الصلاة والسلام على نبينا محمد .صلى الله عليه وسلم .
وعلى آله وصحبه الكرام ومن اهتدى بهديه
واستن بسنته إلى يوم الدين
إخــوتى وأخـــواتـــــى:
فتشتُ عن دفءٍ مفقود فلمحته يتوارى خجلاً فى قلوبكم
التمستُ دفءَ قلبى فوجدته بينكم ولم أجده بين سواكم
إلى من كانوا وما زالوا أحبتى فى الله عسى الجنة مثوانا ومثواكم
بيننا علاقـة وثيقة لم يكن لنا يد فيها إلا أننا اجتمعنا لهدف واحد
وفى مكان واحد وإن اختلف البلد واختلف التوقيت واختلف الجنس
واختلف اللون واختلفت العادات والتقاليد ...
لا عجب إن كانت بيننا كل هذه الاختلافات أن يلغيها ميثاق غليظ هو
ذلك الحب النقي الذى لا تشوبه شائبة المصلحة أو الرياء أو السمعة
وبالطبع هذه العلاقة تتفاوت بينى وبين كل واحد منكم وبين كل واحد منكم
وبين الآخرين وهكذا.......
وحتى نجدد الميثاق ولا يتلاشى هذا النور الذى ينير جنبات قلوبنا
فإنه هناك نوع من الدفء نفتقده جميعاً نحتاج إليه بيننا
إنه دفء كان فى أيام حبيب قلوبنا محمد.صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت الحياة فى عهده .صلى الله عليه وسلم دافئة ،تذكرت حادثة الثلاثة
الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.. عندما أمر الله عز وجل أن يعتزلهم الناس ..
حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبتوضاقت عليهم أنفسهم.. إلى أن نزلت الآيات
من سورة التوبة تبشر بتوبة الله عز وجل على هؤلاء الثلاثة .. وتعلن الفرج.. فتسابق الصحابة لإيصال هذه البشرى لأولئك الثلاثة.. فاعتلى أحدهم مكاناً وبشّرهم بأعلى صوته.. وامتطى آخر فرسه وركض به ليوصل الخبر.. وتلقى الناسُ كعب بن مالك يهنئونه بالتوبةيقولون ليهنك توبة الله عليك .. حتى دخل المسجد ورسول الله
صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس وجهه كالبدر من السرور ، فقام
إلى كعب طلحة بن أبي طلحة فحياه وهنأه ، فكان كعب لا ينساها لطلحة ..
لا يخفى على قارئ هذه القصةالدفء الذي تحمله بين طياتها..
الدفء الذي حملته قلوب الصحابة لبعضهم البعض.. دفءٌ وحميمية ..
يفرح أحدهم لفرح الآخر ويحزن لحزنه..
يا الله كم كانت الحياة دافئة
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
.. كم كانت دافئة..
أما الآن فقد تطاول البنيان.. وتباعد الناس.. وكلّ يقول اللهم نفسي..
ولعلي أول هؤلاء..إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية..
والأدهى من ذلك أننا ما عدنانفرق بين الأخوة في الله وبين أخوة المصالح..
أصبحنا نُلبس كل الصداقات هذااللباس.. اختلطت علينا الموازين حتى لم نعد
نعطِ الأخوة في الله معناها وحقها من الدفء والصدق.
:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله عز وجل يقول ، يوم القيامة : يا ابن آدم ! مرضت فلم تعدني
. قال : يا رب ! كيف أعودك ؟ وأنت رب
العالمين . قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده . أما علمت أنك لو
عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم ! استطعمتك فلم تطعمني .
قال : يا رب ! وكيف أطعمك ؟ وأنت رب العالمين . قال : أما علمت أنه
استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟
يا ابن آدم ! استسقيتك فلم تسقني . قال : يا رب ! كيف أسقيك ؟ وأنت رب العالمين . قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه .
أما أنك لوسقيته وجدت ذلك عندي )) صحيح مسلم
لو قسنا هذا الحديث على كل أمور الحياة والحالات التي يمر بها الناس
( المرض ، الجوع ، العطش ،الهَم ...إلخ) لوجدنا أن حالنا أصبح مؤسفاً..
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع إلى جنبه و هو يعلم به )
/ صحيح الألباني
لو قسنا على هذا الحديث كل أنواع السلبية التي نراها في زمننا
لعرفنا سبب ضعف الإيمان الذي انتشر والله المستعان ..
فكم من صديقةٍ علمنا أنها تمربأزمةٍ ولم نمد لها يد العون؟
وكم من قريبةٍ سمعنا أنها تمربضيق مادي
ولم نكلف أنفسنا عناء مساعدتها على الأقل معنوياً ؟
وكم وكم وكم..
يؤرقني مجرد التفكير بأننا يوم القيامة سنجد في ميزان
سيئاتنا سيئات لم تخطر ببالنا يوماً ..
سيئات مثل
مرت صديقة لنا بمشكلة فلم نمد لها يد العون فتمادت المشكلة حتى
أثرت على حياتها بأكملها.. وأثرت على مستوى عبادتها.. سيكون لنا نصيب
من ذنبها.. فلو وقفنا معها لما كان هذا حالها..
والأمثلة في هذا الباب كثيرة..
لو أدينا حقوق الأخوة كما يجب لما وجدنا مهموماً ولا حزيناً ولا فقيراً
.. بل لن أبالغ إن قلت :
لو أننا أدينا حق الأخوة كما يجب لما ضاعت البلاد والعباد..
ولما قويت شوكة الباطل على الحق..
فلو كنا على قلب رجل ٍ واحد -كما كان المسلمون في غزوة بدر
- لنُصرنا ولما وجد العدو ثغرة ً يدخل من خلالها إلى صفوفنا..
( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ
إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )
/ صحيح مسلم
هلّا أحيينا هذا الدفء ؟
هلّا أحيينا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ؟
وهذه سنّة ٌ أخرى أصبحت " نادرة " في زمننا.. ألا وهي :
كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ اسمه زاهر ، كان دميماً ،
أتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه ، فاحتضنه من خلفه وهو
لا يبصره ، فقال : من هذا ؟ أرسلني . فالتفت ، فعرف النبي، فجعل لا يألو
ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه ،
فجعل النبي يقول : من يشتري هذا العبد ؟ .
فقال : يا رسول الله ! إذاً والله تجدني كاسداً .
فقال النبي : ( لكن عند الله لست بكاسد . أو قال : أنت عند الله غال )
يا الله ما أروعها من كلمات .. رغم بساطة مبناها لكنها
رفعت معنويات ذاك الصحابي..
أين نحن من سنة رفع المعنويات هذه ؟
أصبحنا في زمن ٍ يلتزم فيه الغالبية إما الصمت
أو شريعة الإحباط وبث اليأس .. والله المستعان ..
( التقيا فسلم أحدهما على الآخر قائلاً : كيف حالك ؟ لم نرك منذ زمن .
قال صاحبه : كنت مريضاً طريح الفراش .
فقال له : (سلامات) لا بأس طهور إن شاء الله ؟! .
قال صاحبه : كنت أشكو من مرض كذا ـ وبدأ يذكر شيئاً من معاناته مع المرض
ـ قاطعه : عن إذنك إني مستعجل . ثم انصرف والدهشة في وجه صاحبه ) .
هذه صورة لمظهر من مظاهر أمراضنا الاجتماعية ، التي دبت إلى بعض أوساطنا
.. وهو اللامبالاة بمشاعر الإخوة ، فلا حرج أن لا أسأله عن مرضه ؛
فضلاً عن زيارته حال المرض ، ولا حرج أن أقاطع حديثه لأن كلامه غير مفيد!! ،
ولا حرج أن لا أستقبله استقبالاً حسناً عند زيارته لي ، ولا حرج أن أعتذر إليه عن
عدم استقبالي له في المطار ؛ فليركب سيارة أجرة ؛ فإنها بانتظاره على الأبواب ،
ولا حرج أن لا أبتسم في وجهه لأن الجدية تتطلب ذلك ،
ولا حرج ولا حرج وهكذا من اللاءات الرافعة للحرج ،
لتصبح أمورنا وطقوسنا الاجتماعية شكليات لا روح فيها ،
بل هي خالية جوفاء من معنى الأخوة الحقيقي الذي رسمه لنا شرعنا .
رددها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع في الفترة الأخيرة
من حياته عليه الصلاة والسلام.. ليلفت نظرنا إلى أهمية رابطة الأخوة..
فالأخوة الحقيقية تحل أغلب المشاكل التي يعاني
منها المسلمون في كل زمان ومكان..
لنسعَ إخوتى وأخواتي أن نكون ممن قال عنهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
( إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ، ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء
والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى . قالوا : يا رسول الله ،
تخبرنا من هم ، قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم
، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم على نور :
لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس . وقرأ هذه الآية :
"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" )
/ صحيح الألباني
وفقنا الله وإياكم لإحياء تلك السنن من جديد في مجتمعاتنا
.. لتكون أمتنا أمة دافئة مترابطة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ً..
وتلك الأخوة تجب علينا حق آخر ليس مقام الخوض فيه إلا الإشارة إليه
إنه التماس العُذر ، التمس لأخيك سبعين عذر فإن لم تجد له عذراً
فقل:لعل له عذر لا أعلمه
أحبكم فى الله ولله وأسأله جل وعلا أن يجمعنا بهذا الحب
الخالص لوجهه فى دار رحمته إنه ولى ذلك ومـــــولاه.