السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم جلبت لكم سلسلة"كيف تتلذذ بالصلاة"للشيخ"مشارى الخراز"
وهى مكتوبة وسأحاول رفع الحلقات بإذن الله تعالى
جعلها الله فى ميزان حسناتنا وحسناتكم بإذنه تعالى
أحلى عبادة فى الكون
عن عقيل بن جابر عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في غزوة .. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا فقال "من رجل يكلؤنا"، فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال "كونا بفم الشعب"، قال فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي وأتى رجل من المشركين فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال "سبحان الله ألا انبهتني أول ما رمى"، قال "كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها"[رواه أبو داوود وحسنه الألباني].. لقد كان الصحابي يتلذذ بالقراءة والصلاة، فلم يرد أن يقطع تلك اللذة حتى بعد إصابته بثلاثة أسهم ..
فالصلاة هي أحلى عبادة في العالم .. فما أن تُسلِم وتنتهي منها تشعر براحة وأنك قد ارتويت بالفعل،،
يقول ابن الجوزي عن صلاته "إنا في روضة طعامنا فيها الخشوع وشرابنا فيها الدموع"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية "إذا كنت ترى جسم الخاشع على كوكب الأرض فروحه في الحقيقة تجول وتسبح في مكان آخر .. روحه تحوم حول عرش الرحمن"
وهذه اللذة ليست للسلف فقط، بل هناك الكثير مثلك وفي مثل عمرك تذوقوها عندما عرفوا أسرار الصلاة وطريق الخشوع ..
ولكي تكون من {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }[المؤمنون:2]، لابد وأن تكون لديك مفاتيح الصلاة .. ومن لم يذق حلاوة الخشوع ولذة الصلاة فهو مسكين ..
فالصلاة تشفي الصدور وتطرد الهموم وتزيل الغموم وتجلب الراحة .. والله ثم والله لن تجد أحدًا يعطيك الراحة إلا الذي يملك الراحة وهو الله جل وعلا.
وقد أخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذه الراحة في الصلاة، فكان يقول لمؤذنه "أقم الصلاة يا بلال أرحنا بها"[رواه أبو داود وصححه الألباني]
تابعونا مع أعماق الصلاة ..
بعض أعماق وأسرار الصلاة
1) حضور القلب .. يجب أن تعلم أن حضور القلب وعدم السرحان في الصلاة هو فقط أول خطوة وأول معنى من معاني أسرار الصلاة، وإلا فهناك بعدٌ أعمق من مجرد حضور القلب.
والكثير من الناس يجاهد لاستحضار قلبه في الصلاة، وهو لا يحتاج إلى مجاهدة ! .. لأن لذة حضور القلب مع الله جل وعلا في الصلاة أعذب بكثير جدًا من لذة السرحان.
الفرق بين صلاة الخاشع وغيره .. فالذي يعيش أحوال أهل الجنة بالخشوع في صلاته، يأخذ نفس الوقت ويؤدي نفس الحركات التي يؤديها غير الخاشع .. ولكن الفرق بينهما هو حضور القلب ..
ألا تستطيع أن تحضر قلبك لمدة عشر دقائق فقط ؟! ..
فالصلوات الخمس تستغرق من وقتك أقل من ساعة في اليوم، وسيكون أمامك أكثر من ثلاث وعشرين ساعة كي تفكر في الدنيا كما تشاء فيما أباحه الله عز وجل.
2) الفهم ..
بعض الناس قد يكون حاضر القلب لكنه لا يفهم معنى كلامه وأفعاله في الصلاة، ويردد أمورًا لا يعرفها .. ثم نتساءل لماذا لا نخشع؟
فليس أكبر أهدافك مجرد عدم السرحان، فهذا أول عمق فقط .. الأمر الآخر هو أن تفهم وإلا فلا فرق بيننا وبين طيور تتكلم وربما أعمدة أخرى تعبد الله جل جلاله.
سنكشف عن أسرار هذه الكلمات ومعانيها، فإذا انكشفت عليك وعرفت أبعادها سيتغير شعورك ..
ولكن لا تقل لا أستطيع أن أخشع ..
فيستحيل أن يطلب الله عز وجل منك أن تخشع وأنت لا تستطيع ذلك .. وأنت الذي تملك نفسك وذهنك وعقلك وتستطيع أن تتحكم بهم .. وكما أن الطالب لا يترك الإجابة التي يعرفها في الإمتحان بسبب السرحان، وكما أن الكثير من الناس يفهمون ما يشاهدون على التلفاز دون أن يسرحوا .. فبالتأكيد يستطيعون أن لا يسرحوا طوال العشر دقائق، التي هي مدة كل صلاة بحوّل الله وقوته.
أخي الكريم، أدعوك إلى أن تجتهد وأبشر فإن الله تعالى أكرم ما تتصور وأعظم مما تتخيل يعطيك تلك اللذة إذا رآك تريدها فعلاً واستعنت به على ذلك.
قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهم سبلَنَا ..}[العنكبوت: 69]
أخي الكريم، بعد معرفتك بهذه الأبعاد ستصل إلى مرحلة تتمنى بعدها ألا تنتهي الصلاة وأن تبقى فيها أكثر .. ولكن الأمر يحتاج منك إلى عزم ..
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
إلى عمق آخر فتابعونا،،
ما الفرق بين الرجاء والأماني؟
الرجاء هو أن تشعر بالمشاعر التى ذكرناها سابقًا ولكن مع عمل .. أما الأمانى فبلا عمل، أن يتمنى من الله أن يغفر له ويرحمه وهو معرض عنه ..
قال تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثمَّ اهتَدَى} [طه : 82]
ووالله إن للرجاء طعم فى الصلاة .. جرب الرجاء، جرب أن تحسن الظن بربك فى الصلاة، سيعطيك أكثر مما تستحق بل وأكثر مما تتوقع، فقط لأنك ترجوه ...
قال تعالى {.....وَرَحمَتِي وَسِعَت كلَّ شَيءٍ...} [الأعراف : 156]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخرّ الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" [متفق عليه]
لقد وسعت رحمة الله عز وجل من هو شر منك، فكيف لا يرحمك؟!
ولتحصل على رحمة الله عز وجل .. عليك أن تطلبها منه وهو يعطيك إياها .. قم الآن فصلِّ وأرجو ربك وهو يعطيك رحمته،،
قال تعالى {قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفوا عَلَى أَنفسِهِم لَا تَقنَطوا مِن رَّحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِر الذّنوبَ جَمِيعاً إِنَّه هوَ الغَفور الرَّحِيم} [الزمر : 53]
ادعوه وتمتع بالرجاء فى صلاتك،،
هيبة الجلال
بعد أن تدرجنا من حضور القلب إلى الفهم ودخلنا في شعور الرجاء .. نريد أن نعادل الرجاء بشعور آخر وهو شعور الهيبة ..
كان علي بن أبى طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلوّن وجهه، فيقال له ما بك؟، فيقول "جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملتها أنا" ... لقد كانت صلاتهم تختلف عن صلاتنا، لأن مشاعرهم تختلف عن مشاعرنا .. ونحن نريد أن نزيد من عبادتنا القلبية، لنتلذذ بالصلاة أكثر ...
فما الفرق بين الخوف والخشية والهيبة؟
فالهيبة نوع من أنواع الخوف ..والفرق بينهم كما ذكر ابن القيم رحمه الله:
الخوف ..هو الهروب من المخوف منه ..
أما الخشية ..هي خوف ولكن مع علم، فإذا زاد علم العبد بربه صار خوفه خشية .. قال تعالى {....إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العلَمَاء...}[فاطر : 28]
أما الهيبة .. فهي خوفٌ مع علم وتعظيم ... وهي أعلى مراتب الخوف.
مثلاً:أنت تخاف من النار ولكنك لا تهابها لأن خوفك سببه الإيذاء وليس التعظيم، أما والدك فأنت تهابه لأن شعورك تجاهه عبارة عن خوف مع تعظيم ..
كيف نجمع بين الخوف والرجاء؟
هذا أمرٌ سهل .. فنحن نجمع بين الخوف والرجاء عندما نتعامل مع المخلوقات، فكيف لا نجمع بينهما في تعاملنا مع الخالق؟؟
ألا ترى أن الرجل عندما يكون مدينًا لرجلٍ آخر، فيقِرّ بأن عليه دين يجب أن يدفعه ولكنه يرجو منه أن يسقط الدين، لطمعه في كرم الدائن.
ولله المثل الأعلى .. أنت تعترف بذنبك، فتخاف منه وتقِر به .. ومع ذلك ترجو كرم الكريم جل جلاله في أن يعفو عنك.
وكل شيء إذا خفته تفر منه إلا الله تعالى، فالله تعالى إذا خفته فررت إليه . . قال تعالى {فَفِرّوا إِلَى اللَّهِ....}[الذاريات : 50]
كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو فيقول ".. لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك .."[رواه أبو داوود وصححه الألباني]
ومن دعائه أيضًا : "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"[رواه مسلم]..
قال ابن القيم "ولا يعلم مافي هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية إلا الراسخون فى العلم، ولو استقصينا شرحها لخرجنا بكتاب ضخم .. ولكن إن دخلت ـ فى هذا العلم ـ رأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"
ويقول رحمه الله "هيبة الجلال هي أقصى درجة يشار إليها فى غاية الخوف، وربنا سبحانه له هيبة عظيمة لا يعلمها إلا من هزته تلك الهيبة"
هيبة لا تقاربها هيبة .. والذي يقف بين يديه يشعر بها بوضوح،،
أعرف نفسك ....اعرف ربك
والخوف من الله يزيد فى قلب العبد لسببين:
1) علم العبد بربه .. بعلمه أن الله عز وجل عظيم وذو كبرياء وجبروت، فلا ينبغي أن يعصى أو يخَالف، فكل شيء تحت قهره وسلطانه ..
فمن أنا وأنت حتى نخالف أمر الله؟!!
ولهذا فإن الله يهز عباده ويقول لهم { مَّا لَكم لَا تَرجونَ لِلَّهِ وَقَاراً }[نوح : 13]، ويقول لهم {....وَيحَذِّركم اللّه نَفسَه.....} [ آل عمران : 28 ]
2) علم العبد بنفسه .. فإن الإنسان أدرى بأفعاله وبما في قلبه، يقول الله عز وجل { بَلِ الإِنسَان عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ } [القيامة : 14] .. وعلى الرغم من درايته بمعاصيه، ففي كل مرة يؤخر التوبة .. وإلى الآن لم يتب بعد ..
والله عز وجل لو أهلك العباد لأهلكهم جميعًا وهو لا يبالي بهم، يقول الله تعالى { يَا أَيّهَا النَّاس أَنتم الفقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّه هوَ الغَنِيّ الحَمِيد (15) إِن يَشَأ يذهِبكم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)} [فاطر]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر" [صحيح الجامع (3665)]
أخي الكريم، لا يغرنّك حلم الله عليك وستره لك وعدم عقوبته لك!!
ولتعلم إن كل الخوف مزعج ومؤلم، إلا الخوف من الله عز وجل .. فإن الحياة لا تطيب إلا به، لأنه يوصلك إلى أحلى مكان فى الكون .. يوصلك إلى الجنة ..
ألا تحب أن تدخل الجنة؟!
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إنا لنصحب أقوامًا يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تتقطع، قال: "لإن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنًا، خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى تدركك المخاوف"
جرب أن يمتلأ قلبك بالهيبة من الله .. وستشعر بالفرق فى صلاتك،،
لذة حب الله
بما أننا قد استحضرنا قلوبنا وبدأنا نفهم الصلاة وأضفنا شعوري الرجاء والهيبة، بقي علينا أن نأتي بأفضل هذه المشاعر وأعلاها .. وهذا الشعور يحلّي لك الصلاة ويجملها وتحس معه أن الصلاة قد صارت أقصر من المعتاد ..
وقد تكلم ابن القيم عن هذا الشعور، فقال "هو الذي تنافس فيه المتنافسون .. وإليه شمر السابقون .. فهو غذاء الأراوح وقرة العيون .. ومتى خلى القلب منه فهو كالجسد الذي لا روح فيه، فهو النور وهو شفاء وهو اللذة التى من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام"
إنه شعور الحب .. حب الله
فأحب شيء إلى قلبك هو الله عز وجل .. وبعض الناس يظن أن علاقته مع الله هي مجرد تنفيذ أوامر واجتناب للمحرمات، لكي ينجو من عذاب النار .. وهذا واجب عليك أن تفعله، ولكن عليك تفعله خوفًا ورجاءًا وحبًا .. وليس خوفًا فقط ..
والله عز وجل هو الأولى بأن تصرف إليه المحبة من أي شخص في حياتك .. يقول تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذ مِن دونِ اللَّهِ أَندَادًا يحِبّونَهم كَحبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنوا أَشَدّ حبًّا لِلَّهِ ..}[البقرة: 165]
جمال خلق الجميل سبحانه
ومن أسماءه الحسنى الجميل .. وهو سبحانه جميل يحب الجمال، ولذلك لم يبعث الله نبيًا إلا جميل الصورة كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..
وقالوا في وصفه صلي الله عليه وسلم : "كأن الشمس تجري في وجهه"، وقالوا: "لم أره قبله ولا بعده مثله"
وما استدام الجمال والجلال لأحد إلا لله الكبير المتعال، وقد أخبر الله عباده بذلك فقال {كلّ مَن عَلَيهَا فَانٍ، وَيَبقَى وَجه رَبِّكَ ذو الجَلاَلِ وَالإِكرَامِ } [الرحمن: 26,27]
والله عز وجل ينصب إليك هذا الجمال إذا صليت ..
لقوله صلى الله عليه وسلم "فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
فهو سبحانه ينصب إليك وجهه ما لم تلتفت، سواء كان الإلتفات بالوجه أو القلب (السرحان).
أخي الكريم، أتدري ستقف بين يدى مَن بعد قليل؟؟
ستقف بين يدي الله .... الله الذي هو أجمل شيء في الكون،،
هل أزددت حبًا لله الآن؟؟