عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2013, 12:27 PM   رقم المشاركة : 2
التائب الحزين
عضو نشيط






 

الحالة
التائب الحزين غير متواجد حالياً

 
التائب الحزين عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 42
تم شكره 303 مرة في 143 مشاركة

 
افتراضي رد: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

كيف نتوب؟!


أولا: حقيقة التوبة:

هي الرجوع الى الله.. ولا يصح الرجوع ولا يتم إلا بمعرفة الرب.. كما ذكرناه من قبل.. بمعرفة أسمائه وصفاته.. وآثاره في النفس.. ولا يصح الرجوع إلا بأن تعرف أنك كنت فارّا من الله... أسيرا في قبضة دوك.. أن تعرف إنك لكي تتوب.. فلا بد لك من اليقين.. اليقين بأنك ما وقعت في مخالب عدوك إلا بسبب جهلك بربك.. وجرأتك عليه..

لا بد للتائب أن يعرف كيف جهل ومتى جهل..
لا بد للتائب أن يعلم كيف وقع أسيرا ومتى وقع..
لا بد للتائب أن يؤمن أن التوبة إنما هي عملية شاقة.. تحتاج الى مجهود كبير.. ويقظة تامة.. للتخلص من العدو.. والرجوع والفرار الى الرب.. الرحمن الرحيم.. والعودة من طريق الهلاك الذي أخذه اليه عدوه..
لا بد أن تعرف أيها التائب.. مقدار الخطوات التي قطعتها بعيدا عن الله.. وتعود اليه بعددها..

لا بد أن تعرف المجهود والعقبات التي لا بد لك من اقتحامها للعودة الى الصراط المستقيم..

لا بد أن تعرف أيها التائب.. انك إنما أوتيت من قبل نفسك.. وبسبب متابعتك لهواك..

لا بد أن تعرف أيها التائب.. إنك أوتيت من قبل غفلتك عن الله.. وعدم اعتصامك بحبله..

ولا بد أن تعرف أيها التائب.. إنك إنما أتيت من قبل حسن ظنك بنفسك.. وعدم توبيخك لها عندما تأمرك بالسوء.. عندما استأسدت عليك ولم تردعها.. فظننت أن مكانك عند الله سبحانه وتعالى حال لمعصية.. هو حالك وأنت على الطاعة.. ولم تدر ساعتها هل يؤاخذ الحبيب بما لا يؤاخذ به غيره.. أم أنه يسامح بما لم يسامح فيه غيره..

إنّ من يدخن ويظن أن السيجارة تهدئ أعصابه.. يدخله حسن الظن بالسيجارة وتنسيه نفسه أنه إذا أمسك المصحف فإنّ أعصابه.. وقلبه.. وشيطانه.. وكل ما فيه يهدأ.. تنسيه أن يذكر الله.. فإذا ذكر الله عصمه من شيطان غضبه. وأدخله في حصنه.. وذكره فيمن عنده.. فإذا نسي.. عندها يكله الله الى نفسه فتسوء خاتمته..

لا بد أن تعرف يقينا بأن الله عندما وكلك لنفسك.. فهذا يسبب سقوطك من عينه فهل تقوى على أن تسقط من عين الله..

أخي التائب.. إذا تبين لك ذلك.. وعرفت أنه في طاعة نفسك عطبك وهلاكك يوم ميعادك.. وان في عصيانها نجاتك في آخرتك..

إذا عرفت أن نفسك قد اعتادت سلوك طريق هلكتها.. وألفت طول النفور والاشمئزاز عما يرضي ربك ومولاك..


فاتحة التوبة؟؟

لا بد أن تعلم أن أول الطريق.. أن تقف مع نفسك وقفة.. بل وقفات.. بأن يعزم على تأديبها.. وتأديب النفس أنما يكون بسبعة أمور:

أولا: الوعظ والتذكير:

ألزم قلبك العزم على تأديب نفسك.. والمواظبة على توفيقها.. والإلحاح على معاتبتها.. والدوام على موعظتها وتذكيرها.. كرر على نفسك الخطر الذي هي عليه.. وانها لا بد من المصير الى مولاها.. وأنها ستموت حتما.. وقد يكون الآن..

تعود لمخاطبة نفسك ما بينك وبينها.. ذكرها.. ناد عليها.. خاطبها.. ناجها.. ازجرها.. انهها..

قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي.. فإن الموت ياتي فجأة.. ذكرها بالأصحاب مات فلان وفلان.. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهو من هو بأبي هو وأمي ونفسي.. فهل لك بعد ذلك من نجاة..؟!

يا نفس سترين كل أعمالك يوم القيامة حاضرة:{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذّركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد} [آل عمران:30] { إنّا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا} [النبأ: 40] {ووجدوا ما عملوا حاضرا} [الكهف:49].

يا نفس صبر ساعة.. ولا عذاب الأبد.. يا نفس هبّي الى الجد.. فإن قالت لك: في آخر العمر أتوب ـ وكثير من الشباب يقول: دعنا نستمتع بالشباب حتى إذا بلغنا المشيب تبنا كما تبتم ـ ولكن ـ اخي ـ ما يدريك أنك ستعيش.. من يعلم متى تموت.. ألديك صك بان تبلغ سن المشيب.. ألديك وعد بانك ستعيش وتبلغ من العمر ما بلغ أبوك وجدك..

وإني ساءلك فمشدد عليك.. هب أن الجد في آخر العمر نافع.. وأنه موصل الى الدرجات العلى من الجنة... أليس قد يكون اليوم آخر عمرك.. فماذا أنت فاعل إذا مت الآن.. وماذا أنت فاعل بين يدي الله غدا...

وإذا هداك الله من الآن وعمّرت كما عمّروا ألست تكون أفضل الجميع منزلة وقربا من النبي المصطفى.. ألا بد أن تصحب الشيطان حينا.. وما يدريك أنك ستستطيع التخلص من حبائله إذا بلغت من العمر أرذله..

ناج نفسك وقل لها: لم لا تشتغلين أيتها النفس بالإصلاح.. من ذا الذي أغراك بالإهمال إلا عدوك وعدوي.. يبغي ان كبنا على وجوهنا في النار.. وما يمنعك من الكبادة يا نفس.. ما باعثك على التسويف وحجتك في التأجيل.. أو ليس هذا إلا بسبب عجزك عن مخالفة شهواتك.. لما تظنين في المخالفة من التعب والمشقة..

خوّف نفسك فقل لها.. يا نفس.. هل تنتظرين يوما يأتيك تستطيعين فيه مخالفة الشهوات..؟! أومعقول هذا..؟! أن يأتي يوم فيجدك وقد عفت الشهوات.. يجدك قادرة على مخالفة الشهوات.. يا نفس ما تخدعين إلا نفسك..

إنّ هذا يوم لا يخلقه الله قط..

لا تكون الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره.. ولا تكون النار إلا محفوفة بالشهوات.. ولن تكون المكاره قط سهلة ميسورة عليك.. ولن تزهدي أبدا في الملذات والشهوات.. وهذه أحوال نعرفها بعقولنا ونراها بأعيننا ونحكم على أصحابها.

قل لنفسك: يا أنفس أما تتأملين منذ كم يوم تعدين..؟! منذ كم تقولين غدا.. غدا.... وقد جاء الغد وصار يوما.. فكيف وجدته..؟!

كثير من الناس يدخن.. فإذا قلت له: تب.. قال: إن شاء الله.. في رمضان أصوم عن السجاير طوال النهار.. فيصبح الأمر سهلا.. وجاء رمضان ثم مضى.. ولك يكف..

تجد الشاب ينظر الى الفتيات في الجامعة.. فإذ قلت له تب قال: إن شاء الله في الإجازة.. فتأتي الاجازات وتمر.. وهو لا يستطيع كف بصره عن النظر..

نعم.. نجد الكثير من الناس يعيش منشغلا بجمع الحطام الفاني من الدنيا.. فإذا قلت له: تب.. قال: بعد أن أعمل لبناء مستقبلي.. فإذا انتهى من العمل لمستقبله قلت له: تب.. قال: وماذا عن مستقبل أولادي..؟! وبعدها يقول: انتظر قليلا.. ثم قليلا.. حتى يدخل القبر وبعده لم يتوب..

إن الطغيان يورث طغيانا.. ومتابعة النفس تورث غضب الرحمن..

ناج نفسك.. قل لها: يا نفس.. اما علمت.. أن الغد الذي جاء وصار يوما كان له حكم الأمس.. ألا فاعلمي أيتها النفس أن ما عجزت عنه اليوم.. فأنت عنه غدا أشد عجزا.. ومثاله يا نفس ـ لو أن رجلا أمر باقتلاع شجرة من أصولها وهو شاب راح يقتلعها فوجد العمل شاقا.. فقال لنفسه: لنسترح اليوم ثم نقطعها من الغد.. ثم الى الغد.. ثم الى العام القادم..

فماذا يعمل العام القادم في الشجرة..؟! وماذا يعمل الزمن بقوته.. فبمرور الوقت تضعف قوته هو.. أما الشجرة.. فتزداد رسوخا وتشعبا في الأرض.. كذلك الشهوات.. فما لا تقدر عليه في الشباب لا تقدر عليه قط في المشيب.. فمن العناء رياضة الهرم.. ومن التعذيب تهذيب الذيب.. والقضيب الرطب يقبل الانحناء.. فإذا جفّ وطال عليه الزمان صعب عليه فعل ذلك..

إذاً فالسبيل الأول للتوبة هو الوقوف مع النفس.. وقفة حقيقية.. مع الوعظ والتذكير.. وحضور مجالس العلم..

ثانيا: عزل النفس عن مواطن المعصية:

قال صلى الله عليه وسلم:" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" صحيح الجامع (3539).

وقال صلى الله عليه وسلم:" وأمّا جليس السوء كنافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة" أخرجه البخاري (5534) كتب الذبائح والصيد، ومسلم (2628) كتاب البر والصلة.

وقال علي ابن أبي طالب:" لا تصحب الفاجر فإنه يزيّن لك فعله ويود لو أنك مثله".

وقال بعض السلف:" إيّاك ومجالسة الأشرار، فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري".

وليس إعداء الجليس جليسه بمقاله وفعله فقط.. بل بالنظر اليه.. فالنظر الى الصور يورث في النفوس أخلاقا مناسبة لخلق المنظور إليه..

إنّ أول ما يبدأ من التوبة.. اخي التائب أن تتخلص من رفقاء السوء فتستبدلهم بصحبة صالحة.. ثم بعد ذلك لا بد من تغيير المكان الذي كنت تعصي الله فيه..

إنّ الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا.. قال له العالم.." إنّ قومك قوم سوء.. وإنّ في أرض كذا وكذا قوما يعبدون الله.. فاذهب فاعبد الله معهم"..

اللهم اجمعنا مع الصالحين في الدنيا والآخرة..

نعم.. إنّك ينبغي أن تنتبه لهذا.. لأن قضية تغيير الرفقة من الأهمية بمكان.. فأصحاب السوء لا يتركونك.. ومن ورائهم الشيطان.. لا يريد أن يفلتك.. واسمع لقوله سبحانه وتعالى:{ ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّار} [مريم: 83].. فالشياطين تؤز العصاة أزّا.. تدفعهم دفعا.. تسوقهم سوقا.. تقودهم قودا.. تيسر لهم..

أيها الأحبة في الله .. نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. إنّ الشيطان لن يدعك تتوب.. سيجاهدك وسيقف لك بالمرصاد.. وسيستعمل كل أسلحته.. من معارفك وأصدقائك..

إنّك تذكر وأذكر معك.. يوم كنت تجلس على المقاهي.. تصاحب رفقة السوء.. كنت تدخل الى المنزل برفقة السوء هذه.. فترحب بهم أمك.. ويجلس أبوك معهم.. وينشرح صدره لهذه الجلسة..

فإذا بك يوم التزمت وتبت الى الله.. قال لك أبوك: يا ولدي.. إنّك ستوردنا موارد الهلكة.. إننا لا نستطيع معارضة الحكام.. لا تعف لحيتك.. وإذا استضفت اثنين من الملتزمين.. سألك: هل نويت تحويل المنزل الى وكر أم ماذا تريد؟؟ وهكذا..

هكذا سيجاريك الجميع.. الكل سيجاهدك.. حتى نفسك.. ستبدأ تورد عليك هذه النفس صور المعاصي القديمة.. تجد نفسك راقدا في مرة لتراجع حفظك من سورة البقرة.. أو تستمع اليها.. فتفاجئك نفسك.. بصورة الفتاة التي كنت تحبها.. فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.. وتتساءل من الذي أتى بها هنا..؟! وفي هذا الوقت بالذات..

نعم أعلم أنهم لا يودعونك.. لذا دع كلّ ما يذكرك بالمعصية. اتركه واهجره.. واهجر أصدقائك القدامى.. غيّر رقم الهاتف.. غيّر حتى عنوان المنزل إذا استطعت.. غيّر الطريق الذي تمر منه الى المنزل.. وإذا قابلت أحدهم في الطريق فسلم عليك.. فقل له: السلام عليك يا اخي.. فإذا قال: ماذا جرى لك..؟! فقل: عرفت الله.. وحذرني من الشياطين.. شياطين الانس والجن.. قل له: إنّي أدعوك الى الله ليتوب عليك الله كما تاب عليّ.. عندها قد يقول إنه قد جنّ..دعه يقول كما يشاء.. وإذا قالت لك نفسك إنني قد أنفره من سلوك الطريق القويم.. قل لها المهم أن ننجو بأنفسنا أولا ثم عندها تثبت أقدامنا قد نعود لنمد له يد العون.. بل سنعود اليه حتما لنأخذ بيده كما أخذ الآخرين بأيدينا..

ولكن ماذا يحدث إذا مددت له تلك اليد الآن ولما تثبت أقدامك فهششت له.. وبادلته الحديث.. فسوف يذكرك بأيام معاصيك.. فيدخل الوهن في قلبك.. سيقول إنّك قد جننت فأنا أعرفك أكثر من نفسك.. إنّك لست من هذا الطراز.. هل أنت من مرتادي المساجد..؟! أتذكر اسم الفتاة التي كنت تحبها..؟! أتذكر ما كنت تقول..؟! وكا كنت تفعل..؟! فهل يترك هذا عاقل ليكون مع هؤلاء المعقّدين.. ألا يحدث هذا بالفعل..؟!

لذا فقد حدث وقابلت أحدهم فلا تتبسط معه.. ولا تنسى الإنكار ولو يقلبك.. فإذا قال لك: إنني أريدك أن تأتي معي في أمر.. فقل له: إني في طريقي لحضور درس علم.. فإذا قال: إذاً غدا..؟! فقل له: غدا سأقوم الليل من بعد العشاء وحتى الفجر.. فإذا قال لك: إذا بعد الغد.. فقل له: إنني أنوي أن أختم القرآن بعد غد.. فعندها سيقول: جن والله.. فييأس منك فيتركك.. أو سيقول: أهتدي والله فيصحبك ويتبعك..

كما قلت لك من قبل: إياك وتلبيس إبليس.. يقول لك: إنّك قد خلقت للدعوة.. فقل له: أي دعوة..؟! أنا ما زلت في بداية توبتي.. ولتعلم أنك لست مسؤولا عن الدعوة قبل استكمال هداية نفسك.. الزم الصمت.. اترك أرض المعاصي.. إنك لن تستطيع اعتزال الناس في الجامعة.. أو في المنزل.. أو في العمل.. سوف تضطر للتعامل مع هؤلاء.. وعليه فإنه يجب عليك أن تعزل نفسك في البداية عن مواطن المعصية لفترة حتى تعتاد الالتزام..

إن نصيحتي لك ـ حبيبي في الله ـ أن تلزم نفسك الصمت.. حلّ بينها وبين من يشغلها.. إياك والمعارك الجانبية.. فإذا نظر إليك أبوك شذرا إذا أعفيت لحيتك ثم سألك: ما الذي تنوي عمله..؟! لا تقل إنّ اللحية فرض.. أو تتهمه بكراهية النبي صلى الله عليه وسلم.. ولكن قم فقبل رأسه.. وقبل يد أمك.. وقل لهما: الحمد لله الذي نجاني من لنار.. بفضل حسن تربيتكما لي.. أو بفضل دعائكما لي.. أو بفضل حرصك يا أبي على أن تطعمنا الحلال الطيّب.. ولعلي أنفعكما يوما.. ذكرهما بحديث:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد ثالح يدعو له". صحيح مسلم (1631) كتاب الوصية.

لا تقم معارك في المنزل مع إخوتك أو أبيك أو أمك أو جيرانك أو زملائك فتلهك المعارك عن اللجوء الى الله والسير إليه..

لا تفتح أبواب المعارك.. سد باب الذرائع عن أي سؤال.. فإذا قيل: يا بني.. هل اللحية فرض..؟! فقل: كيف حالك يا أبي.. إنني احبك.. وحاول أن تتفادى الصراع ما أمكنك..

فإذا قال لك: هل الصلاة لا تصح إلا في المساجد الخاصة بالملتزمين الذين يطيلون فيها..؟! قل له: ما رأيك يا أبي لو جلست معي فقرأنا ربعين من القرآن فإنك عندها ستشعر بجنة الله في القرآن.. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال.. وقال.. وقصّ له من اخبار النبي عليه الصلاة والسلام.. إنها حينها قد ترغبه بحسن خلقك.. وق يشعر هو بتحسن حالك.. وقد تدعوه بسمتك الصالح..

أما إذا أقمت من نفسك مفتيا.. وسردت له أدلة فرضية اللحية.. وأن إبن حجر العسقلاني ـ طيّب الله ثراه ـ قد قال.. ثم أتبعت بقول الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله .. ثم قول شيخ الاسلام ابن تيمية قدّس الله روحه.. فإنك لن تجد الوقت لتصحيح توبتك مع الله.. وإنما عليك بالنصيحة العابرة.. والهمسة الصادقة..

أطل الصمت.. وأدمن السكوت.. ولا تخض مع الخائضين.. جنّب نفسك الزلل وابتعد عن الخطأ.. وانكسر لله.. لا تطغ.. لا تتكبر..

إذا رأيت العصاة فاذكر قول الله تعالى:{ كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم} {النساء:94].

قل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به كثيرا من عباده.. وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا.

ثالثا: إدمان معاتبة النفس وتخويفها:

النفس إخوتاه تركن الى اللذيذ والهين.. فعلمها التحليق.. تكره الاسفاف.. علمها العز.. تأنف من الذل.. عرّفها الرب.. تستوحش من الخلق... نفسك هي دابتك التي تحملك الى الله.. عرّفها الطريق. تنقاد.. أبدا في معاتبتها وتقريرها بما صنعت من المعاصي.. لتنكسر لله..

قل لها يا نفس .. أرأيت إن متنا الآن بما نلقى الله..؟! ألحّ عليها حتى تلين.. اجعلها تعترف بكثرة جرائمها وذنوبها.. ادم ذلك عليها.. اجعله عملها.. أوجع بذلك ضميرها.. أسل بذلك دمعتها.. استنغفر الله من سوء ما تقدم من صنيعك وبخ نفسك..

قل لها.. يا نفس.. ويحك يا نفس.. لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا.. ولا يغرّنّك بالله الغرور.. يا نفس .. انظري الى نفسك... فما أمرك بمهم اغيرك.. يا نفس لا تضيعي أوقاتك.. فالأنفاس معدودة.. فإذا مضى منك مفس.. فقد ذهب بعضك.. اغتنمي الصحة قبل السقم.. اغتنمي الفراغ قبل انقضائه.. الغنى قبل الفقر.. الشباب قبل الهرم.. والحياة قبل الموت..

يا نفس استعدي للآخرة بقدر بقائك فيها ويحك يا نفس.. إن كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فاتركيها ترفعّا عن خسّة شركائها تنزها لكثرة غثائها وعنائها.. توقيا من سرعة فنائها.. مالك يا نفس تفرحين بدنيا إن ساعدتك.. فإنها ستكون حجة عليك.. مالك يا نفس تفرحين بدنيا إن كانت لك فلا تخلو البلد من جماعة اليهود والمجوس يسبقونك بها ويزيدون عليك في نعيمها وزينتها.. فأف لدنيا يسبقك إليها هؤلاء الأخساء.. ما أقلك يا نفس وأخس همتك يا نفس.. وأسقط رأيك يا نفس.. إذا رغبت عن أن تكوني زمرة المقربين من النبيين والصديقين في جوار رب العالمين.. أبد الآبدين رغبت في أن تكوني في جنة النعيم لتكوني في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين.. أياما قلائل تفرحين ثم الى الأبد تعذبين فيا حسرة عليك إن خسرت الدنيا والدين.. ويحك يا نفس.. بادري بالتوبة فقد أشرفت على الهلاك.. اقترب الموت.. وورد النذير فمن ذا الذي يصلي عنك بعد الموت.. من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت.. من يترضى عنك ربك بعد الموت.. ويحك يا نفس مالك إلا أيام معدودة وهي بضاعتك إن أتجرت فيها فزت.. ويحك يا نفس.. قد ضيّعتي أكثر رأس المال فلو بكيتي بقية عمرك على ما ضيّعت فيها لكنت مقصرة في حق نفسك.. فكيف يا نفس.. إذا ضيّعت البقية وأصررت على المعاصي.. اما تعلمين أن الموت موعدك.. والقبر بيتك.. والتراب فراشك.. والدود أنيسك.. والفزع الأكبر بين يديك.. أما علمت يا نفس أن عسكر الموت عندك على باب البلد ينتظرون وقد آلوا على أنفسهم بالإيمان المغلظة أنّهم لا يبرحون يا نفس.. أما علمتي أن الموتى العودة ليشتغلوا بالعمل الصالح ويستدركوا ما فرط منهم... أنت في أمنيتهم فاعملي.. يا نفس إن يوما من عمرك لو بيع منهم بالدنيا وما فيها لشروه.. ولو قدروا عليه وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة ويحك يا نفس.. اما تخافين.. أما تخافين { كلا إذا بلغت التراق* وقيل من راق* وظنّ أنّه الفراق* والتفّت الساق بالساق* الى ربك يومئذ المساق* فلا صدّق ولا صلى* ولكن كذّب وتولّى* ثم ذهب الى أهله يتمطى* أولى لك فأولى* ثم أولى لك فأولى} [القيامة: 26-35]. ويحك يا نفس.. أما تخافين أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان وكلح الوجوه.. وبشري العذاب.. أما تخافين؟ أما تذّكرين..؟ هل تذكرين..؟ هل ينفعك ساعتها الندم..؟ أو يقبل منك الحزن..؟ أو يرحم منك البكاء.. ويحك يا نفس.. ويحك يا نفس.. تعرضين على الآخرة وهي مقبلة عليك... وتقلبين عن الدنيا وهي معرضة عنك..!

يا نفس.. كم مستقبل يوما لم يستكمله..؟ وكم من مؤمل غد لم يبلغه..؟ وتشاهدين في ذلك الموتى ولا تعتبرين..

احذري يا نفس.. احذري يوما ترجعين فيه الى الله فتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.. احذري يا نفس ذلك اليوم فقد آل الله على نفسه ألا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله. فانظري يا نفس بأي أمر تقدمين.. وبأي لسان تجيبين.. أعدي للسؤال جوابا.. انظري يا نفس الى الدنيا اعتبارا وسعيك لها اضطرارا.. ورفضك لها اختيارا.. وطلبك للآخرة ابتدارا.. يا نفس اتركي الدنيا مختارة قبل أن تتركيها مضطرة..

يا نفس كيف أقول لربي غدا إذا سألني عن عملي..؟ ووضح لي طريقي..؟ إذا نلت كتابي بشمالي..؟ ونادى ربي يوم القيامة وقد غضب غضبا شديدا لم يغضب مثله قط.. ولن يغضب بعده مثله..!

رابعا: علاج النفس بالصوم ومنع الحظوظ:

إنّ البطن إذا أكلت أشرت وبطرت.. وإذا صامت انكسرت.. وقل نشاطها.. وعادت الى ربها.. فأدمن الصيام كما أوصاك النبي العدنان.. عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم السلام.. قال:" فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أخرجه البخاري (1905) كتاب الصوم مسلم ( 1400) كتاب النكاح.
وجاء: بمعنى قاطع للشهوة.. فامنعها ملذاتها.. كما يقول ابن الجوزي.. امنعها ملذوذ مباحها ليقع الصلح على ترك الحرام..

أخي التائب.. ابدأ بتحقيق التوبة النصوح.. ابدأ بأن تتوب الى الله توبة نصوحا.. وقد قال إبن القيّم: في التحقيق أن التوبة تستلزم ترك المناهي.. والإقبال على العمل بالأوامر.. فمن ترك المناهي.. ولم يعمل بالأوامر.. لم تقبل توبته.. وليس بتائب.. قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان:70].

فشرط قبول التوبة.. العمل بالطاعة.. فاآن تب.. ارفع يديك.. ناد ربك.. وقل له يا رب تبت من كذا وكذا من المعاصي..

ولكن اعلم ـ رحمني الله وإيّاك ـ أن تحديد المعاصي التي تتوب منها ليس شرطا في التوبة.. فقد تكون التوبة مجملة.. بأن تتوب الى الله من جميع الذنوب والمعاصي جملة دون تفصيل.. فتقبل إن شاء الله..

وإنما يكون هذا التحديد لزجر النفس وتذكيرها.. وإلهامها التوبة وتثبيتها على هذه المعاني..

تبت من كذا وكذا.. وعزمت ألا أعود أبدا لكذا وكذا.. وعاهدتك ربي أن أفعل كذا وكذا..

لا بد من هذا الوضوح وإيّاك أن تسوف.. الساعة.. الساعة قل: تبت.. ثم ابدأ بإمساك المصحف.. وصف قدميك لله تعالى.. أمسك بالمصحف وقل الله أكبر.. اقرأ عاء الاستفتاح.. اقرأ الفاتحة.. تباك بين يدي الله سبحانه وتعالى.. رحم الله أحد مشايخنا كان يقف في الصلاة ويقول: ألا تعرف كيف تصلي..؟ كيف تذل لله سبحانه وتعالى..؟ وتتباكى بين يديه..؟

ابدأ بدعاء الاستفتاح وتباك.. فلا تبدأ في قراءة الفاتحة حتى تسيل دموعك على خديك وتسترسل في القراءة حتى يغلبك البكاء فلا تملك إلا الركوع بين يدي الملك ثم تسجد له وحده ودموعك تغسل جبال الذنوب التي تطبق على صدرك وتكاد تزهق أنفاسك وتخرج من الصلاة وأنت لا تريد أن تنتهي مناجاة ربك.. فتشعر عندها أنك وجدت نفسك.. وجدت لقلبك الحائر مستقرّا.. ووجدت لنفسك القلقلة سكنا.. ووجدت لروحك المعذبة أمانا..

فإذا طالبت بالطعام فذلها.. وإذا أرادت النوم فاحرمها.. امنعها فضول المباح ليقع الصلح على ترك الحرام.

خامسا: أن تأخذ من نفسك الراحة وتنزل بها التعب ونقصان المباح:

إن نفسك تعمل.. فإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.. أتعبها في قيام الليل.. نم ساعتين فقط.. بعدها توجه للعمل.. عندها لن تجد القوة لتعصي الله.

حتى إذا كنت طالبا.. إنك تستطيع القيام أولا بواجب الاستذكار.. ثم تستعين بالله وتقوم الليل. ثم نم ساعتين. واستعن بالله تمضي الى الامتحان نشيطا.

لا تخطئ الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون.. أن تتعلق قلوبهم بما حصلوا من المواد العلمية فقط.. وينسون أن التوفيق من الله وحده.. إن الذي يعلّم ويذكّر هو الله سبحانه وتعالى فيتعلق قلبك به.. هو الفتاح العليم.. فهو الذي قد يفتح عليك هذه الاجابة أو يخذلك.. هذا مع ضرورة الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله..

أنك إذا أتعبت جوارحك في طاعة الله عز وجل أتعب الله الكائنات في خدمتك.. إن مشكلة قومنا أنّهم لو يجربوا التعب لله.. لقد جربوا التعب في الدنيا .. ولم يجربوا التعب لله.. لقد جربوا التعب في الدنيا.. ولم يحصلوا شيئا.. ورغم ذلك لم يكفوا عن مواصلة التعب فيها.. تعبوا كثيرا للزوجات .. للأبناء.. للنفس.. للهوى.. ولكل ما عدا الله سبحانه وتعالى.. فلنجرّب الآن نوعا جديدا من التعب.. التعب لله عز وجل.. قال بعضهم حين سئل: ماذا تشتهي.. قال: إني لأشتهي أن أقوم في الصلاة حتى يشتكي صلبي.. وقيل لبعضهم: ماذا تشتهي..؟ قال: أشتهي أن أقوم حتى لا أقدر أن أقوم.. أود أن أقف في الصلاة حتى لا أستطيع القيام.. أريد أن أسجد حتى تتقطع أنفاسي.. أريد أن أركع لله حتى تشكو عضلاتي.. أريد أن أصوم لله حتى لأشرف على الهلاك من الجوع.

إن التعب غير مقصود لذاته وإنما المقصود إذلال النفس لله.. إنكسارها له.. أما إذا أعطيت نفسك مطلوبها بدون عناء.. فستقودك الى الكفر بنعم الله.. ستقودك الى جهنم.. ومن سقط في المعاصي يحدثك: يقول أن نفسه قالت له: ابدأ بسيجارة.. ثم بعد أن سقط في هوّة التدخين قالت له: ألا تجرب المخدرات.. ثم الخمر.. ثم دفعته الى الوقوع في الفواحش.. زنا.. لواط.. إلخ.. حتى يصل إلى عبادة الشيطان.. ويقع في الكفر عياذا بالله من الخذلان.

إن الحل هنا أن تقف مع أول خاطر.. فإذا قالت لك نفسك: النوم.. فقل لها سنقوم الليل.. وإذا طالبت بالطعام.. فقل: سنقرأ القرآن.. فإذا أرادت الخروج للقاء الأصدقاء فقل لها أين الاعتكاف..؟

خالف نفسك.. حتى تفوز برضى الله..

إن كل ما سبق بدايات ولكن إذا ألفت نفسك الطاعة.. أنفت المعصية.. وإذا أدمنت حب الله والانقياد لأوامره تركت الذنوب.. وسهل عليها الأمر.. ومن يتصبر يصبره الله.. والله المستعان.


سادسا: ارفع لها بالفكرة أعلام الآخرة:

أرها الجنة والنار.. اجعلها تشاهد من أمامك في الطريق.. إنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.. ارفع لنفسك أعلام الآخرة حتى تستقيم.. ذكر هذه النفس التي تشتهي شيئا دنيويا
بعظمة لجنة.. ففي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. إذا اشتهت نفسك الملابس ذكرها بقول الله سبحانه وتعالى:{ ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا* ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير* قواريرا من فضة قدّروها تقديرا* ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا* عينا فيها تسمّى سلسبيلا* ويطوف عليهم ولدان مخلّدون إذا رأيتهم إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا* وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيما وملكا كبيرا* عليهم ثياب سندس من خضر واستبرق وحلّوا أساور من فضة وسقاهم ربّهم شرابا طهورا* إنّ هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا} [الانسان:14-22].

تعرض على نفسك هذه الآيات وأمثالها.. قل لها: { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون* أمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنّات المأوى نزلا بما كانوا يعملون* وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذّبون} [السجد: 18-20].

قل لها: يا نفس.. هذا طريق الصلاة.. طريق المسجد.. طريق الصيام.. طريق القيام.. طريق الذكر.. طريق تلاوة القرآن..

هذا هو الطريق أمامك.. فيه محمد صلى الله عليه وسلم.. سبقك في هذا الطريق أبو بكر وعمر.. عثمان وعلي.. طلحة والزبير.. عبدالله بن مسعود وعبدالرحمن بن عوف.. عبدالله بن عباس ومعاذ بن جبل.. أمامك فيه أبوذر وأنس.. ياسر وعمّار.. أمامك في الطريق العلماء والكبراء والعظماء من عباد الله الصالحين القانتين المتقين..

أما الطريق الآخر.. طريق الشهوات والزنا.. الخمر والنساء.. اللعب والتفلت.. أمامك الطريقان يا نفس.. فاختاري ما تريدين..

أتريدين طرق أبي بكر وعمر..؟ أم طريق أبي جهل وأبي لهب..؟ تريدين طريق البررة أم طريق الفجرة..؟

اختاري لنفسك أيتها النفس.. ولكن اعلمي أنّ أكثرنا قد يمضي الى المعاصي لجهله بالجنة.. أو لجهله بالطريق الموصلة إليها..

فإذا أردت أن تعرف الطريق الى الجنة.. فاسأل الله سبحانه وتعالى أن يدللك عليها.. وإذا أردت الابتعاد عن طريق الهالكين فاسأله سبحانه وتعالى وعز وجل أن يهديك سواء السبيل..

سابعا: تحطيم الأصنام:

الأهواء أصنام تعبد من دون الله لذلك قال تعالى:{ أرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الفرقان:43].. فالربا صنم.. والزنا صنم.. والتبرج صنم.. وأكل أموال الناس بالباطل صنم.. وكل ما تهواه النفس مما يغضب الله سبحانه وتعالى صنم..

فالأغاني وحبها صنم.. والتلفزيون وتعلق القلب بما فيه صنم.. وحب المظاهر والزينة حرام.. والاستعلاء على الناس صنم..

ولا تصفو التوبة حتى تتحطم كل هذه الأصنام.. وتسقط في قلبك سقطة لا تقوم لها بعدها قائمة..

إن توبة مع تواجد هذه الأصنام في أغوار النفس توبة مدخولة.. لأن النفس أمارة بالسوء.. فإذا ما وجدت صنما من هذه الأصنام قائما بعد لم يحطمه صاحبه فإنها تغريه وتزينه له وتشوقه لعبادته القديمة.. وكلما أبى وتمنّع عاودت معه الكرّة تلو الكرّة.. حتى يعود من حيث جاء.. وتنهار توبته التي لم يحطم فيها جميع الأصنام..

فلا بد لم أراد توبة نصوحا أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم... لهذا سمعنا عن عودة بعض التائبين الى الضلال بسبب تركهم لبعض ما يربطهم بالمعصية دون تحطيم..

فهذا يحتفظ بعود كان يعزف عليه. وآخر بشريط تسجيل كان له معه ذكرى.. وثالث يحتفظ بوردة من حبيب.. ورابع بكارت أو خطاب من وديد.. وغير ذلك من آلات طرب أو صور عارية.. أو أموال حرام.. وصداقات نساء.. وزجاجات خمر.. ومخدرات.. ومفترات وغيرها من أمور المعصية.

بينما ثبت البغض الآخر من التائبين ممن حطموا في بداية توبتهم كل ما يربطهم بما يغضب الله.

فمطرب يحطّم آلات الطرب.. ورسام يمزق اللوحات.. ومراخق يمزق المجلات والصور الداعرة.. ومدمن يكسر زجاجات الخمر ويرمي بامخدرات في بالوعة المجاري.. ومراب يسحب أموال الربا ليتخلص منها في المشاريع الخيرية التي تنفع المساكين.. ومتبرحة تحرق ثيابها كلها.

إنها فعلا صور تتكرر لأتباع ابراهيم عليه السلام حينما حطم الأصنام لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم حينما حطم الأصنام لغرس التوحيد في أرض الاسلام الجديدة.

أخي في الله: مناجاتك نجاتك.. صلاتك صلاتك.. أخلص لله في صلاتك ومناجاتك تخلص.. ناده والناس نيام..

يا أكرم من أمّله الآملون.. إن طردتني فإلى من أذهب.. وإن أبعدتني فإليك أنسب.. علمت ذنبي وحلقتني.. رأيت زللي ورزقتني.. فاشملني بعفوك ورحمتك أنت أرحم الراحمين وأنت الذي تقبل التوبة عن عبادك.. وتعفو عن السيئات وتعلم ما يفعلون..

نعم أنت غافر الذنب.. قابل التوب.. شديد العقاب ذي الطول.. لا اله إلا أنت عليك توكلنا وإليك متاب..

أبشر أيها التائب.. إن كل من تاب توبة صحيحة فإنها مقبولة.. إنّ نور الحسنة يمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة.. لا طاقة لكدورة الوسخ مع بياض الصابون.. كما أن الثوب الوسخ لا يقبله الملك أن يكون لباسه.. فالقلب المظلم لا يقبله الله لأن يكون بجواره.. وكما أن استعمال الثوب في الأعمال الخسيسة يوسخ الثوب.. وغسله بالصابون.. والماء ينظفه.. فاستعمال القلب في الشهوات يوسخ القلب وغسله بماء الدموع وحرقه بالندم ينظفه ويطهره ويزكيه..

وكل قلب زكي طاهر فهو مقبول.. كما أن كلّ ثوب نظيف فهو مقبول.. فعليك بالتزكية والتطهير.. تب الى الله.. ونقي قلبك.. والله يقبلك..

بشراك يا عبد الله.. أبشرك أخي التائب بقبول التوبة.. بسرط أن تتوب الى الله بصدق وإخلاص.. اللهم تقبل توبتنا.. واغسل حوبتنا.. وامح خطيئتنا وارفع درجتنا.. وسدد ألسنتنا.. واسلل سخيمة صدورنا..

أخي التائب.. أقلع عن المعصية .. تب والله يتوب عليك.. اندم على ما فات باستقباح الذنب في حق الله تعالى.. اعزم على ألا تعود والله المستعان..

نسأل الله أن يتوب علينا وعلى عصاة المسلمين..

أخي التائب.. إن الباب مفتوح.. والفرصة ما زالت سانحة.. فاستعن بالله وأمامك عطاء مقبول.. قل: تبت.. والله يقبل توبتك.. فاستعن بالله ولا عجز فإن النصر مع الصبر.. والفرج مع الكرب.. وإنّ بعد العسر يسرا..

وإياك من وسوسة الشيطان أن يقول: لك إنك لن تقدر على التوبة.. فقل: إن شاء الله سأقدر عليها.. فمعي القوي المتين.. سيعينني..

أحسن ظنّك بالله وهو يعينك.. اللهم تب علينا وعلى عصاة المسلمين..

أخي.. لا تسوف.. عجّل عجّل.. هيا.. هيا.. تب من هذه اللحظة.. واصبر على توبتك.. فكم نصبر على الوحشة بيننا وبين الله تعالى.. واصبر على توبتك.. فكم نصبر على الوحشة بيننا وبين الطاعات.. كم نصبر على جفاف القلب.. وكم نصبر على غياب الراحة عند الانطراح بيني يدي الملك سبحانه وتعالى بعد أن ذقنا حلاوتها.. كم صبرنا على نار المعصية وحرقتها في القلب.. كم صبرنا..

الآن مطلوب منك الصبر على الطاعة.. الصبر على التوبة.. محاولة العودة في طريق طويل قطعته بعيدا عن الله سبحانه وتعالى..

إن المرضى يتصبرون.. يصبرون على مر الدواء في انتظار راحة الشفاء.. لنصبر ولنصبر ولنصبر.. ولنقهر أنفسنا التي كم قهرتنا على المعاصي.. إنني أعلم أن ما أقوله لك وما أطلبه منك عسير.. ولكن تذكر أنه ليسير على من يسره الله عليه.. واعلم أنها لن تأتي إلا كرها.. أما إذا انتظرت أن تأتي نفسك بالمبادرة.. فإنها لن تأتي أبدا.. واعلم أيضا أن من يتصبر يصبره الله..

كم وقفنا وتصبرنا على أبواب الآدميين.. أفلا نتصبر على باب رب العالمبين.. إننا نيرد أن يرى تعبنا وجهدنا.. فيرحم ضعفنا..

وإذا أردت الإعانة فاستعن بالمعين وقد أعانك.. ويعينك.. ولكن متى يعينك.. إذا وجد منك خيرا وعزما على التوبة.. وندما على التفريط.

واعلم أن توبة العبد محفوفة بتوبتين.. توبة قبلها وتوبة بعدها {ثم تاب عليهم ليتوبوا} [التوبة: 118].

فأخبر سبحانه وتعالى أن توبته على الثلاثة الذين خلّفوا سبقت توبتهم.. وأنها هي التي جعلتهم تائبين.. فكانت توبة الله عز وجل عليهم مقتضيا لتوبتهم.. فإنه سبحانه يتوب على العبد أولا.. إذنا وتوفيقا وإلهاما.. فيتوب العبد.. فيتوب الله عليه ثانيا.. قبولا وإثابة.. يتوب الله عز وجل إذنا.. يأذن له في التوبة.. قال الله تعالى:{ لمن شاء منكم أن يستقيم* وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 28-29].

واعلم أخي التائب.. أنّ العبد إذا حرم التوفيق يجد في كل خطوة عثرة.. وفي كل حركة خذلانا.. نعوذ بالله من الخذلان..

إن التوبة الثانية.. توبة القبول والإثابة.. هي سر من أسرار اسمي الله " الأول" و " الآخر" .. فإنه سبحانه المعد.. والممد..

ولكي تتوب.. لا بد وأن تعرف الله.. أن تعرف أسماءه وصفاته..

فإن من أسرار اسمي الله " الأول" و " الآخر" فإنه سبحانه السبب والمسبب.. العبد توّاب والرب توّاب.. فتوبة العبد رجوعه الى سيده بعد الإباق.. وتوبة العبد نوعان.. الأول: إذن وتوفيق.. والثاني: قبول وإثابة..

وللتوبة مبتدأ ومنتهى.. مبدؤها: الرجوع الى الله بسلوك الصراط المستقيم الذي أمر بسلوكه { وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه}[ الأنعام: 153].

ونهايتها الرجوع اليه في الميعاد.. وسلوك صراطه الذي نصبه موصلا الى جنته.. فمن رجع الى الله في هذه الدار بالتوبة.. رجع الله إليه في الميعاد بالثواب، قال تعالى:{ ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب الى الله متابا} [الفرقان:71] اللهم تب علينا.

أيها الإخوة.. إن التوبة شاقة نعم ولكن إذا أقبلت فإن الله معينك لا محالة.. إذا اعتمدت على حولك وقوتك فلن يكون لك شيء.. اما إذا استعنت بحول الله وقوته أعانك.. ووفقك.. وكما قلت آنفا.. إنه ليسير على من يسره الله عليه.. ولكن المخذول محروم.. من يستصعب الأمر هو من يزل عن الصراط المستقيم..

حقا نقول: ليست كل الخيل للسباق... وليس كل الطير يحمل الكتب.. من الناس من تشغله في الدنيا سوداء.. ومن الناس من لا يلهيه في الجنة حوراء.. نعم من الناس من لا يلهيه في الجنة قصر ولا يسليه عن حبيبه نهر.. قوته في الدنيا الذكر.. وفي الآخرة النظر الى وجه الله الكريم....

يا مخنث العزم أين أنت والطريق..؟؟ يا مخنث العزم يا من يستصعب حتى التوبة.. يا مسكين استعن بالقوي المتين.. يا ضعيف استعن بمالك السموات والأرض.. القاهر القادر.. يا مخنث العزم أين أنت والطريق..؟؟

الطريق سبيل نصب فيه آدم.. ناح لأجله نوح.. ألقي في النار إبراهيم الخليل.. أضجع للذبح إسماعيل.. بيع يوسف بدراهم.. ذهبت من الببكاء عيني يعقوب.. نشر بالمنشار زكريا.. ذبح الحصور يحيى.. ضني بالبلاء أيوب.. زاد على المقدار بكاء داود.. تنغّص في الملك عيش سليمان.. طريق طويلة.. تحير برد "لن" نبي الله موسى.. هام مع الوحوش عيسى.. عالج الفقر والأسى سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم...

فيادارهم بالحزن إنّ مزارها قريب ولكن دون ذلك أهوال

أيها التائب.. إنّ أول قدم في الطريق بذل الروح.. فإن كنت تقدر على بذل الروح فتعال.. وإلا فاذهب والعب مع اللاعبين.. أول قدم في الطريق بذل الروح..

هذه الجادة.. فأين السالكين.. هذا قميص يوسف فأين يعقوب..؟؟ هذا طور سيناء فأين موسى..؟؟

بدم المحب يباع وصلهم فمن الذي يبتاع بالثمن..؟؟

أخي في الله.. اعلم أنك إذا قرات كل ما سبق ولم تتب.. خرجت من أولي الفهم.. اللهم ارزقنا توبة تقبلها.. اللهم ارزقنا توبة ترضيك..



لنتب إخوتاه

واعلموا؛ أن التوبة ليست كلاما.. أبدا ما كانت التوبة كلاما يوما ما..

إنّ التائب منكسر القلب.. غزير الدمعة.. حي الوجدان.. قلق الأحشاء..

التائب.. صادق العبارة.. جم المشاعر.. جياش الفؤاد.. مشبوب الضمير.. التائب خلي من العجب.. فقير من الكبر.. مقل من الدعاوى..

التائب.. بين الرجاء والخوف.. بين السلامة والعطب.. بين النجاة والهلاك.. التائب في قلبه حرقة..

التائب.. في وجدانه لوعة..

التائب في وجهه أسى..

التائب.. في دمعه أسرار..

التائب. يعرف معنى الهجر والوصال.. يعرف معنى الوصال واللقاء.. يعرف التائب.. يفرق بين اللقاء والفراق..

التائب.. بين الاقبال والاعراض.. مجرّب.. ذاق العذاب في البعد عن الله.. وذاق النعيم حين اقترب من حب الله..

التائب.. له في كل وقعة عبرة.. إذا رأى جمعا ذكر القيامة.. وإذا رأى مذنبا بكى عليه خوفا من ذنوبه..
إذا رأى نعيما خاف أن يحرم الجنة.. وإذا رأى نارا ظن أنه مواقعها..

التائب.. إذا هدل الحمام بكى.. وإذا صاح الطير ناح.. وإذا شدا البلبل تذكّر.. وإذا لمع البرق اهتز قلبه خوفا ممن يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته..

التائب.. ـ إخوتاه ـ يجد للطاعة حلاوة.. يجد للعبادة طلاوة.. يجد للإيمان طعما.. يجد للإقبال لذة..

اللهم اجعلنا من التوّابين..

التائب .. يكتب من الدموع قصصا.. وينظم من الآهات أبياتا.. ويؤلف من البكاء خطابا..

التائب.. كالأم اختلس منها طفلها.. ثم اختلست طفلها من يد الأعداء.. أتدري كم فرحتها..؟؟ أتقدر سعادتها..؟؟

التائب.. كالغائص في البحر.. إذا نجى من اللجة الى الشاطئ.. بعد أن آيس من النجاة..

التائب.. كالعقيم بشر بولد..

التائب.. أعتق رقبته من أسر الهوى.. أطلق قلبه من سجن المعصية..

التائب.. فك روحه من شباك الجريمة.. أخرج نفسه من كير الخطيئة.. التائب ـإخوتاه ـ كالطائر الجريح لا يختال..

التائب.. كالقمر الكاسف لا يتكلم..

التائب.. كالنجم الغابر.. لا يصيح..

لو رأيت التائب لرأيت جفنا مقروحا.. نبصره في الأسحار على باب الاعتذار مطروحا.. سمع قول الاله يوحى فيما يوحى{ يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا} [ التحريم: 8].

التائب... مطعمه يسير.. حزنه كثير.. كأنما هو أسير.. قد رمي مطروحا.. فتاب الى الله توبة نصوحا..

التائب.. قد نحل بدنه الصيام.. أتعب قدمه القيام.. حلف بالعزم على هجر المنام.. فبذل لله جسما وروحا.. وتاب الى الله توبة نصوحا..

التائب.. الذل قد علاه.. والحزن قد وهاه.. يذم نفسه على هواه..وبذلك صار عند الله ممدوحا.. لأنه تاب الى الله توبة نصوحا..

أين من يبكي جنايات الشباب... ؟؟ أين من يبكي على الخطايا التي سود بها الكتاب..؟؟ أين من يأتي الى الباب فيجد الباب مفتوحا.. توبوا الى الله توبة نصوحا...

نسألك اللهم توبة نصوحا.. نذوق بها برد اليقين.. وطعم الاخلاص. ولذة الرضا.

رد مع اقتباس
4 أعضاء قالوا شكراً لـ التائب الحزين على المشاركة المفيدة: