الموضوع
:
رواية خادمي كان صديقي
عرض مشاركة واحدة
09-11-2013, 04:48 AM
رقم المشاركة :
12
Amazing Misa
عضو متألق
الحالة
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
رد: رواية خادمي كان صديقي
ارتشف من كوب القهوة التي أمامه وأخذَ ينظرُ إليهم وهم يتبادون الأحاديث ويتناولون إفطارهم كانَ هو الأصغرُ من بينهم فها هو شيمون كبيرهم يجلسُ أمام طاولةِ الإفطار وحوله مجموعة من الخدم الذين يمكنُ عدهم بالأيدي أغلبهم يتكلمون بثرثرة عن حياتهم اليومية العادية والبعض يتكلمُ بسخط عن سيدهم وآخر يتحدثُ مع زميله ويخبره بأنّه يُفكر في الاستقالة
انهى قهوته الصباحية فوضعها على الطاولة معلناً بذلك انتهاء إفطاره بالرغم من أنّه آخر شخصِ جلس إلا أنّه أول من قامَ منهم .. حمل سترته الرسمية وأخذَ يلبسها فوقَ سترته البيضاء الخفيفة .
لاحظه شيمون فأسرعَ نحوه وبادرَ بسؤاله.
ـ هل نمتَ جيداً ؟! .
التفت رولند عندما سمعَ صوتَ كبير الخدم , شعرَ بالخجل عندما تذكرَ ليلة الأمس وكيفَ أنّه نامَ ولم يشعر إلا وهو يحمله إلى غرفته فقالَ له وقد توردت وجنتيه بخفه .
ـ أجل . أعتذر إن كنتُ أزعجتك في الأمس ... وشكراً لك .
ـ لا بأس ... استعد فقد بدأ العمل الحقيقي اليوم .
هذا ما قاله شيمون بجديّة كبيرة .. فهو لا يعلم ما لذي سيجري له خاصة بعد أن قبل ميلان بأن يكونَ خادمه الخاص .
أومأ رولند بهدوء مبيناً له أنّه قد فهم ما قاله بالرغم من جهله سببَ نظراته تلك .. انتهى من لبسِ بذلته وأسرعَ بالخروج ذاهباً إلى غرفة سيده .
وقفَ أمامَ باب غرفة نوم ميلان فتذكرَ ما حصل بالأمس وضعَ كمه على فمه وأخذَ يستحضرُ ذلك الموقف الذي سبب له الشعور بالمرض وبينما هو على تلكَ الحالة تحركَ مقبضَ الباب الذي أمامه من الداخل وفُتح .
تقابلت نظراتهما وأخذَ كلٌ من الثاني يحدقُ بالآخر ... كان ميلان قد استيقظَ من نومه منذُ برهة فها هوَ قد لبسَ أفضلَ ما عنده وتهيأ من تلقاء نفسه ...
أبعدَ رولند ذراعه عن فمه وأخذَ ينظرُ لميلان ببرود تام بينما الآخر ينظرُ إليه بابتسامة ساخرة تقدمَ نحوه ووضعَ يده على شعرِ خادمه فقد كانَ أطول مقارنة بـ رولند الذي كان أقصر منه بقليل .
ـ لقد استيقظتُ باكراً .. هذا يعني أنه يجب أن تحضرَ لغرفتي قبلَ استيقاظيّ .
لم يعلق رولند على كلامه بل أخذَ ينظرُ إليه فهو يعلم أنه يريدُ فعلَ ذلك ليزعجه فقط , أبعدَ يده الثقيلة من على رأسه وقالَ له مع نظرةِ تحديّ جعلها في عينيه .
ـ إذاً سيكونُ صباحي جيداً بما أنّي لم أضع قدمي في غرفتك .
اغتاظَ من جملته وشعرَ بنيرانِ الغضب تتسربُ إلى شرايين دمه ببطء بالرغم من أنّه هو من كان يريدُ اغاضته إلا أنّه حصل العكس , أمسكَ بيدِ خادمه عنوةً وجره نحو غرفته ثمّ رماه فيها وأغلقَ الباب خلفه كادَ رولند أن يسقط من قوة دفعِ سيده إلا أنّه استطاع موازنة نفسه في اللحظة الأخيرة .
أخذَ ميلان يقومُ بدفعِ كتلة من الهواء إلى داخله ليطفأ نارَ غضبه وبعدَ أن هدأ قالَ بخبث لمن أمامه والذي بدى هادئاً أكثر مما كانَ عليه بالأمس .
ـ ها أنتَ في غرفتي الآن قم بتنظيفها ولا تنسى أن تنظفَ أثار قدميك أيضاً .
قالَ جملته الأخيرة بسخرية شديدة وأحذَ ينظرُ إليه ليعرفَ ردة فعله , التفت رولند وأخذَ يبعثرُ نظراته في جميعِ أنحاء غرفته فوجدتها مرتبة كما كانت آخر مرة قامَ بتنظيفها فقط كانَ السرير هو ما كانَ مُعطفاً .. لم تؤثر عليه جملة ميلان والطريقة التي أمرها به فتقدمَ نحوِ السرير وقامَ بتمديده وفي ثواني قليلة انتهى واستدارً مغادراً...
كلُّ ذلك كانَ أمام ناظريّ ميلان الذي أخذَ ينظرُ له بغضب شديد فهو لم تعجبه تعابير وجهه التي تدل على بساطه ما فعله ابتسمَ من زاوية فمه وتقدمَ ليبعثر كل شيء تصله يديه حتى قلبَ الغرفة رأساً على عقب لم يترك شيئاً واقفاً إلا أسقطه ولا شيئاً مرتباً إلا رماه .
وبعدَ ان انتهى من بعثرةِ كلِ شيء التفت نحو رولند الذي بقيّ واقفاً في منتصفِ الغرفة ساكناً .. تقدمَ باتجاهه بابتسامة نصر وقفَ أمامه وأمسكَ بخصلات شعره وسحبها للأعلى حتى ارتفعَ وجهه رولند ثمّ قالَ له بكلِ حقد .
ـ اعلم أنّي اكره جميعَ الخدم خاصةً أمثالك .. .
ابتسمَ رولند رغمَ الألم البسيط الذي يشعرُ به ونظرَ إلى عيني سيده وقالَ له بثقةِ كبيرة .
ـ أشاركك نفسَ الشعور في كرهي للأغنياء .
وبتلكَ الجملتين انتهى الصراعَ بينهم أفلته ميلان ورمقه باحتقار وقبلَ أن يخرج من الغرفة التفت نحوه وقالَ له بخبث .
ـ أسرع بترتيبها ثمّ اخرج إلى الحديقة ... فأنتَ تحت تصرفي الشخصي منذُ هذه اللحظة .
صفقَ الباب خلفه بقوة وتركَ ذلك الشاب وسطَ الفوضى عادت ملامح الهدوء لوجهه وهدأت نفسه قليلاً أغمضَ عينيه وبدأ يدخلُ الهواء لرئتيه ليشعرَ ببعضِ الراحة .. ثواني هيّ حتى بدأ برفعِ الفوضى وإعادة ترتيبها بهدوء شديد .
ـــــــ
وضعَ قدميه على الطاولة وأخذَ ينظرٌ بملل فقد انهى إفطاره قبلَ قليل ويريدُ أن يشعرَ ببعضِ المرح قبل أن تأتي الجامعة وتتراكم عليه انشغالات الشركة .. رأى شيمون يتقدمُ نحوه فأغمضَ عينيه في تكبر ليستمعَ لما سيقوله له .
ـ سيدي ما ذا ستفعلُ اليوم ؟! .
كتف ميلان بذراعيه وأخذَ يُفكر بالأمر فهو لم يخطط بعد كما هو المعتاد .. حركَ قدميه في دلالة منه على تفكيره وقال .
ـ الدراسة في الجامعة لم تبدأ بعد واليوم إجازة للشركة .. وأنا لم أخطط بالأمس لشيء .
تنهدَ شيمون بداخله فهذا الشابُ الذي أمامه محير .. فعندما يخطط له يومه يرفضُ ذلك وعندما لا يخطط يبقى متحيراً.
طرأت في داخله فكرة فقالَ لسيده الشاب آملاً في أن يستجيبَ .
ـ ما رأيك لو تذهبُ لتزور ألفريدو في قصره الجديد ؟! .
فتحَ ميلان عينيه ولوى شفتيه قائلاً وهو يتذكر ذلك الشاب الذي ذكره كبير خدمه.
ـ لا أريد فهو مزعج ولا أريدُ أن يتعكر مزاجي بسببه .
وضعَ شيمون يده على ذقنه ليأتي بفكرة جديدة مفيدة ... بينما ميلان اخذَ يميلُ بالكرسي بواسطه قدمه وكأنما يفكرُ بأمر ما وما هي إلا ثواني حتى.. لمحَ من بعيد خادمه الخاص يتقدمُ باتجاه فتذكرَ أنّه أمره بذلك رفعَ قدميه بسرعة ووضعها على الأرض واعتدل في جلسته ابتسمَ بخبث وهو لا زالَ ينظرُ لـ رولند وأخذَ يُفكر بشيء ما يجعله يستمتع وما لبثَ أن طرأت في باله .
ـ لقد وجدتها .
استغرب شيمون من قراره السريع وخشيّ أن يكونَ كما المعتاد من لعبِ في الخارج وذهابِ للأسواق .. فأرادَ أن يعارضه ولكن قبلَ أن يفعل لاحظ في عيني ميلان الحماسة وهو يحدقُ في شيء ما .
التفت لينظر إلى الجهة التي ينظرُ إليها فيها ففوجئ بـ رولند يتوقفَ أمامه .. أرادً الحديث معه ولكنّه بادرً قائلا لـ ميلان بنبرةِ جامدة لم يعهدها شيمون أبداً .
ـ لقد فعلت ما طلبته منّي .. وها أنا أقف أمامك .
استغربَ شيمون من ذلك وتمنى أن يعرفَ سببَ تغيره ولكنْ ميلان الذي وضعَ كلتا ذراعيه على الطاولة ليتكأ عليها جعله يصمت .
ـ هل لديكَ رخصة قيادة ؟! .
استغربَ رولند من سؤال ميلان المفاجئ فأجابه برسمية.
ـ أجل .
وقفَ من على الطاولة بابتسامة خبيثة وقالَ له .
ـ إذاً خذني في جولة حولَ المدينة .
تلمسَّ شيمون شيئاً في نبرة ميلان فهذا غريب فـ هو رغمَ غناه إلا أنّه يُفضلُ قيادة السيارة بنفسه ولا يكلفُ أحداً بقيادتها .
رمى مفاتيح سيارته لـ رولند الذي التقطها بمهارة وقالَ له بدهاء ظهر في حروفه .
ـ اسبقني الآن .
تقدمَ رولند طوعاً ملبياً أمره ولم يعترض فتلكَ النظرة التي يحملها ميلان وابتسامته تنبئُ أنّه يريدُ الانتقام منه بأيّ طريقة .
نظرَ ميلان لـ شيمون بنصر وقالَ له .
ـ اجلب لي معطفي .. فسيكونُ اليومُ حافلاً .
سارعَ شيمون في إحضارَ ما يريده وقد ارتسمت الفرحة بداخله ما إن شعرَ بحماسة ميلان فربما تكونُ هذه بداية جيده لكلِ منهما وخاصة لسيده الشاب فهو لم يركبُ مع أحد الخدم منذُ ان وقعت تلكَ الحادثة .
ـــــــ
لبسَ معطفه الفخم ذو اللون البني .. وقامَ بالجلوسِ في المقاعد الخلفية بينما كانَ رولند يقف أمامَ مقعد السائق وقد غيرَ ملابسه بعدما أمره ميلان فكانت كالتي جاء بها أول مرةِ للقصر بنطالُ اسود وسترة سكرية بسيطة .. ركبَ هو الآخر وأدارَ المفتاحَ لتنطلقَ السيارة وتبتعد عن القصر .
بدى رولند هادئاً وهو يقودُ بينما ميلان أخذَ ينظرُ إليه بخبث و في رأسه تدورُ الكثير من الأشياء التي يودُ أن يفعلها .
ـــــــ
وفي شقة ميدوري .
كانتَ ميدوري مشغولة في جمعِ أوراقها للتتهيأ للدخول إلى الجامعة رغمَ تأخرها إلا لم تجد مشكلة في أن تدرس في الفصل الثاني بينما لير ولين يلعبان معاً بصمت .. فها هي لين تقومُ بالتلوين في كتيبِ للأطفال ولير يساعدها في اختيار الألوان المناسبة انتهيا من التلوين فأخذا ينظران لإنجازهما بفرحة غامرة ... ولكنها ما لبثت أن انطفأت سعادتها عندما وضعت لين رأسها على الوسادة التي كانت تتكأ عليها لتقول للـير بحزن وهي تتذكر رولند الذي كانَ يلعبُ معهما .
ـ لير إنني أفتقد أخي رولند .
شعرَ هو الآخر بالحزن فقد كانً ذلك الشاب هو مصدرَ دفأهما ولكن ما من شيء ليقوله بعدما حصل .
سمعت ميدوري همسهما فنهضت من سريرها واتجهت نحوهما فردت ذراعيها واحتضنتها معاً من الخلف وهمست في أذنيهما بمرح .
ـ لا تقلقا لقد أخبرني أنّه سيأتي لزيارتكما في يوم إجازته .
سعدا لذلك وشعرا بالفرحة الغامرة وكلاهما في شوق لذلك اليوم الذي سيأتي فيه رفعت لين رأسها لتقولَ لـ ميدوري وقد توردت وجنتيها بطفولية .
ـ أختي أخبرني كيفَ تعرفتي على أخي رولند وكيفَ هوَ أول لقاء بينكما .
شعرَ لير بالحماسة لسؤال أخته فرفعَ رأسه هو الآخر وقالَ لها .
ـ أودُ أن أعرف أنا أيضاً.
شعرت ميدوري بالفرحة الغامرة عندما رأت في عينيهما الحماسة وكيفَ أنهما يريدان أن يعرفا ذلك رفعت إصبعها بابتسامة كبيرة وفتحت فاها لتبدأ بإخبارهما ....
ـ لقد كانَ أول لقاء بيننا عندما كنت في العاشرةِ من عمري ... وقد كان ........
بدأت جملتها بحماسه كبيرة ولكن ما لبثَ أن انخفضَ صوتها واختفت الابتسامة من شفتيها لتتوقفَ لم تعرف ما تقولُ لهما وأخذت تتذكرُ يومَ لقائها به بل يوم لقائهما به... حاولت التكلم من جديد ولكنها لم تستطع أن تنطق بعدَ فهي لا تعرف كيفَ ستخبرهما فقد شعرت بالحماسة في البداية ولكن لم تكن حماستها لأجل أن تخبرهم بسؤالهما ولكن لأنها قد التقت بالفعلِ برولند وقد كانت محظوظة بذلك .
لا حظت لين معالم وجهها المتغيرة فاختفت الابتسامة من شفتيها وقالَت بقلقِ .
ـ أختي ميدوري ... !! .
أخذت تهزّها بقلق بينما كانَ لير متفاجأ هو الآخر من ردة فعلها , شعرت ميدوري بهزّ لين وكلماتها التي تقولها ولكن .. بدى أنّ تلكَ الفتاة قد عادت للوراء كثيراً وها هي الآن تقفُ أمامَ رولند الصغير في إطارِ رماديّ ملأه الصمت .
عضت على شفتيها وهي تستحضرُ ذلك اليوم وندمت لأنها لم تفكر قبلَ أن تقبلَ بطلبهما طأطأت رأسها بحزن وتجمعت الدموع في عينيها توقفت لين بصدمة وهي ترى غيمة الحزن التي خيمت على ميدوري ... بينما اكتفى لير بالصمت فيبدوا أنّه قد حصلَ شيء جعلها تبدو بهذا الشكل .
رفعت رأسها بسرعة عندما شعرت بكمية القلق التي تحيطً لها مسحت دموعها التي كانت على طرفِ عينيها بإصبعها واستطاعت رسم الابتسامة على شفتيها من جديد نظرت إليهما وقالت وقد احمرت وجنتيها بحبِ لذلك الشاب .
ـ أنا آسفه لم أتمالك نفسي وأنا أتذكرُ ذلك اليوم ....
اطمأن قلبُ الصغيرين عندما قالت تلكَ الجملة فقد ظنّا أنها حزينة لأنه حصل شيء في ذلك اليوم ولكن ما لبثَ أن تبدد ظنهما عندما أخذا ينظرانِ لميدوري التي ما لبثَ أن قالت لهما بنبرةِ حالمة لتبدأ سردِ الحكاية .
ـ كانَ أول لقاء بيننا عندما كنت في رحلة مدرسية إلى حديقة جميلة وقد وجدته ينامُ تحت شجرةِ عملاقة قد تناثرت وريقاتها الصفراء عليه اقتربت منه لأرى وجهه فشعرَ بي وبدأ بفتحِ عينيه .....
وهكذا بدأت ميدوري تسردُ لهم تلكَ الحكاية الكاذبة التي ليسَ لها أصلٌ من الصحة والتي تزينها باللحظات السعيدة المزيفة وتحيكها بمعلومتها من خلالِ مشاهدتها للأفلام وقراءتها للقصص ..
كلُّ ذلك لتبعدَ القلق من وجهيّ التوأمان وهذا ما كانَ بالفعل فها هي لين قد بدت متحمسة ومنصةً لها باهتمام وقد اختفت ملامح الخوف بينما لير توردت وجنتيه وهو يستمعُ للحظة لقائها الجميلة برولند .
ـــــــ
مضى نصفُ الوقت وميلان يتنقلُ بينَ كلِ مكان في الأسواق وبينَ المطاعم ..لم يكن هدفه أن يستمتعَ بوقته بل في الحقيقة يريدُ إغاظة من معه ويبيّنَ له منزلته مقارنةً به .. فقد تعمد الأكل من أشهى الاطعمة في أفخر المطاعم أمام رولند كما أنّه اشترى من المحلات الشهيرة ملابسَ راقية غالية الثمن وفي كلِ مرة يرمقُ فيها ذلك الشاب بنظرات ساخرة على حاله ..
ولكن ما لبث أن ظهرَ على وجهه عدمِ الرضى فهو لم يحقق مراده في اغاظة رولند الذي بدى غيرَ مبالياً بما يفعله .
اشترى بعضَ البوظة وقد كانت آخر محطةِ قررها ... جلسَ على إحدى الكراسي في إحدى الحدائق الجميلة وبدأ يلعقُها بلسانه ببطء ليستشعرَ حلاوتها التي تذوبُ في فمه .
نظرَ بطرفِ عينه لخادمه الذي وقفَ بجانبه ينظرُ للجهة المقابلة التي تطلُ على الشارع ويبدوا غيرَ مهتم لما يفعله كما أنّه لم يتذمر لكثرة الأماكن التي زارها بل ولم ينطق بحرفِ واحد منذُ أن خرجا من القصر شعرَ بالغضب في داخله فأبعد قالب البوظة بالبسكويت وقال بصوتِ عالِ ليسمعه رولند .
ـ ممل .. .
نظرَ رولند له بطرفِ عينيه فقد خشيّ أن يثورَ سيده فيبدوا أنّ محاولاته كلها بائت بالفشل وها هو وصلَ إلى حده .
ابتسمَ ميلان عندما أثارَ انتباه فلوحَ بقالب البوظة باتجاهه وقالَ له بسخرية وهو يرفع إحدى حاجبيه.
ـ أتريدُ بعضاً منه ؟! .
التفت رولند له بكاملِ جسده وقد عرفَ مقصده من سؤاله فلم يرفض كما كانَ يظنُ ميلان بل قالَ له بطرفِ ابتسامة .
ـ للأسف لا أحبُ النوع الذي اخترته .
سخطَ ميلان لإجابته وأخذَ يحدقُ بالذي اشتراه فقد كان بطعمِ الفانيلا المزين بخطوط من الكراميل المجمّدة نهضَ بعصبية ورماه في سلةِ المهملات التي بجانبه .. تقدمَ باتجاه خادمه وجذبه من ملابسه ليقولَ له وهو يصكُ على أسنانه.
ـ.. أتريدُ إغاظتي يا هذا ... !! .
ـ لقد أجبتُ عن سؤالك فقط ! .
هذا ما قاله رولند بثقة وهو ينظرُ لوجهه ميلان الغاضب حل الصمتُ لبعضِ الوقت فلم يجد ميلان أيّ ردِ يجبُ قوله حتى يُغضب من أمامه فقطع أفكاره صوتُ رولند الذي قالَ له .
ـ أيمكننا العودةُ الآن .. فقد مضى الكثير من الوقت وها هي الشمسُ بدأت تدنو .
لاحظ ميلان التغير الذي طرأ على خادمه فقد بدى مرهقاً وقد اختفت ملامح التحدي في عينيه .. ابتسمَ بعناد وقالَ له.
ـ كلا ... .
ابتعدَ عنه وسبقه بخطواتِ متسارعة وهو يندبُ حظه فهو لم يرد الخروج اليوم إلا ليثيرَ شيئاً ما في نفسِ خادمه ولكنّه بدى قوياً غير مبالياً وكأنما قد خاضَ تجربة في ذلك .. شدّ قبضة يده وقالَ بعصبية .
ـ لن أرجع أبداً حتى أحقق مراديّ .
ظلّ يمشي في طرقات المدينة يجوبُ شارعاُ وراء شارع .. لم يلتفت خلفه بل كانَ يسيرُ بدونِ هدف حتى غربت الشمس وحلّ الظلام ... شعرَ بالتعبِ في قدميه فالتفت ليرى إن كانَ خادمه يتبعه .. فوجده كظلهِ تماماً كانَ يأمل بأن يكونَ قد تأخر قليلاً في زحمه الناس ليعاتبه ولكنه لم ينجح أبداً .... التفت للوراء وتقدمَ باتجاهه أمسكه من كتفيه بقوة ثمّ أغمضَ عينيه ليصرخَ بصوتِ عالِ في وجهه .
ـ أنت بالفــــــعل ممل ..ممل .... ممــــــــــــــــــل !! .
هدأ الناس وصاروا يبتعدونَ عن ذلك الذي بدأ يصرخُ في منتصفِ الطريق ليتهامسوا فيما بينهم بتعجب .
ـ يبدوا أنهما تشاجرا ...
ـ لا تقلقا سوفَ يعودا صديقين كما كانا .
هذا ما كان الناس يتكلمٌون به ليسمعَ همسهم ويصلَ إلى ميلان الذيّ لم يعجبه الوضع تماماً تقدمَ عجوزُ باتجاههما وقال لهما بصوته الضعيف الذي يظهر فيه الحكمة .
ـ سوفَ تندمانِ على ذلك أيها الشابان الصغيران وستتمنيان بأنكما لم تتشاجرا .
كانَ ميلان يحترقُ في داخله وكأنما ما يسمعه لا يزيدُه إلا غضباً على غضب ليقولَ بهمسِ لنفسه وهو يصكُ على أسنانه .
ـ تباً .. تباً .. تباً ... هو ليسَ صديقي إنّما هو خادمي !! لماذا وصلتُ إلى هذا المكان المليء بالعجائز !!.
تراجعَ رولند للخلف فتعجبَ ميلان من ذلك وانقطعَ صراعه الداخلي , أخذَ ينظرُ إلى خادمه باستغراب ..
انحنى له أمامَ الناس في منتصفِ الطريق وقالَ له بنبرةِ هادئة .
ـ أرجوك سامحني أنا المخطئ .... .
اتسعت عيناه أثر ما قاله فقد قلبْ الموازين لصالحه وها هو الآن يعتذرُ له أمام الجميعِ معرضاً نفسه للإهانة أمامه فلم يكن له سوى أن يرسم ابتسامة ساخرة منتصرة فها هو أخيراً قد حقق مراده بطريقة غير مباشرة , بينما بقيّ رولند على حالته ينظرُ إلى الأرض بعينيه فقد كانَ يعلمُ تماماً بما كان يجولُ في خاطر سيده ولم يرد أن يخيّب ظنه ورأى أنّه من الأفضل أن يفعل ذلك .
ـــــــ
ركبا السيارة وحلّ الهدوء التام بينهما فلم ينطقَ كلاهما بعدما حدث في ذلك الشارع ... كانَ ميلان يشعرُ بالانتصار فقد حقق مراده الذي جاءَ لأجله وها هو يرى وجه خادمه الذي بدى عليه الإرهاق من خلالِ المرآه العاكسة فنصفُ يومِ قضاه معه في الخارج من المتوقع فيه أن يشعر بكمية من التعب , فجأة ترددت على مسامعه جملةِ أحدهم.
ـ لا تقلقا سوفَ يعودا صديقين كما كانا .
شعرَ بالغرابة وأخذت ترنُ تلكَ الجملة في أذنيه مكونةً صدى ذاتِ رنّة غريبة... اسندَ رأسه على مقعد السيارة الخلفيّ وطغت على ملامحه معالم الهدوء ... تبدلت نظرته الحادة لأخرى حزينة وأخذَ يتذكرُ موقفاً قديماً حصل معه في ذلك الحادث .. عضِ على شفتيه وقالَ بألم .
ـ ترى أينَ أنتَ الآن ! .. هل نجوت أم أنكَ لا تزال في قبضتهم ؟! .
ـــــــ
وفي شقة ميدوري
تأكدت من نومهما فابتسمت بداخلها وهي ترى الفرحة على وجوهم النائمة فيبدوا أنّ القصة التي حكتها لهم قد صدقوها وهذا ما أرادته .... ارتدت خفها الملون وخرجت إلى الشرفة ... أسندت ذراعيها عليها وتبدلت ملامحها للحزن وما لبث أن هبت نسمه هواء باردة حركت وريقات الشجرة الضخمة التي تطلُ على شقتها لتسقطَ وريقاتها على الشارع الذي تحته وتحركُ شعرها البني القصير أرجعت بعضاً من خصلاتِ شعرها خلفَ أذنيها وبدأت تحركُ شفتيها وقد انسابت دمعة على وجنتيها .
ـ رولند .. تُرى ما هو مقدار العذاب الذي كنتَ تعيشه قبل أن نلتقي بك ! هل ازداد بعدَ مجيئنا أم لا ؟! .
دفنت وجهها بيدها وقد بدأت الدموع تنسابُ من عينيها لتقولَ بعتاب لنفسها .
ـ ما هذا السؤال الغبي . ! بالتأكيد ازداد بعدَ مجيئنا ... دائماً ما كان يحمينا ونحن نقفُ ننظرُ إليه دونَ أن نفعلَ شيئاً .
بدأت تمسحُ الدموع بكمِ قميصِ نومها لتتمالك نفسها فلو رأى ما هيّ عليه لغضبَ منها بالتأكيد .. ابتسمت من جديد فقد تعلمت فعلَ ذلك بسرعة فقد جاهدت نفسها على ذلك لأجل ذلك الشاب لكيلا يغضبَ ويحزنَ من تصرفها .
استنشقت بعمق من نسيم الليل البارد فبدأت الراحة تدخلُ تدريجاً إلى نفسها ابتعدت عن الشرفة وأغلقت بابَ شقتها لتنام وتبدأ يومها القادم بحيوية .
ـــــــ
كانت الغرفة مظلمة لا ينيرها سوى إنارة صفراء خفيفة ولا يسمعُ فيها إلا صوتُ الهواء البارد الذي يكيفها ... قامَ بشربِ كأس الماء الذيّ امتدّ له ثمّ وضعه بعد أن صارً فارغاً احتضن وسادته ثمّ أسقط نفسه على السرير لينام ...
خرجَ رولند من غرفةِ سيده وهو يحملُ كأس الماء الفارغ وأكثر ما أثارَ استغرابه هو هدوء ميلان وكأنما هناكَ ما يشغلُ فكره تنهدَ بعمق فقد كانَ ذلك جيداً فلم يصرخ عليه أو يقومُ بإلقاء كتلِ من السخرية باتجاهه .
نظرَ للقصر من حوله فوجده هادئاً فيبدوا أنّ جميعَ الخدم قد خلدوا للنوم .. وصلَ إلى الدرجِ الذي يوصلِ إلى غرفته في الدور الأرضي بدأ ينزله وهو يضعَ ذراعه على الجدار فعقله مشغول بالتفكير في الغد ... وصلَ إلى غرفته الضيقة فأسقطَ نفسه على السرير ... فتحَ أزرار سترته ليشعرَ ببعضِ الهواء وما لبثَ أن ظهرت ملامح الألم على وجهه ليتكور على نفسه ويشدّ بيده على الوسادة بقوة وكأنما أرادَ أن يُفرغَ ألمه فيها ..
ثواني هي حتى عادت ملامحه إلى طبيعتها واختفى ذلك الألم ... أغمضَ عينيه ومدد جسده ثمّ قامَ بوضعَ ذراعه على جبينه واستسلم للنوم سريعاً .
انتهى الفصل الخامس ..
3 أعضاء قالوا شكراً لـ Amazing Misa على المشاركة المفيدة:
لحن الأمل
,
Chocolate
,
DeMoIzeLle AmU
Amazing Misa
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات Amazing Misa