( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) ..
ولا يزال في الإسلام أبطال .. وأول خطوة في طريق البطولة .. اتباع أوامر الرحمن
.. لا بالهوى والنفس والشيطان ..
أول طريق البطولة .. أن تفتخر بطاعة رب العالمين .. وإظهار شعائر الدين ..
أن تجاهر باتباعك سنة خاتم الأنبياء .. وتتشبه برأس الأتقياء ..
إن البطولة أن تثبتَ على دينك .. وتعظمَ شرع ربك .. ولا تلتفتَ إلى ابتلاء جاحد
.. أو استهزاءِ حاقد ..
إن البطولة أن تقرر القرار الشجاع .. بالطاعة والاتباع .. ولا تروغَ روغان الثعالب ..
نعم .. لا تروغُ روغان الثعالب .. تطيع مرة وتعصي مرات .. أو تصلي مع المصلين ..
ثم ترقص مع الراقصين .. لا .. بل خذ الكتاب بقوة ..
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) ..
أخرج أبو داود .. عن عائشة رضي الله عنها قالت :
والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار .. أشدَّ تصديقاً بكتاب الله .. ولا إيماناً بالتنزيل ..
لقد أنزل في سورة النور الأمرُ بحجاب المؤمنات { وليضربن بخمرهن على جيوبهن
ولا يبدين زينتهن } .. فسمعها الرجال.. ثم انقلبوا إليهن .. يتلون عليهن ما أنزل الله
إليهم فيها .. .. يتلو الرجل على امرأته .. وابنته .. وأخته .. وعلى كل ذات قرابته ..
فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرطها - وهو كساء من قماش تلبسه النساء -
.. فاعتجرت به .. - لفته على رأسها - ..
وقامت بعضهن إلى أزرهن فشققنها واختمرن بها ..
أي الفقيرة التي لم تجد قماشاً تستر به وجهها .. أخذت إزارها وهو ما يلبس من
البطن إلى القدمين ثم شقت منه قطعة غطت بها وجهها .. تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله في كتابه ..
قالت عائشة : فأصبحن وراء رسول الله معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان ..
نعم .. تنفيذ مباشر للأمر .. دون تردد أو روغان
ومن البطولة أن تعمل بالدين .. وإن خالف الأمر هواك .. أو كان على غير مرادك ورضاك ..
نعم .. ليس المهم أن تقتنع بالحكم الشرعي .. لتعمل به ..
لأنك عبد ذليل مغلوب .. لعلام الغيوب ..
وكم من عبد تحدثه بحكم من أحكام الإسلام .. فلا ترى منه التسليم والاستسلام ..
وإنما يتذاكى بعقله .. ويبحث لنفسه عن المخارج والتأويلات ..
ولا تثبت قدم إلاسلام .. إلا على أرض التسليم والاستسلام .. لأحكام الملك العلام ..
وهذا حال المؤمنين ..
( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) ..
والأبطال حقاً .. هم الذين تعرض لهم الشهوات .. وتتدافع إليهم المحرمات
.. فيفرون إلى الله منها ..
وتغلب عليهم محبته .. وتحيط بهم قوته .. فهم ليسوا جبناء .. كلما زين
لهم الشيطان شهوة طاروا إليها ..
فلا تراهم في حانة خمار .. ولا في مجالس فجار .. قد عصمهم ربهم من أكل الربا
.. وطهر أسماعهم من الغناء ..
بل .. قد يصيبهم العذاب والبلاء .. في سبيل طاعة رب الأرض والسماء ..
والأبطال ليس عندهم مجال للموازنة بين الدين والدنيا ..يختارونها تارة وهو تارة .. كلا ..
بل الدين مقدم عندهم أبداً .. لا يخشون لأجله أحداً .. إذا سلم لهم دينهم
.. فلا عليهم ما فاتهم من الدنيا ..
ونختم فقرتنا الأولى برابط تحميل الكتاب
فسوف تجدون بداخله المزيد من الدرر
سبحان الله وبحمده
والآن ننتقل للفقرة الثانية من لقاء اليوم
وهــــــــى:
قال الله عز وجل { فلولا كان من القرون من قبلكم ألو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا
منهم } سورة هود
وقد استشهد شيخ الإسلام اب تيمية بهذه الآية في باب الغربة وهذا يدل على
رسوخ قدمه في العلم والمعرفة ، قال صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريبا
وسيعود غريبا كما بدأ فطوبا للغرباء " قيل ومن الغرباء يارسول الله ؟ قال صلى
الله عليه وسلم " الذين يصلحون إذا فسد الناس " حديث صحيح
ويعلق صاحب المدراج قائلا : فهؤلاء الغرباء الممدوحون المغبطون ، ولقلتهم في
الناس جدا سمو " غرباء " فإن أكثر الناس لغير هذه الصفات فأهل الإسلام في
الناس غرباء ، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء ،وأهل العلم في المؤمنين غرباء ،
وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء ،
والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة ،
ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا ،فلا غربة عليهم
وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم { وإن تطع أكثر من في الأرض
يضلوك عن سبيل الله } سورة الأنعام
أخذ هذا المعنى عبد الوهاب عزام فنظمه في بيتين من الشعر قائلا :
قال لي صاحب أراك غريبا *** بين هذا الأنام دون خليل
.. قلت كلا بل الأنام غريب *** أنا في عالمي وهذي سبيلي
هذي سبيلي ،، هتاف المؤمنين في كل عصر ومصر ،
لا يحيدون عنه ولا ينخدعون بغيره ولا يرتجون سواه ..
هذه سبيلي ،، سبيل الأنبياء وورثة الأنبياء ، ومن رام
مرافقة الأنبياء في جنات السماء ..
هذه سبيلي ،، مهما اشتد الظلام ،،..
وهل يضير المصباح حلكة الظلمات حوله ؟
وهل يعيب الجوهرة وجودها في كوم من الخرز ؟
وهل ينقص قيمة الكنز دفنه في التراب ؟
هي غربة تميز إذا لا غربة وحشة ، إذ لا وحشة مع الأنس بالله ، ولا وحدة مع مؤاخاة الصالحين من لدن آدم إلى أن يرث
الله الأرض ومن عليها ..
قطرت الزيت علت سطح الماء لما صبرت على العصر والطحن والرحا ، كثيفة بما يوحي بغناها ، متماستكة
بما يدل على تميزها ، وكذلك الداعية إلى الخير علا قدره لما
صبر على التزام الحق والثبات عليه ، وعلا بإيمانه فلم
يهبط إلى القاع ، وسما بصلاحة فلم ينشغل بالسفاسف ،
وأغناه مابذل فيه من تربية وجهد
ومجاهدة ورشد ، وارتقى مدارج السالكين ، ليقبس
من أنوار الهدى فيضيء ظلمات الورى ..