخ:

يعد التاريخ بالهجرة تطوراً له خطره في النواحي الحضارية، وكان أول من وضع التاريخ بالهجرة عمر، ويحكى في سبب ذلك عدة روايات، فقد جاء عن ميمون بن مهران أنه قال: دُفع إلى عمر رضي الله عنه صَكٌ محله في شعبان، فقال عمر: شعبان هذا الذي مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه، ثم جمع أصحاب رسول الله r فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه، فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم فقيل: إنه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين، فقال قائل: اكتبوا تاريخ الفرس قالوا: كلما قام ملك طرح ما كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله بالمدينة فوجدوه أقام عشرة سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ([224])، وعن عثمان بن عبيد الله([225])، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فقال: متى نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك، يعني من يوم هاجر، قال: فكتب ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه([226])، وعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة على بن أبي طالب رضي الله عنه([227])، وقال أبو الزناد([228]): استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة([229])، وروى ابن حجر في سبب جعلهم بداية التاريخ في شهر محرم وليس في ربيع الأول الشهر الذي تمت فيه هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحابة الذين أشاروا على عمر وجدوا أن الأمور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة، هي مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، ووجدوا أن المولد والمبعث لا يخلو من النزاع في تعيين سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى عند المسلمين، فلم يبق إلا الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان من المحرم، إذ وقعت بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال محرم، فناسب أن يُجعل مبتدأ.. ثم قال ابن حجر: وهذا أنسب ما وقعت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم([230]).


وبهذا الحدث الإداري المتميز أسهم الفاروق في إحداث وحدة شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في شبه الجزيرة، حيث ظهرت وحدة العقيدة بوجود دين واحد، ووحدة الأمة بإزالة الفوارق، ووحدة الاتجاه باتخاذ تاريخ واحد، فاستطاع أن يواجه عدوه وهو واثق من النصر([231]).


.

3- لقب أمير المؤمنين:

لما مات أبو بكر رضي الله عنه وكان يدعى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المسلمون: من جاء بعد عمر قيل له: خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطول هذا، ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة، يُدْعى به من بعده من الخلفاء، فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدعي عمر أمير المؤمنين فهو أول من سمي بذلك([232])، وعن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سأل
أبا بكر ابن سليمان بن أبي خيثمة([233])، لم كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب من
أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم كان عمر رضي الله عنه يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر ومن أول من كتب أمير المؤمنين فقال: حدثتني جدتي الشفاء([234])، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر إذا دخل السوق دخل عليها قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عامل بالعراق([235])، أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: (ياعمرو استأذن لنا على أمير المؤمنين، فدخل عمرو فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا بن العاص؟ لتخرجن مما قلت: قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، إنه أمير ونحن المؤمنون، فجرى الكتاب من ذلك اليوم([236])، وفي رواية: أن عمر رضي الله عنه قال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم فهو سمى نفسه([237])، وبذاك يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من سمي بأمير المؤمنين

وأنه لم يسبق إليه، وإذا نظر الباحث في كلام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن جميعهم قد اتفقوا على تسميته بهذا الاسم وسار له في جميع الأقطار في حال ولايته([238]).

المبحث الثاني: صفات الفاروق، وحياته مع أسرته، واحترامه لأهل البيت:


.

أولاً: أهم صفات الفاروق:

إن مفتاح شخصية الفاروق إيمانه بالله تعالى والاستعداد لليوم الآخر وكان هذا الإيمان سبباً في التوازن المدهش والخلاّب في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولذلك لم تطغ قوته على عدالته، وسلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه وأصبح مستحقاً لتأييد الله وعونه، فقد حقق شروط كلمة التوحيد، من العلم واليقين، والقبول، والانقياد، والإخلاص والمحبة وكان على فهم صحيح لحقيقة الإيمان وكلمة التوحيد فظهرت آثار إيمانه العميق في حياته والتي من أهمها:


.






.


1- شدة خوفه من الله تعالى بمحاسبته لنفسه:

كان رضي الله عنه يقول: أكثروا من ذكر النار، فإن حرّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامها حديد([239])، وجاء ذات يوم أعرابي، فوقف عنده وقال:

يا عمر الخير جزيت الجنة

جهِّز بُنيَّاتي وأمهنَّه

أقسـم باللـه لتـفعـلـنه

قال: فإن لم أفعل ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:
أقسـم أنـي سـوف أمضـينه

قال: فإن مضيت ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:

والله عن حالي لتسألنه
والواقف المسئول بينهنّه

ثمّ تكون المسألات ثمّه
إما إلى نار وإما جنة

فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم، لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره([240])، وهكذا بكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بكاءً شديداً تأثراً بشعر ذلك الأعرابي الذي ذكّره بموقف الحساب يوم القيامة، مع أنه لا يذكر أنه ظلم أحداً من الناس، ولكنه لعظيم خشيته وشدة خوفه من الله تعالى تنهمر دموعه أمام كل من يذكّره بيوم القيامة([241])، وكان رضي الله عنه من شدة خوفه من الله تعالى يحاسب نفسه حساباً عسيراً، فإذا خيل إليه أنه أخطأ في حق أحد طلبه، وأمره بأن يقتص منه، فكان يقبل على الناس يسألهم عن حاجاتهم، فإذا أفضوا إليه بها قضاها، ولكنه ينهاهم عن أن يشغلوه بالشكاوى الخاصة إذا تفرغ لأمر عام، فذات يوم كان مشغولاً ببعض الأمور العامة([242])، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعني على فلان، فإنه ظلمني، فرفع عمر الدرة، فخفق بها رأس الرجل، وقال: تتركون عمر وهو مقبل عليكم، حتى إذا اشتغل بأمور المسلمين أتيتموه، فانصرف الرجل متذمراً، فقال عمر علَيَّ بالرجل: فلما أعادوه ألقى عمر بالدرة إليه، وقال، أمسك الدرة، واخفقني كما خفقتك قال الرجل: لا يا أمير المؤمنين، أدعها لله ولك قال عمر: ليس كذلك: إما أن تدعها لله وإرادة ما عنده من الثواب، أو تردها عليّ، فأعلم ذلك، فقال الرجل: أدعها لله يا أمير المؤمنين، وانصرف الرجل، أما عمر فقد مشى حتى دخل بيته([243]) ومعه بعض الناس منهم الأحنف بن قيس الذي حدثنا عمّا رأى: ... فافتتح الصلاة فصلى ركعتين ثم جلس، فقال: يا ابن الخطاب كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاء رجل يستعديك، فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه خير أهل الأرض([244])، وعن إياس بن سلمة عن أبيه قال: مر عمر رضي الله عنه وأنا في السوق، وهو مار في حاجة، ومعه الدرة، فقال: هكذا أمِطْ([245]) عن الطريق يا سلمة، قال: ثم خفقني بها خفقة فما أصاب إلا طرف ثوبي، فأمطت عن الطريق، فسكت عني حتى كان في العام المقبل، فلقيني في السوق، فقال: يا سلمة أردت الحج العام؟ قلت نعم يا أمير المؤمنين، فأخذ بيدي، فما فارقت يدي يده حتى دخل بيته، فأخرج كيساً في ست مائة درهم فقال: يا سلمة استعن بهذه واعلم أنها من الخفقة التي خفقتك عام أول، قلت والله يا أمير المؤمنين، ما ذكرتها حتى ذكرتنيها قال: والله ما نسيتها بعد([246])، وكان رضي الله عنه يقول في محاسبة النفس ومراقبتها: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر } يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ(18) { ([247])، وكان من شدة خشيته لله ومحاسبته لنفسه يقول: لو مات جدْي بطف([248]) الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر([249])، وعن علي رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: بعير ندَّ([250]) من إبل الصدقة أطلبه فقلت: أذللت الخلفاء بعدك، فقال يا أبا الحسن لا تلمني فوالذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً([251]) أخذت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة([252])، وعن أبي سلامة قال: انتهيت إلى عمر وهو يضرب رجالاً ونساء في الحرم على حوض يتوضئون منه، حتى فرق بينهم، ثم قال: يا فلان، قلت: لبيك، قال لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء، قال: ثم اندفع فلقيه علي رضي الله عنه فقال: أخاف أن أكون هلكت قال: وما أهلكك؟ قال ضربت رجالاً ونساءً في حرم الله –عز وجل- قال: يا أمير المؤمنين أنت راع من الرعاة، فإن كنت على نصح وإصلاح فلن يعاقبك الله، وإن كنت ضربتهم على غش فأنت الظالم([253])، وعن الحسن البصري أنه قال: بينما عمر رضي الله عنه يجول في سكك المدينة إذ عرضت له هذه الآية } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ { فانطلق إلى أبي بن كعب فدخل عليه بيته وهو جالس على وسادة فانتزعها أبي من تحته وقال: دونكها يا أمير المؤمنين قال: فنبذها برجله وجلس، فقرأ عليه هذه الآية وقال: أخشى أن أكون أنا صاحب الآية، أوذي المؤمنين، قال: لا تستطيع إلا أن تعاهد رعيتك، فتأمر وتنهى فقال عمر: قد قلت والله أعلم([254])، وكان عمر رضي الله عنه ربما توقد النار ثم يدلي يده فيها، ثم يقول: ابن الخطاب هل لك على هذا صبر([255]).

وعندما بعث سعد بن أبي وقاص أيام القادسية إلى عمر رضي الله عنه بقباء كسرى، وسيفه ومنطقته، وسراويله، وقميصه، وتاجه، وخفيه، نظر عمر في وجوه القوم فكان أجسمهم وأمدهم قامة سراقة بن جعثم المدلجي، فقال: يا سراقة قم فالبس فقام فلبس وطمع فيه، فقال له عمر: أدبر فأدبر ثم قال: أقبل فأقبل ثم قال: بخ بخ، أعرابي من بني مدلج عليه قباء كسرى، وسراويله، وسيفه، ومنطقته، وتاجه، وخفاه، رب يوم يا سراقة بن مالك لو كان عليك فيه من متاع كسرى كان شرفاً لك ولقومك انزع فنزع سراقة، فقال عمر، إنك منعت هذا رسولك ونبيك وكان أحب إليك مني وأكرم عليك مني، ومنعته أبا بكر وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، ثم أعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي ثم بكى حتى رحمه من عنده ثم قال لعبد الرحمن: أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي([256]) ومواقفه في هذا الباب كثيرة جداً.


.

1- زهده:

فهم عمر رضي الله عنه من خلال معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرّر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهراً وباطناً، وكان وصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا ومن هذه الحقائق:

أ- اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل([257]).

ب- وأن هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند رب العزة إلا ما كان منها طاعة لله -تبارك وتعالى- إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء([258])، (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً، أو متعلماً) ([259]).

ج- وأن عمرها قد قارب على الانتهاء، إذ يقول بعثتُ أنا والساعة كهاتين بالسبّابة والوسطى([260]).

د- وأن الآخرة هي الباقية، وهي دار القرار، كما قال مؤمن آل فرعون:} يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الأخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ(39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ(40) { (غافر،آية:39، 40) ([261])، كانت الحقائق قد استقرت في قلب عمر فترفع رضي الله عنه عن الدنيا وحطامها وزهد فيها وإليك شيئاً من مواقفه التي تدل على زهده في هذه الفانية، فعن
أبي الأشهب([262]) قال: مرّ عمر رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها، وتبكون عليها([263]).

وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يقول: والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط([264]) لنا، ونأمر بلباب([265]) الخبز فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان([266]) حتى إذا صار مثل عين اليعقوب([267])، أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله يقول: } أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا { (الأحقاف،آية:20)، وعن أبي عمران الجوني قال: قال عمر بن الخطاب لنحن أعلم بلين الطعام من كثير من آكليه، ولكنا ندعه ليوم } يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ
حَمْلَهَا { (الحج،آية:2)، وقد قال عمر رضي الله عنه: نظرت في هذا الأمر، فجعلت إن أردت الدنيا أضرّ بالآخرة، وإن أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا، فأضر بالفانية([268])، وقد خطب رضي الله عنه الناس، وهو خليفة، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة([269])، وطاف ببيت الله الحرام وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، إحداهن بأدم أحمر([270])، وأبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل، ولم يكن لي ثوب غيره([271])، وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاجاً من المدينة إلى مكة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطاً([272])، ولا خباء، كان يلقى الكساء([273]) والنطع([274])، على الشجرة فيستظل تحته([275])، هذا هو أمير المؤمنين الذي يسوس رعية من المشرق والمغرب يجلس على التراب وتحته رداءٌ كأنه أدنى الرعية، أو من عامّة الناس، ودخلت عليه مرة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد رأت ما هو فيه من شدة العيش والزهد الظاهر عليه فقالت: إن الله أكثر من الخير، وأوسع عليك من الرزق، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك، ولبست ثياباً ألين من ثوبك؟ قال: سأخصمك إلى نفسك([276])، فذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل يُذكرها ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه حتى أبكاها، ثم قال: إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، فإن سلكت الشديد، لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرخي([277]).

لقد بسطت الدنيا بين يدي عمر رضي الله عنه وتحت قدميه، وفتحت بلاد الدنيا في عهده، وأقبلت إليه الدنيا راغمة، فما طرف لها بعين، ولا اهتز لها قلبه، بل كان كل سعادته، في إعزاز دين الله، وخضد شوكة المشركين، فكان الزهد صفة بارزة في شخصية الفاروق([278])، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: والله ما كان عمر بن الخطاب بأقدامنا هجرة، وقد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا([279]).



.

2- ورعه:

ومما يدل على ورعه رضي الله عنه ما أخرجه أبو زيد عمر بن شبة من خبر معدان بن أبي طلحة اليعمري أنه قدم على عمر رضي الله عنه بقطائف وطعام، فأمر به فقسم، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم ولن أستأثر عليهم إلا أن أضع يدي في طعامهم، وقد خفت أن تجعله ناراً في بطن عمر، قال معدان: ثم لم أبرح حتى رأيته اتخذ صحفة من خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة، فأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرغب في أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من المصالح الاجتماعية، ولكنه يتحرج من أن يأكل من طعام صنع من مال المسلمين العام، فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله، وهذا مثال رفيع في العفة والورع إذ أن الأكل من مال المسلمين العام معهم ليس فيه شبهة تحريم لأنه منهم ولكنه قد أعف نفسه من ذلك ابتغاء مما عند الله تعالى، ولشدة خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك من الشبهات فحمى نفسه منه([280])، وعن عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر رضي الله عنه، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال ويحك تسقيني ناراً، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها([281])، فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم الذي يمثلون المسلمين في ذلك الأمر، وهذا الخبر وأمثاله يدل على أن ذكر الآخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء أخذ بمجامع عمر وملأ عليه تفكيره، حتى أصبح ذلك موجهاً لسلوكه في هذه الحياة([282])، لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع فيما يحق له ولا يحق، أنه مرض يوماً، فوصفوا له العسل دواء، وكان في بيت المال عسل جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحة الأطباء، حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن الناس: إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام، فبكى الناس إشفاقاً عليه وأذنوا له جميعاً، ومضى بعضهم يقول لبعض، لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء بعدك([283]).



.

3- تواضعه:

عن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صُبّ ماء بدم الفرخين فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثياباً غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال: والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر للعباس: وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل ذلك العباس([284])، وعن الحسن البصري قال: خرج عمر رضي الله عنه في يوم حارّ واضعاً رداءه على رأسه، فمرَّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب
يا أمير المؤمنين، قال: لا، اركب وأركب أنا خلفك، تريد تحملني على المكان الوطئ، وتركب أنت على الموضع الخشن، فركب خلف الغلام، فدخل المدينة، وهو خلفه والناس ينظرون إليه([285])، وعن سنان بن سلمة الهذلي قال: خرجت مع الغلمان ونحن نلتقط البلح، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه الدِّرَّة، فلما رآه الغلمان تفرقوا في النخل، قال: وقمت وفي إزاري شيء قد لقطته، فقلت:
يا أمير المؤمنين، هذا ما تلقي الريح، قال: فنظر إليه في إزاري فلم يضربني، فقلت: يا أمير المؤمنين، الغلمان الآن بين يديَّ، وسيأخذون ما معي، قال كلا، امش قال فجاء معي إلى أهلي([286]).

وقدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق فيهم الأحنف بن قيس في يوم صائف شديد الحر، وعمر معتجر (معمم) بعباءة يهنأ بعيراً من إبل الصدقة (أي يطليه بالقطران) فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه إبل الصدقة، فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك؟ فقال عمر: وأي عبد هو أعبد مني، ومن الأحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في النصيحة، وأداء الأمانة([287])، وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت:
يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها([288])، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يوماً، وخرجت معه حتى دخل حائطاً، فسمعته يقول: وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله بنيّ الخطاب، لتتقين الله، أو ليعذبنك([289])، وعن جبير بن نفير: أن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول للحق ولا أشدَّ على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله، فقال عوف بن مالك([290]) : كذبتم – والله – لقد رأينا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من هو؟ فقال: أبو بكر فقال عمر: صدق عوف، وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي – يعني قبل أن يسلم – لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين([291]).

وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلاء ولا يقتصر على الأحياء منهم، ولكنه يعم منهم الموتى كذلك، فلا يرضى أن ينكر فضلهم أو يغفل ذكراهم، ويظل يذكرهم بالخير في كل موقف، ويحمل الناس على احترام هذا المعنى النبيل وعدم نسيان ما قدموه من جلائل الأعمال، فيبقى العمل النافع متواصل الحلقات يحمله رجال من رجال إلى رجال، فلا ينسى العمل الطيب بغياب صاحبه أو وفاته وفي هذا وفاء وفيه إيمان([292]).

إن عمر رضي الله عنه لا يقر إغفال فضل من سبقه في هذا المقام ولا يرضى أن تذهب أفضال السابقين أدراج النسيان. إن الأمة التي تنسى أو تغفل ذكر من خدموها، أمة مقضي عليها بالتبار، أليس من الخير أن يربي الناس على هذه الخلال السامية؟ لقد تربى عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فعلّماه ما تعجز عنه كتب التربية والأخلاق قديمها وحديثها، وما يزال كتاب الله بين أيدينا وما تزال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة لدينا وفيها علم وتربية وأخلاق بما
لا يقاس عليه([293]).

.

رد مع اقتباس
7 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:32 AM   رقم المشاركة : 7
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~



.

4- حلمه:


عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس([294])، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك أو قال: لك وجه عند الأمير، فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: إيه، أو هي يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل([295])، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه:} خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ { (الأعراف: 199). وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله([296])، فعندما سمع رضي الله عنه الآية الكريمة هدأت ثائرته، وأعرض عن الرجل الذي أساء إليه في خلقه عندما اتهمه بالبخل، وفي دينه عندما اتهمه بالجور في القسم، وتلك التي يهتم لها عمر وينصب، ومن منا يملك نفسه عند الغضب؟ وخاصة إذا كان للغضب ما يحمل عليه، كثيرون لا أظن ولا قليلون، متى نتجمل بهذه التعاليم لنكون مثلاً قرآنياً نتحرك وفق ما نقرأ في كتاب الله الكريم؟ متى يكون خلقنا القرآن([297])؟ وعندما خطب عمر بالجابية في الشام تحدث عن الأموال وكيفية القسمة وعن أمور ذكر منها… وإني أعتذر إليكم عن خالد بن الوليد فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقام أبو عمرو بن حفص بن المغيرة([298])، فقال: والله ما اعتذرت يا عمر، ولقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلمووضعت أمراً نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعت رحماً، وحسدت ابن العم. فقال عمر رضي الله عنه: إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضب في ابن عمك([299]).

هذه بعض صفاته التي كانت ثماراً لتوحيده وإيمانه بالله واستعداده للقدوم على الله تعالى وقد تحدث العلماء والباحثون عن صفاته الشخصية والتي من أهمها: القوة الدينية، والشجاعة، والإيمان القوي، والعدل، والعلم، والخبرة، وسعة الإطلاع، والهيبة وقوة الشخصية، والفراسة والفطنة وبعد النظر والكرم، والقدوة الحسنة، والرحمة، والشدة والحزم، والغلظة، والتقوى والورع، وتكلموا عن سمات السلوك القيادي عند الخليفة عمر بن الخطاب والتي من أهمها؛ سماع النقد، والقدرة على تفعيل الناس وإيجاد العمل، والمشاركة في اتخاذ القرارات بالشورى، والقدرة على إحداث التغيير والتقلب في المواقف الطارئة، وشدة مراقبته للولاة والأمراء وفي ثنايا البحث سوف يلاحظ القارئ الكريم هذه الصفات وأكثر ولا أريد حصرها في هذا المبحث خوفاً من التكرار.



.

ثانياً: حياته مع أسرته:

قال عمر رضي الله عنه: إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية([300])، ولذلك كان رضي الله عنه شديداً في محاسبة نفسه وأهله، فقد كان يعلم أن الأبصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه، وأنه لا جدوى إن قسا على نفسه ورتع أهله فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة الخلائق في الدنيا فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم فإن وقعتهم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر([301]) وكان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض المواقف:



.

1- المرافق العامة:


منع عمر رضي الله عنه أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفاً من أن يحابي أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ … بخ … ابن أمير المؤمنين، قال: ما هذه الإبل؟ قال، قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى ابتغى ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: فيقولون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين([302]).



.

2- محاسبته لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء:

قال عبد الله بن عمر: شهدت جلولاء – إحدى المعارك ببلاد فارس – فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدياً به؟ قلت والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنت مفتدياً بك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه([303]).



.

3- منع جرِّ المنافع بسبب صلة القربى به:

عن أسلم قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين وأسلفكماه فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، ففعلاً، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال. فلما قدما على عمر قال: أكل الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا.فقال عمر: أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضّمناه. فقال: أديا المال. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً ((شركة))([304]). فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال. قالوا: هو أول قراض في الإسلام.



.

4- تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر رضي الله عنهم في العطاء:

كان عمر رضي الله عنه يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة والنسب ففرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأُسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لك! وما كان له من الفضل مالم يكن لي! فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك([305])!!



.

5- أنفقت عليك شهراً:

قال عاصم بن عمر: أرسل إليّ عمر يرفأ (مولاه) فأتيته – وهو جالسٌ في المسجد فحمد الله عز وجل – وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني لم أكن أرى شيئاً من هذا المال يحل لي قبل أن أليه إلا بحقه، ثم ما كان أحرم علي منه حين وليته، فعاد أمانتي، وإني كنت أنفقت عليك من مال الله شهراً، فلست بزائدك عليه، وإني أعطيت ثمرك بالعالية منحة، فخذ ثمنه، ثم ائت رجلاً من تجار قومك فكن إلى جانبه، فإذا ابتاع شيئاً فاستشركه وأنفق عليك وعلى أهلك قال: فذهبت ففعلت([306]).

.






.


6- خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال:

قال معيقيب: أرسل إليَّ عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصماً … فقال لي: اتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم ((سألهم النفقة))، فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً، وسيفاً محلى. فقال: عاصم: ما فعلتُ، إنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال([307]).

فهذا مثل من التحري في المال الذي يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه، ومنصبه، فحيث شعر أمير المؤمنين عمر بأنّ ابنه عاصماً قد اكتسب هذا المال لكونه ابن أمير المؤمنين تحرج في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسبه بغير جهده الخاص فدخل ذلك في مجال الشبهات([308]).



.

7- عاتكة زوجة عمر والمسك:

قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تَزِنُ لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلمّ أزن لك، قال: لا، قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا وأدخل أصابعه في صدغيه – وتمسحي به عنقك، فأصيب فضلاً على المسلمين([309])، فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئاً من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وفرقان يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات([310]).



.

8- رفضه هدية لزوجته:

قال ابن عمر: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فرآها عمر عندها، فقال: أنَّى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري، فأخذها عمر رضي الله عنه فضرب بها رأسها، حتى نفض رأسها([311])، ثم قال علي بأبي موسى وأتعبوه فأتى به، وقد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها فلا حاجة لنا فيها([312])، وكان رضي الله عنه يمنع أزواجه في التدخل في شؤون الدولة، فعندما كتب عمر رضي الله عنه على بعض عماله، فكلمته امرأته فيه فقالت: يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ قال: يا عدوة الله وفيم أنت وهذا؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين، وفي رواية: فأقبلي على مغزلك ولا تعرضي فيما ليس من شأنك([313]).


.

9- هدية ملكة الروم لزوجته أم كلثوم:

ذكر الأستاذ الخضري في محاضراته، أنه – لما ترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه وسير إليه عمر الرسل مع البريد بعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب ومشارب وأحناش من أحناش النساء ودسته إلى البريد فأبلغه لها فأخذ منه وجاءت امرأة قيصر وجمعت نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وأهدت لها وفيما أهدت لها عقد فاخر، فلما انتهى به البريد إليه أمر بإمساكه ودعا الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين وقال: إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري. قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم فقال قائلون: هو له بالذي لها: وليست امرأة الملك بذمة فتصانع به ولا تحت يديك فتبقيك. وقال آخرون قد كنا نهدي الثياب لنستثيب ونبعث بها لتباع ولنصيب شيئاً، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال ورد عليها بقدر نفقتها([314]).



.

10- أم سليط أحق به:

عن ثعلبة بن أبي مالك أنه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيد فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك – يريدون أم كلثوم بنت علي – فقال عمر: أم سليط أحق به - وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول اللهصلى الله عليه وسلم- قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد([315]).



.

11- غششت أباك ونصحت أقرباءك :

جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال، فبلغ ذلك حفصة أم المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: يا بنية حق أقربائي في مالي، وأما هذا ففي سداد المسلمين، غششت أباك ونصحت أقرباءك. قومي([316]).



.

12- أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً:

قدم صهرٌ لعمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً: فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلب ماله عشرة آلاف درهم([317]).

هذه بعض المواقف التي تدل على ترفع عمر عن الأموال العامة ومنع أقربائه وأهله من الاستفادة من سلطانه ومكانته، ولو أن عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا ولرتع من بعدهم وكان مال الله تعالى حبساً على أولياء الأمور. ومن القواعد الطبيعية المؤيدة بالمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة اتسع الفتق على الراتق واختل بيت المال أو مالية الحكومة وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح وجهر المستسر بالخيانة وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس زاهداً في حقوقهم دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه وإذا كان حاكما حدبوا عليه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم من أنفسهم([318]).

ومن خلال حياته مع أسرته وأقربائه يظهر لنا مَعْلمٌ من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة وهي القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن أبي طالب: عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا، وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس وتصديق الخاصة والعامة له([319]).

هذا هو عمر الخليفة الراشد الذي بلغ الذروة في القدوة رباه الإسلام، فملأ الإيمان بالله شغاف قلبه، إنه الإيمان العميق، الذي صنع منه قدوة للأجيال، ويبقى الإيمان بالله والتربية على تعاليم هذا الدين سبباً عظيماً في جعل الحاكم قدوة في أروع ما تكون القدوة من هنا إلى يوم القيامة([320]).

.

رد مع اقتباس
7 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:33 AM   رقم المشاركة : 8
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~





.


([1]) أخبار عمر ص362 نقلاً عن الرياض النضرة، نيل الأوطار (8/22).
([2]) يهنأ: الإبل يهنؤها: طلاها بالهناء، أي القطران.
([3]) محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (1/262).
([4]) استخلاف أبو بكر الصديق، جمال عبد الهادي ص166،167.
([5]) نفس المصدر ص167.
([6]) حروب الردة وبناء الدولة الإسلامية، أحمد سعيد ص145.
([7]) يعني واقعة يوم اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وإخوانه.
([8]) استحر: كثر واشتد.
([9]) أي في الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار.
([10]) أي من الأشياء التي عندي وعند غيرك.
([11]) البخاري رقم 4986 .
([12]) الاجتهاد في الفقه الإسلامي، عبد السلام السليماني ص127 .
([13]) البداية والنهاية (7/18)، تاريخ الطبري (4/238).
([14]) الكامل لابن الأثير (2/ 79)، التاريخ الإسلامي محمود شاكر ص101.
([15]) الكامل لابن الأثير (2/79).
([16]) تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء ص66-117، أبو بكر رجل دولة ص99.
([17]) البخاري، ك الجزية والموادعة رقم 3158.
([18]) البخاري، ك فضائل أصحاب النبي رقم 3683.
([19]) مجمع الزوائد (10/ 268) صحيح الإسناد.
([20]) أبو بكر رجل الدولة ص 100.
([21]) مآثر الأنافة (1/ 49).
([22]) تاريخ الطبري (4/248).
([23]) طبقات بن سعد (3/199)، تاريخ المدينة لابن شبهة. (2/665-669).
([24]) طبقات بن سعد (3/200).
([25]) دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة للشجاع ص272 .
([26]) نفس المصدر ص272 .
([27]) صفة الصفوة (1/264،265).
([28]) دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة ص272 .
([29]) القيود الواردة على سلطة الدولة في الإسلام ص172 .
([30]) تاريخ الطبري (4/248).
([31]) القيود الواردة على سلطة الدولة في الإسلام ص172 .
([32]) أبو بكر الصديق، علي طنطاوي ص237 .
([33]) دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة ص272 .
([34]) دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة ص272 .
([35]) الدر المنثور في التفسير المأثور (4/119،122).
([36]) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (2/634).
([37]) الاعتقاد للبيهقي ص173 .
([38]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/109،110).
([39]) مسلم رقم 2393 .
([40]) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (2/635).
([41]) نفس المصدر (2/635).
([42]) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (3/233،236)، صحيح ابن حبان (15/328) ومصنف ابن أبي شيبة (7/433) وصححه الألباني في الصحيح (3/333-336).
([43]) فيض القدير للمناوي (2/56).
([44]) مسلم (4/1859،1860).
([45]) فتح الباري (7/46).
([46]) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (2/637).
([47]) سنن أبي داود (2/512)، سنن الترمذي (4/540).
([48]) عون المعبود شرح سنن أبي داود (13/387).
([49]) تنطف: أي تقطر: النهاية في غريب الحديث (5/75).
([50]) يتكففون: يأخذون منها بأكفهم، النهاية في غريب الحديث (4/190).
([51]) مسلم (4/1777،1778).
([52]) عقيدة أهل السنة والجماعة (2/638).
([53]) المستدرك (3/77) هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
([54]) عقيدة أهل السنة والجماعة (2/639).
([55]) الطبقات الكبرى (3/274).
([56]) البخاري، ك الصحابة، رقم 3671.
([57]) عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (2/640).
([58]) لوامع الأنوار البهية (2/326).
([59]) الاعتقاد للبيهقي ص188 .
([60]) كتاب الإمامة والرد على الرافضة ص274 .
([61]) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن مجموعة الرسائل المنبرية (1/129).
([62]) شرح النووي على صحيح مسلم (12/206).
([63]) منهاج السنة (1/142).
([64]) شرح الطحاوية ص539 .
([65]) الطبقات لابن سعد (3/199).
([66]) كتاب الإمامة والرد على الرافضة ص276 .
([67]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص170،171 .
([68]) الطبقات (3/275).
([69]) كنز العمال رقم 44214 نقلاً عن الدولة الإسلامية د. حمدي شاهين ص120 .
([70]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين، د. حمدي شاهين ص120 .
([71]) أجمركم أي لا أبقيكم على جبهات القتال بعيداً عن أهليكم مدة طويلة.
([72]) الإدارة العسكرية في عهد الفاروق ص106 .
([73]) السياسة الشرعية. د. إسماعيل بدوي ص160 نقلاً عن الطبري.
([74]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين ص121 .
([75]) نفس المصدر ص121 ، محض الصواب (1/385).
([76]) نفس المصدر (121).
([77]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين ص122.
([78]) نفس المصدر ص122.
([79]) الخلفاء الراشدون ص123.
([80]) السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد، زيدان ص282.
([81]) الإدارة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ص107.
([82]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي ص260.
([83]) نفس المصدر (1/277).
([84]) الخلافة والخلفاء الراشدون ص160.
([85]) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين د. محمد السيد الوكيل ص89.
([86]) الحضارة الإسلامية د. محمد عادل ص30.
([87]) الشيخان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب من رواية البلاذري ص257.
([88]) نفس المصدر ص256.
([89]) النظام السياسي في الإسلام لأبي فارس ص9.
([90]) الخلفاء الراشدون للنجار ص246.
([91]) سراج الملوك للطرطوشي ص132.
([92]) الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية، سليمان آل كمال (1/273).
([93]) نفس المصدر (1/273).
([94]) الطبري (3/481)، نقلاً عن الإدارة العسكرية.
([95]) مروج الذهب (2/315).
([96]) سير أعلام النبلاء (1/317).
([97]) نهاية الأرب (6/169).
([98]) الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية (1/274).
([99]) الإصابة (2/491).
([100]) الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية (1/275).
([101]) الخلفاء الراشدون للنجار ص246 .
([102]) نفس المصدر ص247 .
([103]) عصر الخلافة الراشدة ص90 .
([104]) نفس المصدر ص147 .
([105]) عصر الخلافة الراشدة ص90.
([106]) عصر الخلافة الراشدة ص90.
([107]) السنن الكبرى للبيقي (9/29) نقلاً عن عصر الخلافة الراشدة ص90.
([108]) الخلفاء الراشدون للنجار ص247.
([109]) عصر الخلافة الراشدة ص90.
([110]) عصر الخلفاء الراشدون ص91.
([111]) الظهر: الدابة التي تحمل الأثقال ويركب عليها.
([112]) مسلم، ك السلام (4/1740) رقم 2219.
([113]) القيود الواردة على سلطة الدولة في الإسلام ص167، 168.
([114]) فقه التمكين في القرآن الكريم للصلابي ص455.
([115]) تفسير الرازي (10/ 141).
([116]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، حمد محمد الصمد ص145.
([117]) الوسطية في القرآن الكريم للصلابي ص96.
([118]) الموطأ، ك الأقضية، بان الترغيب في القضاء بالحق رقم 2.
([119]) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/293 – 294).
([120]) أقاده: اقتصَّ منه.
([121]) وسطية أهل السنة بين الفرق، محمد باكريم ص 170.
([122]) السياسة الشرعية ص10.
([123]) فقه التمكين في القرآن الكريم ص501.
([124]) فقه التمكين في القرآن الكريم ص501.
([125]) تاريخ الطبري (4/ 98) نقلاً عن نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/ 87).
([126]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص101.
([127]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص101.
([128]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/ 87).
([129]) نفس المصدر (1/ 188).
([130]) نفس المصدر (1/ 188).
([131]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص147.
([132]) الخلفاء الراشدون ص243.
([133]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/ 88).
([134]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص235.
([135]) الخلافة الراشدة والدولة الأموية. يحيى اليحي. ص345.

([136]) فن الحكم في الإسلام د. مصطفى أبو زيد ص475،476.
([137]) ابن خلدون (2/281) نقلاً عن نظام الحكم للقاسمي (1/90).
([138]) فن الحكم في الإسلام ص477،478 .
([139]) نفس المصدر ص478 .
([140]) المجتمع الإسلامي دعائمه وآدابه د.محمد أبو عجوة ص165 .
([141]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، حمد الصمد ص157،158 .
([142]) معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي إدوارغالي ص41.
([143]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/58).
([144]) تاريخ الطبري (4/ 158).
([145]) البداية والنهاية (7/ 98).
([146]) السلطة التنفيذية د. محمد الدهلوي (2/ 725).
([147]) نفس المصدر (2/ 725) وقد فصل المسألة.
([148]) حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة ص111.
([149]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص117.
([150]) رضخ له: أعطاه شيئاً ليس بالكثير.
([151]) الأموال لأبي عبيد ص57، أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/ 38).
([152]) نصب الراية للزيلعي (7/ 453).
([153]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص160.
([154]) المرتضي سيرة أمير المؤمنين لأبي الحسن الندوي ص109.
([155]) نفس المصدر ص109.
([156]) القيود الواردة على سلطة الدولة ص151.
([157]) السنن الكبرى للبيهقي (9/ 208)، مصنف عبد الرزاق (6/ 53).
([158]) فدع: زوال المفصل.
([159]) قلوصك: الناقة الصابرة على السير.
([160]) البخاري، ك الشروط، رقم 2730.
([161]) أي يقطعهم من الأرض التي لا زرع فيها ولا شجر.
([162]) الأموال لأبي عبيد ص245.
([163]) الخراج لأبي يوسف ص79.
([164]) نظام الحكم في عهد الراشدين ص163.
([165]) نظام الحكم في عهد الراشدين ص164.
([166]) نفس المصدر ص165.
([167]) القضاء ونظامه في الكتاب والسنة د. عبد الرحمن الحميض ص 48.
([168]) نظام الحكم في عهد الراشدين ص 165.
([169]) نفس المصدر ص 168.
([170]) نفس المصدر ص 189.
([171]) نفس المصدر ص 190.
([172]) المغني (5/579)، نظام الأرض. محمد أبو يحيى ص 207.
([173]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين. حمد الصمد ص 192.
([174]) السلطة التنفيذية للدهلوي (2/735).
([175]) إعلام الموقعين (1/65)
([176]) السلطة التنفيذية للدهلوي (2/738).
([177]) أخبار عمر ص 331، 332، نقلاً عن الرياض النضرة.
([178]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص 197.
([179]) نفس المصدر ص197.
([180]) نفس المصدر ص197.
([181]) نفس المصدر ص 198 الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البلاذري ص 231.
([182]) نفس المصدر ص198.
([183]) نفس المصدر ص 200.
([184]) عيون الأخبار (1/55) نقلاً عن محض الصواب (2/579).
([185]) تفسير ابن كثير (2/213) عزاه للزبير بن بكار وفيه انقطاع، أخرجه أبو حاتم في مسنده والبيهقي في السنن وقال مرسل جيد.
([186]) قال أبو يعلى إسناده جيد، مجمع الزوائد (4/283).
([187]) هو قسطنطين الجاثليق بطريق الشام.
([188]) الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها د.ناصر العقل ص223.
([189]) حسر عن ذراعيه: أي أخرجهما من كميه.
([190]) القتب: إكاف البعير.
([191]) هو صبيغ بن عسيل الحنظلي، سأل عمر عن متشابه القرآن واتهمه عمر برأي الخوارج.
([192]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي (30/ 634، 635).
([193]) الحطيئة: هو جرول بن مالك بن جرول لقب بالحطيئة لقصره.
([194]) الزبرقان بن بدر التميمي صحابي ولاه رسول الله صدقات قومه.
([195]) السلطة التنفيذية (2/745).
([196]) تفسير القرطبي (12/173، 174).
([197]) الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/327)، عمر بن الخطاب د. أحمد أبو النصر ص 223.
([198]) أصحاب الرسول (1/110) محمود المصري، محض الصواب (1/376).
([199]) إسناده صحيح، تفسير ابن كثير (1/265).
([200]) الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص104.
([201]) فقه الأولويات دراسة في الضوابط، محمد الوكيلي ص77.
([202]) الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزائري (5/ 76،77).
([203]) فقه الأولويات، محمد الوكيلي ص77.
([204]) فقه الأولويات، محمد الوكيلي ص78.
([205]) شهيد المحراب، عمر التلمساني ص214.
([206]) شهيد المحراب التلمساني ص214.
([207]) المجتمع الإسلامي د. محمد أبو عجوة ص245.
([208]) السلطة التنفيذية (1/215).
([209]) المبسوط (15/147،166)، المغني (5/445).
([210]) السلطة التنفيذية (1/215).
([211]) العمالة: بالضم، رزق العامل.
([212]) السلطة التنفيذية (1/216).
([213]) سعيد بن زيد العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة.
([214]) سنده صحيح، الخلافة الراشدة د. يحيى اليحيى ص270.
([215]) مصنف عبد الرزاق رقم 20046 نقلاً عن السلطة التنفيذية.
([216]) سنن أبي داود رقم 2950.
([217]) محض الصواب (1/383)، الطبقات الكبرى (3/280، 281).
([218]) روضة الطالبين (11/137).
([219]) البداية والنهاية (12/228، 229).
([220]) الأعلام للزركلي (8/249).
([221]) السلطة التنفيذية (1/218).
([222]) نفس المصدر (1/219).
([223]) شرح مسلم للنووي (7/137).
([224]) محض الصواب (1/316)، ابن الجوزي ص69.
([225]) ابن أبي رافع مولى النبي r يروي عن أبيه.
([226]) المستدرك (3/14) وصححه ووافقه الذهبي.
([227]) تاريخ الإسلام للذهبي ص163.
([228]) عبد الله بن ذكوان القرشي، ثقة فقيه، التقريب ص302.
([229]) محض الصواب (1/317).
([230]) فتح الباري (7/268)، الخلافة الراشدة، يحيى اليحيى ص286.
([231]) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين، محمد الوكيل ص90.
([232]) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/281)، محض الصواب (1/311).
([233]) العدوي المدني، ثقة، عارف بالنسب من الثالثة، التقريب ص607.
([234]) الشفاء بنت عبد الله العدوية، أسلمت قبل الهجرة.
([235]) محض الصواب (1/312).
([236]) المستدرك (3/81، 82) قال الذهبي صحيح.
([237]) محض الصواب (1/312).
([238]) نفس المصدر (1/313).
([239]) فرائد الكلام للخلفاء الكرام ص155.
([240]) تاريخ بغداد (4/312).
([241]) التاريخ الإسلامي (19/46).
([242]) الفاروق للشرقاوي ص222.
([243]) نفس المصدر ص222.
([244]) محض الصواب (2/503).
([245]) ماطه وأماطه: نحّاه ودفعه.
([246]) تاريخ الطبري (4/244) وإسناده ضعيف.
([247]) مختصر منهاج القاصدين ص372، فرائد الكلام ص143.
([248]) طف: الشاطئ.
([249]) مناقب عمر ص160، 161.
([250]) ندَّ: شرد وهرب.
([251]) العناق: الأنثى من المعز ما لم يتم له سنة.
([252]) مناقب عمر ص161.
([253]) مصنف عبد الرزاق (1/75، 76) وإسناده حسن، محض الصواب (2/622).
([254]) مناقب عمر ص162، محض الصواب (2/623).
([255]) نفس المصدر ص62.
([256]) محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (2/625).
([257]) الترمذي، ك الزهد رقم 2333 وهو حديث صحيح.
([258]) الترمذي، ك الزهد رقم 2320.
([259]) الترمذي، ك الزهد رقم 2322 حسن غريب قاله الترمذي.
([260]) مسلم، ك الفتن وأشراط الساعة رقم 132- 135.
([261]) من أخلاق النصر في جيل الصحابة د. السيد محمد نوح ص48،49.
([262]) جعفر بن حيان السعدي.
([263]) الزهد للإمام أحمد ص118.
([264]) السمط: سمط الجدي: سمطه: نتف صوفه بالماء الحار.
([265]) اللباب: الخالص من كل شيء.
([266]) الأسعان: جمع سعن، والسعن: قربة تقطع من نصفها وينتبذ فيها.
([267]) اليعقوب: الحجل.
([268]) الحلية (1/50) وهو ضعيف لانقطاعه، مناقب عمر لابن الجوزي ص137.
([269]) الزهد للإمام أحمد ص124 له طرق تقويه.
([270]) الطبقات الكبرى (3/328) إسناده صحيح.
([271]) محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (2/566).
([272]) الفسطاط: بيت من شعر.
([273]) الكساء: في الطبقات والمناقب أو النطع.
([274]) النُّطع: بساط من الأديم.
([275]) الطبقات لابن سعد (3/279) وإسناده صحيح.
([276]) سأخصمك إلى نفسك: أي سأجعلك حكماً على نفسك.
([277]) الزهد للإمام أحمد ص125، الطبقات (3/277).
([278]) الفاروق أمير المؤمنين د.لماظة ص11.
([279]) إسناده جيد: أخرجه ابن أبي شيبة (8/149) في مصنفه، وابن عساكر (52/244).
([280]) التاريخ الإسلامي (19/37).
([281]) تاريخ المدينة المنورة ص702.
([282]) التاريخ الإسلامي (19/28).
([283]) فرائد الكلام للخلفاء الكرام ص113، الفاروق للشرقاوي ص275.
([284]) صفة الصفوة (1/285).
([285]) أصحاب الرسول، محمود المصري (1/157).
([286]) صلاح الأمة في علو الهمة، سيد العفاني (5/425).
([287]) أخبار عمر ص343، أصحاب الرسول، محمود المصري (1/156).
([288]) مدارج السالكين (2/330).
([289]) مالك في الموطأ (2/992) إسناده صحيح.
([290]) الأشجعي، صحابي مشهور، من مسلمة الفتح.
([291]) مناقب عمر لابن الجوزي ص14، محض الصواب (2/ 586).
([292]) شهيد المحراب ص144.
([293]) نفس المصدر ص144،145.
([294]) الحر بن قيس الفزاري، صحابي أسلم مع وفد بني فزارة.
([295]) الجزل: الجزيل العظيم: وأجزلت له العطاء أي أكثرت.
([296]) البخاري، رقم 6856، 4366.
([297]) شهيد المحراب ص181.
([298]) المخزومي.
([299]) محض الصواب (2/ 602).
([300]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب د. محمد قلعجي ص 146.
([301]) محض الصواب (3/ 893).
([302]) مناقب عمر لابن الجوزي ص157، 158.
([303]) تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ص270، 271.
([304]) الخلفاء الراشدون للنجار ص244.
([305]) فرائد الكلام للخلفاء الكرام ص113.
([306]) الطبقات (3/ 277) إسناده صحيح، محض الصواب (2/ 491).
([307]) عصر الخلافة الراشدة للعمري ص236، الأثر حسن.
([308]) التاريخ الإسلامي (19/ 40).
([309]) الزهد للإمام أحمد ص11، نقلاً عن التاريخ الإسلامي (19/ 30).
([310]) التاريخ الإسلامي (19/ 30).
([311]) نفض الرأس: حركه في ارتجاف.
([312]) الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البلاذري ص260.
([313]) أخبار عمر ص293، الشيخان رواية البلاذري ص188.
([314]) الخلفاء الراشدون د. عبد الوهاب النجار ص245.
([315]) فتح الباري (7/ 424)، (6/ 93)، الخلافة الراشدة ص: 273.
([316]) الزهد للإمام أحمد ص17، فرائد الكلام ص139.
([317]) تاريخ الإسلام للذهبي ص271.
([318]) الخلفاء الرائدون للذهبي ص271.
([319]) القيادة والتغيير ص 182.
([320]) فن الحكم ص74.

.



رد مع اقتباس
6 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 10:34 AM   رقم المشاركة : 9
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~




.

الحمدلله ، بفضل الله تعالى تم طرح الجزءُ الثاني مِن هذه السيرة القيمة بسلام

وعسى أن تفيدُ وتستفيدُ مِنها بما يرضى الله ,
ونسأل الله أن يتقبل جميع أعمالنا

الصالحة خالصاً لوجه الكريم وأن يجعلها لنا وليس علينا , أللهم آمين
آمين


وصلى الله على رسوله سيد الخلقِ محمداً وعلى آله وأصحابه أجمعين ~

والآن نستودعُكم الله إلى لقاءً قريب إن شاء الله تعالى [IMG]https://www.*********/images/smilies/w3.gif[/IMG]

.: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته :.

.


رد مع اقتباس
7 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة:
قديم 05-04-2012, 12:27 PM   رقم المشاركة : 10
براهيم يوسف
عضو سوبر





 

الحالة
براهيم يوسف غير متواجد حالياً

 
براهيم يوسف عضوية مميزة فعلاًبراهيم يوسف عضوية مميزة فعلاًبراهيم يوسف عضوية مميزة فعلاًبراهيم يوسف عضوية مميزة فعلاًبراهيم يوسف عضوية مميزة فعلاًبراهيم يوسف عضوية مميزة فعلاً

شكراً: 1,427
تم شكره 1,644 مرة في 347 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~

و عليكم سلام

كيفك اخي غالي ان شاااء الله بخير

يشرفني ان اكون في صفحة اولي

مشاااء الله عليك ابدعت فطرح

جزاك الله خير و اتمنالك توفيق

تم تقيمك وشكر

كامل ودي

آخر تعديل براهيم يوسف يوم 05-04-2012 في 05:40 PM.

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ براهيم يوسف على المشاركة المفيدة:
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لموقع مونمس / " يمنع منعاً باتا المواضيع السيئة المخالفة للشريعة الإسلامية" التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما رأي الكاتب نفسه
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0