الليلة سأنهي كل شيء
الساعة العاشرة والنصف بمنزل ( حامد ) :
22 / 1 نحن الآن في غرفة نوم ( حامد ) ... ونرى الآن والدة وأخوات ( حامد ) وهم يجلسون حول الفراش , يا ترى من يجلس على الفراش ؟؟؟
إنه ( حامد ) ....!! يجلس على الفراش وقد وضعت قدمه اليمنى في الجبس ...؟ ويمسك تليفونه المحمول ويبدوا أنه يطلب رقماً
- << مستحيل ذلك الذي يحدث ...!! جميع موبايلات الشلة مغلقة ...؟ وحتى هاتف منزل ( يوسف ) مرفوع مؤقتاً من الخدمة ؟؟؟؟ >>
كانت تلك العبارة من ( حامد ) وعلامات الغضب بادية على وجهه .... فردت علية أخته قائله
- << اهدأ , ربما سقطت الشبكة في المنطقة التي يجلس بها ( يوسف ) , ثم لما تشغل بالك حتى الآن ... بالتأكيد هم يعرفون أنك في ظروف خاصة طالما لم تذهب لمنزل ( يوسف ) الليلة >>
- << لكني كنت أريد الاعتذار عن عدم ذهابي اليوم بسبب كسر قدمي أثناء نزولي على السلم ... والغريب أنه لم يطلبني أحد على تليفوني ليستفسروا عن غيابي ....!!!!! >>
* * *
الساعة الحادية عشر بمنزل ( يوسف ) ( الدور الخامس )
22 / 1
كان الأصدقاء الخمسة يرتقون درجات السلم بهدوء لكي لا يثيروا جلبة في باقي المنزل ... وكان ( يوسف ) هو من يتقدمهم ... حتى وصلوا إلى الدور الخامس , فأخرج ( يوسف ) من جيبه سلسلة المفاتيح ثم انتقى مفتاح شقة الطابق الخامس , ودسه في ثقب الباب ليفتحه ...
يا لها من رائحة عطن تهب عليك عند فتح باب الشقة ... رائحة تكونت من عدم الاهتمام بتنظيفها إلا كل بضعه شهور , هذا غير أن ( يوسف ) لم يكن يصعد إليها إلا لماماً .. فبعد أن انتهى من دراسته الثانوية لم يعد يذاكر بها كما مضى , فقد ولت أيام سهر الليل في المذاكرة وأكواب الشاي الساخن والكولا الباردة والتركيز الرهيب ... لقد أصبحت معدلات تركيزه في المذاكرة تساوي صفراً , ولذلك قل صعوده إلى تلك الشقة , وبالتالي قل اهتمام والدته بها ... ولكني دعني أصف لك الشقة حتى أوفي ما علي في حقها ...
تلك الشقة تأخذ الطابق الخامس كله , عند دخولك من باب الشقة تعصف أنفك رائحة عطن ناتجة عن عدم تهوية المكان .. عندما تدخل ستجد على يمينك أول غرفة في الشقة والتي تستعمل غالباً للنوم .. وعلى يسارك ستجد صالة واسعة ..
الشقة مفروشة بالموكيت الخشن , أما الحوائط فهي مدهونة بطبقة من الزيت .. وفي وسط الصالة تجد منضدة بيضاء مربعه الجوانب كان ( يوسف ) يستخدمها في المذاكرة قديماً هو وزملائه , وحول المنضدة تجد أربعه مقاعد من نفس لون المنضدة ... وما هو لون المنضدة ؟؟ أبيض بالطبع ...
على أحد حوائط الصالة وبالتحديد بالقرب من مكان المنضدة في أعلى الحائط تجد ساعة حمراء اللون , ساعة قديمة جداً يتذكر ( يوسف ) أنها جاءت هديه من أحد أصدقاء والدة .. ساعة حمراء اللون دائرية الشكل من النوع الذي يصدر ذلك الصوت الممل الرتيب للساعات القديمة
تك تك تك تك تك تك تك تك تك تك تك تك تك تك تك
الشيء البغيض في تلك الساعة أن صوتها أعلى من المعتاد , فتجعلك تتضايق من صوتها المنتظم
بجانب الصالة سترى ممر ( طرقة ) واسع يفضي في نهايته إلى الحمام والذي يجاوره المطبخ ...
تك .... زر الإضاءة يضغط عليه لتبدأ مصابيح الكهرباء المعلقة في السقف في الإضاءة .... أربع مصابيح من النيون يحاولون الإضاءة مطلقين صوت ( زززززززززز ) ثم تبدأ الإضاءة بهدوء حتى تضاء الصالة بالكامل بضوء ابيض جميل ....
- << سبحان الله لم تتغير الشقة منذ أن كنا نقضي بها الليل أثناء الثانوية العامة >>
كانت تلك العبارة من ( أحمد ) وهو يتأمل الشقة بعينيه .. فرد علية ( يوسف ) وهو ممسك منديلاً ورقياً ويحاول أن يزيل الأتربة من على المقاعد :
- << لم يهتم بها أحد بعد انتهاء الثانوية , وأختي تخاف من المذاكرة فيها بمفردها , فتم هجر الشقة مؤقتاً ... هل معك منديل ؟؟؟ >>
- << تفضل >>
أخذ ( يوسف ) و ( أحمد ) و ( مصطفى ) يحاولون إزالة الأتربة من على المنضدة والمقاعد المحيطة بها .. ثم دخل ( يوسف ) لغرفة النوم ومنها دخل غرفة أخرى ثم غرفة أخرى ليحضر مقعد إضافي
كان مقعد من المقاعد التي ترص في الصالون ... كان قديماً لكنه صالح للاستعمال
- << هيا ماذا تنتظرون ؟؟؟ اجلسوا على المقاعد التي تحيط بالمنضدة ... أخ .... نسيت الشمعة , أعطوني دقائق وأتيكم بها >>
قال ( يوسف ) تلك العبارة ثم نزل جرياً إلى الشقة ليحضر شمعه وعلبة ثقاب ...
* * *
نعود مرة أخرى إلى ( عماد ) والذي نطق الاسم ودخل في غيبوبة كالتي دخل بها أخر مرة .. ولكن يبدوا أن تلك الغيبوبة تختلف قليلاً عن الأولى , فهو يشعر أن عقلة متيقظ بطريقة طبيعية كأنه لم يدخل في الغيبوبة .. إنة يفكر أيضاً ..
بدأت تتشكل أمامة صورة مهزوزة لشاب يقف وهو معطي ظهرة لشيء غريب لا يدي ما هو لكنة يشبة الغوريلا من كثرة الشعر الذي يغطية ..
الكلمات تتردد باللغة الفارسية التي يفهمها جيداً .. إنة أحد أنواع العهود من الجن ..
لقد كان الكائن يطلب أشياء من الشاب باللغة الفارسية ..؟ , وكان الشاب يوافق وهو يرتعش وفي النهاية قال هذا الشيء عبارة ثم اختفى ..
ما هذا ..!! لقد قال ( عندما تحضر القرابين سنتقابل ثانياً يا ( بن القصاب ) )
أعصابي .. هذا هو الحي بن القصاب الساحر الفارسي الذي أتى للقرية المصرية .. قرابين .. ؟
لقد كان هؤلاء الأربعة قرابين إذاً .. لقد فهم لقد فهم
الموضوع بدأت معالمة ... انتظر لحظة ما هذا ؟
هو الآن يرى أنة يقف أمام عرش مطعم بالذهب على جزيزة في وسط الماء والنار في كل مكان تشتعل وتخمد بإنتظام
ثم رأى أربعة رجال يسيرون وهم ينظرون إلى الأرض بحزن ثم يقفون أمام العرش .. هناك تشويش بسيط في الحلم لكنة يعتقد أنة رأى تلك الوجوة من قبل ...
نعم .. نعم , هذا ( أحمد ) بن أخته أحد الأربعة .. يقف وهو حزين بينهم ..
فجأة , ظهر ( يوسف ) من خلف الكرسي المطعم بالذهب وهو يسير ببطء وخلفة يسير ثلاثة لا يتبين ملامحهم .. إنهم الذين رأهم مع ( يوسف ) يتبعونة أينما كان ..؟
تقدم ( يوسف ) ووقف أمام الأربعة .. الحلم يتشوش وكأنة رؤية على صفحة من الماء إنة .. إنة يختفي ببطء
لااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااااااا
أكتملت الصورة
أكتملت الصورة
لقد علم ماذا يحدث .. عرف من هم القرابين ...
عاد ( عماد ) إلى وعية ببطء ولكنة قام من على مكتبة وهو يردد مراراً وتكراراً :
- << يجب أن أمنع القرابين من أن تذبح .. يجب أن أمنع القرابين من أن تذبح >>
توجهه إلى التليفون ليطلب منزل أختة فقط لترد علية فقال لهات بصوت عال :
- << ألو .. أنا ( عماد ) .. أخبريني بسرعة أين ( أحمد ) ؟؟؟ .. ماذا ذهب لمنزل صديقة ( يوسف ) ليقابل باقي أصدقاءة .. ياللمصيبة >>
* * *
شقة ( يوسف ) الساعة الحادية عشر والربع
22 / 1والآن المشهد كالأتي :
( مصطفى ) و ( حامد ) و ( أحمد ) و ( محمود ) يجلسون على المقاعد الأربع البلاستيكية والتي تلتف حول المنضدة ... وفي وسط المنضدة ثبت ( يوسف ) شمعه كبيرة نوعاً ما وضوءها يتراقص يميناً ويساراً ... وكل الجالسين حول المنضدة يحمل في يده قصاصة الورق التي كتب فيها ( يوسف ) الكلمات ...
أما ( يوسف ) نفسه فقد جلس على مقعد بعيداً عن مكان المنضدة بخطوة أو أثنين وقد أمسك بين يديه الورق المنقول فيه نص المخطوطة الأصلية ...
هنا تكلم ( يوسف ) وعلامات القلق بدأت تظهر على وجهه :
- << شباب ... لقد بدأت فرائصي ترتعد بحق ... وبدأت أميل إلى أن نوقف ذلك الموضوع ... ما رأيكم >>
فرد عليه ( حامد ) مغتاظاً
- << بعد كل الترتيب التي قمنا بها وتريد إنهاء الموضوع ...!!! لنقل الكلمتين وننزل لشقتك فلن يحدث شيء >>
وهنا قال ( محمود ) :
- << بالفعل أحس بانقباض شديد جداً ... لكن أعتقد أن ذلك من تأثير خوفنا من المخطوطة ومن تأثير الجو النفسي مثل الشمعة والشقة المهجورة , لكني أعتقد أن الموضوع بالكامل خرافة فلن يضيرنا أن نقول الكلمتين ونرحل فلا خوف من الموضوع >>
يبدوا أن كلام ( حامد ) و ( محمود ) قد أثار روح التحدي في نفس ( يوسف ) .. فهو لا يريد أن يظهر بمظهر الجبان الذي يخاف من لا شيء
- << إذن هيا فلترددوا الكلمات بنفس التوقيت بصوت واحد .. >>
كانت تلك العبارة من ( يوسف ) , فأضاف ( حامد ) :
- << حاضر سنبدأ القرأة ولن ننسى أن علامة حضور عفركوش هو ارتفاع لهب الشمعة لسقف الشقة >>
- << اخرس وأبدأ القراءة >>
مرت لحظات صمت بسيطة نظر فيها الأصدقاء الأربعة لبعضهم البعض ... ثم بدأ الجميع القراءة بصوت عال
((سمامها طولام فقدشبينا يوهانيط سمسمائيل يصيفيدش أحرق كل من عصى أمرك بحق إصطفار و بيوم عمياخ وبحياة هليع بحق إصطفار وبيوم عمياخ وبحياة هليع .....
*
هل تتذكرون الكهف الذي رأيناه في الفصل الثالث ( السجين ) , في لحظة قرأه الأربعة أصدقاء للكلمات وعند هذه النقطة من الكلمات نرى المشهد الأتي ....!!!
كانت هناك كلمات على فتحه الكهف من الخارج ... تلك الكلمات تذوب الآن ... تذوب وكأن هناك مادة حارقة تذيبها ..؟؟؟
أما الكهف نفسه فقد بدأ يهتز من الخارج كان هناك زلزال في تلك المنطقة .. لا لقد أخطأت ... إن الصخور التي تحيط بالكهف هي التي تهتز فقط وتتزلزل من مكانها ..؟؟؟
*
يا من تسمعون في وادي القرنيم بحق سيدكم وبحق مقبلكم فكوا قيد بن ذاعات فكوا قيد بن ذاعات فكوا قيد بن ذاعات ....
*
عندما وصل الأصدقاء لتلك الكلمات ظهر شيء غريب ... شيء لن نراه بأعيننا نحن البشر .. لكن ماذا لو أننا نرى بمنظور أخر ... منظور شخص يرى عالم الجن وعالم البشر ...
الهواء يتخلخل حول الأربعة الجالسين على المنضدة .. وعند خروج الكلمات من حلوقهم فإن الهواء يتخلخل حولهم أكثر ... أصوات صفير وكلمات تقال بسرعة رهيبة , كلمات لم تخرج من حلوق بشرية .... عفاريت من الجن تتحرك في سرعة حول الأربعة ....
كل شخص من الجالسين على المنضدة يقف بجانبه نفر من الجن ماعدا شخص واحد لا يقف بجانبه أي شيء
أشكال الواقفين بجانب كل شخص مخيفة ... عيونهم واسعة جداً لدرجة أنها تأخذ نصف وجوههم ... وقرونهم كبيرة جداً ... يقفون ولا يفعلون غير شيء واحد ..
يرتعشون ويهزون رؤوسهم لأعلى وأسفل بلا انقطاع ..!!
* ( مازال الأصدقاء يكملون القراءة )
فيدعاهاط موسماعل بق حتى إذا أحضرتم أحرقكم المولى بحق وصيل مشموهوه شرطيائيل
*
نحن الآن في أحد الأودية الصحراوية التي يسكنها الجن ....
(( فيدعاهاط موسماعل بق حتى إذا أحضرتم أحرقكم المولى بحق وصيل مشموهوه شرطيائيل ))
كان ذلك النداء السابق يتردد في الأودية وكأن له ذبذبة خاصة به ...!! بعد انتهاء النداء بدأ كأن هناك بخار يتكاثف فوق رمال الأودية .. بخار اسود اللون .. ثم بدأ البخار يتجسد ببطء ليكون ألاف من أفراد الجن يملئون الأودية وهم يفعلون شيئاً واحداً
يرتعشون ويهزون رؤوسهم لأعلى وأسفل بلا انقطاع ..!!
*
( مازال الأصدقاء يكملون القراءة )
موهوقمي نوخيشما بهدار مخلبي
*
هنا ارتفع صوت كأنه حيوان يعذب ...!! أو إذا أردنا الدقة لقلنا أنه حيوان جريح يزأر ...... *
انتهي الأربعة من القراءة ليرتفع فجأة من خلفهم صوت ( يوسف ) وهو يردد من الورقة التي في يده ...
أريقاً أريقاً فليقاً فليقاً حليقاً حليقاً أتوني مستكين مستكين مستكين .... احضروا أينما تكونوا احضروا فإنكم محاطون به من كل جانب ...
*
مازالت صخور الكهف تهتز مرة أخرى , ولكن دعونا نلقي نظرة على الكهف من الداخل وماذا يحدث به الآن :
هل تتذكرون السجين ... لو تذكرنا السجين جيداً لتذكرنا أن يديه مكبلة بالسلاسل والسلاسل منقوش عليها نقوش غريبة المنظر ....
الآن هذه النقوش تشتعل بها النار ... وتتغير ملامحها وتذوب نهائياً ...؟
السجين يقف والسلاسل التي تكبل يديه تتكسر بسهولة وكأنها الحبال .....
السجين يبتسم بهدوء للحارسان الذين يحرسانه وينظرون له الآن برعب شديد ... يبدوا أن هذا السجين سيفتك بالحارسان بكل هدوء وبلا ضجة ....
*
( مازال ( يوسف ) يكمل القراءة وسط دهشة أصدقاءه )
سمسائيل الهوام يحاقوف المخلبي سمسائيل الهوام يحاقوف المخلبي ارجعوا يا جنود المارد ارجعوا يا جنود المارد
*
حول الكهف وقف آلاف من أفراد الجن يحيطون بالكهف ويصدرون من حلوقهم _ إن كان لهم حلوق _ أصوات غريبة وكأنها نداء على شخص ما
*
( مازال ( يوسف ) يكمل القراءة )
فكوم يا حليق فكوم يا حليق نخدام بهاميم بحق سمسائيل أن تأتيني احضروا يا جنود المارد لتكونوا الجيش الأعظم الوحى الوحى العجل العجل الساعة الساعة احضروا بحق مخلبي
وهنا انقطع التيار الكهربي عن الشقة ... ثم انطفأت الشمعة .....
* * *
- << أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... أين أنت يا ( يوسف ) >>
- << أنا جالس مكاني يا ( أحمد ) لا تخف >>
دارت هذه المحادثة وسط الظلام الذي ساد الشقة بعد انقطاع التيار الكهربي ... ثم بدأ الجميع يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم
- << أشعر بخوف شديد يا جماعه , فلتضيء الشمعة يا ( يوسف ) >>
فرد ( يوسف ) قائلاً
- << يبدوا أنك نسيت أن علبة الثقاب بجانب الشمعة أمامك ... هيا أضيء الشمعة >>
أخذ ( مصطفى ) يتحسس المنضدة حتى وجد علبة الثقاب , فأخذ منها عوداً وبدأ في إشعاله .... ثم قربة من الشمعة لتضيء المكان ..... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. إن الظلام أجمل بكثير , ما هذا الهول ؟؟؟؟؟؟؟؟
* * *
ملحوظة :
من الآن سأروي كل ما حدث في اللحظات القادمة ولكن سأرويها من منظور كل شخص من الجالسين على المنضدة ... وفي النهاية سأروي من منظور ( يوسف ) نفسه ...
* * *
( أحمد ) يجلس على المنضدة والظلام يغلفه من كل جانب , كان ( أحمد ) يكره الظلام الدامس حتى أنه دائماً ما كان يغلق عينية بمجرد أن ينقطع التيار الكهربي .. فهو يخاف إذا فتح عينية أن يرى أشياء تتحرك في الظلام ... ولذا فقد أغلق عينية عند انقطاع التيار الكهربي ...
ثم سمع ( يوسف ) يخبر ( مصطفى ) بأن يضيء الشمعة فنظر باتجاه المنطقة التي يجلس فيها ( مصطفى ) منتظراً إياها أن يشعل الشمعة ... لقد أشتعل عود الثقاب وأضاء الشمعة .....!!!!
أين أصدقاءه ....؟؟؟ المقاعد كلها خالية ولا أثر لأصدقاءه .. أين ذهبوا ؟؟
كانت صدمة على عقل ( أحمد ) لا يمكنه استيعابها , فهو يرى على ضوء الشمعة الذي منحة الكثير من الرؤية في ذلك الظلام أن المقاعد خاوية ولا أثر لأحد ...
بدأ جسده يرتعش من الخوف ماذا يحدث بالضبط , هل هذا مقلب مدبر له ... ولكن كيف وهو كان قد سمع أصواتهم قبل اشتعال الشمعة فكيف اختفوا في لحظة واحدة ؟؟
هنا سمع نقراً يصدر من حوائط الشقة نقراً خفيفاً تكاد تميزة على أنه خرفشة وليس نقراً ... ثم زاد النقر أكثر فأكثر ...
هل تذكرون عندما كنا نصف الشقة وقلنا أنه بجانب الصالة هناك ممر في أخره دورة المياه يجاورها مطبخ ... ( أحمد ) الآن يسمع صوت باب دورة المياه يفتح ببطء شديد كأن الهواء هو ما يحركه , كان صريره عالياً جداً وهو يفتح ببطء .. حتى توقف صوت الصرير
ربما لا نبالغ لو قلنا أن قلب ( أحمد ) قد توقف عندما رأى المشهد التالي :
من الطرقة الموصلة لدورة المياه خرج ثلاثة أشخاص وهم يتجهون ناحية المنضدة التي يجلس عليها ( أحمد ) , ثم وبكل هدوء جلس هؤلاء الثلاثة على المقاعد المواجهة لأحمد ووجوههم تغلفها الظلام ...!!!
ولكن
بمجرد جلوس الثلاثة على المقاعد أمام ( أحمد ) وقع ضوء الشمعة على وجوههم فظهرت أشكالهم أمام ( أحمد )
لم يملك إلا أن يطلق صرخة رهيبة من هول المشهد الذي يراه .... أغمض عينية وجسده يرتعش وظل يطلق الصرخات والدموع تنهمر من عينية ... انه يتمنى الموت الآن .. يتمنى الموت لكي لا يرى تلك الوجوه البشعة وهي تنظر له وتبتسم
هدأت صرخاته قليلاً بعد راح صوته وتحول إلى نحيب وبكاء خافت , لا نلومه عندما شعر ببلل في سرواله من الخوف ... وبعد دقيقة من النحيب وهو مغمض العينين ينتظر الموت بدأ يفتح عينية ببطء ليرى أن الثلاثة مازالوا موجودين في أماكنهم وينظرون له بهدوء
لم يمتلك إلا أن ينظر لهم بنصف عين , ظل يحاول النظر لهم من بين دموعه حتى تكلم أحدهم .. كان الصوت يخرج منه بنبرات بطيئة وصوت يشبه الحشرجة
- << شكرا لكم لمساعدتنا على الرجوع مرة أخرى .. لن ننسى لكم هذا الجميل ... سنتذكره دائماً بعد رحيلكم >>
توقف ( أحمد ) عن البكاء ووجهه ينطق بالدهشة وهو يقول بصوت خرج بصعوبة
- << رحيلنا ؟؟؟ >>
- << نعم رحيلكم ... ولكن لن ترحلوا بلا فائدة فستصيرون أنتم القربان البشري الذي سيقدم لسيدنا الأعظم .... >>
ثم سكت قليلاً وأضاف
- << المخلبي بن ذاعات سيد جيوش الجن >>
كانت المرئيات في عيني ( أحمد ) بدأت بالاهتزاز وبدأ يفقد الرؤية شيئاً فشيئاً ولكنة قال بصوت خرجت كلماته متقطعة
- << من أنتم ؟؟ ... >>
- << نحن حراس المخلبي بن ذاعات وخدامه الذين تفرقوا في الوديان , وقد حان وقت رجوعنا ... أرجوا ألا أكون فظاً لكني أنصحك أن تنطق الشهادتين وتغمض عينيك .....
نطق ( أحمد ) الشهادتين وهو يبكي ثم أغمض عينية ...
رحم الله موتانا ....
* * *
( محمود ) الآن يستمع ل( يوسف ) وهو يخبر ( مصطفى ) أن يمسك عود الثقاب ويشعل الشمعة , فانتظر حتى سمع عود الثقاب يحتك بالعلبة ثم تضاء الشمعة ...
انه يرى الآن ( يوسف ) جالساً وهو يتلفت حوله برعب .. أما ( أحمد ) فقد كان مغمض العيني وهو يرتجف ببطء ..
أما كرسي ( حامد ) فقد كان خالياً
ولكن عندما نظر ( محمود ) إلى ( مصطفى ) وجدة في مشهد غريب .!!!
لقد كان ( مصطفى ) يرتعش بجنون وهو يحرك شفتيه بسرعة رهيبة وكأنه يحادث أكثر من شخص , أما عن حدقتا عينية فقد كان في مكانهما بياض تام يغلفهما ...؟؟؟
أطلق ( محمود ) شهقة وهو ينظر لمصطفى برعب بينما قال ( يوسف ) بسرعة موجهاً كلامه لأحمد :
- << ماذا يحدث لمصطفى يا ( محمود ) .. أمسكه جيداً كي لا يقع من على الكرسي >>
بالفعل كان ( مصطفى ) سيقع من على الكرسي بسبب أن ارتعاش جسده قد زاد وبدأ الكرسي يهتز بشدة ..
نهض الثلاثة أصدقاء بسرعة وهم يتجهون ناحية ( مصطفى ) وهم يحدثونه ويهزون جسده لكي يفيق بينما من حلقة بدأت تخرج كلمات سريعة غير مفهومة وجسده يهتز أكثر ... وفجأة هدأ جسد ( مصطفى ) ورجعت حدقتا عينية للظهور مرة أخرى , ولكنه نظر هذه المرة لمن حوله وعلى وجهه ارتسمت نظرة حزن ثم قال والدموع بدأت تذرف من عينية
- << ياللهول ماذا فعلنا ... أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله >>
ثم أنتفض جسده فجأة ولمعت عينية وكأنة يعاني وخرجت من حنجرتة صوت حشرجة ثم سكنت حركته تماماً ...
- << لااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا >>
أنطلقت تلك الكلمة من ( محمود ) وهو يهز ( مصطفى ) يميناً ويساراً ويحاول أن يكلمه ... بلا فائدة ...
- << لا تمت لا تمت أنتظر يا صاحبي انتظر ماذا رأيت قل لي ماذا رأيت >>
خرجت تلك الكلمات من ( محمود ) بغضب ممزوج بحزن وهو يهز صديقة بلا فائدة , حتى اضطر ( يوسف ) لإبعاده عن جسد ( مصطفى ) حتى يفحصه ( أحمد ) ..
كان ( أحمد ) يحاول فحصة بوسائل بدائية كأن يضع إصبعية تحت فتحتي أنفة , أو يحاول قياس نبضة بأكثر من طريقة ولكن المشكلة أن مظهر ( مصطفى ) كان يوحي بالموت منذ أن أنتفض ....
بدلاً من ملامح الحزن الذي من المتوقع أن تظهر على وجه ( محمود ) ظهرت ملامح الغضب الشديد ... لقد كان أكثر أصدقاءه معاشرة لمصطفى منذ صغرهم ودخلوهم نفس الكلية ونفس القسم , بل كانت لهم نفس الأحلام المشتركة ... - << من أنتم أيها الأغبياء ... اظهروا لي , يا من قتلتم ( مصطفى ) ... لماذا تفعلون ذلك >>
كانت العبارة السابقة تنطلق من حلق ( محمود ) وهو ينظر حوله وعيناه تلتمع من الغضب
أما ( يوسف ) فقد كان عملياً جداً فقد جرى ناحية باب الشقة ليفتحه .. ولكنة فوجئ أن الباب لا يستجيب له ؟؟؟؟؟
يحاول أن يدير مقبض الباب ولكن لا فائدة من ذلك ....
في تلك اللحظة كان ( محمود ) قد بدأ يخرف بالكلام ويكلم أشخاصاً غير موجودين ويتحداهم , ولكن حدثت مفاجأة غير متوقعة ..!!!
أضاءت أنوار الشقة كلها دفعة واحدة لتعمي عيونهم للحظات , ولكن تلك ليست المفاجأة فالمفاجأة كانت أعنف
على الحائط الذي يقف بجانبه ( محمود ) كتبت كلمات بخط كبير مهزوز بالدم تقول :
(( أنت يا من تتحداني لا تتلفظ بما لا تعلم * فبحق الله كنت سأدعك لتعيش لكنك مغرور وستموت لتلك الكلمات التي قلتها ))
قرأ ( محمود ) و ( يوسف ) و ( أحمد ) الكلمات التي على الجدار بعد عودة الأنوار مرة أخرى للشقة ..وبمجرد أن انتهوا من القراءة انطفأت الأضواء مرة أخرى ولكن تلك المرة انطفأت الشمعة مع انطفاء الأضواء فساد الظلام الشقة ...
ومن وسط الظلام ارتفعت صرخة رهيبة تشق الظلام .. صرخة من يتعذب قبل أن يموت ..
* * *
قال ( يوسف ) لمصطفى :
- << يبدوا أنك نسيت أن علبة الثقاب بجانب الشمعة أمامك ... هيا أضيء الشمعة >>
سمع ( مصطفى ) تلك العبارة فبدأ بيده يتحسس المنضدة إلى أن وجد الثقاب .. كانت يده تهتز من الخوف ولكنة حاول التماسك .. أين علبة الثقاب اللعينة .!!
لقد أمسكها أخيراً ليخرج أكثر من عود ليضيئهم مرة واحدة فقد كان يرى أمة تفعل ذلك لتضمن أن تشتعل شعلة كبيرة من اجتماع أعواد الثقاب ..
لقد قرب الثقاب المشتعل من فتيل الشمعة لحظات بسيطة حتى أضاءت الشمعة .. الضوء الجميل الذي يبعث نسبة من الاطمئنان على ذلك الجو الكئيب .. كان ( مصطفى ) قبل انقطاع التيار الكهربي يجلس على المنضدة وعلى يمينه يجلس ( أحمد ) وعلى يساره يجلس ( حامد ) وأمامه ( محمود ) , أما ( يوسف ) فقد كان يجلس بعيداً ..
أما عندما أضاءت الشمعة المكان مرة أخرى كان الترتيب واحد ولكن هناك شيء لا يريحه في المشهد ؟؟؟
بمجرد أن نظر أمامه بعد إضاءة الشمعة وجد ( محمود ) وقد اتسعت عينية برعب أما ( يوسف ) فقد أصدر شهقة من حلقة ... كانت العيون تنظر على يسار ( مصطفى ) مما جعله ينظر باتجاه ( حامد ) فهو الذي كان يجلس على يساره ...
لا يوجد ما يريب .. ( حامد ) يجلس كما هو , ربما تغير شكله بعض الشيء ..؟؟؟ أعتقد أن شعرة قد استطال فجأة وقد خرج من جانبي رأسه قرنان صغيران .. أما يديه فقد كانت سوداء تماما تكاد تلمع من السواد .. وكذلك وجهه كان أسود تماماً .. سواد يشبه الأبنوس .. ربما أمكننا أن نقول أن عينية قد اسودتا تماماً فلا وجود للقرنية .... هذا ما ظهر على ضوء الشمعة ... ويبدوا أنة كان كافياً ليصرخ ( مصطفى ) ويقع هو ومقعدة على الأرض ..
ساد الهرج وجرى الجميع بعيداً عن المنضدة .. ولكن المشكلة أنهم بمجرد ابتعادهم عن المنضدة يدخلون في دائرة الظلام فلا يرون شيئاً فيضطرون مرة أخرى للاقتراب من الضوء الذي ترسله الشمعة التي فوق المنضدة التي يجلس عليها هذا المسخ هادئاً ..
- << أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... أين ( حامد ) .؟؟؟ >>
انطلقت تلك العبارة من فم ( مصطفى ) وعينية لا تفارق المسخ الجالس وهو يحاول الابتعاد قدر الامكان عن هذا المسخ ...
تلك العيون السوداء لذلك المسخ ثابتة لا تتحرك .. ولكن بمجرد نهاية جملة ( مصطفى ) تحرك وجه هذا الشيء لينظر لمصطفى ويقول بصوت ( حامد ) الأصلي :
- << ( حامد ) يجلس الآن في بيته أمناً فلا تخف علية >>
- << من أنت ؟؟؟؟ >>
هل المسوخ تبتسم ؟؟؟ ربما كانت التشققات التي ظهرت في وجه المسخ تلك هي ابتسامة وهو يقول :
- << أنا ( الغوال ) >>
كان جسد ( مصطفى ) يرتعش وهو يستمع لهذا الشيء ويحاوره , ولكنة أندهش من نطق هذا المسخ لكلمة ( غوال ) فقال له :
- << ماذا تعني ؟؟ >>
- << أنا الغوال من عشيرة الغيلان كلفني سيدي بأن أتشكل لكم في شكل ( حامد ) وأجعلكم تنطقون كلمات رجوع الملك الأعظم المخلبي لتحرروه من قيده .. ولتحرروا جيشه وتجمعوه من الأودية والفلاة .. وقد أتممت مهمتي وحان وقت رجوعي لقبيلتي .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته >>
انطفأت الشمعة بعد انتهاء كلمات الغوال وساد الظلام ..
ولكن ( مصطفى ) شعر بشيء ثقيل يطبق علية , كأن هناك من يكتم أنفاسه ... يحاول أن يأخذ شهيقاً ولكنة لا يستطيع .. الحياة تنسحب منة ببطء ..
* * *
- << لا نعرف جذراً حدود قدرتهم , ولكن يمكننا مما روي لنا أن نحدد بعض الأشياء , مثلاً : يمكنه أن يؤثر بطريقة غير مفهومة لنا على مراكز عقلك ... حيث يجعلك تشعر بأحاسيس وترى أشياء ليس لها وجود في الواقع ... وربما تحكم في بعض مراكز الكلام والأعصاب في المخ ... ويمكنه أيضاً أن يتشكل في أشكال البشر , أو أشكال الحيوانات , أو أشكال بعض الجمادات , فيمكنه التأثير في دنيا البشر بتلك الطريقة ...
وبالطبع هناك طرق أخرى كثيرة لا يمكن معرفتها أو تحديدها .
* * *
( يوسف ) يخبر ( مصطفى ) بأن يمسك الثقاب لكي يشعل الشمعة ... صوت احتكاك عود الثقاب وهو يشتعل ثم الشمعة وقد توهج نورها ... أين أصدقاءه ..!!!!!
المقاعد خاوية ولا أثر لهم , أخذ ينظر ( يوسف ) يميناً ويساراً برعب وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى سمع خطوات أقدام ثابتة تأتي من الطرقة ..؟؟؟؟
نادى بأعلى صوته
- << من أنت ؟؟ >>
لم يتلق رداً بل أخذت الخطوات تقترب حتى دخل صاحبها في مجال ضوء الشمعة ...
كان ( يوسف ) يرى الآن رجل وقور طويل القامة وسيم الملامح أبيض الوجه .. يمتلك خصلات ناعمة من الشعر انسدل بعضها على جبينه ليعطيه مزيد من الوسامة ... يرتدي قميص وسروال .. وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة مطمئنة .. لن يمكننا بالطبع وصف دهشة ( يوسف ) وهو ينظر إلى هذا الرجل بذهول .. !!!!
أما الرجل فقد أخذ أحد المقاعد الخالية ووضعها أمام مقعد ( يوسف ) ثم جلس عليها ووجهه في وجه ( يوسف )
- << كيف هي أحوالك يا ( يوسف ) ..؟؟ >>
- << ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ >>
ضحك الرجل ضحكة خفيفة من نظرة الاندهاش المرتسمة على وجهه ( يوسف ) فقال له :
- << لك عندي يا ( يوسف ) معزة خاصة منذ قديم الزمن .. لذلك فأنا أدين لك بالتفسير , اسأل وأنا أجيب >>
ظل ( يوسف ) ينظر لحظات طويلة لا يقدر على الكلام حتى انفكت عقدة لسانه وقال كأنما أنتبه فجأة لما يحدث
- << من أنت >>
أعتدل الرجل في مجلسة ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يقول :
- << أنا .... أنا المخلبي .... المخلبي بن ذاعات هل عرفتني يا صديقي ... >>
* * *
16 – مرحباً بصديقي القديم
كان مشهداً أقل ما نقول علية لو كنا نراه أنة مشهداً في إحدى مستشفيات المجانين .. ( يوسف ) يجلس وعلى وجهه علامات الذهول وينظر للرجل الذي يجلس أمامه لا يعرف ماذا يفعل ...
كان الرجل مازال ينظر إلى ( يوسف ) مبتسماً وكأنة يطمئنه بتلك الابتسامة الودود .. فلما طالت النظرات بين الطرفين قال الرجل الجالس :
- << يبدوا أنك مندهش من مظهري يا ( يوسف ) ... لا تندهش فقد اخترت أن أظهر لك بمظهر رجل وسيم كي لا تفزع من شكلي الحقيقي .. فأنا لا أريد إفزاعك يا صديقي فكما قلت أن لك معزة خاصة عندي .. >>
- << ماذا يحدث ..!!! أنا لا أفهم شيء ؟؟؟ >>
- << أعذرني يا صديقي فلو كنت في نفس مكانك لفعلت مثلما فعلت أنت ... لذلك سأفسر لك الحكاية منذ البداية , قم معي >>
بعد أن انتهى ( المخلبي ) من جملته وقف فارداً قامته ومنتظراً ( يوسف ) أن ينهض مثله ..
كان ( يوسف ) كالمنوم مغناطيسياً لا يملك معظم إرادته فلم يفعل شيئاً سوى أن ينهض وهو مذهول ناظراً إلى ( المخلبي ) الذي تأبط ذراعه وكأنة صديق قديم .. ثم بدأ يمشي هو و ( يوسف ) ليخرجوا من دائرة الضوء
وهنا اختفت الشقة ولم يعد يراها ( يوسف ) وظهر أمام عين ( يوسف ) مشهداً غريباً
حرب طاحنة تدور بين جيشين عظيمين ويبدواً أن أحد الجيشين كان منظماً من حيث تقسيمة .. كان أشكال الجنود في الجيشين تثير الرعب في القلب لا يمكن وصف أشكالهم ..
قال ( المخلبي ) وهو مازال يتأبط ذراع ( يوسف ) :
- << أنا المخلبي بن ذاعات , منذ مئات السنين كنت قائداًَ قوياً لجيوش ممالك الجن .. وكانت الانتصارات تتوالى على يدي ومن خلال إخلاص جيشي لي فقد كانوا يحبونني ويحترمونني بشدة .. وبدون أن يعلم باقي القواد كنت أتدخل في عالمكم وكان البشر يستعينون بي في حياتهم لينالوا عطفي وإحساني ... >>
تغير المشهد هنا ليظهر أربعة من الشباب يرتدون ملابس بالية قديمة لا تمت لعصرنا بصلة يجلسون ملتفين حول شمعة ويقولون كلمات بصوت غير مسموع ... وبعيداً عنهم بعض الشيء جلس شاب أكحل العينين نحيل الجسد أسمر البشرة .. وكانت نظراته تمتلئ بالخبث والمكر ..
كان هؤلاء الشباب يرددون كلام بلغة غريبة ولكنة أول مرة يسمع فيها تلك المقاطع ..!!!
فقال ( المخلبي ) :
- << هؤلاء هم من قرأت عنهم في الورق الذي امتلكته ... هذا الذي يجلس بعيداً عنهم هو فتى يدعى ( الحي بن القصاب ) وقد أراد أن يمتلك خدام من الجن يسخرهم ويفعل بهم ما يشاء .. فأعطاه أحد خدامي كلمات وأعطاه طلبات لو حققها لأهديت له خداماً من الجن تكون تحت إمرته ...لقد طلبت منة أن يقدم لي أربعة قرابين بشرية يقرءون كلمات تعني بأنهم سيضحون بنفسهم بأرواحهم من أجلي أنا ... فاخذ هذا الساحر هؤلاء الأربعة وأقنعهم أنهم سيصيرون أغنياء بعد أن يقرءوا تلك الكلمات ... وبالفعل قرءوا الكلمات وتم الاتفاق وأهديت ( الحي بن القصاب ) 100 من أنفار الجن ليخدموه حتى يموت .... أما الأربعة الباقيين فقد بدأت في قتلهم واحداً واحداً ماعدا أخر شخص ... >>
هنا تغير المشهد الذي يراه ( يوسف ) ليصير في بيت غريب الشكل ويجلس فيه أحد هؤلاء الشباب الأربعة وهو مغمض العينين ويتكلم مع شخص مرعب الهيئة ...
أكمل ( المخلبي ) قائلاً :
<< كان الأخير هو ( إسماعيل بن عبد الله ) وكنيته ( إسماعيل الحلاج ) .. هذا الشاب فهم ماذا يحدث فبدأ بترديد أسمي كثيرا وقد حفظة من الكلمات التي علمها له الساحر , أخذ يردد أسمي ليلاً حتى بعثت له أحد خدامي ليحدثه ويفهم ماذا يريد منه .. فقال أنة يريد الأمان وأن يعيش بسلام ..فبلغة خادمي أنة معد كقربان لي أنا .. فقال أنة يريد أن يقدم لي قربان أعظم ....
فعقد معي اتفاقا .... أن أتركة يعيش بأمان وأعطية خداماً من عندي .. مقابل أن يقدم لي قربان كبير .. سيقدم لي أهل قريته كلهم قرباناً .. >>
عند تلك الكلمة شهق ( يوسف ) واتسعت عيناه وقد بدأ يشعر بالأهوال التي حدثت في ذلك الزمان , فأكمل ( المخلبي ) :
- << خرج ( إسماعيل ) لبلدته وقال أنة رأى رؤية أن القرية بها مرض غريب كالذي مات به الثلاثة السابقين ..وأن النجاة من ذلك المرض تكون بأن يقول الرجل كلمات معينة تنجيه بعمرة ... فقالت معظم القرية الكلمات التي علمتها لإسماعيل ... ثم هرب ( إسماعيل ) وترك القرية لي فمن قال منهم الكلمات أخذته كقربان وقتلته , ومن لم يقل هرب من القرية من هول ما رأى >>
- << هل ( إسماعيل ) هذا سفاح أم ماذا >>
كانت تلك العبارة من ( يوسف ) وهو مشمئز من ما يرويه له ( المخلبي ) عن ( إسماعيل ) , فتغيرت الصور أمام ( يوسف ) ليرى ( إسماعيل ) وهو يتمشى في الصحراء ويحمل على ظهره أشياء غريبة ..!!!
نظر ( المخلبي ) ليوسف بغضب وهو يقول :
- << تحدث بإحترام يا فتى , يبدوا أن والديك لم يربوك جيداً .. كيف تتكلم عن جدك الأكبر بهذه الطريقة .. >>
* * *
- << جدي أنا ؟؟؟؟؟ >>
ضحك ( المخلبي ) طويلاً حتى قال :
- << جدك ( إسماعيل ) عقد معي اتفاق وهو أن أمنحة الخدام والقوة وهو يمنحني القرابين البشرية .. ولكن هناك بند في الاتفاق نسيت أن أذكره لك ...
حفيد ( إسماعيل ) الخامس علية بأن يتجدد الاتفاق معه مرة أخرى , أي يعطيني قرباناً بشرياً وأعطية أنا القوة ... وأنت الحفيد الخامس لإسماعيل يا بني >>
شهق ( يوسف ) هذه المرة وهو يرتجف من تلك الكلمات ... ماذا يحدث بالضبط ... عفاريت واتفاقات مع الجن وأجداد سحرة ... رباه ماذا يحدث لي ..؟؟؟؟
ظهر أما ( يوسف ) فجأة مشهد غريب
منزل مزخرف ومليء بالوسائد الملونة وتنتشر في سقفه قناديل عديدة الألوان تضيء بلون خلاب ... وعلى الأرض يجلس رجل عجوز وهو يصلي ويسجد لله ...
قال ( المخلبي ) :
- << ولكن في أخر سنوات من حياه جدك أحس بأنة أخطأ باتفاقه معي فأخذ يصلي ويحج ويعتمر ويتضرع إلى الله تائباً .. ولم يكتفي بذلك بل فعل ما هو أشد ...
لقد زادت قوة جدك بخدامة الذين أعطيتهم له ... فبلغ خدامة أن يأخذوه إلى داخل عالم الجن المسلم ... وهناك أفشى الاتفاق الذي كان بيني وبينة وأفشى أنني من قتلت القرية كلها وأعطيته خداماً ليخدموه .. وكنت أنا أحد أكبر قواد جيوش عشائر الجن وتحت إمرتي جحافل من جنود الجن يطيعونني طاعة عمياء ..
فتم الحكم علي من مجموع القبائل بالسجن بقية حياتي , والحكم على الجنود الذين ساعدوني في أعمالي بالتفرقة في الجبال والوديان وعدم معرفة المكان الذي سجنت فيه ..
تباً لهم .. لقد أرسلوا القائد ( يصفيدش ) خصيصاً ليقوم بهذه المهمة ويقوم بإصطيادي وتفرقة جنودي ..>>
ثم ابتسم بخبث وقال :
- << ولكن أنت لا تعرف ... لي ثلاثة حراس شخصيين من أخلص رجالي عملوا على معرفة الكلمات التي سجنت بها والتي طالما كانت منقوشة على قيودي لا أستطيع التحرك .. وعرفوا كيفية فكها وتحريري ... وكانت المفاجأة أنني أحتاج لبشر يردد تلك الكلمات لأنه لو رددها أحد أتباعي من أنفار الجن فسيعلم قواد الجن مكانة ويحرقونه .. أما لو رددها بشر فلن يعرف قواد الممالك بتردديها
فتشكل أحد حراسي الثلاثة على هيئة لحاد البلدة التي دمرتها وظهر ( لأحمد بن إسحاق ) وأعطاه الورق المكتوب به كلمات فك قيدي واجتماع رجالي .. ولكن ( بن إسحاق ) لم يردد الكلمات ولم يفهم وحرق العلماء كتابة الذي دون به الكلمات ... فتشكل حارسي الثاني على هيئة تلميذ ( بن إسحاق ) والمدعو ( عبد الرحمن بن إبراهيم ) وكتب الكلمات والحكاية مرة أخرى كي يقرأها شخص .. كتب حكاية الساحر والأربعة والبلدة ولكنة غير الكلمات التي قالها الساحر والأربعة وجعلها الكلمات التي تفك قيدي وتحرر جيوشي مرة أخرى ...
وبعد سنون طويلة وبعد ولادتك قرر حراسي أنك الحفيد الخامس لإسماعيل وأنك يجب أن تردد تلك الكلمات بأي ثمن حتى تعيديني مرة أخرى ... فظلوا يتتبعونك سنوات طويلة يمشون وراءك كظلك ويقومون بالتشكل لك في أيام كثيرة ... ولكنك كنت تتجاهلهم ..
حتى تشكل لك حارسي الثالث في صورة رجل عجوز وأوهمك بوجود كشك لبيع الكتب وجعل الورق أمامك حتى تأخذه وقد كان .. أما أحد أصدقائي من قواد الجن فقد أرسل لي بهدية لكي يساعد في عودتي .. فقد أرسل أحد أتباعه وهو الغوال ليتشكل لكم في شكل صديقك ( حامد ) ليستفزكم لتقراءوا الكلمات وتعيدونني يا صديقي مرة أخرى من سجني >>
هل نقول أن ( يوسف ) قد جن ... ربما لا نبالغ لو قلنا أنة قد فقد إدراكه أو إحساسه بالزمن .. لم يملك إلا أن قال بصوت خفيض كأنة يحدث نفسه :
- << لقد رأيت حلماً شاهده كل أصدقائي .. ما تفسيرة ؟ >>
- << أة أنت تتحدث عن حلم القربان , كل من يعد كقربان يشاهد هذا الحلم .. ومن يشاهد هذا الحلم يعلم أنه سيكون قرباناً عاجلاً أم أجلاً >>
- << إذن أنا قربان ... ؟ >>
- << أنت من تحضر القرابين ولكنك شاهدت الحلم لغرض في نفسي أنا >>
هنا قال ( يوسف ) وعيناه زأغتان :
- << أصدقائي .. ماذا فعلت بأصدقائي ؟ >>
- << هل هذا سؤال يا بني ... قتلتهم بالطبع فهم القربان البشري لرجوعي وقد قدمتهم لي كما اتفقنا أنا وجدك منذ مئات السنين >>
بدأت الدموع تذرف من عيني ( يوسف ) وهو ينظر للأرض ويستعيد أحداث تلك القصة مرة أخرى ..
* * *
- << بكم ذلك الكتاب يا حاج ...؟ >>
ولوح ( يوسف ) بالورقات ناحية العجوز ليراها , ولكن العجوز رد بسرعة
- << عشرة جنيهات >>
* * *
(( عن رواية الرحالة أحمد بن اسحاق البغدادي رحمة الله واسكنه فسيح جناته
* * *
ضحك الجميع بما فيهم ( يوسف ) ..... ثم بدأ يتكلم في جدية
- << لقد عثرت على مخطوطة نادرة جداً >>
- << ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ >>
- << يعني إيه مخطوطة .!! >>
* * *
<< لن تجده في سور الأزبكية الآن لأنة في مقبرته ..... لقد توفي عم ( صبحي ) منذ ما يقارب السبعة عشر عاماً .... وكان يمتلك كشكاً بجانب هذا الكشك فعلاً ..... ولكن يبدوا أن أحدهم قد وصف لك المكان والشخص .... ماذا يحدث لك يا بني لماذا أنت مندهش هكذا ؟
* * *
- << الحقيقة يا شيخ ( محمد ) لقد أردت أن أسألك سؤال حول مسألة الجن وتسخيرهم ....؟ >>
- << أه ... قضية الجن ..... تفضل يا بني اسأل >>
* * *
أعوذ بكم يا أهل وادي الجن , أعوذ بالملك الأحمر , وأعوذ بسمسائيل , وأعوذ بالمخلبي بن ذاعات , وأعوذ بسيد وادي العداه وسيد وادي القرنيم
* * *
- << ماذا تقصد ؟ >>
- << لقد حلمت أول أمس بكابوس رهيب ..... أنني أقف على يابسة في المياه ... وأمامي أربعه رجال مكبلين من أيديهم وأرجلهم , بالسلاسل .... ووجوههم تذوب بفعل السخونة التي لم أعلم مصدرها ... وفي نهاية الكابوس ذاب جسدي من السخونة مثلهم ... >>
* * *
هل رأيت نظرة الخروف وهو يرى السكين التي سيذبح بها ..؟؟ ربما ستجده ينظر لها بهدوء وبتسليم فلن يقدر على فعل شيء بالتأكيد ... هذه هي النظرة التي نظر بها ( يوسف ) للمخلبي أمامه وهو يقول :
- << إذن فقد قدمت لك أعز أصدقائي كقربان لك وقمت بإعادتك من سجنك مرة أخرى ماذا تريد مني الآن .. هل ستعطيني الجن الذي سيخدمني أم ستقتلني ؟؟ >>
لأول مرة لم يبتسم ( المخلبي ) منذ بداية لقاءهم ... لقد ارتسمت على ملامحه الغضب وهو ينظر ليوسف للحظات مرت على ( يوسف ) كأنها ساعات ثم قال :
- << عقدت اتفاقاً مع جدك ولكن جدك نقض اتفاقنا وخانني وجعلني اسجن كل تلك السنوات .. هل تعتقد أنني لن أنتقم منك يا بني .. للأسف سأقتلك انتقاماً من جدك ولكنة لن يكون قتلاً عادياً ....
بل سأعذبك حتى تتمنى الموت فلا تجده .. ستموت بأشنع طريقة تتخيلها يا بني .. صدقني أنا أشفق عليك وأرتجف مما سأفعله بك .. ولكني واثق أنك ستجد عذراً لي .. >>
هل تعرفون ... يبدوا أن هؤلاء الجن صادقين في قدرتهم على تعذيب ( يوسف ) قبل قتلة بحق ...
إن الموت لهو رحمة من الله أدركها ( يوسف ) وهو بين أيدي المخلبي ... وبعد لحظات العذاب والتي مرت كالسنوات على ( يوسف ) ... كان الله به رحيماً ورحمة من باقي العذاب على يد المخلبي ..
الحمد لله ... لقد أرتاح ( يوسف ) الآن .. رحمة الله .
( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ). .
* * *
13 - انتهاء العودة
الظلام يحيط بالشقة من جميع جوانبها ..بالطبع نحن لا نرى خلف الظلام ولكن صدقني لن تريد رؤية تلك الأشياء التي يحيط بها الظلام .. انتظر ..؟
هناك صوت خطوات ثقيلة تتحرك باتجاه المنضدة التي كان الأصدقاء يجلسون عليها
يد ما تمسك بعلبه الثقاب الموضوعة على المنضدة ثم يشتعل عود ثقاب ويتجه ليشعل الشمعة التي على المنضدة .. الشمعة تشتعل الآن ليظهر على ضوئها الكثير والكثير من الأشياء المرعبة ...
ولكن صدقني أنا إن أكثر تلك الأشياء رعباً هو الشخص الذي أشعل عود الثقاب ليضيء الشمعة .. لقد كانت له خلقه مريعة .. ماذا ؟؟؟ إنه ( المخلبي ) بنفسه
نفس الوجه المستطيل ولون الجلد الغريب
ولكن هذه المرة هناك شيء مميز بوجهه ... لقد سقط الضوء على وجهه ليظهر وجهه وهو يبتسم
وحوله تناثرت جثث الأصدقاء ...
..............................................