[frame="2 80"] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
*~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~*
~خطبة الجمعة ~ كتب: د. علي بن عمر بادحدح
=====================
الخطبة الأولى:
إخوة الإسلام والإيمان..
وصية الله سبحانه وتعالى لكم في كتابه القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
(آل عمران: 102).
معاشر المؤمنين..
الإنسان ضعيف تغلبه شهوته وتزيغ به ضلالته، تعترضه الصعاب والمشاق وتكتنفه البلايا والرزايا، ويلتفت يمنة ويسرة وينظر إلى أعلى وأسفل ونجد كثيراً من الناس يخبط خبط عشواء ويمضي على غير هدى لأنه فاقد لأعظم أمر في حياة الإنسان، فاقد للإيمان بالله والصلة بالله والمعرفة بالله وتقديره، ومعرفته بعظمة الله وحسن وقوة صلته بالله، ومن هنا لو تأملنا في كتاب الله لوجدنا جلّ آياته تعرفنا بعظمته سبحانه وتعالى، وتدلنا على واجبنا نحوه جل وعلا، وتظهر ما يحيط بنا من رحمته ولطفه وعفوه وتوفيقه وتيسيره: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ {62} لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الزمر: 62-63)، سبحانه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29)، هو المعطي وهو المانع وهو الخافض والرافع سبحانه وتعالى، {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (الرعد: 2).
والآيات في دلالات العظمة الإلهية في الخلق والرزق والتدبير عظيمة كثيرة جليلة: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53)، والحق جل وعلا يسوق إلينا ضروباً من نعمه وعظمته بسياق يلفت الأنظار ويجعل المؤمن في موضع الاعتبار والادكار: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72} وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (القصص: 71-73)،
أحسب أن الآيات بدلالتها الواضحة كافية، لكنها تستحق منا التدبر ولعل وقتنا هذا يناسب، لو كانت الحياة كلها ليل لا نهار فيها كيف سيكون حال الناس!؟ كيف سيضطرب معاشهم؟ كيف ستتأثر حتى حياتهم البيلوجية في أجسامهم؟ والعكس كذلك، عندما نرى في أماكن أخرى يطول الليل أو يقصر النهار في أقاصي الأرض شمالاً أو جنوباً، سبحان الله: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (القصص: 73)، والآيات كثيرة.
ولعلنا نقترب إلى كنف عظمة الله من جهة رحمته بخلقه والمؤمنين منهم على وجه الخصوص، وذلك فيما ذكره الحق جل وعلا من إرادته التي اقتضتها هذه الرحمة وذلك اللطف: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، الله هو الذي يقول ذلك، يقوله بفعل الإرادة الجازمة ويقوله بصيغة المضارع الدال على الاستمرار والديمومة، ويذكره بذكر اسمه الأعلى والأعظم لا بالضمير فيقول: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ} بكم أنتم أيها الخلق وبكم أنتم أيها المؤمنون المسلمون على وجه الخصوص يريد بكم اليسر ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "بعثت بالحنيفية السمحة"، ويخبرنا كما في الحديث الصحيح: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحدٌ هذا الدين إلا غلبه"، ويقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت ميسراً"، ويوصي فيقول: "يسرا ولا تعسرا، بشرا ولا تنفرا".
تلك الحقائق الكبرى تلك الكليات العظمى تلك الدلالات الهادية في آيات القرآن الكريم، {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، هذه هي رحمته وذلك لطفه وتلك إرادته جل وعلا، وهو سبحانه وتعالى القائل: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {26} وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً {27} يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} (النساء: 26-28)، ما أعظم هذه الآيات التي تشعرنا بكنف الرحمة وظلال اللطف وعظمة الخالق الرؤوف بخلقه وبالمؤمنين من عباده، {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} يجعلكم على بصيرة وهداية، أنزل لكم الكتاب المحفوظ الخالد إلى قيام الساعة، بعث فيكم الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي شريعته باقية إلى آخر زمن الدنيا، {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} يريكم كل المعالم الخيرة، ثم قال: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} لأنه جل وعلا يعلم ضعفكم ويعرف غفلتكم ويدرك ويعلم جل وعلا ما في نفوسكم من ميل إلى الشهوات ومن استسلام في بعض الأحيان لإغواء ووسواس الشيطان فهو يريد أن يتوب عليكم، من أسمائه التواب ومن أسمائه الرحيم سبحانه وتعالى، ولذا نفهم حينئذ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، ليست دعوة إلى ارتكاب الذنوب ولكنها دعوة لاستشعار رحمته ومغفرته وعفوه سبحانه وتعالى، في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أذنب ذنباً ثم ندم فاستغفر الله، قال الله جل وعلا: "أذنب عبدي وعلم أن له رباً يحاسب بالذنب ويغفر الذنب فاستغفرني أشهدكم أني قد غفرت له" ثم يذنب الثانية ويستغفر الله فيغفر الله له، والله كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "يقبل توبة عبده ما لم يغرغر"، هو الذي يحب أن يُدعى، هو الذي يحب أن يلتجئ إليه العباد، هو الذي أن يرى انكسار وذل عبده بين يديه وسؤاله له سبحانه وتعالى، هذه إرادته {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}، لا يريدون منكم انحرافاً يسيراً، يريدون أن تمضوا إلى آخر الشوط بعيداً عن ما أراده الله لكم من بيان وما حباكم به من هداية، وما حفكم به من لطف ورحمة ومغفرة، لتشردوا وراء الشهوات ولتتبعوا خطوات الشيطان، ثم قال: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}، هذه إرادته سبحانه وتعالى، وهو القائل: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} (آل عمران: 108)، لو عاملنا بعدله لما نجا أحد لكنه يعاملنا بفضله ويغمرنا برحمته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يدخل أحد الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"، اللهم ارحمنا برحمتك واكلأنا برعايتك واغمرنا بلطفك وهبنا لواسع مغفرتك يا رب العالمين، في الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" سبحانه جل وعلا ما أعدله وما أرحمه.
لننظر أيها الإخوة إلى الصلة بالله والاستحضار لعظمته والتعلق بفضله ورحمته في بعض المواقف لصفوة الخلق من أنبياء الله ورسله لنكمل الصورة، صورة معرفتنا بعظمة الله وقيامنا بالواجب والصلة به سبحانه وتعالى، في قصة الخليل إبراهيم عليه السلام: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ {97} فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ {98} وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الصافات: 97-99)، لما كان هذا الكيد وكان ذلك الإجرام كان اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والمضي إلى مرضاته بل والخروج من تلك الديار ومن أولئك القوم إلى الأرض التي فيها طاعته وفيها عبادته، قال الطبري في تفسيره: "إني مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادته فإنه سيهديني فيما نويت إلى الصواب"، وعن قتادة رحمه الله قال: "إني ذاهب إلى ربي سيهدين"، ذاهب بعمله وقلبه ونيته، فهل عندما أُغلقت في وجهك الأبواب أو وُضعت في طريقك الصعاب تذكرت: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} تذكرت أنك موصول بالله وأنه ليس بينك وبينه إلا رفع اليدين ونطق الشفاه، وانظر إلى الخليل إبراهيم وهو يصور لنا كما جاء في آيات القرآن العظيم كيف يعرف ربه وخالقه؟ وكيف يذكر عظمته؟ وكيف يتأدب معه؟ فهو الذي قال كما في كتاب الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ {78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ {79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ {81} وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء: 78-82)، صلة باقية إلى قيام الساعة والمثول بين يدي الله سبحانه وتعالى، تذكر خلقه لك: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه: 50)، تذكر رزقه الذي يسوقه إليك، تذكر الأنفاس التي تتنفسها، تذكر النومة التي ترتاح بها، تذكر الأقدام التي تمشي عليها واللسان الذي تنطق به والعقل الذي تفكر به، تذكر كم هي النعم العظيمة الجليلة الكثيرة الدائمة المحيطة بك في كل حال وظرف، وقل: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ {78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ {79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، وهنا الأدب وهنا الإجلال وهنا التعظيم فالمرض بقدر الله والمرض واقع بقضائه، لكنه لم يقل والذي يمرضني وإنما قال: {وَالَّذِي} بيّن الأمر من غير تلك النسبة وإن كانت حقيقة قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، تأمل هنا التقلبات كلها والصلة بالله.
وأنتقل بكم إلى قصة سليمان عليه السلام لما منّ الله عليه بكل تلك النعم وسمع مقولة النملة: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل: 19)، تأمل كيف وجد في لحظة إدراكه لتميزه بنعمة الله عليه بمعرفة لغة تلك الحيوانات والحشرات استحضر النعمة من فوره فنطق بها لسانه وخفق بها قبل ذلك قلبه وحكاها سلوكه في حياته: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} كأنما رأى النعم قد عظمت وكثرت فاستعان بربه على شكر نعمه: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} فكم هي النعم التي تحفنا وتتوالى علينا وتستدعي منا على الأقل أن نستحضر الشكر، فنسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته جل وعلا.
وإذا مضينا وجدنا يونس عليه السلام: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: 87)، في ظلمة البحر وفي ظلمة بطن الحوت وعندما استشعر ما كان منه من أمر نادى بهذا النداء العظيم الذي هو من أسباب تفريج الهم وتنفيس الكرب تسبيحه سبحانه وتعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فألهم الله الحوت فأخرجه من بطنه إلى شاطئ الأرض وجاءت شجرة اليقطين وتغيرت الأمور، لأن القلب الموصول بالله يهديه الله وييسر له الله ويعينه الله ويسدده الله، فكن مع الله يكن الله سبحانه وتعالى معك.
وموسى لما مضى وخلفه فرعون وجنوده: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الشعراء: 61-62)، يقينه بمعية الله عظيم، يقينه حاضر يقينه بهذه المعية جعله يجزم جزماً قاطعاً بأن النهاية لن تكون بأن يدرك الظلم جولته أو نصرته على العدل ولا الباطل على الحق، {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، لم يكن يعرف كيف سيكون الأمر ثم أُمر بأن يضرب البحر: {فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (الشعراء: 63)، ومن قبل ذلك وفي أول الخليقة أبونا آدم عليه السلام: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 37)، وانظر هنا إلى العظمة والرحمة الإلهية لم يكن آدم يعرف كيف يستغفر ولا كيف يتوب، الله هو الذي علمه كيف يتوب من ذنبه الذي أذنبه في حق ربه والأمر الذي خالف فيه أمره سبحانه وتعالى، ومن هنا نجد أن الأمر في صلتنا بالله تعظيماً له وإدراكاً لفضله ثم نراه حياً حقيقاً على طرف اللسان وفي خفقة الجنان وفي كل حركة وسكنة في حياة رسل الله وأنبيائه والموصولين به من المؤمنين والمتذكرين والعابدين له سبحانه وتعالى لأنه قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عظمة الله عز وجل حية في قلوبنا وأن يجعل صلتنا به حسنة قائمة قوية موصولة في كل حال وآن، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه
[/frame]