( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ
لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ۖ
وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) محمد 15
قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
قال صبروا على ما أمروا به وصبروا عمانهوا عنه
وإذا كان الصبر على البلاء يثاب صاحبه بالنصر ومغفرة الذنب وتفريج الكرب
فإنما أعظم منه الصبر على التمسك بالدين وإليه أشار رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال ( إن من ورائكم أيام الصبر
للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا يانبي الله
أو منهم قال بل منكم )
فصبرك على المعصية عند اشتداد وطيس الفتن أجره عند الله عظيم وهو أعظم
من صبر غيرك إن لم تفتنه فتنة فغضك للنظر إلى المحرمات والناس ينظرون
يورث لك حلاوة الإيمان في قلبك ويعظم لك المثوبة عند ربك
وصبرك على الطاعة بين أهل المعاصي يضاعف أجره ويجزل ثوابه
لأن الطاعة بين كثرة أهل المعاصي تستلم ثباتاً ويقيناً ومدافعة لغربة
التفرد بالدين وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء )
رواه مسلم
وفي رواية عند أحمد ( قلنا ومن الغرباء قال قوم قليل في ناس سوء كثير
من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم )
فإن الجنة غالية ثمنها صبر على المكاره ومجاهدة للشهوات وحبس النفس عن الزيغ
والإنحراف ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ
أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ : انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا . قَالَ :
" فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا . قَالَ : فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ
لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا . فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ ؛ فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ
إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ
فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ . قَالَ : اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى
مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ
لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا . فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ؛ فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهَا . فَرَجَعَ
إِلَيْهَا ، فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا "
وقَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .وقال الحافظ في الفتح ( 6 / 320 ) : " إسناده قوي ".
وعلى قدر همتك تكون في الجنة منزلتك فإن الجنة درجات وفيها السابقون المقربون
وفيها أهل اليمين ولكل منزلته بحسب أعماله وصبره في الدنيا
ومن لاهمة له فذالك الظالم لنفسه التابع هواها فتنته الدنيا فغفل عن لآخرة
ونسي حظه فيها فجزاؤه بحسب ظلمه
والهمة تستلزم منك الصبر والطموح والمكابدة والمجاهدة والعمل ولذلك ورد
لفظ المكابدة والجهاد والعمل في كتاب الله وسنةرسوله وأنه من أعمال أهل الجنة
كما قال تعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ
وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران 142 وقال تعالى (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران 136
وقال تعالى ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد 24
وقال تعالى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد 4 وقال تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِ } العنكبوت 69
وقال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل : 97
فهذه الآيات كلها تدل على أن الجنة تنال بالعمل والمجاهدة فضلا من الله ورحمة
وقال ابن القيم : مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد
فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر
ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم وصبر الشاب عن الفاحشة وصبر الغني عن
تناول اللذات والشهوات عند الله بمكان [ اي أجرها عند الله عظيم ]
يجزي على القليل كثيرا فالجنة ( لبنة من ذهب ولبنة من فضة ملاطها المسك
وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولاييأس ويخلد ولايموت
لاتبلى ثيابه ولايفنى شبابه ) رواه أحمد
وقال صلى الله عليه وسلم ( لقاب قوس أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من
الدنيا ومافيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت مابينهما
ولملأت مابينهما ريحاً ولنصيفها - يعني الخمار -خير من الدنيا ومافيها )
رواه البخاري ومسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولاأُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
فاقرؤا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
رواه البخاري
وفي الختام نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة وان يعلي فيها درجتنا
بصحبة نبينا محمد صل الله عليه وسلم
تقديم : شذى الحور * قمر الليـالي