خطة الخداع الإستراتيجية
على الرغم من أن الطيران الإسرائيلي كان في درجة الإستعداد القصوى منذ ظهر الجمعة 5 أكتوبر بناء على الأمر الذى أصدره الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان العامة إلى الجنرال باني بيليد قائد الطيران الإسرائيلي، ورغم أن مراكز الإنذار والرادار الإسرائيلية في سيناء قامت برصد جميع طلعات الطيران المصري ظهر يوم 6 أكتوبر بفضل ما تمتلكه من أجهزة إليكترونية متطورة فإن المفاجأة الكاملة لحقت بهم بسبب أساليب الخداع التى خططت لها بنجاح قيادة القوات الجوية والتى كان أبرعها بلا جدال رفع درجة الإستعداد القصوى وإعلان حالة التأهب في جميع المطارات والقواعد الجوية المصرية في الفترة من 22 الى 25 سبتمبر.
وخلال هذه الفترة تتابع خروج الطلعات من مطارات الدلتا والصعيد بشكل متواصل مما أصاب الإسرائيليين بأشد أنواع البلبلة والإرتباك فقد أضطروا الى إطلاق طائراتهم في الجو كلما أنطلقت طائرة مصرية وعندما لم تحدث أي هجمات كما توقع الإسرائيليون دب في نفوسهم الهدوء والإطمئنان فقد أيقنوا بأن طلعات الطيران المصري إنما هي لمجرد التدريب.
وعندما تم رصد الطائرات المصرية بعد ظهر 6 أكتوبر برغم تحليقها على ارتفاعات منخفضة للغاية لا تتعدى بضعة أمتار فوق سطح الأرض ظن العدو أنها طلعة تدريبية.
كما أنه خلال الساعات الحاسمة قبيل ساعة الصفر أضاف اللواء حسني مبارك وسيله آخرى من التمويه فقد أجرى ترتيبات دقيقة في القاهرة واتصالات عاجلة مع طرابلس بعد ظهر يوم الجمعة 5 أكتوبر للإعداد لزيارة أوهم المحيطين به أنه سوف يقوم بها الى ليبيا وبرفقته بعض كبار الضباط في مهمة عاجلة تستغرق 24 ساعة. وعندما كان يقترب موعد إقلاع الطائرة الذى تحدد في الساعة السادسة مساء 5 أكتوبر كان اللواء حسني مبارك يؤجل الموعد المرة بعد الآخرى حتى تم تحديده نهائيا ليكون في الساعة الثانية بعد ظهر 6 أكتوبر !!.
البداية ..
بعد هزيمة يونيو 1967 حدد الرئيس جمال عبد الناصر هدفه في ضرورة طرد اسرائيل من الاراضى المصرية مهما كلفه ذلك من عناء، ر كل امكانيات مصر والدول الشقيقة والصديقة لخدمة ذلك الهدف.
وحينما تولى الرئيس السادات السلطة حرر اول رسالة الى المخابرات العامة يسألها عن معلومات تفصيلية عن مقدرة الجيش الاسرائيلي وامكانياته وتسليحه وقد ابدى الرئيس السادات ارتياحه وتقديرة لسرعة ودقة المعلومات التى وصلته بعد ساعتين من رسالته.
وقام الرئيس السادات بأول زيارة لجهاز المخابرات بعد ان اختار فريق عمله الذى جمعه بطريقة فذة فاختار احمد اسماعيل المدير السابق للمخابرات قائدا للجيش وحافظ اسماعيل المدير السابق للمخابرات مستشارا للأمن القومي والمدير السابق للمخابرات العسكرية مديرا للعمليات.
وكان الرئيس السادات دائم الإجتماع بقيادات المخابرات فى اماكن متفرقة داخل مصر وفى اماكن مجهولة فى الصحراء وكان نتيجه هذا العمل الشاق والتخطيط المدروس والدقيق ان استطاعت المخابرات المصرية ان توهم المخابرات الإسرائيلية ان الرئيس السادات رجل ضعيف لا يستطيع دخول حرب مع إسرائيل وانه يتوقع ان تصل الحرب الى القاهرة وكان ذلك من خلال جمل معينة يزودونه بها لتتضمنها خطاباته او تصريحاته حتى صوره التى تظهر فى وسائل الاعلام كان يطلب منه ان يبدو بشكل معين.
وتم الإتفاق على 5 أسس اساسية للخطة الإستراتيجية هي.
- هدم نظرية الأمن الإسرائيلي.
- الهجوم على جبهتين في وقت واحد (الجبهة المصرية والجبهة السورية).
- القيام بأعمال تناسب الامكانات المتاحة لقواتنا.
- السيطرة على خطوط مواصلات العدو بين إيلات وشرق افريقيا.
- الخداع.
ولم تكن خطط الخداع اختراعا او ابتكارا جديدا فخطط الخداع قديمة قدم الزمن وجري تنفيذها على مر العصور، ولذلك قام فرع التخطيط بهيئة العمليات بدراسة كل خطط الخداع التى تمت في معارك سابقة.
وتم تكليف مجموعة من الضباط من اسلحة مختلفة تحت إشراف الضابط أركان حرب احمد كامل نبيه بالتخطيط لعملية الخداع.
وقد تمت عملية او خطة الخداع على عدة مستويات..
الخداع الإقتصادي: بإظهار ضعف مصر إقتصاديا وعدم قدرتها على الهجوم وان حل الأزمة يجب ان يكون سلميا.
الخداع السياسي: بإظهار قبول حالة اللا سلم واللا حرب والإعلان عن عام الحسم أكثر من مرة وقرار المستشارين الروس.
الخداع الإستراتيجي والتعبوي الإعلامي: مثل قرار وزير الحربية بزيارة لليبيا في توقيت معين، مع إستمرار تدريب الضباط والجنود كما هي حتى آخر لحظة قبل ساعة الصفر، والإعلان عن تسريح دفعات إحتياط ، والتضخيم في وسائل الإعلام من إستحالة عبور القناة لما فيها وعليها من موانع.
وكانت هذه هى البدايه.