عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2012, 11:51 PM   رقم المشاركة : 7
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ السابع || ~ ‏





.


ثالثاً: حقوق الله، والقادة والجند من خلال رسائل الفاروق:

· حقوق الله: كان الفاروق رضي الله عنه يرشد قادته وجنوده من خلال رسائله ووصاياه إلى أهمية التزامهم بحقوق الله والتي من أهمها:

1- مصابرة العدو: قال تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200) { (آل عمران،آية:200). وكان مما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصبر لسعد بن أبي وقاص حين بعث به إلى العراق: واعلم أن لكل عادة عتاداً، فعتاد الخير الصبر، فالصبر على ما أصابك أو نابك، يجتمع لك خشية الله([177])، كما كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح وهو بالشام قائلاً: لقد أثنى الله على قوم بصبرهم. فقال:} وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(148) { (آل عمران،آية:146،147،148). فأما ثواب الدنيا فالغنيمة والفتح وأما ثواب الآخرة فالمغفرة والجنة واقرأ كتابي هذا على الناس ومرهم فليقاتلوا في سبيل الله وليصبروا كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة([178]).


.

2- أن يقصدوا بقتالهم نصرة دين الله: فقد استوعب الفاروق رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله([179])، فنجد حياته وتوصياته ورسائله يهيمن عليها هذا المعنى العظيم.


.

3- أداء الأمانة: قال تعالى: } وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(161) {
(آل عمران،آية:161). فمن وصايا الفاروق رضي الله عنه للقادة والعسكر في عدم الغلول قوله: (إذا لقيتم العدو فلا تفروا، وإذا غنمتم فلا تغلوا)([180]).


.

4- عدم الممالأة والمحاباة في نصرة دين الله: ومن مشهور قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المحاباة والمودة: من استعمل رجلاً لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله، ومن استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله([181]).


.

· حقوق القائد: وبين الفاروق في رسائله وتوجيهاته حقوق القائد والتي منها.

1- إلتزام طاعته: فحين بعث الفاروق بأبي عبيد بن مسعود الثقفي على رأس جيش نحو العراق أرسل برفقته سلمة بن أسلم الخزرجي وسليط بن قيس الأنصاري رضي الله عنهما وأمره أن لا يقطع أمراً دونهما وأعلمه أنهما من أهل بدر ثم إن
أبا عبيد حارب الفرس بموقعة الجسر وقد أشار عليه سليط أن لا يقطع الجسر
ولا يعبر إليهم فلم يسمع له مما أدى إلى هزيمة عسكر المسلمين فقال سليط في بعض قوله: لولا أني أكره خلاف الطاعة لأنحزت بالناس ولكني أسمع وأطيع وإن كنت قد أخطأت وأشركني عمر معك([182]).


.

2- أن يفوضوا أمرهم إلى رأيه: قال تعالى: } وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً(83) { (النساء،آية:83). جعل الله تفويض الرعية الأمر إلى ولي الأمر سبباً لحصول العلم وسداد الرأي، فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بينوه له وأشاروا به عليه ولذلك ندب إلى المشاورة ليرجع بها إلى الصواب([183])، وقد جعل عمر رضي الله عنه للعسكر أميراً واحداً يفوضون أمرهم إلى رأيه ويكلونه إلى تدبيره حتى
لا تختلف أراؤهم فتختلف كلمتهم([184]) ففي السنة التي بعث فيها الفاروق بجيوش المسلمين إلى نهاوند وأمرهم بالتجمع هنالك كان الجيش يتألف من جند أهل المدينة المنورة من المهاجرين والأنصار وفيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وجند أهل البصرة بقيادة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وجند أهل الكوفة بقيادة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وبعد تجمعهم كتب إليهم الفاروق رضي الله عنه: إذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرن المزني([185]).


.

3- المسارعة إلى امتثال أمره: وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أول عمل قام به هو ندب الناس إلى فارس حيث أخذ يدعوهم لمدة ثلاثة أيام ولم يستجب أحد وفي اليوم الرابع كان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي مما أدى بعمر رضي الله عنه أن يوليه ذلك البعث بالرغم من وجود صحابة رسول الله لأنه سارع إلى تلبية النداء([186])، وعندما وجه الفاروق عتبة بن غزوان إلى البصرة قال ناصحاً إياه ومذكراً له بقوله: اتق الله فيما وليت وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر يفسد عليك إخوتك وقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعززت به بعد الذلة، وقويت به بعد ضعف حتى صرت أميراً مسلطاً وملكاً مطاعاً تقول فيسمع منك وتأمر فيطاع أمرك فيا لها من نعمة إن لم ترفعك فوق قدرك وتبطرك عن من دونك([187]).


.

4- عدم منازعته في شيء من قسمة الغنائم: ومما قاله عمر بن الخطاب حول قسمة الغنائم: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار فإني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم ويقسموا فيئهم ويعدلوا عليهم فمن أشكل عليه شيء رفعه إليّ([188])، فمن ذلك في فتح الأبلة([189]) عندما تم تقسيم الغنائم بين الجند كان نصيب أحدهم قدراً من نحاس فلما صار بيده تبين أنه من ذهب وعرف ذلك الجند فشكوا إلى أمير الجند([190])، فأشكل ذلك عليه فكتب بدوره إلى عمر رضي الله عنه يخبره بذلك فأتاه الرد بقوله: أصر على يمينه بأنه لم يعلم أنها ذهب إلا بعد أن صارت إليه فإن حلف فأدفعها إليه وإن أبى فأقسمها بين المسلمين فحلف فدفعها إليه([191])، وعندما جمعت الغنائم في معركة جلولاء ذكر جرير بن عبد الله البجلي أن له ربع ذلك كله هو وقومه فكتب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: صدق جرير قد قلت له، فإن شاء أن يكون قاتل هو وقومه على جعل المؤلفة قلوبهم فأعطهم جعلهم، وإن كانوا إنما ما قاتلوا إلا لله ولدينه واحتسبوا ما عنده فهم من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فلما قدم الكتاب على سعد أخبر جريراً بذلك، فقال جرير: صدق أمير المؤمنين وبر لا حاجة لنا إلى الربع بل نحن من المسلمين([192]).


.

· حقوق الجند: وقد بين الفاروق في رسائله ووصاياه حقوق الجند والتي منها:

1- إستعراضهم وتفقد أحوالهم: فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إدارته أنه قال: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة فذاك لأن عمر كان مأموراً بالجهاد وهو أمير المؤمنين فهو أمير الجهاد فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو([193])، وكان رضي الله عنه عندما يعقد الألوية لقادته وقبل سيرهم للغزو يستعرضهم ويوصيهم فمما كان يقول لهم: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا واحتفوا وارموا الأغراض وألفوا الركب وانزوا على الخيل وعليكم بالمعدية – أو قال العربية – ودعوا التنعم وزي العجم ولن تخور قواكم ما نزوتم ونزعتم على ظهور الخيل ونزعتم بالقسي([194])، وهذا يظهر لنا مدى حرص الفاروق رضي الله عنه في الاستعداد وإظهار القوة واحتذى قادته حذوه في صف واستعراض العسكر وإبراز القوة للعدو سواء في المعارك الحربية أو أثناء الاستعداد لها، فكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يخطب الجند بمصر في صلاة الجمعة ويحثهم على إسمان دوابهم ويتوعدهم إن لم يفعلوا ذلك بحط الفريضة عنهم يوم العرض فمن قوله: ولا أعلمن ما أتى رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه واعلموا إني معرض الخيل كاعتراض الرجال فمن أهزل فرسه من غير علة حططت من فريضته قدر ذلك([195])، وعندما لقي معاوية عمر رضي الله عنهما عند قدومه الشام وجد أبهة الملك وزيه من العديد والعدة فاستنكر عليه ذلك وقال له: أكسروية يا معاوية؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا في ثغر تجاه العدو وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة فسكت ولم يخطئه لما اجتمع عليه بمقصد من مقاصد الحق والدين([196]).


.

2- الرفق بالجند في السير: وقد كتب الفاروق إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قائلاً: وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع، وأقم بمن معك في كل جمعة يوماً وليلة حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح([197])..، وحين بعث الخليفة عمر رضي الله عنه بمدد إلى جند الشام حمل ضعيفهم وزودهم وأمر عليهم سعيد بن عامر، وعندما هم بالمسير قال عمر على رسلك حتى أوصيك، ثم سار عمر نحو الجيش راجلاً وقال له: يا سعيد وليتك هذا الجيش ولست بخير رجل فيهم إلا أن تتقي الله، فإذا سرت فأرفق بهم ما استطعت ولا تشتم أعراضهم ولا تحتقر صغيرهم ولا تؤثر قويهم ولا تتبع سواك ولا تسلك بهم المغاور واقطع بهم السهل ولا ترقد بهم على جادة([198]) الطريق والله تعالى خليفتي عليك وعلى من معك من المسلمين([199]).


.

3- أن يتصفحهم عند مسيرهم: فقد كان الفاروق يتصفح الجيوش عند مسيرهم ويوصيهم بالأخلاق الرفيعة والقيم العظيمة، فقد أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بالوفاء مع الأعداء حين طلبهم للأمان وأن لا يغدروا وبين له أن الخطأ في الغدر هلكة ووهن له وقوة للأعداء وحذره أن يكون شيناً على المسلمين وسبباً لتوهينهم([200]).


.

4- عدم التعرض عند اللقاء لمن خالفه منهم لئلا يحصل افتراق الكلمة والفشل:

ومن وصايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأمرائه وقادته في هذا الباب قوله: لا يجلدن أمير جيش ولا سرية أحداً الحد حتى يطلع الدرب لئلا تحمله حمية الشيطان أن يلحق بالكفار([201]).

وعندما بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقائد سلمان بن ربيعة الباهلي على رأس جيش كان برفقته عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد الأسدي وحدثت بين عمرو بن معديكرب وسلمان بن ربيعة أمور بلغت عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر قائلاً: أما بعد: فقد بلغني صنيعك بعمرو وإنك لم تحسن بذلك ولم تجمل فيه فإذا كنت بمثل مكانك في دار الحرب فانظر عمراً وطليحة وقربهما منك واسمع منهما فإن لهما بالحرب علماً وتجربة وإذا وصلت إلى دار السلم فأنزلهما منزلتهما التي أنزلا أنفسهما بها وقرب أهل الفقه والقرآن([202])، وكتب إلى عمرو بن معديكرب: أما بعد فقد بلغني إفحامك لأميرك وشتمك له، وإن لك لسيفاً تسميه الصمصامة وإن لي سيفاً أسميه المصمم وإني أحلف بالله لو قد وضعته على هامتك
لا أرفعه حتى أقدك به، فلما جاء الكتاب لعمرو قال: والله إن هم ليفعلن([203])، يتجلى من النصين السابقين فقه الفاروق فيما ينبغي أن يتحلى به القائد في دار الحرب من الإتلاف للقلوب وخاصة وهم بإزاء العدو، وأن على القائد أن يستشير من له خبرة بالحرب وهذا لا يعني انقطاع العلاقة والمودة بينهما حين عودة العسكر إلى دار السلام، وفي فتح الرها([204]) على يد عياض بن غنم قدم عليه مدد من الشام بقيادة بسر بن أبي أرطأة العامري وجه به يزيد بن أبي سفيان بأمر من عمر رضي الله عنه وحدث بينهما خلاف وهم في دار الحرب وكان عياض مستغنياً عن المدد فطلب إليه الرجوع إلى الشام فكتب عمر رضي الله عنه إلى عياض طالباً منه أن يوضح له سبب إرجاعهم وخاصة وهم ما قدموا إلا لمساندتك ولإعلام العدو أن الأمداد متواترة إليك فتنكسر قلوبهم ويسارعوا إلى طاعتك، فأجابه عياض قائلاً: خشيت أن يحصل شيء من التمرد وتختلف قلوب العساكر ولما كنت غنياً عن مدده اعتذرت إليه وأمرته بالعودة هذا هو السبب في إعادته([205])، عندها صوبه عمر رضي الله عنه ودعا له وخاصة وهم بإزاء العدو حتى لا تفترق الكلمة ويتناحروا فيما بينهم ويحصل الفشل([206]).



.

5- حراستهم من غرة يظفر بها العدو في مقامهم ومسيرهم:

اهتم الفاروق بأمر الحراسة ولذلك أمر قادته بالحرص والحذر من بيان العدو وأخذهم على غرة وطلب منهم إقامة الحرس في حلهم وترحالهم، فمن ذلك قوله لسعد بن أبي وقاص: أذك حراسك على عسكرك وتيقظ من البيان جهدك
ولا تؤتى بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه لترهب بذلك عدو الله وعدوك([207])، وكان رضي الله عنه يوصي قادته باتخاذ العيون وبث الطلائع عند بلوغ أرض العدو حتى يكونوا على علم ودراية بحالهم وبنواياهم، فمما كتبه إلى سعد بن أبي وقاص قوله: وإذا وطئت أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم ولا يخفى عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تثق به وتطمئن إلى نصحه وصدقه فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه والغاش عين عليك ليس عيناً لك، وليكن منك عند دنوّك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم وانتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك وتخير لهم سوابق الخيل، فإن لقوا عدوا كان أول
ما تلقاهم القوة من رأيك([208]). ويتضح لنا من هذه الوصية القيمة أن الخليفة عمر رضي الله عنه لم تقتصر عنايته باتخاذ العيون على الأعداء بل اتخذها أيضاً في الجيوش الإسلامية في الرقابة الإدارية على الولاة والعمال والقادة والجند ليتعرف أحوالهم وسيرتهم ومعاملتهم وسير أعمالهم العسكرية، فقد كانت له عيون في كل جيش ومعسكر ترفع إليه تقريراً عما يدور فيه([209])، وعندما شكا عمير بن سعد الأنصاري إلى الخليفة عمر حين قدم عليه وكان على طائفة من أهل الشام قائلاً: يا أمير المؤمنين إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عرب سوس([210])، وإنهم لا يخفون على عدونا من عوراتنا شيئاً ولا يظهروننا على عوراتهم، فقال له عمر: فإذا قدمت فخيرهم بين أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين ومكان كل بعير بعيرين ومكان كل شيء شيئين فإن رضوا بذلك فأعطهم وخربها فإن أبوا فأنب إليهم وأجلهم سنة ثم خربها([211]). ثم لما قدم عليهم عمير بن سعد عرض عليهم ذلك فأبوا فأجلهم سنة ثم خربها([212]).


.

6- اختيار موضع نزولهم لمحاربة العدو: فقد كان الفاروق يوصي سعد بن أبي وقاص بأن لا يقاتل حتى يتعرف على طبيعة أرض المعركة كلها مداخلها ومخارجها ووفرة الماء والكلأ بها وما يجري مجرى ذلك([213])، كما كتب إليه قبل القادسية بأن يكون أدنى حجر من أرضهم لأنهم أعرف بمسالكها من عدوهم فمتى كانت الهزيمة استطاع التمكن من الانسحاب بالجند فينجوا من القتل فلا يستطيع العدو اللحاق بهم لجبنه من اتباعهم وعدم معرفته بطرقها([214])، وبالإضافة إلى ذلك فقد ولى الفاروق سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان ريادة الجيش في اختيار موقع وموضع نزوله وإقامته، فقد قام الفاروق بتوزيع المهام الإدارية بين القادة([215])، وكان الفاروق يشترط في إدارته العسكرية على قادته عند اختيارهم لموضع نزولهم وإقامة معسكراتهم الحربية أن لا يفصلهم عن مقر القيادة العسكرية العليا ماء وذلك لما لها من مركزية في التخطيط ولتسهيل الإمداد والتموين([216])، كما كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح قائلاً: ولا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم وتعلم كيف مأتاه([217]).


.

7- إعداد ما يحتاج إليه الجند من زاد وعلوفه: كان عمر رضي الله عنه يبعث لجند المسلمين بالعراق من المدينة المنورة بالتموين من الغنم والجزور([218])، وحمى النقيع والربذة([219])، للنعم التي يحمل عليها في سبيل الله، كما اتخذ في كل مصر على قدره خيولاً من فضول أموال المسلمين عدة لما يعرض فكان من ذلك بالكوفة أربعة آلاف فرس، وبالبصرة نحوُ منها، وفي كل مصر من الأمصار على قدره([220])، ثم حين قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام لمصالحة أهل بيت المقدس أنشأ إدارة لتموين الجيش عرفت باسم الأهراء([221])، وكان عمرو بن عبسة أول موظف عين لإدارة تموين الجيش([222]).


.

8- تحريضهم على القتال: كتب الفاروق إلى أبي عبيدة يحرضه على الجهاد قائلاً: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى أمين الأمة
أبي عبيدة عامر بن الجراح سلام عليك فإني أحمد الله عز وجل سراً وعلانية وأحذركم من معصية الله عز وجل وأحذركم وأنهاكم أن تكونوا ممن قال الله في حقهم } قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24) { (التوبة،آية:24). وصلى الله على خاتم النبيين وإمام المرسلين والحمد لله رب العالمين([223])، فلما وصل الكتاب إلى أبي عبيدة قرأه على المسلمين فعلموا أن أمير المؤمنين يحرضهم على القتال ولم يبق أحد من المسلمين إلا بكى من كتاب عمر بن الخطاب، كما كتب إلى سعد بن أبي وقاص بالعراق ومن معه من الأجناد يحرضهم على القتال ويمنيهم ويأمرهم الالتزام بالفضائل ويحذرهم من ارتكاب المعاصي([224])، هذا وكان من مهام أمراء الأعشار في إدارة الفاروق رضي الله عنه التحريض في القتال([225]).


.

9- أن يذكرهم بثواب الله وفضل الشهادة: ففي عصر الفاروق قام سعد بن أبي وقاص في القادسية يذكر جنده بثواب الله تعالى وما أعد لهم في الآخرة من النعيم ورغبهم في الجهاد وأعلمهم ما وعد الله نبيه من النصر وإظهار الدين وبين لهم ما سوف يكون بأيديهم من النفل والغنائم والبلاد وأمر القراء أن يقرأوا سورة الجهاد (الأنفال) ([226])، كما قام أبو عبيدة بن الجراح في جند الشام خطيباً ومذكراً إياهم بثواب الله تعالى ونعيمه ومخبراً إياهم أن الجهاد خير لهم من الدنيا وما فيها([227])، كما اشتهر عن عمرو بن العاص قوله لجند فلسطين: من قتل شهيداً ومن عاش كان سعيداً وأمر الجند أن يقرأوا القرآن وحثهم على الصبر ورغبهم في ثواب الله وجنته([228]).


.

10- أن يلزمهم بما أوجبه الله من حقوق: فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص ومن معه من الأجناد يوصيه بقوله: أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي من احتراسكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله([229])…


.

11- أن ينهاهم عن الاشتغال بتجارة وزراعة ونحوها: فقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مناديه أن يخرج إلى أمراء الأجناد في أن يبلغوا العسكر أن عطاءهم قائم وأن رزق عيالهم سائل وأن ينهوهم عن الزراعة حتى إنّه عاقب من لم يمتثل ذلك([230])، كل ذلك حرصاً من الفاروق رضي الله عنه بتفريغ الجند للجهاد ونشر الإسلام ولأن لا يلتصقوا بالأرض حين يزرعوا فيركنوا إلى ذلك ويصبح قلبهم منشغلاً، ولذلك استطاع عمر رضي الله عنه أن يوجد جنداً متفرغاً للقتال جاهزاً لوقت الحاجة والطلب وضمن عدم انتشارهم لجني الثمار والزراعة وما يتبعها من حصاد وحرث وتسويق([231]).


.




رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة: