المنتدى الإسلامي العام يحوي قصص وروايات ومواضيع دينية نصية |
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
|
|
إضغط على
او
لمشاركة اصدقائك! |
|
LinkBack | أدوات الموضوع |
من 5
عدد المصوتين: 0
|
انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||
|
||||||
فضائل العشر من ذي الحجة - 1 فَضائِلُ العَشـرِ مِن ذِي الحجَّـة لفضيلة الشيخ علي حسن الحلبي إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه. أمَّا بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهَدْي هديُ محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بِدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار. أمَّا بعد: فمِن مِنن الله الكريم -جلَّ في عُلاهُ، وعظُم في عالي سَماه- أنَّه اختصَّ بعضَ خَلْقِه بشيءٍ من المزايا والفضائل التي فضَّلها على بعضٍ آخر؛ فجعلَ بين النَّاس مُفاضلاتٍ. فلا شكَّ ولا ريبَ أن الأنبياءَ هم أفضلُ البشرِ، وليس مِن شكٍّ أن نبيَّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- هو سيِّد الأنبياء، وكذلك الحال فيمَن بعد الأنبياء؛ فالصَّحابةُ -رضي الله-تعالى-عنهم- هم سادةُ البشر بعد الأنبياءِ، وأفضلُ الصَّحابةِ: العشرة المبشَّرون، وأفضل العشَرة: الخلفاءُ الأربعة، وأفضل الخلفاءِ الأربعة: الشَّيخان -أبو بكرٍ وعُمر-، وأفضل الشَّيخَين: أبو بكرٍ الصِّدِّيق -رضيَ الله-تعالى-عنه-. وكذلك: جعل -سُبحانه وتَعالى- في المكان فَضائلَ -لا توجد في بعضٍ وتوجَد في بعض-. فلا شكَّ ولا ريب أن مكَّة المكرَّمة أحبُّ أرضِ الله إلى الله، وأن أفضل ما في مكَّة: هو المسجد الحرام والكعبة المُشرَّفة. وكذلك الشأن فيما بيَّن النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنَّه لا تُشدُّ الرِّحال إلا إليه؛ وهم: المساجِد الثلاثةُ: المسجد الحرام، والمسجدُ النَّبويُّ، والمسجد الأقصى. ومِن هذا الفضل: أنه جعل لهذه المساجد الثلاثة مِن الفضائل -في الصلاة ومضاعفاتِها- ما ليس في غيرِها؛ فصلاةٌ مفروضة في المسجد الحرام تعدِل مائة ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ مفروضةٌ في المسجد النبويِّ تعدل ألف صلاةٍ، وأربعُ صلواتٍ في المسجدِ الأقصى تعدل صلاةً في المسجد النَّبويِّ -كما أخبر النبيُّ-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-. وقد جعل الله -سبحانَه وتَعالى- في الزَّمان زمانًا أفضلَ من زمان، ووقتًا أفضلَ من وقت، وظَرفًا خيرًا من ظرفٍ. فلا شكَّ ولا ريب أن لشهرِ رمضانَ مِن الفضلِ ما لا يَعلمُ به إلا اللهُ، وأنَّ لِليلةِ القدْر -مِن شهر رمضان- ما لا يعلمُ فيه إلا الله، وكذلك جعل الله -سبحانه وتَعالى- مِن الأشهرِ أشهرًا حُرُمًا، وجعل من الأشهُر أشهُرًا للحجِّ. كل ذلك بيانٌ وتوكيدٌ وإثباتٌ لمنزلةِ هذه المخلوقات -بعضِها فوق بعض، وبعضِها على بعض-. فمِن الزَّمان زمانٌ أفضل مِن زمان، ومن المكان مكانٌ أفضل مِن مكان، وكذلك الشأنُ في الأعيانِ والإنسان؛ حتى الملائكة: بعضُهم خيرٌ من بعض؛ فجبريل وميكائيل وإسرافيلُ وحمَلة العرش؛ هم أفضل الملائكةِ -على فضلِهم جميعًا، وهم الذين لا يَعصون اللهَ ما أمرهُم ويفعلون ما يؤمَرون-. وها نحن -أيها الإخوةُ في الله!- على بُعدِ أيَّام قليلةٍ من شهرِ ذي الحجَّة، هذا الشَّهر المُبارَك الذي فيه أيامٌ مِن أفضل الأيَّام، وأوقاتٌ مِن أعظم الأوقات. وقبل أن نَبدأ بذِكر شيءٍ من هذه الفضائل: نبيِّن فرقَ ما بين الأشهرِ الحرُم وأشهر الحجِّ. فاللهُ -تعالى- يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ}، وعندما ذَكر -سبحانه-عدة الشهور قال: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}.... فكثير مِن النَّاس يَخلطون بين(أشهُر الحجِّ) وبين (الأشهر الحرُم). الأشهُر الحرُم؛ يقول أهلُ العلم: هي ثلاثةٌ سردٌ وواحدٌ فرْد. (ثلاثة سَرْد): أي متواصلة مَسرودة، و(واحد فَرْد): أي مُستَقِلٌّ. أما المستقِل: فهو رجب؛ لذلك: يُطلِق العرب على شهر رجَب أنه: (رجب الفَرد). وأما السَّرد؛ فذو القعدة، وذو الحجة، وشهر اللهِ المحرَّم. هذه الأشهُر التي هي الأشهر الحرُم. أما أشهُر الحجِّ: فهي شوال، وذو القعدة، والعشر الأُوَل مِن شهرِ ذي الحجة. فبان -بذلك- أن هذه العشرَ الأوَل -وبعض أهلُ العلم ألحقَ بها أيَّام التشريق- من شهر [ذي الحجَّة]- جمعت مِن الفضائل فضائل قد لا توجد في غيرِها؛ فهي من أشهر الحج -مِن جهة-، وهي من الأشهر الحرُم -مِن جهةٍ أخرى-. واللهُ -تبارك وتعالى- عندما ذكَر الحجَّ في كتابه؛ ماذا قال؟ قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ - لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}. قال ابن عباس: (الأيَّام المعلومات: هي العشر الأُوَل من شهرِ ذي الحجة) -التي نتكلَّم عن فضلها-. ووصْفُ الله لها بأنها معلومات: إشارةٌ إلى أهميَّتِها، وتنبيهٌ لفضلِها، وتنبيه على مكانتِها، وإشادةٌ بذِكرها؛ فهي معلوماتٌ معروفاتٌ مشهوراتٌ وفي النُّفوس مُقرَّرات. هذا مقصودُ قول الله -عزَّ وجل- {مَعْلُومَاتٍ}. ثم اللهُ -عزَّ وجلَّ- يقولُ -سبحانَه- في آيةٍ أخرى-: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} كثيرٌ من النَّاس -أيضًا- يخلطُ بين (الأيَّام المعلومات)، و(الأيَّام المعدودات). والأيَّام المعدودات: أشهر الأقوال؛ أنَّها أيَّام التَّشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر-من شهرِ ذي الحجة-؛ لذلك: بعضُ أهل العلم -كما أشرتُ- ألحَق أيَّام التشريقِ بأشهُر الحج. والنبيُّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقول: "أيَّام التَّشريق: أيَّام أكلٍ، وشُرب، وذِكرٍ لله"؛ لذلك: أرجحُ الأقوال أن أيَّام التشريق لا يجوزُ صيامُها -لا للحاجِّ، ولا لغيرِ الحاجِّ؛ إلا: الحاجُّ الذي لم يجدِ الهدْي إذا كان متمتِّعًا؛ فيصوم ما عليه من صَوم في هذه الأيَّام-استثناءً وخروجًا من عُموم النَّص-. وكذلك قول الله -عزَّ وجلَّ-: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ}. قال الإمام الطبريُّ في "تفسيره": "وعلى هذا إجماع أهل التَّأويل أنَّ اللياليَ العشرَ المذكورةَ في هذا النصِّ القرآنيِّ إنما هي عشرٌ من ذي الحجة". كل ذلك إشارةٌ كريمة جليلةٌ عظيمةٌ أنَّ هذه الأيَّام المبارَكة المبرورةَ مذكورةٌ في نصِّ القرآن الكريم بإجماعِ السَّلف والخلف -كما قال الإمامُ ابن كثيرٍ في "تفسيره"-أيضا-. وقد روى الإمامُ أبو داودٍ: عن الصَّحابي الجليل -ابن عمِّ رسول الله-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- عبد الله بن عبَّاس قال: قال رسولُ الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ما مِن أيَّام العملُ الصَّالح فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّام"، قال الرَّاوي: يعني أيَّام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهادُ في سبيل الله؟ فقال -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله؛ إلا رجلٌ خرج بنفسِه ومالِه؛ فلم يرجعْ مِن ذلك بشيءٍ".. هذا إنسانٌ عَمَلُه على هذه الصُّورة -إذا كانت موافِقةً للشَّريعة، مُنضبطةً بأصول المِلَّة، مُرتبطةً بأقوالِ عُلماء الأمَّة-؛ فإنَّه -والحالةُ هذه- يكون فِعلُه خيرًا من فعل العامِل بشَرع الله، والمطبِّق لطاعة الله، والمتبِّع لسُنَّة رسول الله، والذَّاكِر لله في هذه الأيَّام العشر-دون الجهاد على هذه الصورة-. ها هنا تنبيهٌ يغلط فيه كثيرٌ من النَّاس: كلمة (العمل الصَّالح) كلمةٌ عامَّة؛ تشمل: الصَّلاة، والصِّيام، والصدقةَ، والذِّكر، وغير ذلك.. فبعضُ أهلِ العلم يقول بأنَّه يُصام في هذه العشرة -كلِّها-. وعلى ذلك كثيرٌ من النَّاس -في كثيرٍ من البِلاد-. لكنَّ الصَّواب: كما في حديث السَّيِّدة عائشة -رضي الله-تعالى-عنها-وهي التي يقول عنها الحافظُ ابنُ حجرٍ: (هي أعلمُ النَّاس بِعبادة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- في سفَره وحضَره، في ليلِه ونهارِه)-؛ قالت: "لَم أرَ رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- يصومُ العشرَ من ذي الحجةِ قطُّ". فهذه إشارةٌ إلى أن النبيَّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لم يَصُمْها كاملةً. لكن: هل صام بعضًا وترك بعضًا؟ النصُّ ساكتٌ عن هذا؛ لكنْ: عموم العمل الصَّالح يشمل الصِّيام -لا شكَّ، ولا ريب-. لكن أن تُصام كلُّها؛ فلم يَرِد في ذلك دليلٌ صريحٌ؛ بل هذا النصُّ في النَّفيِ صريحٌ في عدمِ صيامِ النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- لهذه العشرِ كاملةً. قد يقول قائلٌ: ماذا نفعلُ في الحديث الذي يقولُ فيه أحدُ الصَّحابةِ: "كان رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- يصوم التسعَ مِن ذي الحجَّة"؟ نقول: ذكَر المحقِّقون -من أهل العلم- أن هذه (التِّسع) المقصود بها: (يَوم التَّاسع)، وهو يومُ عرَفة، وهو الذي يُكفِّر سنتَين -السَّنَة الماضية، والسَّنَة الباقيَة-كما في "صحيح الإمام مسلم"-. إذن: الذين يَصومون بِنيَّة عموم العمل الصَّالح في العشرة أيَّام كلِّها؛ هذا ليس مِن السُّنَّة في شيء. ووَرد في "مسند الإمامِ أحمد": عن عبد الله بن عمر -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُما-: أن رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال -في رواية أخرى للحديثِ الأوَّل-نفسِه- قال: "ما مِن أيَّام أعظم عند الله، ولا أحبُّ إليه العملُ فيهنَّ مِن هذه الأيَّام العشْر؛ فأكثِروا فيهِنَّ مِن التَّكبير والتَّهليل والتَّحميد". فهذه إشارة توضِّح -أكثر وأكثر- أن المقصودَ بالعمل الصَّالح -أصالةً-؛ هو الذِّكرُ لله -الإكثارُ مِن ذِكر الله-؛ {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}. الذِّكرُ: مِن أعظم العبادات، وكم وكم مِن النَّاس -على يُسرِ الذِّكر- هم عنه غافلون! وهم عنه ساهون! وعندما جاء ذلك الرَّجل إلى رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: يا رسول الله! لقد تكاثرت عليَّ شرائع الإسلام؛ فأوصِني! قال: "أن لا يزال لسانُك رطبًا بذِكر الله". فذِكر الله -تبارَك وتعالى- مِن أعظم ما يتقرَّب به العباد إلى الله -سُبحانَه وتعالى-، مُتَّبعين ومُتأسِّين ومُقتَدين برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو سيِّد الذَّاكِرين، وسيِّد الشَّاكِرين -صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين-. ومما ذكَره أهلُ العلم في فضل هذه الأيَّام العشْر -التي هي خيرُ أيَّامٍ على العُموم، وخيرُ أيَّامٍ في شهر ذي الحجَّة-على الخُصوص-: أنَّ فيها الحجَّ، وفيها يومُ التَّرويَة -الذي هو يومُ الثَّامن-، وهو مُفتَتح أعمالِ الحجِّ. ولئن كان القولُ في يوم الثَّامن أنَّه سُنَّة -كما ذهب بعضُ أهل العلم-؛ لكنِّي أعتقد أن هذا الذي ضحَّى بِمالِه، وضحَّى بوقتِه، وضحَّى براحتِه، وفارقَ الأهلَ والولدَ والبلدَ ليحجَّ حجَّة -قد لا يرجع إلى هذه البقاع المقدسة مرةً أخرى-؛ فإن كثيرًا مِن النَّاس يتساهلون! فلا يعرفون يوم التروية! يذهبون مباشرةً إلى عرَفة؛ لا يمكثون في مِنى يوم الثامن! ولا شكَّ ولا رَيب: أن في هذا مخالفةً لفضلِ يوم التَّروية -الذي هو مُفتتح أيَّام الحجِّ-من جهة-، والذي هو سُنة رسول الله-صلى اللهُ عليه وسلم- القائل: "لِتأخُذُوا عنِّي مَناسِكَكُم"-. |
11-03-2011, 09:36 PM | رقم المشاركة : 2 |
شكراً: 0
تم شكره 585 مرة في 210 مشاركة
|
رد: فضائل العشر من ذي الحجة -
وكذلك -أيضًا- في الحج -في أيام العشر هذه-: يوم عرفة، وفيه مِن الفضل ما لا يَعلم إلا الله؛ حتى قال النبيُّ -عليهِ الصلاةُ والسلام-: "خيرُ يومٍ طلعتْ عليهِ الشَّمسُ يوم عرَفة، وأفضلُ ما قلتُ أنا والنَّبيُّون مِن قَبلي: لا إلهَ إلا الله". وفي "صحيح مسلم": عن السيدة عائشة -رضي الله-تعالى-عنها-: أن النَّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: "ما مِن يومٍ أكثر مِن أن يُعتق اللهُ فيه عبدًا مِن النَّار مِن يومِ عرَفَة، وإنَّه لَيدنو مِن خلْقِه، ثمَّ يُباهي بهمُ الملائكةَ، ويقولُ لهم: ما أراد هؤلاء؟"- كأنَّه يقول لهم: لم يُرِد هؤلاء إلا وجهَ الله، لم يُرِد هؤلاء إلا طاعةَ الله، لم يُرِد هؤلاء إلا أداءَ نُسُك لله، والقيامَ بأحكامِ الله، والاتِّباع لسُنَّة رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-. هذا يومُ عرَفة، وهو مِن هذه الأيَّام المُباركة. وها هنا فائدة: وهو أنَّ صومَ يومِ عرفَة إنما هو عمَلٌ فاضلٌ يترتَّب عليه هذا الأجرُ لمَن ليس في عرَفة؛ أما مَن كان في عرَفة؛ فإنه مَنهيٌّ أن يصومَ في عرَفة؛ لأنه مشغولٌ بنُسُكٍ. بل ورَد حديثٌ -حسَّنه الإمامُ الذهبيُّ -في "سنن أبي داود"-: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيامِ يوم عرَفة في عرفة. وها هنا أنبِّه إلى شيء: وهو قول النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-في هذا الحديث-: "ما مِن يومٍ أكثرَ مِن أن يُعتِق فيه عبدًا مِن النَّار مِن يوم عرَفة". أنبِّه على لفظِ (العِتق مِن النَّار)، وهو اللَّفظ الذي نسمعُه كثيرًا من الأئمة؛ يقول -وبخاصَّة في رمضان، وفي دعاء الوتر مِن رمضان-: أنهم يقولون: اللهم! أعتِقنا مِن النار! هذا دُعاءٌ مشهور بين النَّاس؛ لكنَّ الصوابَ فيه: أنه لا يجوزُ. وقد روَى الإمام أبو نُعيم في كتاب "الحِلية"، والإمامُ أبو بكر ابن أبي الدُّنيا في كتاب "الصَّمت": عن بعض أئمة التَّابِعين: أنه نهى أن يدعوَ الرَّجل بدُعاء (اللهمَّ! أعتِقنا مِن النَّار)، ولكن ليدع بـ: (اللهم أجِرنا مِن النَّار)، أو (اللهم إنا نعوذ بك من النَّار). قد يقول قائل، أو يسألُ سائل: ما الفرقُ بين ذلك؟ الفرق: أن الذي يقول: (اللهم! أعتِقنا من النَّار) كأنه يَعلم مِن نفسِه أنه حبِيس النَّار! فلا يُقال :فلان (أُعتِق)؛ إلا إذا كان عبدًا، لا يُقال: (فلان أُعتِق)؛ إلا إذا كان أسيرًا أو سجِينًا أو حبيسًا. وأنت تُحسِّن الظن بربِّك -على ضعف عملِك، وعلى قِلَّة حيلتِك-؛ فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلم- يقول: "إذا سألتم اللهَ؛ فاسألوه الفردَوس الأعلى مِن الجنَّة". . "فاسألوه الفردَوس الأعلى مِن الجنَّة": هذا توجيهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- مع أنه يَعرف أن في المسلمين من هو ضعيف الإيمان، أنَّ في المؤمنين مَن هو رقيق الدِّين، أنَّ في العامِلين بطاعة الله مَن عملُه قليل، وذِكرُه لله يسير؛ لكنْ: هذا التَّوجيه عامٌّ، ليس توجيها خاصا لفئة دون فئة. "إذا سألتم اللهَ؛ فاسألوه الفردَوس الأعلى مِن الجنَّة". ثم أنت تأتي لتسيء الظن بربِّك وتقول: (اللهم! أعتِقني من النَّار)؛ كأنك تعلم أنك محكومٌ عليك بالنَّار، ثم تسأل ربَّك أن يُعتِقك من ذلك. لكن: إذا قلتَ كما ورد عن النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "اللهم إني أسألك الجنَّة"، "اللهم أجِرني من النَّار"؛ فهذا لا شيء فيه؛ لأنك لا تعلم نفسَك عند الله، ولا تعلم حُكمَك عند الله الغفور الرحيم، العفو الحليم. قد يقول قائل أو يسأل سائل: فما معنى أن يُعتِق عبدًا من النَّار؟ نقول: هذا مما هو في عِلم الله؛ مَن عَلِم اللهُ أنه محكومٌ عليه بالنَّار -في عِلمِه العظيم-سُبحانَه وتعالى-؛ هو الذي يغفرُ له -نتيجة دعاءٍ، نتيجة عملٍ صالح، نتيجة ذِكرٍ لله-؛ والنبيُّ -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: "صنائعُ المعروف تقِي مصارعَ السُّوء". أيضًا: في أيَّام ذي الحجَّة -هذه-: يومُ النَّحر، وهو يوم العيد، وهو اليومُ الذي قال الله -تبارك وتَعالى- فيه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}. {فَصَلِّ لِرَبِّكَ}: صلاة العِيد، {وَانْحَرْ}: في يومِ العِيد، يوم النَّحر. لذلك: يقول النبي -صلى اللهُ عليه وسلم-: "إن أعظم الأيَّام عند الله: يوم النَّحر ويوم القَرَِّ". يوم النَّحر: هو يوم العيد. ويوم القَرِّ: هو أيام التشريق؛ لأن فيها قرار الحُجَّاج وجُلوسهم. الحاج في أيَّام التشريق ليس عنده إلا الأكل والشُّرب وذِكر الله -كما في الحديث-، وفي ساعات يتحيَّنها يذهب ليرمي الجمرات، وهو في رميِه للجمرات يُرغمُ الشيطان ويذكُر ربَّه الرحمن -سُبحانَه وتعالى-. إذن؛ أعظم الأيَّام عند الله -كما في "سنن أبي داود"-: عن عبد الله بن قُرط -رضي اللهُ عنه-: أن النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قال: "أعظم الأيَّام عند الله: يوم النَّحر، ويوم القرِّ". قد يقول قائل، أو يسأل سائل: ما الأفضل؟ هل الأفضل: أيام العشر من ذي الحجة؟ أم: العَشر الأواخر من رمضان، والنبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- كان إذا دخل العشر من رمضان أيقظ أهلَه، وأحيا ليلَه، وشدَّ مِئزَرَه، وأقام ليلَه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؟ قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمهُ الله-: "أيامُ العشر من ذي الحجَّة أفضل من أيَّام العشر الأواخر، وليالي العشر الأواخر أفضل من ليالي العشر مِن ذي الحجة"؛ لماذا؟ لأن أعظمَ العبادة في العشرِ الأواخر: عبادةُ اللَّيل التي فيها ليلة القَدْر التي هي خيرٌ مِن ألفِ شهر. وكذلك -أيضًا- الحاجُّ في عِيدِه ينحرُ هديَه، وغير الحاجِّ -في بلدِه- ينحرُ أُضحيتَه. والنبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يقول: "مَن لم يضحِّ؛ فلا يَقربَنَّ مُصلانا". ويقول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: "على أهلِ كلِّ بيتٍ في كلِّ عامٍ أُضحية" -وإن اختلف أهلُ العلم في حُكم الأضحية على قولَين: قول الجمهور: أنها سُنَّة مؤكَّدة، وذهبت الحنفيَّة-وانتصر شيخُ الإسلام ابن تيميَّة-إلى الوجوب-. لكن: ثبت عن الصَّحابيَّين الجليلَين -أبو بكر وعمر-رضيَ الله-تعالى-عنهُما-: أنهما كانا لا يُضحِّيان في بعض السِّنين؛ قال: (حتى لا يظنها النَّاسُ واجبَةً). فهذا -من أبي بكرٍ وعمر- في أوَّل وقتِ التشريع؛ حيث قد يَظن الناسُ شيئًا على غير ما هو عليهِ في شرعِ الله؛ كانا يفعلان ذلك -رضي اللهُ عنهما- توضيحًا وبيانًا وإظهارًا لِما يَريانِه مِن حُكم الشَّرع في هذه الأُضحية. لكن؛هذا لا يجعل القادر المتمكِّن المتموِّل أن يَزهَد في الأُضحية؛ بل عليهِ أن يفعلَ هذه السُّنَّة حتى لا تموت. بل: سمعتُ شيخَنا الشيخَ الألبانيَّ -رحمهُ الله- يقول: إن كثيرًا مِن النَّاس يستدينون من أجلِ الكماليَّات في حياتهم الدُّنيا؛ فلا مانعَ من أن تستدينَ مِن أجل الشَّرعيَّات؛ كأُضحِيَتك، وإن لم تكنْ واجبةً عليكَ في أصل الحُكم، وليست واجبةً عليك بِحُكم عدم القُدرة؛ لكن: إذا استدنتَ؛ لا مانع -ولا نقول: واجب-. مع أن قول شيخنا -رحمه الله-هو الوجوب. والرَّسول -عليه الصلاة والسلام- عندما ذَكر الأضحية قال: "كُلُوا، و اهدُوا، وتصدَّقوا، وادَّخِروا" -على اختلاف الرِّوايات-. فالإنسان يتصدَّق منها، ويأكل منها، ويدَّخر منها، ويُهدي منها. وقد ذهب الإمامُ أحمد إلى أنَّ ذلك يكونُ أثلاثًا. وهذا ما يفعلهُ كثيرٌ مِن الناس. هذه الأثلاث إذا فُعلتْ؛ لا نُنكر؛ لكن: ليس على سبيل الإيجاب. لو فعلتَ: نصف برُبعين، أو جزء أكبر مِن جزء والجزء الثَّالث أقل -وما أشبه-؛ فلا نمنعْ مِن ذلك -في قليلٍ، ولا في كثير-. نعم. إذن؛ هذه الأيام أيامٌ مُبارَكة، والمسلمُ الحريصُ على شرعِ الله هو القائمُ بِها على الوجهِ المَرضيِّ، وهو الذي يقومُ بها -طاعةً لله، وإخلاصًا لله، واتِّباعًا لسُنَّة رسولِ الله-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-. وإذ قد ذكرنا الأُضحِية -وهو ما يحتاجُه أكثرُ النَّاس؛ لأن أكثر النَّاس لا يَحجُّون-بحُكم الظُّروف الماديَّة، وبحُكم الضوابط الرَّسميَّة -وما أشبه-؛ فالحجَّاج مِن كل البلاد هم الأقل، والذين استقرُّوا في بلادِهم، وجلسوا في أوطانِهم هُم الأكثر؛ فهُم المُخاطَبون بأحكام الأُضحية، وليس الحاجُّ مُخاطَبًا بأحكامِ الأُضحية؛ وإنما الحاجُّ يخاطبُ بأحكامِ الهدي-مِن جِهة-أو دَم الفِداء-مِن جِهة أخرى-إذا قصَّر في حُكمٍ، أو في نسُك، أو ارتكب محظورًا-على ما ورد عن ابن عبَّاس-رضي اللهُ-تعالى-عنهما-. أقول: ينبغي على المسلمِ الحريصِ في موضوع الأُضحية أن يَختار أجوَد الأضاحِي؛ فالنَّبي -عليهِ الصلاةُ والسَّلام- عندما ضحَّى؛ ضحَّى بالكبش الأملحِ الأقرن؛ إشارة إلى جَودتِه، إشارة إلى حُسنِه، إشارة إلى مَكانتِه ومنزلتِه. وهذا يدلُّك عليه: عُمومُ قولِ الله -تبارك وتعالى-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}؛ لا أن تأتي بها هزيلة، لا أن تأتي بها عجفاء، لا أن تأتي بها ضعيفة، أو عوراء، أو عرجاء!! ائتِ بها على خيرِ ما هي عليه مِن أنعام، ائتِ بها على خير ما هي عليه مما تتقرَّب به إلى الله؛ كما قال -تَعالى-: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}. ليست القضيَّةُ قضيةَ ذبحٍ ولَحم؛ ولكن القضيَّة قضيَّة تَقرُّب إلى الله العظيم-سبحانه-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}؛ النُّسُك ما هو؟ الذَّبح....{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}؛ هذا هو الواجب في هذا الأمر. ونُذكِّر المسلمين الذين يُريدون الأضاحي- وهي عملُ غيرِ الحُجَّاج في بلادهم- بما قاله النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "إذا دخلَ العشرَ وأرادَ أحدُكم أن يُضحِّي؛ فلا يَمسَّنَّ شعرَه، ولا ظُفره، ولا بَشْرتَه". لا يأخذ مِن شعرِ رأسِه، ولا مِن غيرِ شعرِ رأسِه -ولا نُريد أن نقول: لحيته! لأن اللحية لا يجوز الأخذ منها-لا للمضحِّي، ولا لغير المُضحِّي-؛ فاللحية واجبةُ الإعفاء بقولِ جماهير العُلماء؛ لكن: نتكلَّم عن الحُكم الخاص بالأضاحي-. وكذلك: لا يأخذُ مِن ظُفره -لا يقص الأظفار-. وكذلك: بشرتَه. ما معنى البَشرة؟ أحيانًا الإنسان ينزع بعضَ الجلد؛ أحيانًا جلد ميِّت في قدَمه، أو جلد ميِّت في طرَف يدِه؛ هذا لا يجوزُ أخذُه. ومِن أعجب العجَب أني قرأتُ في بعضِ الصُّحف الإسلاميَّة التي تصدُر -في هذا البلد- عن دكتور مشهور! -وللأسفِ الشَّديد!- عندما ذَكَر أحكامَ الأُضحية قال: (ويجب على المُضحِّي أن لا يَقرب أهله! تشبُّهًا بالمُحرم)! وهذا لا يُعرف له دليل -لا في نصٍّ مِن كتاب، ولا في حديثٍ مِن سُنَّة النَّبي-عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ بل ولا في حديث ضعيف-لا يَصِح ولا يَثبت-. لذلك نقول: "مَن يُرِد اللهُ به خيرًا؛ يُفقِّهه في الدِّين". فنسأل اللهَ أن يُفقِّهنا في دِيننا، وأن يُعلِّمنا أمورَ دينِنا، وأن يرزقَنا العلم النافعَ والعمل الصالح. ومما قد يسألُه بعض النَّاس: أنَّ هذا الحكمَ -في عدمِ الأخذِ من الشَّعر والظُّفر والبَشْرة-؛ هل هو خاصّ بربِّ الأُسرة؟ أم هو عامّ للأسرة -كلِّها-؟ سمعتُ شيخَنا الشيخ الألباني -رحمهُ الله- يقول كما قال النبيُّ -عليهِ الصلاةُ والسلام-: "على أهلِ كلِّ بيت في كل عامٍ أضحية"؛ فإن هذا الحُكم وإن كان الدافعُ المالَ لثمن الأضحية -فيه- واحدًا؛ فإنَّه يشمَل الأسرةَ كلَّها حتى تُضحِّي،فإذا ضحَّيتَ: أخذتَ من شَعرك، أخذتَ أظفارَك، أخذتَ بَشرتَك -كما يُوسِّع اللهُ عليكَ في سائر أيَّامِك-. شيخُنا -رحمهُ الله- كان إذا ذَكَر هذه المسألةَ يقول: هذه أقولُها اجتِهادًا، واستِنباطًا، وتفقُّهًا في النُّصوص -وإن لم يكن النَّصُّ عليها واضحًا صريحًا-. ونقول كما قال الرسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: "إذا اجتهد الحاكمُ وأصاب؛ فله أجران، وإذا اجتهدَ وأخطأ؛ فله أجرٌ واحد". وحقيقةً؛ أنا أمِيل إلى هذا القولِ؛ لوجاهةِ حُكمِه -واستئناسًا بذلك الحديثِ الذي فيه الحُكمُ الموصول بسائرِ أهل البيت-. ...أسألُ اللهَ العظيم أن ينفعَنا وإياكم بالعلم، وأن يَرزقنا العمل وحُسن الختام، والوفاةَ على الإيمان؛ إنه -سبحانه- وليُّ ذلك والقادرُ عليه. وصلى اللهُ وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمين.
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|