سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته

العودة   ملتقى مونمس ® > القسم الإسلامي > منتدى العلوم الدينية و الدروس الفقهية

منتدى العلوم الدينية و الدروس الفقهية هنا توضع الدروس الفقهية والعلوم الدينية كعلوم القرءان والحديث والأحكام الدينية

!~ آخـر 10 مواضيع ~!
إضغط على شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
5.00 من 5 عدد المصوتين: 1
انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-21-2011, 09:49 PM
الصورة الرمزية الثلايا
الثلايا الثلايا غير متواجد حالياً
مشرف القسم الإسلامي
 
شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع









افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

 
المبحث الثاني

إحسان الظن وحمل الكلام على المحمل الحسن ما دام يحتمل ذلك


إن من القواعد المهمة ، والآداب الراقية التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم عندما يتعامل مع أخطاء إخوانه المسلمين حسن الظن بهم ، وحمل أمرهم على السلامة والستر ما لم يأته ما يغلبه ، وذلك قبل الحكم عليهم بالخطأ ،

وذلك لما يلي :

1- أن هذا المنهج هو الذي توافرت على تقريره النصوص الشرعية

قال تعالى : {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} .

وقال تعالى : {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ} .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" .

وقال : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ،ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف راحلته" .

وقد حث الصحابة والتابعون الأمة على اتباع هذا المنهج . فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا شراً ، وأنت تجد لها في الخير محملاً" .


وعن سعيد بن المسيب قال : "كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتيك ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً ..." .

وقال أبو قلابة الجرمي : "إذا بلغك عن أخيك شيئاً تكرهه فالتمس له عذراً جهدك ، فإن لم تجد له عذراً فقل : لعل لأخي عذراً لا أعلمه" .


وبسلوك هذا المنهج وصلوا رحمهم الله إلى سلامة الصدر – التي عزَّ وجودها – والتي كانت منقبة عندهم يمدحون من اتصف بها ، ويحمدون الله تعالى على بلوغها .

فهذا زيد بن أسلم يحدثنا عن أبي دجانة رضي الله عنه أنه دخل عليه مرة وهو مريض وكان وجهه يتهلل ، فقيل له : ما لوجهك يتهلل؟ فقال : ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً" .

وقال إياس بن معاوية : "كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة" .

وقال الفضيل بن عياض : "لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صلاة ولا صيام ، وإنما أدرك بسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة" .

فهل يظن منصف بعد تلك النقول المشرفة أن الدعوة إلى إحسان الظن منهج مخترع لم يسبق إليه؟!!

2- إن هذا المنهج هو الذي سار عليه السلف وامتثلوه في حياتهم العملية راسمين لنا صوراً مشرقة في التعامل مع الآخرين ،

فمن ذلك :

أن الربيع بن سليمان أحد تلاميذ الإمام الشافعي دخل على الشافعي ذات يوم يعوده من مرض ألم به فقال له : "قوَّى الله ضعفك ، فقال الشافعي : لو قوَّى ضعفي لقتلني ، فقال الربيع : والله ما أردت إلا الخير ،فقال الشافعي : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير..." .


وهذا أبو إسحاق الشيرازي نزع عمامته ذات مرة وكانت بعشرين ديناراً ، وتوضأ في دجلة ، فجاء لص فأخذها وترك عمامة رديئة بدلها ، فطلع الشيخ فلبسها وما شعر حتى سألوه وهو يدرس فقال : لعل الذي أخذها محتاج .



وقرأ عثمان بن أبي شيبة: جعل السفينة في رحل أخيه فقيل له : إنما هو السقاية فقال : أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم . علق الإمام الذهبي على ذلك بقوله : فكأنه كان صاحب دعابة ، ولعله تاب وأناب .


وهكذا ينبغي أن يكون النظر لأهل الفضل والخير ، وهذا من فقه المقاصد والنيات الذي يجهله كثير من الناس عندما يحكمون على الآخرين بالنظر إلى الخطأ مجرداً عن حال الشخص ونيته ومقصده ، فربما تكون زلة لسان ولا يقصد المعنى الخبيث ، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله حيث يقول : "والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل ، ويريد بها الآخر محض الحق ، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عنه" .


ولهذا لم يحكم بالكفر على الذي أخطأ من شدة الفرح فقال : "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" ؛ لأنه لم يقصد تأليه نفسه .


ومن تلك الأمثلة الرائعة أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما حكى مقالة الجنيد "التوحيد إفراد القدم من الحدث" قال شيخ الإسلام : "قلت: هذا الكلام فيه إجمال ، والمحق يحمله محملاً حسناً ، وغير المحق يدخل في أشياء..." ، وأما الجنيد فمقصوده التوحيد الذي يشير إليه المشايخ ، وهو التوحيد في القصد والإرادة ، وما يدخل في ذلك من الإخلاص والتوكل والمحبة ، وهو أن يفرد الحق سبحانه – وهو القديم – بهذا كله فلا يشركه في ذلك محدث" .



فانظر – رحمك الله – إلى هذا العدل والإنصاف الذي سار عليه هؤلاء الأعلام ، وكيف حملوا العبارات المحتملة على المحامل الحسنة ، مع إمكانهم أن يحملوها على المحمل الآخر ، لكن سلامة الصدر وسخاء النفس والنصح للأمة تأبى عليهم ذلك ، فليت من يتصيدون الأخطاء ، ويفرحون بالعثرات ويعاملون العلماء الدعاة بسوء الظن يفقهون هذا المنهج .


ورحم الله القلاعي إذ يقول : "فقد يوحش اللفظ وكله ود ، ويكره الشيء وليس من فعله بد ، هذه العرب تقول : لا أبا لك في الأمر إذا هم ، وقاتله الله ولا يريدون الذم ، وويل أمه للأمر إذا تم ، ومن الدعاء : تربت يمينك ، ولذوي الألباب أن ينظروا في القول إلى قائله ، فإن كان ولياً فهو الولاء وإن خشن ، وإن كان عدواً فهو البلاء وإن حسن" .


يتــــــــــــــــبع>>>>>>>>>>
التوقيع :
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عينـــي فــلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحــــيبُ
فَيـــا أسَفاً أسِفْتُ على شَبــــــابٍ نَـعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيـبُ
فيَا لَيتَ الشّبــابَ يَعُودُ يَوْمــــــاً فأُخــــبرَهُ بمَـا فَــعَلَ المَـــــشيبُ




التعديل الأخير تم بواسطة همسات مسلمة ; 12-04-2011 الساعة 06:47 PM
رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
قديم 11-21-2011, 09:50 PM   رقم المشاركة : 2
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

الفصل الثاني

عند ثبوت الخطأ


إذا سلك المسلم الوسائل السابقة في التثبت وظهر له أن الخطأ واقع فكيف يتعامل معه بعد ثبوته؟

إن المتأمل في النصوص الشرعية الواردة في ذلك يجد أن معالجة الخطأ قائمة على أمرين هما

1- النصح .

2- الستر .

وسيكون الحديث عن هذين الأمرين في المباحث التالية :

المبحث الأول
النصح والتوجيه

إن من حق المسلم على أخيه المسلم أن ينصح له إذا رأى منه خطأ أو عيباً وذلك امتثالاً للأحاديث والآثار الوارد في ذلك ، فمنها حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الدين النصيحة ، قلنا : لمن؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" .


وحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" .


إذاً فالنصح حق واجب وهو دليل على صدق الإخاء كما قال بلال بن سعد رحمه الله : صديق إذا لقيك أخبرك بعيب فيك خير من صديق إذا لقيتك وضع في يدك درهمين" .


بل كانوا يسألون غيرهم النصح والتوجيه كما قال بلال ابن سعد لأحد إخوانه : "أي أخي بلغنا أن المؤمن مرآة أخيه فهل تستريب من أمري شيئاً" .


وكان عمر بن عبد العزيز يطلب النصيحة من عمرو بن مهاجر فيقول له : "يا عمرو ، إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني ، ثم قل لي : ماذا تصنع؟" .


ويدخل تحت هذا المبحث مطالب هي بمثابة منائر في طريق النصح

فمن ذلك :

1- إخلاص النية والقصد عند النصح والتوجيه فإنما الأعمال بالنيات:


قال الحافظ ابن رجب : "وأما في باطن الأمر فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبين الحق ، ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته ، فلا ريب أنه مثاب على قصده ، وندخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم ، وأما إن كان مراد الراد بذلك إظهار عيب من رد عليه وتَنَقُّصَه وتبيين جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان مجرماً ، سواء كان رَدُّه لذلك في وجه من ردَّ عليه أو في غيبته ، وسواء كان في حياته أو بعد موته ، وهذا داخل فيما ذمه الله تعالى في كتابه وتوعد عليه في الهمز واللمز ،

وداخل أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" إلى أن قال : "ومن عرف منه" أنه أراد برده على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين ، ومن عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة" .

قال الشيخ مرتضى الزبيدي في مبحث جواز غيبة الفاسق: "إنَّ ذكر الفاسق بما فيه ليحذره الناس : مشروط بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة دفعاً للاغترار به ، فمن ذكر أداً من هذا الصنف تشفياً لغيظه أو انتقاماً لنفسه أو لنحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم . صرَّح بذلك تاج الدين السبكي عن والده تقي الدين ابن السبكي ، قال تاج الدين : كنت جالساً بدهليز دارنا ، فأقبل كلب ، فقلتُ : اخسأ كلبَ بنَ كلب ، فزجرني والدي من داخل البيت ، فقلت : أليس هو كلبَ بن كلب؟ قال : شرْطُ الجواز عدَمُ قصد التحقير ، فقلت : هذه فائدة" .


وبعد إخلاص النية والمقصد عليه اتباع الوسائل والأساليب الشرعية في معالجة الخطأ ،

فمن ذلك :

2- الهدوء في التعامل مع المخطئ وإظهار الرحمة به:

بعد إخلاص النية والمقصد ، على الناصح اتباع الوسائل والأساليب الشرعية ومنها الهدوء في التعامل للوصول إلى الهدف الأسمى من النصح وهو إخراجه من دائرة الخطأ إلى دائرة الصواب والخير ، فالناصح الصادق يتعامل مع المخطئ تعامل الطبيب المريض لا تعامل الشرطي مع اللص ، ولعل في هذين الموقفين من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما يجلي لنا ذلك:


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَهْ مَهْ! قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تُزْرِمُوهُ دعوه" فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" ، قال : فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من الماء فشَنّهُ عليه .


وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال : يا رسول الله هلكت ، قال "مالك؟ قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل تجد رقبة تعتقها" ، قال : لا ، قال : "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" ، قال : لا ، فقال : "فهل تجد إطعام ستين مسكيناً" ، قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر – والعَرَقُ المِكْتَلُ- قال : "أين السائل؟" فقال : أنا ، قال : "خذها فتصدق به" ، فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابَتَيها – يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال : "أطعمه أهلك" .


3- إرشاد المخطئ وإِعانته على تصحيح خطئه ، وتعليمه عملياً إذا اقتضى ذلك:

ومن الأمثلة على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً جالساً وسط المسجد مُشبِّكاً بين أصابعه يُحَدِّثُ نفسه ، فَأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يفطن ، قال : فالتفت إلى أبي سعيد فقال : "إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان ، فإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه" .


ومن الأمثلة أيضاً قصة المسيء صلاته حيث أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفة الشرعية للصلاة ، وذلك بعد أن طلب منه أن يعيد الصلاة مراراً وفي كل مرة يقول له : "ارجع فصل فإنك لم تصلِّ" .


وقد يقتضي إرشاد المخطئ إعانته على تصحيح خطئه كما في قصة الأعرابي الذي واقع امرأته في نهار رمضان كما تقدم .


وقد يضطر الناصح إلى تعليم المخطئ عملياً ، لما للتعليم العملي من قوة في التأثير على التعليم النظري ، ولعل من أمثلة ذلك ما رواه جبير بن نفير عن أبيه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بوَضوء فقال : "توضأ يا أبا جبير" ، فبدأ أبو جبير بفيه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبتدئ بفيك يا أبا جبير ، فإن الكافر يبتدئ بفيه" ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء ، فغسل كفيه حتى أنقاهما ، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً ، واليسرى ثلاثاً ، ومسح رأسه وغسل رجليه .


4- تقديم البدائل الصحيحة للخطأ:

وهذا ليس شرطاً لترك الخطأ بل ينبغي على المؤمن أن يوطن نفسه على الامتثال للحق دون اشتراط البدائل ؛ فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليهم قوله تعالى : {يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ...}الآيات .


قالوا : انتهينا ربنا ، انتهينا ربنا ولم يشترطوا البديل ؛ لأن تقديم البديل هو بحسب القدرة والإمكان ، فقد يكون الأمر أحياناً خطأ يجب الامتناع عنه ، ولا يوجد في الواقع بديل مناسب . على أن إيجاد البديل المناسب أفضل وأشمل وألصق بالطريقة الشرعية في إيجاد البدائل ، فإن الشريعة لما حرمت بعض الأمور الجاهلية أوجدت البدائل ، فشعرت النكاح لما حرمت الزنا وأباحت البيع لما حرمت الربا ...إلخ .


ومن الأمثلة على إيجاد البدائل ما يلي:

عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على فلان وفلان (وفي رواية النسائي السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقولوا السلام على الله ، فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ،السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو" .



ومثال آخر : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر بَرْنِيٍّ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "من أين هذا؟" قال بلال : كان عندنا تمر رَدِيٌّ ، فبعتُ منه صاعين بصاع لِنُطْعِمَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك "أوَّه أوَّه ! عينُ الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتَرِه" .

5- تأديب المخطئ إذا استلزم الأمر ذلك:

فالناصح أشبه ما يكون بالطبيب يختار من العلاج ما يناسب حال المريض ، وقد لا يزول المرض إلا بشيء من الشدة والغلظة فكذلك الناصح .


ومن الأساليب النبوية في ذلك:

إظهار الغضب من المخطئ كما في حديث أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فيها ، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشد غضباً في موعظةٍ منه يومئذ ، ثم قال : "يا أيها الناس إن منكم منفِّرين فأيكم ما صلى بالناس فليوجز فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة" .


ومن ذلك عتاب المخطئ كما حصل في قصة حاطب رضي الله عنه .

ومن ذلك الإعراض عن المخطئ لعله يرجع عن خطئه لما رواه النسائي رحمه الله عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار" .


ومن ذلك هجر المخطئ ، وهو من الأساليب النبوية المؤثر خصوصاً إذا عظم الخطأ والذنب ، وذلك لما يحدثه الهجران والقطيعة من الأثر البالغ في نفس المخطئ ، ومن أمثلة ذلك ما حصل لكعب بن مالك وصاحبيه الذين خُلفوا في قصة غزوة تبوك : فبعد أن تأكد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لهم عذر واعترفوا بذلك قال كعب رضي الله عنه : ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ،فما هي التي أعرف . فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدهم ، وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه رد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ ، وإذا التَفَتُّ نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال عليَّ من جفوة الناس مشيت حتى تَسَوَّرتُ جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام ، فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت . فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت له فنشدته فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ... إلى أن قال رضي الله عنه في قصته: حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسولنا صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي ،وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفَى على جبل سَلْعٍ بأعلى صوته : "يا كعب بن مالك أبشر" .


ومن ذلك أيضاً الدعاء على المخطئ المعاند : ومن أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال : "كل بيمينك" قال : "لا أستطيع" ، قال : "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر ، قال : "فما رفعها إلى فيه" .

قال النووي رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر .

وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل .


يتبــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>

آخر تعديل همسات مسلمة يوم 12-04-2011 في 07:04 PM.

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
قديم 11-21-2011, 09:51 PM   رقم المشاركة : 3
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

المبحث الثاني

الآداب الشرعية ، والحكم النبوية التي ينبغي مراعاتها وامتثالها عند النصح والتوجيه من الطرفين :


1- الحكمة في معالجة الخطأ حتى لا يؤدي إلى خطأ أكبر منه ، أو يعالج الخطأ بخطأ آخر .

قال تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .


وقال الحافظ ابن رجب : "وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله ، إذا تأدب في الخطاب ، وأحسن في الرد والجواب فلا حرج عليه ولا لوم يتوجه إليه" .


فإن من قواعد الشريعة تحمل أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات وأكبر الأصنام ولا يغيرها ، وسكت عن المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم ، وصبر على أذاهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه .

قال ابن القيم رحمه الله : "إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله...".

إلى أن قال : "فإذا رأيت أهل الفجر والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة ، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك ...


وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه ونور ضريحه- يقول : "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم" .


ومن هنا يظهر لك خطأ من يتصدى لإنكار المنكر وتصحيح الأخطاء دون مراعاة هذا الفقه ، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً .




2- مقارنة النفس بالغير عند صدور الخطأ:

والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ} .


فقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن بعض الأنصار أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال : بلى وذلك الكذب ، أكنت أنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا والله ، قال : فعائشة والله خير منك وأطيب ، إنا هذا كذب وإفك باطل .


قال القرطبي رحمه الله : "المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم ، فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد" .


وقال الإمام الطبري رحمه الله : "وقال بأنفسهم ؛ لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة ؛ لأنهم أهل ملة واحدة" .


وقال النحاس : "معنى بأنفسهم بإخوانهم ، فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه " .


ويذكر الإمام القرطبي عند هذه الآية لطيفة نفسية تكتب بماء الذهب حيث يقول : "ولأجل هذا قال العلماء : إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ، ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن ، ولُبْسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع ، إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً"اهـ .


لذا فإن الواجب على المسلم إذا سمع إشاعة أو خطأ منسوباً لأخيه أن يقيس الأمر على نفسه ، وهذا من باب حسن الظن بالمسلم ، فإذا كان يزكي نفسه ويظن أنها تترفع عن الوقوع في الخطأ فإن حسن الظن بأخيه يلزمه أن يكون الأمر تجاهه كذلك ، وإلا فقد يقع المسلم من حيث لا يشعر في آفة العجب بالنفس والاحتقار للغير ، وهذه من الآفات العظام التي حذر منها أطباء القلوب ، وتوافرت النصوص الشرعية في التنفير منها .


قال ابن القيم رحمه الله : "إن شهود العبد ذنوبه وخطاياه ، موجب له أن لا يرى لنفسه على أحد فضلاً ولا له على أحد حقاً ، فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه فلا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله ورسوله ويحرم ما حرم الله ورسوله" .


وقال أبو وهب المروزي : "سألت ابن المبارك : ما الكبر؟ قال : أن تزدري الناس ، فسألته عن العجب ؟ قال : أن ترى أن عند شيئاً ليس عند غيرك ، لا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب" .


ومن درر ما كتبه ابن حزم رحمه الله تعالى قوله : "من امتُحن بالعُجْب فليفكر في عيوبه! فإن أعجب بفضائله ، فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة! فإن خفِيَت عليه عيوبه جُملةً حتى يظن أنه لا عيب فيه ، فليعلم أن مصيبته إلى الأبد ، وأنه أتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً وأضعفهم تمييزاً!

وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهلٌ ولا عيب أشد من هذين ؛ لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه ؛ فغالبها وسعى في قمعها .

والأحمق هو الذي يَجهل عيوب نفسه : إما لقلة علمه وتمييزه ، وضعف فكْرته ، وإما لأنه يقدِّرُ أن عيوبه خصالٌ ، وهذا أشدُّ عيبٍ في الأرض ؛ وفي الناس كثير يَفْخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم ، فيُعْجَبُ بتأتّي هذه النحوس له ، وبقوَّته على هذه المخازي!!" .

وقال أيضاً: "واعلمْ يقيناً أنه لا يَسْلم إنسيٌّ مِنْ نقص ، حاشا الأنبياء –صلوات الله عليهم-. فمن خفيتْ عليه عيوب نفسه فقد سقط ، وصار من السُّخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم ، بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال ، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة ، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة .

وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها ، فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته .

وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير ، لا يسوغ أصلاً ، والواجب اجتنابه ، إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب ، أو على سبيل تبكيت المعجَب فقط في وجهه لا خلْف ظهره ، ثم يقول للمعجَبِ : ارجع إلى نفسك ، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك ، ولا تُمَثِّل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر ، وقد ذُمَّ تقليد أهل الخير ، فكيف تقليد أهل الشر؟! ولكن مثّل بين نفسك وبين من هو أفضل منك ، فحينئذ يتلفُ عُجْبك ، وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يُولّد عليك الاستخفاف بالناس – وفيهم ، بلا شك ، من هو خير منك – فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق ؛ لأن الله تعالى يقول : {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} ، فتُولّد على نفسك أن تكون أهلاً للاستخفاف بك ، بل على الحقيقة ، مع مقتِ الله – عز وجل – وطمس ما فيك من فضيلة..." .




3- الرجوع عن الخطأ إذا ظهر الحق والصواب :

سبقت الإشارة إلى أن الخطأ صفة ملازمة للبشر ، فإذا استيقن المسلم ذلك وجب عليه أن يرجع عن الخطأ إذا ظهر له الحق ، وهذا من كمال الورع والصدق ، فالرجل الصادق لا يقف عاجزاً ضعيفاً أمام نفسه حينما يتبين له الخطأ ، ولا يتصور أن ذلك قد ينقص قدره أو يضعف وزنه ، بل يسارع جاداً إلى الأخذ بزمام الحق ، ويعض عليه النواجذ ، وهذا يحتاج إلى تلاشٍ لحظوظ النفس وتقديس الذات .

والسلف الصالح يرسمون لنا منهجاً واضحاً مشرقاً في هذه القضية فهذا عمر بن الخطاب يكتب إلى أبي موسى الأشعري – رضي الله عنهما - : "ولا يمنعنَّك قضاءٌ قضيت فيه اليوم فراجعت فيك رأيك ، فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحقَّ ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل" .


وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله تعالى : "من آفات التعصب الماحقة لبركة العلم: أن يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة ، كما يصدر ممَّن يفتي ، أو يصنِّف ، أو يناظر غيره ، ويشتهر ذلك القول عنه ، فإنه قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما يخالفه ، وإن علم أنه الحق وتبيَّن له فساد ما قاله .ولا سبب لهذا الاستصعاب إلا تأثير الدنيا على الدين ، فإنه قد يسوِّل له الشيطان أو النفس الأمارة أن ذلك ينقصه ،ويحط من رتبته ، ويخدش في تحقيقه ، ويغض من رئاسته ،وهذا تخيل مختل ، وتسويل باطل ، فإن الرجوع إلى الحق يوجب له من الجلالة والنبالة وحسن الثناء ما لا يكون في تصميمه على الباطل ، بل ليس في التصميم على الباطل إلا محض النقص له والإزراء عليه بالاستصغار لشأنه .

فإن منهج الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ، ويعرفون براهينه ، ولا سيما عند المناظرة ، فإذا زاغ عنه زائغ تعصباً لقول قد قاله أو رأي رآه ، فإنه لا محالة يكون عند من يطلع على ذلك من أهل العلم لأحد الرجلين : إما متعصب مجادل مكابر ، إن كان له من الفهم والعلم ما يدرك به الحق ويتميَّز به الصواب . أو جاهل فاسد الفهم باطل التصور ، إن لم يكن له من العلم ما يتوصل به إلى معرفة بطلان ما صمَّم عليه وجادل عنه . وكلا هذين المطعنين فيه غاية الشين" .


وقال الزمخشري : "إياك والمكابرة والمغالطة وأنهاك عن الأغاليط وأربأ بك عن التخاليط" .

والهوى قد يعمي الإنسان فلا يقبل الحق الواضح الأبلج ، لذا حذر أئمتنا رحمهم الله تعالى من هذا المسلك .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة رسوله ، يدور على ذلك ويتبعه أين وجده ، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة ، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا طائفة انتصاراً مطلقاً عاماً إلا للصحابة –رضي الله عنهم أجمعين-، فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ، فإذا أجمعوا لم يُجمعوا على خطأ قط ، بخلاف أصحاب عالم من العلماء ، فإنهم قد يُجمعون على خطأ ، بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ ، فإنالدين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسلَّماً إلى عالم واحد وأصحابه ، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم" .


ولعل من الأمثلة التي يستشهد بها في هذا الباب لتكون نبراساً للباحثين عن الهدى ما حدث في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في امرأة ماتت وتركت زوجاً وأماً وإخوة أشقاء أنه لا شيء للإخوة الأشقاء وأن الإخوة لأم لهم الثلث ، فاحتج عليه الإخوة الأشقاء وقالوا : إن إخواننا من الأم ورثوا بأمهم وهي هي أمنا . وهب أن أبانا كان حماراً أو حجراً ملقى في اليم أي كأنه لم يكن . فما كان من عمر إلا أن شرك بينهم . فقيل له : إنك قضيت في أول عام بخلاف هذا . فقال : ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي .

ومن الأمثلة التي يحسن ذكرها في هذا المقام : أن الإمام إسحاق بن راهويه ناظر الإمام الشافعي ، والإمام أحمد بن حنبل حاضر – رحمهم الله أجمعين – في جلود الميتة إذا دبغت . فقال الشافعي : دباغها طهورها . فقال إسحاق : ما الدليل؟ فقال الشافعي : حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بشاة ميتة فقال : "هلا انتفعتم بجلدها؟".


فقال إسحاق : حديث ابن عكيم ، كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر : "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة ؛ لأنه قبل موته بشهر .


فقال الشافعي : هذا كتاب وهذا سماع .

فقال إسحاق : إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله ، فسكت الشافعي .

فلما سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به ، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي فأفتى بحديث ميمونة .

وروى التنوخي – رحمه الله تعالى – قال : "كان ابن الأنباري النحوي يُملي من حفظه ، وما أملى من دفتر قط . حكى الدارقطني : أنه حضره يُصحِّف في اسم ، قال : فأعظمت له أن يُحمل عنه وهم ، وهبتُه ، فعرَّفت مستمليه ، فلمَّا حضرت الجمعة الأخرى ، قال الأنباري : إنا صحفنا الاسم الفلاني ، ونبهنا عليه ذلك الشاب على الصواب" .


وهذا أبو يوسف سأل مالك بن أنس عن مقدار الصاع ومسألة الأحباس – الوقف – وصدقة الخضروات ، فأخبر مالك رضي الله عنه ما دلت عليه السنة في ذلك ، فقال أبو يوسف : رجعت لقولك يا أبا عبد الله ، ولو رأى صاحبي- يعني أبا حنيفة – ما رأيت لرجع كما رجعت .


ومن الأساليب النبوية الثابتة عن المعصوم
_ صلى الله عليه وسلم _ في هذا الباب :

تذكير المخطئ بفضل من أخطأ عليه ليندم ويعتذر ولا يعود للفعل مرة أخرى .

يدل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في كتاب التفسير من صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :
كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عنه عمر مُغضباً ، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل ، حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء : ونحن عنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما صاحبكم هذا فقد غامر" (أي : دخل في خصومة) قال : وندم عمر على ما كان منه ، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، قال أبو الدرداء : وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إن قلت : يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم : كدبت . وقال أبو بكر صدقت" .


وروى البخاري القصة أيضاً في كتاب المناقب من صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال صلى الله عليه وسلم : "أما صاحبكم فقد غامر" ، فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعتُ إليه ، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي ، فأقبلت إليك . فقال : "يغفر الله لك يا أبا بكر" ثلاثاً ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا : لا ، فأتى إل النبي صلى الله عليه وسلم . فسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّر حتى أشفق أبو بكر ، فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم ، مرتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي" فما أوذي بعدها .

وفي موقف أبي بكر رضي الله عنه درس عظيم في مراجعة المرء نفسه .

ومن الأساليب النبوية أيضاً:

مطالبة المخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه .

يدل على ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كانت العرب تخدم بعضها بعضاً في الأسفار ، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما ، فناما ، فاستيقظا ، ولم يهيئ لهما طعاماً ، فقال أحدهما لصاحبه : إن هذا لنؤوم ، فأيقظاه ، فقالا ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن أبا بكر وعمر يُقرئانك السلام وهما يستأدمانك (أي يطلبان الإدام للطعام) فقال : أقرئهما السلام وأخبرهما أنها قد ائتدما! ففزعا فجاءا إلى النبي فقالا : يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك فقلت : قد ائتدما ، فبأي شيء ائتدمنا؟ قال : "بلحم أخيكما ، والذي نفسي بيده لأرى لحمه بين أنيابكما" ، يعني لحم الذي استغاباه ، قالا : فاستغفر لنا ، قال : "هو فليستغفر لكما" .

يتبــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>>

آخر تعديل همسات مسلمة يوم 12-09-2011 في 10:57 PM.

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
قديم 11-21-2011, 09:52 PM   رقم المشاركة : 4
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
Llahmuh رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

المبحث الثالث

الستر وعدم الإشاعة

الأصل في هذا قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : "هذا تأديب لمن سمع شيئاً من الكلام السيئ فقام بذهنه شيء منه وتكلم به فلا يشيعه ولا يذيعه"

وقال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي : "فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله ، وسواء كانت الفاحشة صادرة أو غير صادرة" .

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الستر فقال : "ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" .

وإن من لوازم الستر :

1- بيان الأخطاء دون التعرف للأشخاص ما أمكن ذلك .

فإن الهدف من بيان الأخطاء هو إعلاء كلمة الله وزوال المفاسد ، وهذا يتحقق في الغالب دون ذكر للأسماء .

والمتأمل في منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التنبيه على الأخطاء يجد أنه عليه الصلاة والسلام في معظم أحواله يكتفي بالبيان العالم كقوله : "ما بال أقوام ، أو ما بال رجال" ونحو ذلك ، ومن ذلك ما ورد في قصة الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ليسألوا عن عبادته فقال أحدهم : أما أنا فأصوم ولا أفطر ، وقال الآخر : أما أنا فأقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا" .

ومن ذلك حديث القبرين اللذين مر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير" .

فلم يذكر اسمي الرجلين ، بل أشار إلى ما وقعا فيه من الخطأ محذراً من ذلك ، فحصل المقصود والغرض .

قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث : "لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما ، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما ، وهو عمل مستحسن ، وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به" .

ولما أرادت عائشة رضي الله عنها شراء جارية اسمها بريرة رفض أهلها بيعها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : "ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق" .


وعن عائشة رضي الله عنها قالت : صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخَّص فيه فتنزَّه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ، ثم قال : "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية" .


وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبالة المسجد فأقبل على الناس ، فقال : "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخّعُ أمامه؟ أيحب أحدكم أن يُستَقبَل فيُتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه ، فإن لم يجد فليقل هكذا" ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض .

وروى النسائي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الصبح فقرأ الروم ، فالتبَسَ عليه ، فلما صلى قال : "ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور ، فإنما يَلبِسُ علينا القرآن أولئك" .

والأمثلة في هذا الباب كثيرة يجمعها استخدام أسلوب التعريض ، وعدم فضح صاحب الخطأ .

وعلى هذا النهج سار الصحابة فمن بعدهم ، ففي قصة الخلاف الذي وقع بين الزبير ورجل من الأنصار في السقي، وفيه أنهما تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للزبير : "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري : "أن كان ابن عمتك" .

وهذا خطأ في حقه صلى الله عليه وسلم ، ولكن لم ترد رواية صحيحة معتمدة في تعيين اسم هذا الأنصاري ، وفي هذا يقول القاسمي رحمه الله : "لله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة الزبير اسم خصمه ستراً عليه ، كي لا يغضي من مقامه ، وهكذا فليكن الأدب ، وكفانا في هذا الباب إيهام التنزيل في كثير من قصصه الكريمة .



2- التحذير من إشاعة الفاحشة:


ومن هذا الباب تحذير الصحابة والتابعين لهم بإحسان من إشاعة الفاحشة والعيوب ، ومن ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "الذي يعمل الفاحشة والذي يشيعها بمنزلة واحدة" .

وقال : "قائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء" .

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : "إيما رجل أشاع على امرئ مسلم كلمة هو منها بريء ليشينه بها كان حقاً على الله أن يعذبه بها يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفادِ ما قال" . وقال شبيل بن عوف : "من سمع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذي أبداها" .

وقال الفضيل بن عياض : "من سمع بفاحشة فأفشاها كان كمن أتاها ، فإن الفاحشة لتشيع في الذين آمنوا حتى إذا بلغت إلى الصالحين كانوا خزَّانها" .

وقال الحافظ ابن رجب : "... أما الإشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُواْ..} الآيتين ، والأحاديث في فضل السر كثيرة جداً .


وقال بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف : "واجتهد أن تستر العصاة ؛ فإن ظهور عورتهم وهنٌ في الإسلام ، أحق شيء بالستر العورة .


فلهذا كانت إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيير ، وهما من خصال الفجار ؛ لأن الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب ، إنما غرضه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن وهتك عرضه ، فهو يعيد ذلك ويبديه ، ومقصوده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساويه للناس ليدخل عليه الضرر في الدنيا ..." .

وإن من يتعمد إشاعة السوء على أخيه المسلم ويتتبع عيوبه يخشى عليه أن يقع في الوعيد الشديد الوارد في حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك" .

ومما يعين على تجنب هذا الخلق الذميم التعود على التناصح في السر كما قال الإمام الشافعي رحمه الله :

تعمَّدني بنصحك في انفرادٍ *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري *** فلا تجزع إذا لم تلق طاعة

وكان السلف رحمهم الله يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه – أي في الملأ – ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور ، فإن هذا من علامات النصح ، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له ، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها ...



فشتان بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة ، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة .


كما ينبغي التنبيه على أن تعمد النصيحة في العلن للمستتر بذنبه فيه إغلاق لباب العودة والتوبة عليه ، إذ تأخذه العزة بالإثم بعد أن شهر به في المنتديات والمجامع ، وفي ذلك إعانة للشيطان عليه .

وقد ذكر الدكتور عبد الله الطريقي أن هذا الأصل مأخوذ من القواعد الشرعية الآتية :

1- أن الهدف الأسمى من المحاورات والمناظرات والردود ونحوها هو إعلاء كلمة الله وكشف الزيغ والانحراف ، وذلك يتحقق في الغالب دون ذكر للأسماء .

2- أن الستر مطلب شرعي في حق المسلم الذي يظهر منه الصلاح ، ولم يجاهر بالمعصية .

3- الأصل تحريم أعراض المسلمين وعدم التعرض لهم بنقد أو جرح سواء كان غيبة أو سخرية ، إلا ما أبيح من ذلك مما له سبب شرعي .

4- أن الإسلام يؤكد على أهمية الاجتماع والاتفاق ويحذر من الفرقة والشذوذ والتنازع ، ومعلوم أن نقد الشخص أو الفرقة بعينها لا بد أن يوجد النفرة والوحشة ، ومن ثم قد يترتب عليه نزاع أو شقاق إلى آخر ما ذكر .

ولكن الملاحظ أن بعض المنتقدين لا يفرق بني نقد الرأي وصاحب الرأي ، فتجده يحمل على صاحب الرأي ويوجه له العبارات الجارحة والكلمات النابية مثل عبارة إنه قليل الفهم أو جاهل أو إن فيه غباوة أو يستشهد بقول الشاعر:

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً *** لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

وهذا فيه تعدٍّ على الأشخاص ، وليس هذا من النقد الموضوعي ، لأن النقد الموضوعي هو الذي يتجه إلى الموضوع ذاته لا إلى قائله ، وبعضهم يدعو على مخالفه بقوله : أهلكه الله ، أراح المسلمين منه .


وقال اللكنوي : ومن عاداتهم الخبيثة : أنهم كلما ناظروا أحداً من الأفاضل في مسألة من المسائل ، توجهوا إلى جرحه بأفعاله الذاتية ، وبحثوا عن أعماله العَرَضية ، وخلطوا ألف كذباتٍ بصدق واحد ، وفتحوا لسان الطعن عليه بحيث يتعجَّب منه كل ساجد ، وغرضهم منه إسكات مخاصمهم بالسب والشتم ، والنجاةُ من تعقب مقابلهم بالتعدي والظلم ، بجعل المناظرة مشاتمة ، والمباحثة مخاصمة .


هذا هو الأصل ، إلا أنه قد تكون هناك مصلحة راجحة من التشهير كأن يشيع المنكر ويذيع بين العام والخاص فلا يجدي عندئذ إنكاره في السر ويتعين المصير إلى العلن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فإذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة" .


وقال الدكتور بكر أبو زيد : "الأصل هو الستر والعمل على دفع دواعي الفرقة والوحشة وعدم الموافقة ، فالرد ينصب على المقالة المخالفة المذمومة لا على قائلها".

ثم يبين أنه إذا كانت المقالة فاحشة جداً كبدعة الخوارج ، أو كان المخطئ أو المبتدع يدعو إلى خطئه وبدعته ويزينها في قلوب العوام فهنا يجوز ذكر وتعيين الأسماء ، بل قد يجب ذلك .

والتناصح بهذه الصورة هو نهاية الكمال ؛ فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكملاً لغيره .



3- التحذير من التعيير والتوبيخ :

فلا يعني وجوب التشهير بالمجاهر ، جواز تعبيره وتوبيخه بالذنب ، فشتان بين الأمرين ، وقد توافرت النصوص عن السلف في التحذير من هذا الخلق الذميم .

قال الفضيل بن عياض رحمه الله : "المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويُعَيِّر" .

فالتعيير بالذنب مذموم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُثرَّب الأمة الزانية مع أمره بجلدها ، فتجلد حداً ولا تعيَّر بالذنب ولا توبَّخ به .

ومن ارتضى هذا المنهج يخشى عليه من الوعيد الشديد الوارد عن السلف في عقوبة من عيَّر أخاه بذنب ، قال الحسن البصري : "من عير أخاه بذنب تاب منه لم يمت حتى يبتليه الله به" .


ولما ركب ابن سيرين الدَّين وحبس به قال : "إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا ، عيرت رجلاً منذ أربعين سنة فقلت له : يا مفلس" .


ومن أظْهرِ التعيير إظهار السوء وإشاعته في قالب النصح ، وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب ، إما عاماً وإما خاصاً . وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى فهذا من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه في مواضع ، فإن الله ذم من أظهر فعلاً وقولاً حسناً وأراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصد في الباطن ، وعد ذلك من خصال النفاق كما في سورة براءة التي هتك فيها المنافقين وفضحهم بأوصافهم الخبيثة {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ} الآية .

* * *

يتبـــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>

آخر تعديل همسات مسلمة يوم 12-15-2011 في 02:12 AM.

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
قديم 11-21-2011, 09:53 PM   رقم المشاركة : 5
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

الفصل الثالث
بعد استحكام الخطأ والإصرار عليه

إذا كان الخطأ في الفروع وأصر صاحبه عليه ، إما لكونه مجتهداً يرى الصواب فيما صار إليه أو لم يقتنع بالتصويب لحال الناصح أو أسلوبه ، أو لغير ذلك من الاعتبارات فكيف يعامل المخطئ في هذه الحالة؟

إن ثمة قواعد ذكرها سلفنا الصالح رحمهم الله يمكن أن يستضاء بها في هذا الباب ، وتكون نبراساً للباحث عن العدل والإنصاف ، منها :

المبحث الأول
المخطئ المجتهد مأجور غير مأزور:

إذا تأكد العقلاء أن الخطأ من لوازم البشر فلا يخلو إما أن يكون المخطئ مجتهداً أو غير ذلك ، فالأول هو المأجور الذي لا يُثَرب عليه ، والأصل في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب له أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" .

وعلى هذا لا بد أن نفرق بين تعاملنا مع الأخطاء بين من أخطأ عن تعمد وقصد ، وبين من أخطأ عن اجتهاد وإرادة للحق ، فالأول مأزور والثاني مأجور وشتان بين الأمرين ، وهذا المسلك هو الذي سار عليه أئمتنا رحمهم الله .

قال الآمدي رحمه الله تعالى : "اتفق أهل الحق من المسلمين على أن الإثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية .وذهب بشر المريسي وابن عليَّة ، وأبو بكر الأصم ، ونُفاةُ القياس كالظاهرية والإمامية : إلى أنه ما من مسألة إلا والحق فيها متعين ، وعليه دليل قاطع ، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق . وحجَّة أهل الحق في ذلك : ما نقل نقلاً متواتراً لا يدخله ريبة ولا شك ، وعُلِمَ علماً ضرورياً من اختلاف الصحابة فيما بينهم في المسائل، مع استمرارهم على الاختلاف إلى انقراض عصرهم ، ولم يصدر منهم نكير ولا تأثيم لأحد ، لا على سبيل الإبهام ولا التعيين . مع علمنا بأنه لو خالف أحد في وجوب العبادات الخمس وتحريم الزنا والقتل لبادروا إلى تخطئته وتأثيمه" .

وقال شيخ الإسلام تعليقاً على قوله تعالى : {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}.

قال : هذان نبيان كريما حكما في حكومة واحدة ، فخص الله أحدهما بفهمهما مع ثنائه على كل منهما بأن آتاه حكماً وعلماً ، فكذلك العلماء المجتهدون للمصيب منهم أجران وللآخر أجر ، وكل منهم مطيع بحسب استطاعته ، ولا يكلف الله ما عجز عن علمه" .

ويقول الإمام القرطبي : "وقال جمهور أهل السنة وهو المحفوظ عن مالك وأصحابه رضي الله عنهم : إن الحق في مسائل الفروع في الطرفين ، وكل مجتهد مصيب ، والمطلوب إنما هو الأفضل في ظنه ، والدليل على هذه المقالة أن الصحابة فمن بعدهم قرر بعضهم خلاف بعض ، ولم ير أحد منهم أن يقع الانحمال على قوله دون مخالفه . ومنه ردّ مالك رحمه الله للمنصور أبي جعفر عن حمل الناس على الموطأ . فإذا قال عالم في أمر حلال فذلك هو الحق فيما يختص بذلك العالم عند الله تعالى وبكل من أخذ بقوله وكذا في العكس ... وعلى هذا يحملون قوله عليه السلام : "إذا اجتهد العالم فأخطأ" أي فأخطأ الأفضل .

وقال شيخ الإسلام : "مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ" .

وقال أيضاً : "ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية ، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة ، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم ، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته وبينته على اجتهاداته ولا يؤاخذ بما أخطأ تحقيقاً لقوله : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا}" .

وقال أيضاً : "المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يُكفَّر بل ولا يفسق – إذا اجتهد فأخطأ – وهذا مشهور عند الناس في المسائل العلمية ، وأما مسائل العقائد : فكثير من الناس كفَّر المخطئين فيها ، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية ، ووقع في ذلك كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم" .

وقال في موضع آخر : "فأما الصديقون والشهداء والصالحون ، فليسوا معصومين ، وهذا في الذنوب المحققة ، وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون . فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران . وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم ، وخطؤهم مغفور لهم . وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين ، فتارة يغلون فيهم يقولون : إنهم معصومون ، وتارة يجفون عنهم ويقولون : إنهم باغون بالخطأ . وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون" .

وقال أيضاً : "والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة" .

وقال ابن أبي العز الحنفي : "والقول قد يكون مخالفاً للنص وقائله معذور . فإن المخالفة بتأويل لم يسلم منها أحد من أهل العلم ،وذلك التأويل وإن كان فاسداً فصاحبه مغفور له لحصوله على اجتهاده ، فإن المجتهد إذا اجتهد وأصاب له أجران : أجر على اجتهاده ، وأجر على إصابته الحق ، وإذا اجتهد فأخطأ : فله أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، فمخالفة النص إن كانت عن قصد فهي كفر ، وإن كانت عن اجتهاد فهي من الخطأ المغفور.." .

وقال ابن القيم رحمه الله : "ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة ، وهو من الإسلام وأهله بمكان ، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين" .

قد تكلم علماء العصر في هذه المسألة فساروا على نفس المنهج ، إذ النبع واحد .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : "وأما موقفنا من العلماء المأولين ، فنقول : من عرف منهم بحسن النية وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ ، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم قائله ، بل يكون له أجر على اجتهاده" .

ولكن هذا الاجتهاد الذي يرفع به الوزر ، ويثبت به الأجر للمجتهد ، هو : ما كان واقعاً من أهل الاجتهاد ، أما العوام فإنهم وإن زعموا الاجتهاد فليس لهم ذلك ؛ لافتقارهم لأدواته ، وإنما عملهم : من القول بالرأي المبني على الظنون والتخرصات والأهواء .

قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - : "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان : أحدهما الاجتهاد المعتبرُ شرعاً وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه...

والثاني : غير المعتبر ، وهو : الصادر عمن ليس بعارفٍ بما يفتقر الاجتهاد إليه ؛ لأن حقيقته أنه رأيٌ بمجرد التشهي ، والأغراض وخبطٌ في عماية واتباعٌ للهوى . فكل رأي صادرٍ على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره ؛ لأنه ضد الحق الذي أنزله الله كما قال تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} ، وقال تعالى : {يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}... الآية ، وهذا على الجملة لا إشكال فيه" .

وهذا الاجتهاد من غير أهل العلم وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الذين أفتوا المشجوج في البرد بوجوب الغسل .

فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال : خرجنا في سفرٍ فأصاب رجُلاً منا حجرٌ فشجه في رأسه ، فاحتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصةً في التيمم؟ قالوا : ما نجد رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ومات . فلما قدِمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبِرَ بذلك ، قال : "قتلوه ، قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا ، وإنما شفاء العي السؤال" .


قال شيخ الإسلام : "أخطأوا بغير اجتهاد ، إذ لم يكونوا من أهل العلم" .

فتأمل يا رعاك الله في تلك النقولات كيف أن أئمتنا لم يشنعوا على المجتهدين إذ وقعوا في خطأ أو زلة ، فأين هذا المنهج السامي ممن يبدِّعون ويفسقون من وقع في أي خطأ دون النظر إلى نيته ومقصده ، ودون التفريق بين المجتهد الذي يبحث عن الحق وينشده وبين صاحب الهوى القاصد للخطأ والمصر عليه ، ومشكلة هؤلاء اعتقادهم أن حكمهم ورأيهم هو حكم الله عز وجل ، وحكم غيرهم هوى وزيغ وضلال ، وهذا من التعصب الأعمى الممقوت الذي نسأل الله عز وجل أن يعافي المسلمين منه .

يتبـــــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>>>

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
قديم 11-21-2011, 09:54 PM   رقم المشاركة : 6
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

المبحث الثاني
الخطأ اليسير مغتفر في جانب الخير الكثير

إن من القواعد السنية السلفية أن المسلم يوزن بسيئاته وحسناته ، فأيهما غلب كان الحكم له ، كما قال تعالى : {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} .

فأنت ترى أن الله أخبر أن من كانت حسناته هي الراجحة على سيئاته مع الندم على السيئات كان على سبيل النجاة وطريق الفوز والفلاح ، ومن مالت سيئاته بحسناته كان العطب والعذاب به أولى .

فالخطأ طبيعة بشرية ، ولكن من الناس من يكون خطؤه قليلاً أو غير مقصود بالنسبة لصوابه كما قال ابن عبد البر : "لا يسلم العالم من الخطأ ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم ، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيراً فهو جاهل" .

وكما قال سفيان الثوري : "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد ، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ، وإن كان الغالب عليه الغلط ترك" .

وهذا الصنف هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" .

قال الشافعي : "ذوو الهيئات الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة" .

وبهذا المنهج عامل النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب لكفار قريش عن تحركه لغزوهم .

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير – وكلنا فارس – قال : "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتابٌ من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين" فأدركناها وهي تسير على بعير لها ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : الكتاب ، فقالت : ما معي من كتابٍ ، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لنجردنك ، فلما رأيت الجِدَّ أهوت إلى حُجْزَتها – وهي محتجزة بكساء – فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني لأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما حملك على ما صنعت؟" قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحدٌ من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ،فقال صلى الله عليه وسلم : "صدق ولا تقولوا له إلا خيراً" فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال : "أليس من أهل بدر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم" فدمعت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم .

قال ابن القيم رحمه الله : "وقد –ارتكب أي حاطب- مثل ذلك الذنب العظيم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً ، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشهد العظيم ، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات" .

وثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه وكان يلقب حِماراً ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتي به يوماً فأمر به فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله" أي : الذي علمته .

فهذا الصحابي زلت قدمه ولكن لا يعني أنه فاسد بالكلية بل له من الصفات الحميدة ما توجب محبته وموالاته ، وعلى هذا النهج سار خير الأمة من التابعين فمن بعدهم يقول سعيد بن المسيب : "إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ،ولكن من الناس من لا ينبغي أن نذكر عيوبه ،ومن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله .

وقال الحافظ ابن رجب : "والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه" .

وقال الإمام أحمد : "ما رأيت أحداً أقل خطأ من يحيى بن سعيد ولقد أخطأ في أحاديث ثم قال : ومن يعرى من الخطأ والتصحيف" .

وقال الإمام الترمذي : "وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم" .

وقال الحافظ المقدسي : "ولو كان كل من وهم في حديث اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد" .

وقال سفيان بن سعيد الثوري : "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ، ومن لم يحفظ من أخبارهم إلا ما بدر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والتعصب والشهوات دون أن يعي فضائلهم حُرم التوفيق ودخل في الغيبة وحاد عن الطريق" .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "... والذين شهدوا هذا اللغو متأولين من أهلي الصدق والإخلاص والصلاح ، غمرت حسناتهم ما كان لهم فيه وغيره من السيئات والخطأ" .

ويقول الإمام الذهبي رحمه الله : "ونحب السنة وأهلها ، ونحب العالم على ما فهي من الاتباع والصفات الحميدة ، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن" .

ونراه رحمه الله يسير وفق هذا المنهج في الجانب العلمي التطبيقي عندما يترجم للأئمة الأعلام ، فمن ذلك قوله في ترجمة أبي بكر القفال قال : "قال أبو الحسن الصفار : سمعت أبا سهل الصعلوكي ، وسئل عن تفسير أبي بكر القفال فقال : قدسه من وجه ، ودنَّسه من وجه : أي دنسه من جهة نصره للاعتزال ،قلت – أي الذهبي-: قد مر موته ،والكمال عزيز وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل فلا تدفن المحاسن لورطة ، ولعله رجع عنها ، وقد يغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق ولا قوة إلا بالله" .


وقال –أيضاً- في ترجمة قتادة –رحمه الله- : "لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يُريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل لطيف بعباده ،ولا يسأل عما يفعل ، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زلله ، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم لا ونقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك" .

ويبين رحمه الله خطأ الإخلال بهذا المنهج والعواقب المترتبة على ذلك فيقول في ترجمة محمد بن نصر المروذي : "ولو أنَّا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له ،قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما . والله هو هادي الخلق وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة" .

وقال في ترجمة الإمام ابن خزيمة- رحمه الله - :"ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه ، وتوخّيه لاتباع الحق – أهدرناه وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه .

فتأمل رحمك الله في هذا العدل والإنصاف . اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .

وقال ابن القيم رحمه الله : "... فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة ، وأهدرت محاسنه ، لفسدت العلوم والصناعات وتعطلت معالمها" .

وعلَّق على بعض ألفاظ الهروي في منازل السائرين فقال : "في هذا اللفظ قلق وسوء تعبير ، يجبره حسن حال صاحبه وصدقه ، وتعظيمه لله ورسوله ، ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلا له" .

وقال الحافظ ابن كثير في ترجمة شيخ الإسلام : "وبالجملة فقد كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي ، وخطؤه مغفور له" .

وقال شيخ الإسلام : "ليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الصغائر مطلقاً، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر والكفر الذي تعقبه توبة" .

وقال ابن الأصفهاني : "ليس يجب أن نحكم بفساد كتاب لخطأ ما وقع فيه من صاحبه كصنيع العامة إذا وجدوا من أخطأ في مسألة حكموا على صنعته بالفساد" .

بل إن هذه القاعدة مؤصلة عند العرب قبل الإسلام : روى الخطيب البغدادي عن الشعبي قوله : "كانت العرب تقول : إذا كانت محاسن الرجل تغلب مساوئه فذلكم الرجل الكامل ، وإذا كانا متقاربين فذلكم المتماسك ، وإذا كانت المساوئ أكثر من المحاسن فذلكم المتهتك" .
فدل ذلك على أن هذا المنهج مرتكز في الفطرة ، وموجود عند الأصفياء من بني البشر ، ومعلوم عند العرب في جاهليتهم ، فجاء الإسلام فأقر ذلك بعد أن قوَّمه وهذبه .

وإليك أخي القارئ هذا الأنموذج العملي لتقرير ما سبق:

قال عبد الله بن الزبير الحميدي : "كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة فقال لي ذات يوم : ها هنا رجل من قريش له بيان ومعرفة ، فقلت له : من هو؟ قال : محمد بن إدريس الشافعي ، وكان أحمد قد جالسه بالعراق ، فلم يزل بي حتى اجترني إليه ، ودارت مسائل ، فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل : كيف رأيت؟ فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه وكان ذلك مني بالقرشية – أي بالحسد – فقال لي أحمد بن حنبل : فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان تمر مائة مسألة يخطئ خمساً أو عشراً ، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب" .

فأين نحن من هذا العدل والإنصاف؟!!

وقال الإمام الشافعي : "لا أعلم أحداً أعطي طاعة الله ثم لم يخلطها بمعصية الله إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام ، ولا عصى الله فلم يخلط بطاعة ، فإن كان كان الأغلب الطاعة فهو العدل ، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح" .

قال ابن حبان : "العدل إذا ظهرت عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك ، كما أن من ظهرت عليه أكثر أمارات التعديل استحق العدالة" .

وقال ابن الأثير رحمه الله : "... إنما السيد من عدَّت سقطاته وأخذت غلطاته فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء" .

وقال ابن القيم رحمه الله : "وكيف يعصم من الخطأ من خُلق ظلوماً جهولاً ، ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته" .


وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : "... ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه ، بل الواجب السكوت والتوقف ، فإذا تحققت الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن فإني لا أدعي العصمة" .

وللإمام ابن القيم في هذه المسألة كلام نفيس يكتب بماء الذهب حيث قال رحمه الله : "من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر ، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره ، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى الخبث ... إلى أن قال : ... وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها...، وكما قيل:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع

وقول الآخر :

وإن يكن الفعل الذي ساء واحداً *** فأفعاله اللاتي سررن كثير

والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له" .

ونختم هذا المبحث بهذا النقل عن شيخ الإسلام الذي يؤصل فيه هذه القاعدة فيقول : "وإنه كثيراً ما يجمع في الفعل الواحد ، أو في الشخص الواحد الأمران : فالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر كما يتوجه المدح والأمر والثواب إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر ، وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية الفجورية لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على بعض الحسنات البرية ، فهذه طريق الموازنة العادلة ، ومن سلكه كان قائماً بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب بالميزان" .

يتبــــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>>

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
قديم 11-21-2011, 09:55 PM   رقم المشاركة : 7
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

المبحث الثالث
خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا إذا وافقه وأقره

إن من مبادئ الإسلام القائمة على العدل والحق والعلم أن خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا إذا تواطأ معه ، وأقره على الخطأ ووافقه ، والأصل في ذلك قوله تعالى : {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وعليه فإنه من الظلم والجهل أن يعمم خطأ الأفراد على الجماعات والهيئات والحكومات ، والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد العدل والإنصاف في الأحكام على الجماعات من الناس ، ومن ذلك:

قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ} .

وقال تعالى : {وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} .

وقال تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً..} الآية .

وقال تعالى : ** يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}

وقال تعالى : {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} .

إلى غير ذلك من الآيات ، والمتأمل فيها يجد أنها جاءت بلفظ فريق ، كثير ، وهذا يدل على أن طائفة من الناس أو أكثرهم قاموا بتلك المخالفات ووقعوا فيها ، وهذا لا يدل على شمولية الحكم على كل طائفة .

ويحسن بنا أن نورد هنا ما ذكره الدكتور زيد بن عبد الكريم الزيد حيث قال : "ولأجل هذا لا يصلح أن تنتقد جماعة لخطأ وقع فيه بعض من ينتمي إليها ، حتى ولو كان هذا الخطأ صدر من رئيسها ، إذ ليست كل أقواله وأفعاله تنسب إلى الجماعة وتتحمل تبعتها ، وإن من يعيب جماعة من الجماعات الإسلامية لخطأ بعض أفرادها فمثله كمثل من يعيب جهلاً وظلماً الإسلام ، ألسنا نقول للناس لا تنظروا إلى الأفراد؟ ولكن انظروا إلى الإسلام بصفته وحياً في القرآن والسنة ، وعندها ستجدونه شرعاً فريداً" .

ولهذا نرى تخبط كثير من الناس في هذا المنهج يتهمون أمة كاملة في عقائدها ونياتها ومقاصدها بسبب خطأ بعض أفرادها ، وقد بين الدكتور عبد الله الرحيلي خطأ هذا المنهج فقال : "من النظرة المنهجية الصحيحة تجاه قضية ما – كقضية الجهاد في أفغانستان على سبيل المثال – أن لا تسقط قضية شعب بخطأ فرد – أو أفراد – وأن لا نضحي بجهاد أمة مثلاً بسبب خطأ طارئ ، وإلا نكن قد أسقطنا الخير بالشر" اهـ.

المبحث الرابع
الورع عند نقل الخطأ وعدم التحامل

الأصل في هذا قوله تعالى : ** وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

قال شيخ الإسلام : "وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم الكفار ، وهو بغض مأمور به فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه – فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق ألا يظلم بل يعدل عليه .

وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً .

لذا فإن الواجب على المسلم أن يلتزم هذا الميزان عندما ينقل أخطاء الآخرين .

يوضح لنا ذلك ما نقله زيد بن أسلم عن أبيه قال : "قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ، ولا بغضك تلفاً ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إذا أحببت فلا تكْلَف كما يَكْلَف الصبي بالشيء يحبه ، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك ويهلك" .

وقال أبو الأسود الدؤلي :

وأحبب إذا أحببت حُبَّاً مقارباً *** فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباين *** فإنك لا تدري متى أنت راجع

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "أحبب حبيبك هوناً ما فربما يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك يوماً ما فربما يكون حبيبك هوماً ما" .

ومن النشاز عن هذا المنهج أن بعضاً من الناس إذا أحب شخصاً انقلبت سيئاته إلى حسنات ، وإذا أبغض آخر تحولت حسناته إلى سيئات ، فهو بين قديس وإبليس ، كما قال الشاعر :

نظروا بعين عداوة لو أنها *** عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا

وقال الآخر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

والمنهج الوسط في ذلك أن تنقل الأخطاء كما وقعت دون زيادة وتضخيم . وذلك أن جرح الآخرين ونقدهم إنما أجيز للضرورة الشرعية فلا يتجاوز قدرها ، ولذلك حكموا بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة .

وقد قال الذهبي رحمه الله : "والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع" .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وكذلك بيان من غَلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية ، فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسان بعلم وعدل ، وقصد النصيحة ، فالله يُثيبه على ذلك ، لا سيما إذا تكلَّم فيه داعياً إلى بدعة ، فهذا يجب بيان أمره للناس ، فإنَّ دفع شره عنهم أعظم من دفع شرّ قاطع الطريق" .

ومن الورع في ذلك ما ذكره السخاوي رحمه الله في فتح المغيث : "أنه لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد" .

وقال في كتابه النفيس : "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التواريخ "ص68-69" وإذا أمكنه الجرحُ بالإشارة المفهمة أو بأدنى تصريح لا تجوزُ له الزيادةُ على ذلك ، فالأمورُ المرخَّص فيها للحاجة لا يُرتَقى فيها إلى زائدٍ على ما يُحَصَّلُ الغَرَض . وقد رَوَينا عن المُزَني قال : سَمِعَني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب ، فقال لي : يا إبراهيم اكسُ ألفاظك ، أحسِنها ، لا تقل : كذاب ، ولكن قُلْ : حديثُه ليس بشيء .

ونحوهُ أنَّ البخاري كان لمزيد وَرَعِه قلَّ أن يقول : كذَّاب أو وضَّاع . أكثَرُ ما يقول : سكتوا عنه ، فيه نظر ، تركوه ، ونحو هذا . نعم ربما يقول : كذَّبه فلان ، أو رماه فلان بالكذب".

وقال العز بن عبد السلام : "لا يجوز للشاهد أن يَجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما ، فإن القدح إنما يجوز للضرورة ، فيقدر بقدرها ، ووافقه عليه القرافي ، وهو ظاهر" .

ومن الورع أن ينقل الخطأ باللفظ الصادر دون تعرض للمعنى والتفسير ويعلل ذلك ابن الوزير بأن حكاية كلام الخصوم بالمعنى فيه ظلم لهم لأن الخصم اختار لفظاً وعبارة ارتضاها لبيان مقصده .

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من تمام المعرفة بأقوال الناس نقل ألفاظهم بدقة فيقول : "وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم ، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ، ويتعذر على بعضهم" .

وقال أيضاً : "والناقل الذي لا غرض له إما أن يحكي الأمور بالأمانة ، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه" .

وهذا الإمام الذهبي يطبق هذا المنهج ، فقد نقل في ترجمة أبي عبد الله الحاكم أن ابن طاهر قال فيه : سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم فقال : إمام في الحديث رافضي خبيث ، قلت – أي الذهبي -: الله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي بل شيعي فقط .

وإنما يحيد الإنسان عن الحق والعدل باتباعه للهوى ، وقد توافرت النصوص والآثار في التحذير من هذه الآفة ، فقد قال ابن تيمية –رحمه الله- في ذمه للهوى : "وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله . بل يرضى إذا حصل ما يرضاه هواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك معه شبهة دين : أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة ، وأنه الحق ، وهو الدين ، فإذا قُدِّر أن الذي معه الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته ، أو الرياء ليُعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعةً وطبعاً ، أو لغرض من الدنيا : لم يكن لله ، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله ، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل ، وسنة وبدعة ، ومع خصمه حق وباطل ، وسنة ، بدعة؟!" .


ومن الورع والعدل إنكار موضع الخطأ فقط إذا كان الكلام يجمع خطأ وصواباً ، فتعميم التخطئة مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .

يدل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُنِي علي ، فجلس على فراشي كمجلسي منك ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : "دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين" .

وفي رواية الترمذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها" .

وفي رواية ابن ماجه ، فقال : "أما هذا فلا تقولوه ما يعلم ما في غد إلا الله" .

ومن الورع العدل وعدم المحاباة في التنبيه على الأخطاء : قال الله تعالى : {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ} وقال : {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} ولم يمنع كون أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبه أن يشتد عليه الإنكار حينما حاول أن يشفع في حد من حدود الله ، فقد روت عائشة –رضي الله عنها- أن قريشاً أهمَّهُم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أتشفع في حد من حدود الله"، فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله . فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : "أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها .

ومن الورع عند النقل للأخطاء أن لا تتهم النيات بل ينقل الخطأ كما حدث ولا يتجاوزه إلى غيره .

فإن من قواعد الإسلام البينة أن القلوب علمها عند الله تعالى ، وعلى الناس ألا يأخذوا إلا بالظاهر والله يتولى السرائر ، وقد جاءت الآثار بذلك فمنها : عن أسامة بن زيد –رضي الله تعالى عنه- قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلاً ، فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!" قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح! قال : "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا!". فما زال يكررها ، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .

وفي حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله تعالى عنه- في ذكر أوصاف الخوارج: قال خالد : وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم" .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة" .



يتبــــــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>>

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة:
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لموقع مونمس / " يمنع منعاً باتا المواضيع السيئة المخالفة للشريعة الإسلامية" التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما رأي الكاتب نفسه