بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا لَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ الْعُلْيَا، وَعَلَى أَحْكَامِهِ الْقَدَرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِكُلِّ مُكَوَّنٍ وَمَوْجُودٍ، وَأَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ الشَّامِلَةِ لِكُلِّ مَشْرُوعٍ، وَأَحْكَامِ الْجَزَاءِ بِالثَّوَابِ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْعِقَابِ لِلْمُجْرِمِينَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْعِبَادَةِ وَالْأَحْكَامِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي بَيَّنَ الْحُكْمَ وَالْأَحْكَامَ وَوَضَّحَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَأَصَّلَ الْأُصُولَ وَفَصَّلَهَا، حَتَّى اسْتَتَمَّ هَذَا الدِّينُ وَاسْتَقَامَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، خُصَوصًا الْعُلَمَاءَ الْأَعْلَامَ.
أما بعد فهذه مقدمة في سلسلة سوف أقوم بفضل الله تعالى على تيسير الضوابط الفقهية تيسيرا يمكن للطالب المبتدئ أن يستفيد منه ويحسن للطالب المتمكن النظر والمراحعة فيه ..
من غير تطويل ممل ولا تقصير مخل ..
أبدأ مستعينا بالله متوكلا عليه في تعريفه وهذه عادة العلماء أنهم يبدؤون بالتعاريف وذكر الحدود ثم بعد ذلك يشرعون فيما أرادوا أن يشرعوا فيه .. ولنا فيهم أسوة ..
الضوابط الفقهية
الضوابط جمع ضابط والضابط اسم فاعل من فعل ضبط وضبط في اللغة يقال ضبط الشئ بمعنى حبسه
ويقال رجل ضابط إذا كان حازما
ويقال للملك ضبطت البلاد إذا قام بأمرها قياما حازما محافظا عليها
الفقهاء يستخدمون كلمة ضابط على معان كثيرة متعددة منها مثلا :
ضابط بمعنى التعريف والأنواع والتنويع
ضابط بمعنى المعيار الذي يكون علامة على تحقيق شئ في أمر من الأمور
ضابط بمعنى الأسباب والشروط المجتمعة في شئ من الأشياء : فيقال مثلا ضوابط في الرمي بالبدعة _ضوابط الرد على المخالف _ ضوابط الهجر المشروع _ ضوابط التكفير ....إلخ
وكل هذا ليس همنا ولا بحثنا إنما همنا الضوابط التي هي رديف القاعدة ....
والقواعد الفقهية :أمر أغلبي يتعرف منه حكم الجزئيات الفقهية مباشرة ..
أو هي حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته لتتعرف أحكامها منه .
أو هي حكم أغلبي ينطبقعلى معظم جزئياته .
فالقاعدة سواء كانت كلية أو أغلبية يندرج تحتها ما لا يحصى من الفروع الفقهية ..
وأخذنا بهذا التعريف للقاعدة بالمعنى الشامل : لأنه يشمل القواعد الفقهيةوالقواعد الأصولية والقواعد النحوية وقواعد العلوم الأخرى .
ومما ينبغي لنا أن ننبه عليه أن بعض العلماء قد يطلقون الضابط على القاعدة والعكس ....مثل مثلا كتاب ابن رجب "تحرير القواعد " تجد فيه أن ابن رجب قد يستخدم الضابط استخدامه للقاعدة , والقاعدة استخدامه للضابط ...
وهذا أمر ليس خاصا به وإنما هو أمر مذكور في كثير من الكتب ...
ولكن الاصطلاح الدارج أن القاعدة الفقهية والضابط الفقهي بينهما فرق ... ذلك أن القاعدة تشمل أبوابا متعددة , والضابط الفقهي لا يكون إلا في باب واحد من أبواب الفقه ..
فمن العلماء من جعل القواعد والضوابط فيالمعنى الاصطلاحي كلمتان مترادفتان بمعنى : الأمر الكلي أو الأغلبي المنطبق علىجميع جزئياته .
لكن بعض العلماء يفرق بين الضابط والقاعدة
فالضابط : يجمع فروعا من باب واحدمن أبواب الفقه .
والقاعدة : تجمع فروعا كثيرة من أبواب متعددة
الضابط الفقهي
في الاصطلاح هو حكم أغلبي يتعرف منه مباشرة ,لأنه يختص بباب واحد ..
فالتعرف على الضابط يقوم على إعمال النظر وعلى فهم واجتهاد ... فالضابط الفقهي والقاعدة الفقهية يؤخذ الحكم منهما مباشرة بخلاف الضابط الأصولي ... فمثلا يقال :"الأصل في النهي التحريم" فهذا ضابط أصولي فيقال : "الزنى حرام " فهل يمكن لنا أن نأخذ هذا :" الزنى حرام " من ضابط أصولي الذي هو:" الأصل في النهي التحريم " هكذا مباشرة ؟
الجواب : لا , لا بد أن نذكر قول الله تعالى مثلا " ولا تقربوا الزنى " فنقول حينئذ هذه الآية فيها النهي عن أن يتقرب المرء من الزنى والضابط الأصولي يقول " الأصل في النهي التحريم " فبالتالي المنهي عنه في الآية حرام , فنستنبط التحريم من إعمال الضابط الأصولي ....
وهذا بخلاف الضابط الفقهي والقاعدة فإنه يؤخذ الحكم مباشرة منهما ..
فوائد الضوابط الفقهية
الضوابط الفقهية في الحقيقة المنصوص عليها كثير , وبعضها وارد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ...
وفوائدها عديدة وهي من أسباب تحصيل الملكات الفقهية , وتعين الطالب وتسهل عليه .. بل قال قطب الذين ت 722 وهو من علماء الشافعية قال :" الفقه معرفة النظائر"..
فالطالب إن ضبط الضوابط والقواعد فإنه يتمهر في الفقه ويستحضر المسائل ومداركها ومآخذها وأسرارها ويقتدر على إلحاق النظير بالنظير والشبيه بالشبيه , ومعرفة الأحكام غير المصدورة في الكتب ...ويعرف المستجدات والنوازل والحوادث والمقائع التي لا تنقضي على مر الزمان ...
نعم النصوص محصورة , لكن الوقائع والحوادث غير محصورة , لأنه لا يوجد لكل حادثة نص ولا لكل واقعة وقعت نص مختص بها , فلذلك العلماء أصلوا تأصيلات عديدة وقعدوا قواعد كثيرة تخدم المستجدات والحوادث , فإن لم يكن تمت هناك نص لواقعة معينة فمن معاني النصوص التي استنبط منها أهل العلم الضوابط والقواعد ..
فالشرع ليس صالح لكل زمان ومكان . هذا ظلم للشريعة أن يقال صالح لكل زمان ومكان بل هو مصلح لكل زمان ومكان ..
يقول العلامة السيوطي:
"اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم ، به يطلع علىحقائق الفقه ومداركه ، ومآخذه وأسراره ، ويتمهر في فهمه واستحضاره ، ويقتدر علىالإلحاق والتخريج ، ومعرفة المسائل التي ليست بمسطورة ، والحوادث والوقائع التي لاتنقضي على مرِّ الزمان ، ولهذا قال بعض أصحابنا : الفقه معرفة النظائر".
يقول العلامة القرافي:
" "وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ،ويشرف ، ويظهر رونق الفقه ويعرف ، ومن جعل يخرّج الفروع بالمناسبات الجزئية ، دونالقواعد الكلية ، تناقضت عليه الفروع واختلفت ، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لاتتناهى ، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها فيالكليات ، واتحد - عنده ما تناقض عند غيره ، وتناسب ".
الضوابط الفقهية عند الصحاب والتابعين
نجد أن الضوابط الفقهية كانت تدور على ألسنة الصحابة والتابعين , فمثلا علي بن أبي طالب قال :" ليس على صاحب العارية ضمان "
وقال أيضا :" من أجر أجيرا فهو ضامن "
وقال :" من استعمل مملوك قوم صغيرا أو كبيرا فهو ضامن "
وكان ابن عباس يقول :" لا إلآء إلا بخلف "
وكان يقول :" لا قطع في إصرار بإكراه "
أما التابعون فقد اتسعت الأمور أمامهم وكثرت الضوابط على ألسنتهم ... فمثلا شريك بن عبد الله النخعي كان يقول :"من ضمن فله ربحه "
وكان الشعبي يقول :" المعتدي في الصدقة كما نعها "
زكان يقول :" كل يمين حالت بين رجل وامرأة فهي إيلاء "
إلى غير ذلك ...