شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
بدأت الشمسُ تصارع على البقاء فبدت تظهرُ حمرتها في السماء البرتقالية .. كانَ الثلاثة لا يزالون في حديقة القصر رولند لا يزالُ متسمراُ في مكانه وقد طغت على ملامح وجهه ملامح قلقِ كبيرة , بينما بدى الحزنُ على الطفلين فها هي لين قد بدأت الدموعُ تتجمع في عينيها بينما لير يحاولُ أن يبقى شجاعاً أمامَ أخته التوأم بينما بداخله عكسً ذلك , ملّ ميلان من رؤيتهم فقد تحقق مراده في أن يرى ردة فعلهم ويستمتع بها , وقفَ والتفتَ ليغادر بعدَ أن أصدر حكمه .
لاحظه رولند فأسرعَ نحوه دونَ تفكير وأمسكَ بأحد ذراعيه وبرجاء قال له .
ـ أرجوك تريث قليلاً .
ما إن أحسّ ميلان بيده التي يضعها على ذراعه حتى اشتغلَ غضباً ضربَ يده التي تمسكه بحركة سريعة وقالَ بصراخ .
ـ لا تلمسني بيدك القذرة ! .
تعثرت قدمه وسقط أرضاً وقد بدت على ملامحه الصدمة فقد كانت ضربته حقاً مؤلمة , التفت ميلان إليه باحتقار وغضب , بينما لم يستسلم رولند حتى وهو يرى ملامح وجهه الغاضبة.. وقفَ و تقدّم باتجاهه ثمّ طأطأ رأسه باحترام وقالَ له برجاء أكبر .
ـ أرجوك أخرجهما من ذلك .
كتف ميلان بذراعيه وهو يراه يُصر على ذلك مما جعله يقولُ بعدمِ رضا ممزوجةِ بالسخرية .
ـ هل أنتَ من تقرر ذلك ؟! .
اتسعت عينا رولند لسخريته التي وجهها له ولكنْ لم يجعل ذلك يؤثر على عزيمته هو الآخر مما جعله يقولُ له بتوسل .
ـ أرجوك.. اطلب مني أيّ شيء أو افعل بي ما تشاء على أن تدعهما .
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه ميلان عندما رأى إصراره وكلماته تلك .. تقدم نحوه ووقفَ أمامه بينما لم يرفع رولند رأسه بل بقيّ على حالته وهو يتمنى أن يتراجع عن قراره .
في تلكَ اللحظة جاء شيمون واتخذَ له مكان بالقربِ من إحدى الشجيرات المنتشرة في ساحة القصر حيثُ لا يراه فيه سيده فهوَ قلق ويريدُ أن يعرفَ ما حصل , شعرَ بالخوف عندما رأى ذلك الموقف ...
لير ولين اللذان ينظران لـ رولند بأعينهما البريئة وميلان الذيّ يقفُ أمام ذلك الشاب بغرور مع ابتسامته التي لا تبشرُ بالخير مطلقا .. و رولند الذيّ يحني رأسه في صمت وهو يشدُ قبضة يديه بينما عينيه كانت تظهرُ عليها لمعة الإصرار .
وضعَ ميلان يده على شعرِ رولند الكثيف وأدنى رأسه ليهمسُ في أذنه ويصلَ إلى مستواه .
ـ هل تقولُ لي أن أطلبَ أيّ شيء منك أو أفعلُ ما أشاء بك ؟!؟! ... .
قالها بسخرية شديدة ولم يكتفيّ بذلك بل قالَ له وقد تغيرت ملامحه للجدّية .
ـ أنتَ بالفعلِ كذلك منذُ أن وضعت قدميك على قصري هذا .
أغمضَ عينيه وهو يتلقى تلكَ الإهانة التي عكسها عليه .. تساقطت بعضُ قطرات عرقه عن جبينه لتسقط على وريقاتِ العشبِ الصغيرة وكأنما فقدَ معها رولند الأمل .
ـ حسناً ولكن بشرط ... !! .
اتسعت أساريره وملئت نفسه فرحة كبيرة عندما سمعَ جملة ميلان التي نطقَ بها , رفعَ رأسه واعتدل بوقفته وقالَ له برسمية مشبعةّ بالحماسة .
ـ وما هوَ ؟! .
نظرَ ميلان إلى عينيه وبخبثِ قالَ له .
ـ تعملُ عنديّ بدونِ أجر ! .
اتسعت عينا شيمون عندما سمعَ كلامَ سيده فكيفَ يطلبُ من ذلك الشاب أن يعملَ عنده بدونِ أجر وهو يُقارب سنه .. شعرَ بضيق في صدره وجملة سيده التي قالها لـ رولند تترد عليه .. فلو كانَ هوَ في ذلكَ المكان لتردد كثيراً فالعملُ دونَ أجر يعتبر إهانةً كبيرة للشخصِ الخادم وكأنما اشتراه وأصبحَ عبداً ملكاً له .
صكّ رولند على أسنانه عندما سمعَ ما قاله فإن رضيّ بذلك فسوفَ يعرضُ نفسه للاستصغار .
عضَ لير على شفتيه فقد فهم المحادثة التي دارات بينهم كما أنّه قد كره ذلك الشخص من كلِ قلبه نظرَ إلى ميلان بنظرات حادة فوجده يبتسمُ بنصر وكأنما ينتظرُ الإجابة أبعدَ نظره عنه وأسرعَ بخطواته نحو رولند أمسكَ يديه وقالَ له بإصرار ظهرَ في عينيه .
ـ أخي سوفَ نتهمُ بأمرنا , أرفض ما قاله لك إنه شخصِ شرير .
هدأ رولند قليلاً وانقطعت افكاره عندما سمعَ صوتَ لير ثمّ مالبث أن ابتسمَ ابتسامة ظهرت فيها أسنانه المصطفة كالالئ وضعَ يده على شعرِ لير وقالَ له بنبرة محبة .
ـ لقد كبرت حقاً لير .
توردت وجنتيه عندما سمعَ ما قاله فأبعد نظره عنه فقد شعرَ بالخجل من كلامه .
وقفَ رولند وتغيرت ملامحه اللطيفة في ثواني قليلة إلى ملامح جدّية وقالَ لـ ميلان الذي ينتظرُ جوابه .
ـ حسناً أوافقُ على ذلك .
ضحكَ ميلان بخفة وتكلم وهو يشعرُ بالإثارة فلم يتوقع أبداَ أن يقبل ذلك .
ـ أنا أعلمُ السبب الذي جعلك تعملُ عند ليبريت , لذلك لا تحمل في نفسك شيء لأنّي طلبتُ ذلك .
ضاقت عينا رولند عندما سمعَ ما قاله ولكنّه تمالك نفسه ليكملَ ميلان كلامه بثقة ساخرة .
ـ لذلك سوفَ يكون ذلك تعويضاً لما سببته من خسارة له بسببِ خطأك , فقد كانَ ما ضاعَ هو ماليّ أنا الذي يجبُ عليه تسديده .
ابتسمَ رولند ليجاريه في كلامه ويقولُ بحنكةِ وذكاء مع ذات النبرة التي يُخاطبُه فيها ميلان .
ـ لكن , لا أظنُّ أن تلك الخسارة البسيطة قد تؤثرُ على أموالك , أليسَ كذلك ؟! .
أطلقَ ميلان ضحكاتِ عالية عندما تلمسَ ما يريده في جملته مما جعله يزداد فرحاً لأنّه اختار هذا الضعيف لخدمته فسيكونُ ممتعاً كما أنّه يتطلعُ لرؤيته يقومُ بخدمته .
جلسَ على الكرسي مرةَ أخرى ثمّ أخرجَ من جيبِ سترته الفاخرة بطاقةً صغيرة بيضاء اللون تحملُ بعضَ الكتابات والخطوط السوداء العريضة , مدّها إلى رولند وقال له وهو ينظرُ للصغيرين .
ـ لأكونَ عادلاً , فقد كانَ ما قلته صحيحاً ... لكن .
أتبعَ بنبرة خبيثة وهو يراقبُ ملامح وجه رولند ليرى المزيد من تعابيره التي تطرأ عليه .
ـ سوفَ تنتهي تلكَ الخسارة البسيطة في أيامِ قليلة وبما أنّك قبلت بالشرط فسأقومُ بإعطاء الصغيران المال الذي هوَ بمثابة عملكَ هنا .. .
أخذَ رولند تلكَ البطاقة من يديه وأخذَ ينظرُ إليها فقد كانَ ما قاله جيدٌ بعضَ الشيء .
نهضَ ميلان من مكانه والتفتَ مغادراً وهو يقول بتحذير .
ـ إن اكتشفت أنك تقومُ بأخذِ شيء منه ولو القليل , فلن أرحمك أبداً .
قالَ تلكَ الكملة بصوتِ غاضبِ شديد وكأنّه سيكونُ جاداً فيما قاله ولن يرحمه .
ابتعدَ وهو يُضعَ يديه على رأسه وكأنما قد أنهى المحادثة معه وأصدر حكمه , ولكنه توقفَ في نصفَ طريقه ليقولَ لـ رولند بغيض .
ـ فـ ليغربا من هنا الآن .
قالها ثمّ انطلقَ نحو قصره .
بينما أمسكَ رولند بأيدهما الصغيرة وانطلقَ يمشي نحو بوابة القصر لير بجانبه الأيسر بينما لين يسمكُ بها بيده اليمنى .
ـــــــ
ـ انتظر .
التفت رولند عندما سمعَ ذلك الصوت ليرى شيمون يقفُ وراءه وهو يلتقطُ أنفاسه و بادر يقولَ للشابِ بنبرةِ حزينة .
ـ أنا أعتذرُ من تصرفاتِ سيدي .. .
ابتسمَ رولند ووضعَ يده على كتفيه .
ـ أنتَ لم تفعل شيء , لا بأس عليك .
تلمس شيمون لطف هذا الشاب وحَزن على القرار الذي اتخذه فهو من الغد سيبدأ العمل في القصر , نظرَ للصغيرين الذي بدت على ملامحها الحزن وعدم الرضى ليقولَ لـ رولند .
ـ أينَ ستذهب الشمسُ بدأت بالغروب وسيحلُ الليل !.
أمسكَ رولند بأيدهما بقوة وقالَ له بابتسامة جميلة .
ـ سوفَ أذهبُ بهما إلى مكان ما وأعودُ سريعاً .
أومأ شيمون برأسه موافقاً ولوحَ بيده مودعاً الشاب الذي أخذَ يبتعدُ عن القصر ممسكاً بأيديّ الطفليين الصغيرين بعدَ أن آثرهما على نفسه
عادَ شيمون أدراجه وهو يُفكر بالحياة التي سوفَ يعيشها من الغد فصاعداً فلن تكونَ سهلة وسيده هو ميلان .
ـــــــ
بدأ الليل يهبطُ تدريجاً ونسيمه البارد يلفحُ على المكان و رولند لا زالَ يمشي في شوارع المدينة في صمتِ طويل لم ينطق فيها بشيء بينما لين في كلِّ مرة تنظرُ إليه ولير لم يجرأ على أن ينظر بل بقي يحدقُ بالأرض وهو يشعرُ بالذنب فيبدوا أنّه الوحيد الذي علمَ بما حصل بينما بدا أنّ أخته لم تعلم ما جرى .
أغمَضَ عينيه بشدّة وتوقفَ في مكانه ولم يتابع السير تعجب رولند فالتفت نحوه وقالَ له بتعجب .
ـ لير , هل حصلَ شيء ؟! .
ـ أنا آسف .
ابتسمَ رولند وتقدمَ نحوه وقالَ له محاولاُ تصنع عدم فهم ما يقول .
ـ لم تفعل شيئاً حتى تعتذر ! .
شعرَ لير بغضبِ طفيف من طريقة رولند التي لا يريد أن يسبب فيها القلقَ لهما مما جعله يرفعُ يده ويضعها على صدره ,
أخذَ نفساً عميقاً وصرخَ بأعلى صوته وقد بدأت الدموعُ تنسكبُ من عينيه .
ـ كانَ عليك ان تتركنا في ذلك المكان ولا تأخذنا معك .
ضاقت عينا رولند عندما سمعَ ما قاله وظهرت عليه ملامح غضبِ طفيفة , أمسكَ بكلتا يدي لير ورفعها باتجاه ثمّ قالَ له.
ـ أتعني بذلك أنكَ لا تريدنيّ أن أبقى بجانبك ؟! .
هدأ لير من بكائه قليلاً عندما سمعَ ما قاله فهو لم يقصد ذلك , أخذَ يكفكفُ دموعه وهو يقولُ بصوتِ باكِ .
ـ لكن ...لكن ... أنتَ الآن ستعملُ عندَ ذلك الشخص إنه ليسَ لطيف كالسيد ليبريت .
أخذَ نفساً عميقاً ورفعَ خنصر يده اليمنى وأشار بها أمام عينيه ثمّ قالَ بلطف .
ـ ألم نتعاهد أن نبقى سويةً ! لا يعني أن أكونَ مع ذلك الشخص أنّي قد تركتكما .
اتسعت ابتسامة لين عندما سمعت ما قالت فقد خشيت أن يتركَ رولند البقاء معهما , بينما الأمر ذاته عندَ لير الذي لم يدفعه قولَ ما قاله إلا لأنه خشي ذلك.
اطمأن قلبيهما فعادت الابتسامة إلى وجهيهما وأكملا سيرهما مع رولند .
ـــــــ
ـ ها قد وصلنا .
هذا ما قاله رولند وهو يقفُ أمامَ مبنى متوسط مكوّن من خمسةِ أدوار مطليّ باللون البني الباهت الذي تغير مع الزمن , تقدمَ نحوه ودخله ثمّ قامَ بالصعودِ على دراجته ليصلَ إلى الدور الثالث برفقة الطفلين .
وقفَ أمامِ بابِ غرفة على شرفةِ تطلُ على شجرةِ خضراء جميلة ذات أوراقِ صغيرة من على الجانب وإذا نظرَ أحدهم إلى الأسفل فسيرى شارعِ المدينة بمحلاته المشهورة , ابتسمَ وهو يتذكرُ هذا المكان فقد مرّ وقتٌ من أن جاء إلى هنا .
تكلمت لين وهي تنظرُ للمكان حولها بتعجب .
ـ أخي أينَ نحنُ الآن ؟! .
أجابَ رولند بابتسامةِ واسعة وهو ينظرُ إليها .
ـ إننا الآن أمامَ منزل أختكما الكبيرة .
لم يصدق لير ما قاله فاملأت وجهه الدهشة ولمعت عينيه وأخذَ يقولُ لـ رولند بحماسة كبيرة .
ـ أتعني أنّ لكَ أختاً ؟! .
ضحكَ بخفة وهو يرى تعجبه الطفولي واندفاعه عندما سأله لـ يومأ برأسه وهو يقولُ له .
ـ شيء كهذا .
ضمت لين يديها نحوها وقد برقت عينها بسعادة , أخذت تتساءل في قرارة نفسها هل هي تشبه رولند ! وهل تمتلكُ عيناً مثلَ التي يحملها ! .
طرقَ رولند البابَ بخفة ليجيء صوتٌ أنثوي من خلفَ الباب تخبرهم بأنها قادمة , أدارت مقبضَ الباب وفتحته لتعرفَ من الطارق فظهرَ أمامَ الطفلان فتاةٌ جميلة بجسدِ متناسق وشعرِ بنيِ قصير يصلُ إلى أسفلِ رقبتها تلبسُ ثوباً عادياً زهريّ اللون.
تسمرت في مكانها عندما رأت حدقةُ عينيها السوداء ذلك الشاب الذيّ يقفُ أمام بابَ شقتها فظهرت السعادة جلياً على ملامحها تجمعت الدموع في عينيها فلم تعكس عينها سوى ذلك الوجه الوسيم الذيّ دائماً ما تتشوقُ للقائه , اندفعت نحوه وضمّته بذراعيها بسعادة كبيرة ِ .
ـ رولند لماذا لم تعد تأتي لزيارتي ! .
هذا ما قالته بصوتِ باكِ ممزوجِ بالفرحة الغامرة بينما لم تنتبه للطفلين اللذين أخذا يُحدقان بها بدهشة .
توردت وجنتيّ لين وهي تتأملُ ملامح تلك الفتاة الجميلة بينما طغت على وجه رولند ملامح خجلِ طفيفة مما دعاه ليهمسَ لها بخفوت .
ـ ميدوري لقد جلبتُ طفلان هنا ! .
ابتعدت ميدوري ثمّ التفت نحو المكان الذي ينظرُ له رولند , رأت عيناها تلكَ الأعين الخضرُ التي تحدقُ بها , اقتربت منهما وجلست على ركبتيها لتصلَ إلى مستواهم وأخذت تدققُ في وجهيهما لتتذكرَ أين آخر مرةِ رأتهما , ثواني هي حتى أطلقت صرخةً مفاجئة .
ـ أنتما ..! لقد تذكرتْ .
التفتَ سريعاً نحو رولند وأخذت تنظرُ له غيرَ مصدقة وقفتَ على قدميها وأسرعت باتجاه ثمّ همست في أذنيه بطفولية .
ـ هل قمتَ حقاً بأخذهما !؟
أبعدها الشاب بيده بلطف ثمّ قالَ لها بهمسِ صغير خالطه نبرةُ غريبة .
ـ جئتُ أطلبُ منكِ معروفاً .
تلمست ميدوري نبرته تلك فعلمت انّ في الأمر شيئاً , تراجعت للخلفِ قليلاً ثمّ فتحت بابَ شقتها لتقولَ للطفلين بحماسة .
ـ ادخلا وانظرا إلى شقتي ولا تعبثا بشيء موافقان ! .
سعدَ الطفلان لذلك فأسرعت لين تخلعُ حذائها وتسارعُ في الدخول كما الحال عند لير .
ـــــــ
هدأ المكانٌ قليلاً في الخارج وبدأت الأضواء الملونة للمحلاتِ القريبة من ذلك المبنى تفتحُ لتنير الطريق وتخلقُ جواً من الهدوء مع نزولِ وقت الليل , هبت نسمةُ هواء باردة حركت خصلاتِ شعرها البنية لم تعرف بماذا تجيبه عن سؤاله وشعرت بقليلِ من الاحراج فهي حقاً لا تريدُ أن ترفضُ له طلباً فقالت بصوتِ مرتبك .
ـ لكن .... كيفَ تقولُ لي أن أعتني بهما .. وأنا لا أملكُ المال ! .
لم ترد حقاً أن تقولَ له ذلك فحركت قدمها اليسرى على الارض بارتباك وأتبعت كلامها .
ـ لستُ أرفض ..بل أنا أريدُ أن أفعلَ ذلك لأنكَ طلبته .. .
احمّرت وجنتيها وقالت له بصوتِ منخفض وهي تغمضُ عينيها .
ـ لكن كما ترى بالكاد أستطيع أن أدفعَ إيجار الشقة .. كما أنّني لا زلتُ أجمع المال لأدخل إلى الجامعة .
ابتسمَ رولند عندما رأى ملامحها التي تبدو وأنها منزعجةُ من نفسها وضعَ يده على يديها الناعمتين وقالَ له بلطف .
ـ لا تقلقيّ ... لقد أحضرتُ المالَ بالفعل .
تعجبت من ذلك فرفعت نظرها لتنظرُ إليه ففوجئت به يمدُ يده وفيها بطاقةُ بيضاء ويقولَ لها .
ـ هذا المالُ تحت تصرفك , قومي بصرفه على الطفلين وادفعي به إيجار السكن كما أنّني لا أمانع في أن تستخدميه في دخولك للجامعة وشراء ما تحتاجينه .
أمسكت بها وأخذت تُقلبها بينَ أصابعها أصابتها الدهشة الكبيرة وهي تنظرُ لها بعدمِ تصديق فقالت بفرحة .
ـ يبدوا انها تحتوي على مبلغِ ضخم .. هل وجدتَ عملاُ ممتعاً تقومُ به .
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظرُ له بعينها التي تلمعان من فرطِ السعادة , طأطأ رولند رأسه فأخفى ملامح عينيه وقالَ لها معَ ابتسامة صغيرة ظهرت شفتيه .
ـ هل أنتِ موافقة ؟! ... سأجلبُ مثلها من الآن فصاعداً , لا أظنَ أنهما من النوعِ الذيّ سيزعجانك , سأتكفلُ بمهمة تسجيلهم في أحدِ رياضِ الأطفال لكيلا يضيعانِ من وقتك .
أومأت برأسها موافقة فسعدُ قلبُ رولند لذلك مما دعاه ليقولَ .
ـ لن أنسى صنعيك هذا .. وسأرده لكِ يوماً ما .
طرأَ في بالها ذلك السؤال فسارعت بقوله لـ رولند الذي كان متوقعاً أنّها سوفَ تقوله .
ـ وأنتَ ... إلى أينَ ستذهب !؟ أليسَ غريباً أن تتركهما وأنتَ من أخذهما ! هل ستسافر ! .
أخفت خصلاتِ شعره عينيه وزالت ابتسامته من وجهه فلا يملكُ الآن سوى أن يخبرها ويقولَ لها بنبرةِ جامدة .
ـ سوفَ أعملُ خادماً منذُ الغد عند آل ماليان .
اضطربَ قلبها واتسعت عيناها عندما سمعت ما قاله , ضمت يدها إلى صدرها وقالت له بعدمِ تصديق .
ـ مستحيل ... لا يعقلُ ذلك ... !! هل حقاً ستعملُ في ذلك القصر !؟ .
طغت على ملامح رولند الحزن الشديد فأسند ظهره على الشرفة ونزلَ حتى وصلَ إلى الأرض ليجلسَ عليها ثمّ قال لها بصوتِ متعب مع ابتسامةِ أظهرها على شفتيه .
ـ أجل .. .
لم ترضى ميدوري لذلك فاجتمعت الدموع في عينيها وجلست بقربِ الشاب الذي لم يستطع إخفاء ملامح الإرهاق من وجهه أمامها وسألته بعدمِ تصديق وهي تهزّ جسده بيديها .
ـ ألستَ تكرهُ الأغنياء !؟ أخبرني ! ......... ألستَ تكرههم ؟!! .
تنهدَ رولند بعمقِ كبير وهو يسمعُ سؤالها وضعَ يده على جبينه ليرفعَ خصلاتِ شعره وقالَ لها بنبرةِ غريبة .
ـ بلى .. .
ـ إذا لماذا ؟!
هكذا صرخت ميدوري وقد تحدرت دمعةُ على وجنتيها فهي لا تريدُ أن ترى الشاب الذيّ تحبّه من أعماقِ قلبها يعاني كما كانَ في الماضي .
سمعَ الاثنان صوتَ الباب فالتفت رولند ليجد الطفلين يقفانِ أمامه بينما سارعت ميدوري لتمسحَ دمعتها .
ـ نحنُ آسفان كلّ شيء حصلَ بسببنا .
هذا ما قاله لير وهو يشدُ قبضه يديه ليخبرَ تلكَ الفتاة القصة بأكملها .
ـــــــ
وبعدَ أن علمت ميدوري بما جرى تألمَ قلبها عندما علمت السبب الرئيسي لتلفتَ لـ رولند بابتسامة مشفقة وتقولُ له وهي تحاولُ كبت بكائها .
ـ سوفَ أعتني بهما لأجلك .
وقفَ الشاب على قدميه وارتسمت ابتسامة مريحة على شفتيه , تقدمَ نحو الصغيران وقالَ لهما وهو يضعُ يده على شعرهما .
ـ هذهِ أختيّ ميدوري أتمنى أن تحسنا التصرفَ معها ! سوفَ آتي لزيارتكم من حينِ لآخر .
أومأ برأسيهما بفرحة غامرة وسارعت لين تمسكُ بيد ميدوري وتقولُ لها بصوتِ طفولي مع ابتسامة جميلة .
ـ لن نزعجك فأنتِ أختِ رولند .
حزنت الفتاة عندما سمعت كلمة أخت مقترنةِ مع رولند فهي في الحقيقة ليست أخته ولا حتى تربطها صلة قرابة به .. بل هي صديقته منذُ أن كانا صغيرين أعادت نظرها له فوجدته يحادثُ لير بابتسامة , طأطأ رأسها وهمست لنفسها وهي ترفعُ اصبعها اليسرى وتتذكرُ ذلك اليوم التي أمسكها رولند وقامَ بوعدِ معها استحضرت ذلك الموقف ثمّ همست بحزنِ .
ـ لا زلتُ أحبك رولند .
صفقت بيدها بعدَ أن أبعدت ملامح الحزن من وجهها التفت للطفلين وقالت لهما بسعادة .
ـ ادخلا الآن وأنا سأذهبُ لشراء بعضِ الطعام للترحيبِ بكما .
سعدا لذلك وسارعا للدخولِ من جديد ... حركَ رولند قدميه مغادراً وتبعته ميدوري لترافقه ..
سارا معاً حتى مفترقِ إحدى الطرق الذي يجبُ على الشاب أن يُفارقها فيها فقالَ لها بنبرةِ شاكرة .
ـ شكراً لك .
ابتسمت بخجل طفيف ثم تحولت ملامحها لأشبه بالطفولية وهي تغمضُ إحدى عينيها .
ـ هل هو معك ؟! .
تعجبَ رولند لسؤالها فسارعت لترفعَ كم ملابسها فتظهر سلسلة بألوان داكنة كالتي يحتفظُ بها ولكنها جعلتها كـ سواره. .
أدخل رولند يديه في سترته الداخلية ليخرجَ السلسلة التي يعلقها على رقبته والتي هي مطابقة تماماً لما معها .
فرحت أشد الفرح عندما رأتْ أنه لا زالَ يحتفظُ به لتمسكَ بالسوارة بيدها وتقولُ بنبرةِ لطيفة وهي تتذكرُ أحدهم .
ـ أتمنى أن نلتقيّ بإيفان قريباً .
ابتسمَ رولند بطمأنينة وقالَ له بثقةِ كبيرة .
ـ أنا متأكدٌ أن سنتقابلُ مجدداً .
أومأت برأسها بأمل ورفعت يدها مودعة رولند الذي أخذَ يبتعدُ عنها فقالت وقد طغت على ملامح وجهها حمرةٌ خفيفة.
ـ أتطلعُ لذلك اليوم الذي سنجتمع فيه نحنُ الثلاثة سوياً ....
ابتسمت وهي تتذكرُ ذلك الشخص لتهمس بشوقِ له .
ـ عد باكراً إيفان , فلابد أن رولند قلقٌ عليك .
ـــــــ
وأخيراً ابتعدَ رولند وأصبحَ وحيداً منفرداً بنفسه في إحدى منعطفات الشوارع المظلمة والتي تنيرها إنارةٌ مكسورة وضعَ يديه على الجدار ثمَ وضعَ رأسه عليه ظهرت عليه ملامحِ الألم فأغمضَ عينيه بشدّة .... قالَ بصوتِ متقطع من شدةِ الألم الذي يشعرُ به في جسده وهو يتذكر كلامها .
ـ ألستَ تكرهُ الأغنياء !؟ أخبرني ! ......... ألستَ تكرههم ؟!! .
ـ أجل أنا أكره كلّ الأغنياء ميدوري ...... .
جثى على ركبتيه ومشاهدُ من الماضي الأليم الذي كان يعيشه تردد على ذاكرته
أسندَ ظهره على الجدار المتهالك , وأخذَ ينظرُ للسماء السوداء بعينيه ارتسمت ابتسامة على شفتيه.
ـ ربما لن يكونَ ذلك قاسياً .. لنجرب ذلك .
قالَ ذلك ثمّ وقفَ على قدميه متجهاً إلى قصر ماليان مبتدأً صحفةَ جديدة في حياته بالعملِ عندَ ميلان وهو لا يعلم ما هو الغد الذي ينتظره
وأيّ الأحداث التي ستظهر وستغيرُ مجرى حياته والتي ستنقلبُ في لحظات قليلة رأساً على عقبَ ليعودَ تدريجياً للجحيم الذي كان يعيشه في صغره .. .
فكيفَ سيحدثُ ذلك ؟!
و ما هوَ الجحيم الذي عاشه في صغره !
وهل سيجتمعُ الثلاثة قريباً ! وما هي حكايةُ كلِّ شخصِ منهم ! بل حكايةُ لقائهم جميعاُ ! .
انتهى الفصل الثالث ..
بانتظارك ردودكم وتعليقاتكم
آخر تعديل Amazing Misa يوم 09-11-2013 في 04:51 AM.
|