قال النووي في المجموع شرح المهذب :
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتحرم المباشرة في الفرج ; لقوله سبحانه وتعالى { فالآن باشروهن } إلى قوله عز وجل { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإن باشرها في الفرج بطل صومه ، لأنه أحد ما ينافي الصوم ، فهو كالأكل ، وإن باشر فيما دون الفرج فأنزل أو قبل فأنزل بطل صومه ، وإن لم ينزل لم يبطل ; لما روى جابر رضي الله عنه قال : { قبلت وأنا صائم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : قبلت وأنا صائم ، فقال : أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم } فشبه القبلة بالمضمضة ، وقد ثبت أنه إذا تمضمض فوصل الماء إلى جوفه أفطر ، وإن لم يصل لم يفطر ، فدل على أن القبلة مثلها ، فإن جامع قبل طلوع الفجر فأخرج مع الطلوع وأنزل لم يبطل صومه ، لأن الإنزال تولد من مباشرة هو مضطر إليها ، فلم يبطل الصوم . وإن نظر وتلذذ فأنزل لم يبطل صومه ; لأنه إنزال من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم . وإن استمنى فأنزل بطل صومه ; لأنه إنزال عن مباشرة ، فهو كالإنزال عن القبلة ; ولأن الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الأجنبية في الإثم والتعزير فكذلك في الإفطار ) .
قال النووي - رحمه الله - شارحا :
( الشرح ) هذا الحديث المذكور مما غيره المصنف ، فجعله عن جابر وأنه هو المقبل وليس هو كذلك ، وإنما المقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو السائل ، وهذا لفظ الحديث في سنن أبي داود ومسند أحمد بن حنبل وسنن البيهقي وجميع كتب الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : { قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هششت فقبلت وأنا صائم ، فقلت : يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، قال : أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس قال : فمه } هذا لفظ الحديث في سنن أبي داود وغيره وإسناده صحيح على شرط مسلم ، ورواه الحاكم وقال : هو صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولا يقبل قوله : إنه على شرط البخاري ، إنما هو على شرط مسلم [ قال الألباني صحيح أنظر صحيح سنن أبي داود حديث رقم 2385 ] ، قال الخطابي : في هذا الحديث إثبات القياس والجمع بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعهما في الشبه ; لأن المضمضة بالماء ذريعة إلى نزوله إلى البطن فيفسد الصوم ، كما أن القبلة ذريعة إلى الجماع المفسد للصوم فإذا كان أحدهما غير مفطر وهو المضمضة فكذا الآخر .
( وقوله ) هششت ، معناه نشطت وارتحت ، وقول المصنف وقد ثبت أنه لو تمضمض فوصل الماء إلى جوفه أفطر ، هذا تفريع منه على أحد القولين في المضمضة ،
( أما الأحكام ) ففي الفصل مسائل :
( إحداها ) أجمعت الأمة على تحريم الجماع في القبل والدبر على الصائم وعلى أن الجماع يبطل صومه ; للآيات الكريمة التي ذكرها المصنف والأحاديث الصحيحة ، ولأنه مناف للصوم فأبطله كالأكل ، وسواء أنزل أم لا ، فيبطل صومه في الحالين بالإجماع ; لعموم الآية والأحاديث ، ولحصول المنافي ، ولو لاط برجل أو صبي أو أولج في قبل بهيمة أو دبرها بطل صومه بلا خلاف عندنا ، سواء أنزل أم لا قال أبو حنيفة في اللواط كمذهبنا ، وقال في البهيمة : إن أنزل بطل صومه وإلا فلا ، وسواء في الوطء وطء زوجته وأمته وأجنبية بزنا أو شبهة ، فكله يفطر به إذا كان عالما بالصوم .
( الثانية ) إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها ، فإن أنزل المني بطل صومه وإلا فلا ، لما ذكره المصنف ، ونقل صاحب الحاوي وغيره الإجماع على بطلان صوم من قبل أو باشر دون الفرج فأنزل ، ويستدل أيضا لعدم الفطر إذا لم ينزل بالأحاديث الصحيحة المشهورة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم } [ وفي إرواء الغليل " ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه ) . رواه الجماعة إلا النسائي ... ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم ، ثم يجعل بينه وبينها ثوبا يعني الفرج ) . أخرجه أحمد ( 6 / 59 ) بسند جيد وهو على شرط مسلم " ] وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، وهذا الذي ذكرناه هو المذهب والمنصوص ، وبه قطع الجمهور . وحكى إمام الحرمين عن والده أنه حكى وجهين فيمن ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل ، قال : وهو عندي كسبق ماء المضمضة ، قال : فإن ضاجعها متجردا فهو كالمبالغة ، في المضمضة ، قال : وقد وجدت للشيخ أبي علي السنجي في الشرح رمزا إلى هذا ( قلت ) قد جزم المتولي بأنه لو قبلها فوق خمار فأنزل لا يفطر ; لعدم المباشرة ، قال : ولو لمس شعرها فأنزل ففي بطلان صومه وجهان بناء على انتقاض الوضوء بمسه .
( الثالثة ) إذا جامع قبل الفجر ثم نزع مع طلوعه أو عقب طلوعه وأنزل لم يبطل صومه ; لأنه تولد من مباشرة مباحة فلم يجب فيه شيء ، كما لو قطع يد رجل قصاصا فمات منه فهذا هو التعليل الصحيح ، وأما قول المصنف لأنه تولد من مباشرة هو مضطر إليها فليس بمقبول .
( الرابعة ) إذا نظر إلى امرأة ونحوه وتلذذ فأنزل بذلك لم يفطر ، سواء كرر النظر أم لا ، وهذا لا خلاف فيه عندنا إلا وجها شاذا حكاه السرخسي في الأمالي أنه إذا كرر النظر فأنزل بطل صومه ، والمذهب الأول ، وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور ، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري هو كالجماع ، فيجب القضاء والكفارة ونحوه عن الحسن بن صالح ، وعن مالك روايتان ، ( إحداهما ) كالحسن ( والثانية ) إن تابع النظر فعليه القضاء والكفارة ، وإلا فالقضاء قال ابن المنذر : لا شيء عليه ، ولو احتاط فقضى يوما فحسن ، قال صاحب الحاوي : أما إذا فكر بقلبه من غير نظر فتلذذ فأنزل فلا قضاء عليه ولا كفارة بالإجماع ، قال : وإذا كرر النظر فأنزل أثم ، وإن لم يجب القضاء .
( الخامسة ) إذا استمنى بيده وهو استخراج المني أفطر بلا خلاف عندنا ، لما ذكره المصنف ، ولو حك ذكره لعارض فأنزل فوجهان حكاهما الصيمري وصاحب البيان ، قالوا : ويشبه أن يكونا مبنيين على القولين فيمن سبق ماء المضمضة إلى جوفه .
( قلت ) والأصح أنه لا يفطر في مسألة حك الذكر لعارض ; لأنه متولد من مباشرة مباحة ، والله أعلم .
( أما ) إذا احتلم فلا يفطر بالإجماع ; لأنه مغلوب كمن طارت ذبابة فوقعت في جوفه بغير اختياره ، فهذا هو المعتمد في دليل المسألة ( وأما ) الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " { لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم } فحديث ضعيف لا يحتج به [ قال الألباني : إسناده ضعيف لجهالة صاحب زيد بن أسلم وقد روي من غير طريقه ولا يصح منها شيئ/ صحيح ابن خزيمة ] ، وسبق بيانه في مسألة القيء ، والله أعلم .
( فرع ) لو قبل امرأة وتلذذ فأمذى ولم يمن ، لم يفطر عندنا بلا خلاف ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والشعبي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور قال : وبه أقول ، وقال مالك وأحمد : يفطر ، دليلنا أنه خارج لا يوجب الغسل فأشبه البول .
( فرع ) قال صاحب البيان : إذا أمنى الخنثى المشكل عن مباشرة وهو صائم أو رأى الدم يوما كاملا من فرج النساء لم يبطل صومه ; لاحتمال أنه عضو زائد ، وإن أمنى من فرج الرجال عن مباشرة ورأى الدم في ذلك اليوم من فرج النساء ، واستمر الدم أقل مدة الحيض ، بطل صومه ; لأنه إن كان رجلا فقد أنزل عن مباشرة ، وإلا فقد حاضت ، فإن استمر به الدم بعد ذلك أياما ولم ينزل عن ، مباشرة من آلة الرجل لم يبطل صومه في انفراد الدم أو الإنزال ، ولا كفارة حيث قلنا بفطره للاحتمال ، هذا كلام صاحب البيان .
وقال ابن قدامة في المغني :
( 2017 ) مسألة : قال : ( ومن أكل أو شرب ، أو احتجم ، أو استعط ، أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان ، أو قبل فأمنى ، أو أمذى ، أو كرر النظر فأنزل ، أي ذلك فعل عامدا ، وهو ذاكر لصومه ، فعليه القضاء بلا كفارة ، إذا كان صوما واجبا )
في هذه المسألة فصول :
... ( 2032 ) الفصل الرابع : إذا قبل فأمنى أو أمذى ، ولا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال ;
أحدها ، أن لا ينزل ، فلا يفسد صومه بذلك ، لا نعلم فيه خلافا ; لما روت عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يقبل وهو صائم ، وكان أملككم لإربه } ، رواه البخاري ، ومسلم . ويروى بتحريك الراء وسكونها ، قال الخطابي : معناهما واحد وهو حاجة النفس ووطرها ، وقيل بالتسكين : العضو . وبالفتح : الحاجة . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : { هششت فقبلت وأنا صائم ، فقلت : يا رسول الله : صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم . فقال : أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس به ، قال : فمه ؟ . } رواه أبو داود . شبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الشهوة ، وأن المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر ، وإن كان معها نزوله أفطر . إلا أن أحمد ضعف هذا الحديث ، وقال : هذا ريح ، ليس من هذا شيء .
الحال الثاني ، أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه ; لما ذكرناه من إيماء الخبرين ، ولأنه إنزال بمباشرة ، فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج .
الحال الثالث ، أن يمذي فيفطر عند إمامنا ومالك . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يفطر . وروي ذلك عن الحسن ، والشعبي ، والأوزاعي ، لأنه خارج لا يوجب الغسل ، أشبه البول . ولنا أنه خارج تخلله الشهوة ، خرج بالمباشرة ، فأفسد الصوم ، كالمني ، وفارق البول بهذا ، واللمس لشهوة كالقبلة في هذا . إذا ثبت هذا ، فإن المقبل إذا كان ذا شهوة مفرطة ، بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل ، لم تحل له القبلة ; لأنها مفسدة لصومه ، فحرمت ، كالأكل . وإن كان ذا شهوة ، لكنه لا يغلب على ظنه ذلك ، كره له التقبيل ; لأنه يعرض صومه للفطر ، ولا يأمن عليه الفساد .
وقد روي عن عمر ، أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فأعرض عني ، فقلت له : ما لي ؟ فقال : " إنك تقبل وأنت صائم " [هو في مصنف ابن أبي شيبة : حدثنا أبو أسامة عن عمرو بن حمزة قال أخبرني سالم عن ابن عمر قال : قال عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فرأيته لا ينظرني ، فقلت : يا رسول الله ، ما شأني ، قال : ألست الذي تقبل وأنت صائم ، قلت : والذي بعثك بالحق لا أقبل بعدها وأنا صائم .] . ولأن العبادة إذا منعت الوطء منعت القبلة ، كالإحرام . ولا تحرم القبلة في هذه الحال ; لما روي { أن رجلا قبل وهو صائم ، فأرسل امرأته ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبل وهو صائم ، فقال الرجل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مثلنا ، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني لأخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتقي } . رواه مسلم بمعناه . ولأن إفضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه ، ولا يثبت التحريم بالشك ، فأما إن كان ممن لا تحرك القبلة شهوته ، كالشيخ الهرم ، ففيه روايتان ;
إحداهما ، لا يكره له ذلك . وهو مذهب أبي حنيفة ، والشافعي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم لما كان مالكا لإربه ، وغير ذي الشهوة في معناه . وقد روى أبو هريرة { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم ، فرخص له ، فأتاه آخر ، فسأله ، فنهاه ، فإذا الذي رخص له شيخ ، وإذا الذي نهاه شاب } . أخرجه أبو داود . ولأنها مباشرة لغير شهوة ، فأشبهت لمس اليد لحاجة .
والثانية ، يكره ; لأنه لا يأمن حدوث الشهوة ، ولأن الصوم عبادة تمنع الوطء ، فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته ، وغيره ، كالإحرام . فأما اللمس لغير شهوة ، كلمس يدها ليعرف مرضها ، فليس بمكروه بحال ; لأن ذلك لا يكره في الإحرام ، فلا يكره في الصيام ، كلمس ثوبها .
( 2033 ) فصل : ولو استمنى بيده فقد فعل محرما ، ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل ، فإن أنزل فسد صومه ; لأنه في معنى القبلة في إثارة الشهوة . فأما إن أنزل لغير شهوة ، كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض ، فلا شيء عليه ; لأنه خارج لغير شهوة ، أشبه البول ، ولأنه يخرج من غير اختيار منه ، ولا تسبب إليه ، فأشبه الاحتلام . ولو احتلم لم يفسد صومه ، لأنه عن غير اختيار منه ، فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم . ولو جامع في الليل ، فأنزل بعد ما أصبح ، لم يفطر ; لأنه لم يتسبب إليه في النهار ، فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل ، فذرعه القيء في النهار .
( 2034 ) الفصل الخامس : إذا كرر النظر فأنزل ، ولتكرار النظر أيضا ثلاثة أحوال ;
أحدها ، أن لا يقترن به إنزال ، فلا يفسد الصوم بغير اختلاف .
الثاني ، أن يقترن به إنزال المني ، فيفسد الصوم في قول إمامنا ، وعطاء ، والحسن البصري ، ومالك ، والحسن بن صالح . وقال جابر بن زيد ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وابن المنذر : لا يفسد ; لأنه إنزال عن غير مباشرة ، أشبه الإنزال بالفكر .
ولنا أنه إنزال بفعل يتلذذ به ، ويمكن التحرز منه ، فأفسد الصوم ، كالإنزال باللمس ، والفكر لا يمكن التحرز منه ، بخلاف تكرار النظر .
الثالث : مذي بتكرار النظر . فظاهر كلام أحمد ، أنه لا يفطر به ; لأنه لا نص في الفطر ، ولا يمكن قياسه على إنزال المني ، لمخالفته إياه في الأحكام ، فيبقى على الأصل . فأما إن نظر فصرف بصره ، لم يفسد صومه ، سواء أنزل أو لم ينزل . وقال مالك : إن أنزل فسد صومه ; لأنه أنزل بالنظر ، أشبه ما لو كرره . ولنا أن النظرة الأولى لا يمكن التحرز منها ، فلا يفسد الصوم ما أفضت إليه ، كالفكرة ، وعليه يخرج التكرار ، فإذا ثبت هذا ، فإن تكرار النظر مكروه لمن يحرك شهوته ، غير مكروه لمن لا يحرك شهوته ، كالقبلة .
ويحتمل أن لا يكره بحال ; لأن إفضاءه إلى الإنزال المفطر بعيد جدا ، بخلاف القبلة ، فإن حصول المذي بها ليس ببعيد .
( 2035 ) فصل : فإن فكر فأنزل ، لم يفسد صومه . وحكي عن أبي حفص البرمكي ، أنه يفسد . واختاره ابن عقيل ; لأن الفكرة تستحضر ، فتدخل تحت الاختيار ، بدليل تأثيم صاحبها في مساكنتها ، في بدعة وكفر ، ومدح الله سبحانه الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله ، وأمر بالتفكر في آلائه ، ولو كانت غير مقدور عليها لم يتعلق ذلك بها ، كالاحتلام . فأما إن خطر بقلبه صورة الفعل ، فأنزل ، لم يفسد صومه ; لأن الخاطر لا يمكن دفعه .
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ، وما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تتكلم } . ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع ، ولا يمكن قياسه على المباشرة ، ولا تكرار النظر ، لأنه دونهما في استدعاء الشهوة ، وإفضائه إلى الإنزال ، ويخالفهما في التحريم إذا تعلق ذلك بأجنبية ، أو الكراهة إن كان في زوجة ، فيبقى على الأصل .
... ( 2037 ) الفصل السابع : أنه متى أفطر بشيء من ذلك فعليه القضاء ، لا نعلم في ذلك خلافا ; لأن الصوم كان ثابتا في الذمة ، فلا تبرأ منه إلا بأدائه ، ولم يؤده ، فبقي على ما كان عليه ; ولا كفارة في شيء مما ذكرناه ، في ظاهر المذهب . وهو قول سعيد بن جبير ، والنخعي ، وابن سيرين ، وحماد ، والشافعي . وعن أحمد أن الكفارة تجب على من أنزل بلمس أو قبلة أو تكرار نظر ; لأنه إنزال عن مباشرة ، أشبه الإنزال بالجماع . وعنه في المحتجم ، إن كان عالما بالنهي ، فعليه الكفارة . وقال عطاء في المحتجم : عليه الكفارة . وقال مالك : تجب الكفارة بكل ما كان هتكا للصوم ، إلا الردة ; لأنه إفطار في رمضان أشبه الجماع .
وحكي عن عطاء ، والحسن ، والزهري ، والثوري ، والأوزاعي ، وإسحاق ، أن الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجبه الجماع . وبه قال أبو حنيفة ، إلا أنه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به ، فلو ابتلع حصاة أو نواة أو فستقة بقشرها ، فلا كفارة عليه . واحتجوا بأنه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجبت عليه الكفارة كالمجامع . ولنا أنه أفطر بغير جماع ، فلم توجب الكفارة ، كبلع الحصاة أو التراب ، أو كالردة عند مالك ، ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع ، ولا يصح قياسه على الجماع ، لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس ، والحكم في التعدي به آكد ، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرما ، ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته ، ووجوب البدنة ، ولأنه في الغالب يفسد صوم اثنين ، بخلاف غيره .
... ( 2047 ) مسألة : قال : ( ومن جامع في الفرج ، فأنزل ، أو لم ينزل ، أو دون الفرج فأنزل عامدا أو ساهيا ، فعليه القضاء والكفارة ، إذا كان في شهر رمضان ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا ، في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل ، أو دون الفرج فأنزل ، أنه يفسد صومه إذا كان عامدا ، وقد دلت الأخبار الصحيحة على ذلك ، وهذه المسألة فيها مسائل أربع ; ...
( 2050 ) المسألة الثالثة ، أن الجماع دون الفرج ، إذا اقترن به الإنزال ، فيه عن أحمد روايتان ;
إحداهما ، عليه الكفارة ، وهذا قول مالك ، وعطاء والحسن ، وابن المبارك وإسحاق ; لأنه فطر بجماع ، فأوجب الكفارة كالجماع في الفرج ،
والثانية : لا كفارة فيه . وهو مذهب الشافعي ، وأبي حنيفة ; لأنه فطر بغير جماع تام ، فأشبه القبلة ، ولأن الأصل عدم وجوب الكفارة ، ولا نص في وجوبها ولا إجماع ولا قياس ، ولا يصح القياس على الجماع في الفرج ; لأنه أبلغ ، بدليل أنه يوجبها من غير إنزال ، ويجب به الحد إذا كان محرما ، ويتعلق به اثنا عشر حكما . ولأن العلة في الأصل الجماع بدون الإنزال ، والجماع هاهنا غير موجب ، فلم يصح اعتباره به .