عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-2012, 11:05 PM   رقم المشاركة : 3
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن خَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثامنْ والأخير || ~





.


2- ابتكاره طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده:

استمر اهتمام الفاروق عمر رضي الله عنه بوحدة الأمة ومستقبلها، حتى اللحظات الأخيرة من حياته، رغم ما كان يعانيه من آلام جراحاته البالغة، وهي بلا شك لحظات خالدة، تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلاصه وإيثاره([65])، وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد وكانت دليلاً ملموساً، ومعلماً واضحاً على فقهه في سياسة الدولة الإسلامية. لقد مضى قبله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف بعده أحداً بنص صريح، ولقد مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت، فكر في الأمر ملياً وقرر أن يسلك مسلكاً آخر يتناسب مع المقام؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الناس وكلهم مقر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته عليهم فاحتمال الخلاف كان نادراً وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه الأمة قولاً وفعلاً إلى أن أبا بكر أولى بالأمر من بعده، والصدّيق لما استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر أقوى وأقدر وأفضل من يحمل المسؤولية بعده، فاستخلفه بعد مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم، وحصل الإجماع على بيعة عمر([66])، وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد تعتمد على جعل الشورى في عدد محصور، فقد حصر ستة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون وكلهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وكلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس والمرجح إن تعادلت الأصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير الانتخابات في المجلس وعقاب من يخالف أمر الجماعة ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع
ما يدور في مجلس أهل الحل والعقد([67])، وهذا بيان ما أجمل في الفقرات السابقة:


.

أ- العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم:

أما العدد فهو ستة وهم؛ علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعاً. وترك سعيد بن زيد بن نفيل وهو من العشرة المبشرين بالجنة ولعله تركه لأنه من قبيلته بني عدي([68]).


.

ب- طريقة انتخاب الخليفة:

أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضرهم مشيراً فقط وليس له من الأمر شيء ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات([69]).


.

جـ- مدة الانتخابات أو المشاورة:

حددها الفاروق رضي الله عنه بثلاثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها فمعنى ذلك أن شقة الخلاف ستتسع ولذلك قال لهم: لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير([70]).


.

د- عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة:

لقد أمرهم بالاجتماع والتشاور وحدّد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم على رجل وأبى أحدهم فليضرب رأسه بالسيف وإن اجتمع أربعة وفرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما([71]).

وهذه من الروايات التي لا تصح سنداً فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف مخالفاً فيها النصوص الصحيحة وما عرف من سير الصحابة رضي الله عنهم، فما ذكره أبو مخنف من قول عمر لصهيب: وقم على رؤوسهم أي أهل الشورى فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤوسهما([72]): فهذا قول منكر وكيف يقول عمر رضي الله عنه هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي اختارهم لهذا الأمر لعلمه بفضلهم وقدرهم([73])، وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للأنصار: أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم([74])، وهذه الرواية منقطعة وفي إسنادها (سماك بن حرب) وهو ضعيف وقد تغير بآخره([75]).

والصحيح في هذا ما أخرجه ابن سعد بإسنادٍ رجاله ثقات أن عمر رضي الله عنه قال لصهيب: صل بالناس ثلاثاً وليخل هؤلاء الرهط في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه([76])، فعمر رضي الله عنه أمر بقتل من يريد أن يخالف هؤلاء الرهط ويشق عصا المسلمين ويفرق بينهم، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : من أتاكم وأمركم جميع، على رجل واحد منكم، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه([77]).


.

هـ- الحكم في حال الاختلاف:

لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكّموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له، فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد فقال عنه: ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا منه([78]).


.

و- جماعة من جنود الله تراقب الانتخابات وتمنع الفوضى:

طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم([79])، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم([80]).

هكذا ختم حياته –رضي الله عنه- ولم يشغله ما نزل به من البلاء ولا سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين، وأرسى نظاماً صالحاً للشورى لم يسبقه إليه أحد،
ولا يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن والسنة القولية والفعلية وقد عمل بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ولم يكن عمر مبتدعاً بالنسبة للأصل ولكن الذي عمله عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم وهذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصديق -رضي الله عنه- بل أول من فعل ذلك عمر ونعم ما فعل فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت([81]).


.

ثالثاً: وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده:

أوصى الفاروق عمر -رضي الله عنه- الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية مهمة قال فيها: أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً أن تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم، وأوصيك بأهل الذمة خيراً، أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً، أو عن يد وهم صاغرون، وأوصيك بتقوى الله، والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن في ذلك بإذن الله سلامة قلبك، وحطاً لوزرك، وخيراً في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وآمرك أن تشتد في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة، حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلاً وعفة عما بسط لك اقترفت به إيماناً ورضواناً، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله، وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمة، وقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن علمت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيباً وافراً وحظاً وافياً، وإن لم تقبل ذلك، ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصاً، ورأيك فيه مدخولاً، لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك، فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله، الداعي إلى معاصيه، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظاً لنفسك، وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأئر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلّها فتفقرهم، ولا تجمّرهم في البعوث فينقطع نسلهم ولا يجعل المال دُولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام([82]).

هذه الوصية تدل على بعد نظر عمر في مسائل الحكم والإدارة، وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل([83])، فقد تضمنت الوصية أموراً غاية في الأهمية، فحق أن تكون وثيقة نفيسة، لما احتوته من قواعد ومبادئ أساسية للحكم متكاملة الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية يأتي في مقدمتها:


.

1- الناحية الدينية، وتضمنت:

‌أ- الوصية بالحرص الشديد، على تقوى الله، والخشية منه في السر والعلن في القول والعمل، لأن من اتقى الله وقاه ومن خشيه صانه وحماه (أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له) (وأوصيك بتقوى الله والحذر منه.. وأوصيك أن تخشى الله.

‌ب- إقامة حدود الله على القريب والبعيد (لا تبال على من وجب الحق) (ولا تأخذك في الله لومة لائم) لأن حدود الله نصت عليها الشريعة فهي من الدين، ولأن الشريعة حجة على الناس، وأعمالهم وأفعالهم تقاس بمقتضاها، وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع.

‌ج- الاستقامة (استقم كما أمرت) وهي من الضرورات الدينية والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قولاً وعملاً أولاً ثم الرعية (كن واعظاً لنفسك) (وابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة).



.

2- الناحية السياسية، وتضمنت:

أ‌- الالتزام بالعدل، لأنه أساس الحكم، وإن إقامته بين الرعية، تحقيق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية، وتزيد من هيبة واحترام الحاكم في نفوس الناس (وأوصيك بالعدل) (واجعل الناس عندك سواء).

ب‌- العناية بالمسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لسابقتهم في الإسلام، ولأن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي، قام على أكتافهم، فهم أهله وحملته وحماته (وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً، أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم.


.

3- الناحية العسكرية، وتضمنت:

‌أ- الاهتمام بالجيش وإعداده إعداداً يتناسب وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلامتها، والعناية بسد حاجات المقاتلين (التفرغ لحوائجهم وثغورهم).

‌ب- تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيداً عن عوائلهم وتلافياً لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في المعنويات، فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خلالها، من جهة، ويعودون إلى عوائلهم لكي لا ينقطع نسلهم من جهة ثانية (ولا تجمرهم في الثغور فينقطع نسلهم) (وأوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء العدو).

‌ج- إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء، وذلك لضمان مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد، ويصرف عنه التفكير في شؤونه المالية (ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم).


.

4- الناحية الاقتصادية والمالية، وتضمنت:

‌أ- العناية بتوزيع الأموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم، وتلافي كل ما من شأنه تجميع الأموال عند طبقة منهم دون أخرى (ولا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم).

‌ب- عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم من التزامات مالية للدولة (ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم للمؤمنين).

‌ج- ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها، وتجنب فرض ما لا طاقة لهم به (ولا تحمل منهم إلا عن فضل منهم) (أن تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم) ([84]).



.



رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة: