عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2012, 11:50 PM   رقم المشاركة : 6
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ السابع || ~ ‏





.


خامساً: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم:

توجه عمرو بجيشه نحو الإسكندرية، وفي طريقه إليها جرت بينه وبين أهل تلك البلاد حروب كان النصر فيها حليف المسلمين ومن المواقف التي تذكر في ذلك أن عبد الله بن عمرو بن العاص أصيب بجراحات كثيرة في معركته مع أهل الكريون فجاءه رسول أبيه يسأله عن جراحه فقال عبد الله:

أقول إذا ما جاشت النفس
ا ااصبري، فعما قليل تحمدي أو تلامي

فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال فقال عمرو: هو ابني حقاً([151])، وهذا موقف من مواقف الصبر والتحمل يذكر لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي اشتهر بالعلم والعبادة فجمع إلى ذلك الشجاعة والصبر على الشدائد([152]).


.

سادساً: دار بنيت لأمير المؤمنين بمصر:

بعث عمرو بن العاص إلى الفاروق بقوله: إنا قد اختططنا لك داراً عند المسجد الجامع، فكتب عمر: إنّى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين([153]).

وهذا دليل على كمال ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وزهده في مظاهر الحياة الدنيا، وإذا كان الكبار والزعماء هم الذين يترفعون عن أوحال الدنيا، ومتاعها الزائل، فإن من دونهم من باب أولى أن يترفعوا عن ذلك([154]).


.

سابعاً: دعوى حرق المسلمين مكتبة الإسكندرية:

يقول الدكتور عبد الرحيم محمد عبد الحميد: لم نعثر على نص أو إشارة إلى أن عمرو بن العاص حرق مكتبة الإسكندرية وجل ما في الأمر أننا قرأنا نصاً لابن القفطي ينقله ابن العبري (ت 685هـ/1286م) قائلاً: اشتهر بين الإسلاميين يحيى النحوي وكان اسكندرياً، وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية، ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم فأكرمه وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أنسة ونرى ابن القفطي (ت 646/1267م). يكمل القصة قائلاً فقال له عمرو
وما الذي تريده إليه قال: كتب الحكمة في الخزائن الملوكية.. أربعة وخمسون ألفاً ومائة وعشرون كتاباً.. فاستكثر عمرو ما ذكره يحيى وقال لا يمكنني أن آمر بأمر إلا بعد استئذان أمير المؤمنين، وكتب إلى عمر، وعرفه قول يحيى، فورد كتاب عمر يقول: أما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنها غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها، فتقدم بإعدامها، فشرع عمرو بن العاص في توزيعها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقد وذكرني عدة الحمامات يومئذ وأنسيتها فذكروا أنها استنفذت في ستة أشهر فاسمع ما جرى وأعجب([155]).

إلا أن قصة الحرق هذه وردت قبل ابن القفطي، وقبل ابن العبري فهذا عبد اللطيف البغدادي (ت 649هـ/ 1231) قال: وأنه دار العلم الذي بناه الإسكندر حيث بنى مدينة وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه([156])، وعند دراسة هذه الروايات نرى أنه لابد من إبداء الملاحظات التالية:


.

1- لا يوجد ترابط بين تلك الروايات الثلاث، ولا صلة في النقل التاريخي تربط من ألفوها فضلاً عن أنهم عاشوا في فترة زمنية متقاربة.

2- لا يوجد أي إسناد يرجع إليه في هذه الروايات وإنما هي افتراضات افترضها أصحابها.

3- أنها وجدت في فترة بعيدة عن زمن فتح مصر وعمرو بن العاص ويمكن القول بكل ثقة أن هذه القصة مختلقة اختلاقاً واضحاً يمكن الطعن فيها من النواحي التالية:


.

- لم يذكر قصة حرق مكتبة الإسكندرية من أرخ لتاريخ مصر وفتحها ممن عاش قبل من ذكروا هذه القصة بعدة قرون.

- لم تذكر هذه القصة عند الواقدي ولا الطبري، ولم يتفق عليها ابن الأثير
ولا ذكرها ابن خلدون، فضلاً عن ابن عبد الحكم، ولم يصفها ياقوت الحموي عند وصف الإسكندرية.

- يمكن إرجاع هذه القصة إلى فترة الحروب الصليبية، من جهة البغدادي وربما وضعها تحت ضغط معين أو ربما انتحلت عليه فيما بعد.

- إذا وجدت هذه المكتبة المزعومة، فيمكن القول: إن الروم الذي غادروا الإسكندرية كان بإمكانهم إخراجها معهم، أو ربما فعلوا ذلك.

- لقد كان بإمكان عمرو إلقاؤها في البحر في فترة قصيرة بدلاً من حرقها الذي استغرق ستة أشهر، مما يدل على القصد في تزييف هذه القصة وتأليفها، ويمكن القول بلا وجل: إن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص رضي الله عنهما بريئان مما نسب إليهما في هذه القصة المصطنعة التي كانت من تخيلات أناس أحبوا التهويل فتخيلوا وجود مالم يكن موجوداً([157]).


.

ثامناً: لقاء عمرو بن العاص والبابا بنيامين:

يقول المؤرخ ابن عبد الحكم: كان بالإسكندرية أسقف للقبط يقال له أبو بنيامين، وكان هارباً في الصحراء بسبب الاضطهاد المذهبي الذي تعرض له الأقباط على أيدي الرومان المسيحيين، فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا تكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو، فيقال إن القبط الذين كانوا بالفرما صاروا يومئذ لعمرو أعواناً([158])، وقد جاء في رواية المؤرخ القبطي ساويرس بن المقنع أنه سانوتيوس أحد رؤساء القبط وقتئذ، والذي كان يتولى إدارة شئون الكنيسة مدة اختفاء البطريق بنيامين، قد روى لعمرو موضوع الأب المجاهد بنيامين البطرك وأنه هارب من الروم خوفاً منهم، فكتب عمرو بن العاص إلى عمّال مصر كتاباً يقول فيه الموضع الذي فيه بنيامين بطرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلامة من الله، فليحضر آمناً مطمئناً ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته، فلما سمع القديس بنيامين هذا، عاد إلى الإسكندرية بفرح عظيم بعد غيبة ثلاث عشرة سنة، فلما ظهر فرح الشعب وكل المدينة بمجيئه ولما علم عمرو بوصوله أمر بإحضاره بكرامة وإعزاز ومحبة، فلما رآه أكرمه وقال لأصحابه إن في جميع الكور التي ملكناها إلى الآن ما رأيت رجلاً يشبه هذا وكان الأب بنيامين حسن المنظر جداً، وجيد الكلام بسكون ووقار، ثم التفت عمرو إليه وقال له: جميع بيعتك ورجالك اضبطهم ودبِّر أحوالهم وانصرف من عنده مكرّماً مبجلاً وعلق الأستاذ الشرقاوي على هذا اللقاء فقال: وقرَّب عمرو إليه البطريق بنيامين حتى لقد أصبح من أعز أصدقائه عليه، واطمأن العرب الفاتحون في مصر، وخطبهم أميرهم عمرو بن العاص في أول جمعة صلاها بجامعه بالفسطاط فقال: .. استوصوا بمن جاوركم من القبط، فإن لكم فيهم ذمة وصهراً، فكفوا أيديكم، وعفُّوا وغضوا أبصاركم([159]).


.

المبحث الرابع: أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات الفاروق:

أولاً: طبيعة الفتح الإسلامي:

حاول بعض المؤرخين من النصارى والمستشرقين تشويه الفتح الإسلامي في العصر الراشدي وزعموا أن الفتوحات كانت حروباً دينية وقالوا: إن المسلمين أصحاب عقيدة، ولكنهم توسلوا بالتعصب الأعمى، وأخضعوا الناس لمبادئهم بالقهر والإرغام، وخاضوا إلى ذلك بحار الدم والقسوة، وأنهم كانوا يحملون القرآن بإحدى يديهم، والسيف باليد الأخرى([160])، وممن ركز منهم على هذه الفكرة، (سيديو) و(ميور) و(نيبور). إذ ينقل (ميور) عن نيبور قوله: وكان من الضروري لدوام الإسلام أن يستمر في خطته العدوانية وأن ينفذ بحد السيف ما يطالب به من دخول الناس في الإسلام كافة، أو بسط سيطرته العالمية على الأقل، غير أنه لا مناص لأيّ من الأديان أن يجنح أتباعه للحرب في إحدى مراحل حياته، وكذلك كان الحال في الإسلام، ولكن الزعم أن المسلمين هدفوا إلى بث الدعوة بالقوة، أو أنهم كانوا أكثر عدواناً من غيرهم، زعم يجب إنكاره إنكاراً تاماً([161])، وقد ردّ بعض المستشرقين على هذه التهم ووصفوا الفتح الإسلامي بالمثل العالية والأخلاق الكريمة فهذا فون كريمر يقول: وكان العرب المسلمون في حروبهم مثال الخلق الكريم، فحرم عليهم الرسول([162])، قتل الرهبان، والنساء، والأطفال، والمكفوفين، كما حرم عليهم تدمير المزارع، وقطع الأشجار، وقد اتبع المسلمون في حروبهم هذه الأوامر بدقة متناهية، فلم ينتهكوا الحرمات، ولا أفسدوا الزروع، وبينما كان الروم يرمونهم بالسهام المسمومة، فإنهم لم يبادلوا أعداءهم جرماً بجرم، وكان نهب القرى وإشعال النار قد درجت عليها الجيوش الرومانية في تقدمها وتراجعها، أما المسلمون فقد احتفظوا بأخلاقهم المثلى فلم يحاولوا من هذا شيئاً([163])، وقال روزنتال: وقد نمت المدينة الإسلامية بالتوسع لا بالتعمق داعية إلى العقيدة، مناقشة لتلك الحركات الفكرية الموجودة وفوق كل ذلك تقدم الإسلام فتهاوت الحواجز القديمة من اللغة والعادات، وتوفرت فرصة نادرة لجميع الشعوب والمدنيات لتبدأ حياة فكرية جديدة على أساس المساواة المطلقة، وبروح المنافسة الحرة([164]).

إن الحقيقة التاريخية تقول بأن المسلمين لم يكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام لأنهم قد التزموا بقول الله تعالى: } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) { (البقرة،آية:256).

وأما إقبال الشعوب على الإسلام فكان بسبب ما لمسوه في الإسلام نفسه، فهو النعمة العظيمة، ولما لمسوه في المسلمين من التخلق بأخلاق الإسلام والالتزام بأحكامه وأوامره ونواهيه ولما لمسوه في القادة والجند الذين كانوا يقومون بالدعوة بالتطبيق العملي، فتميزت مواقفهم بأنبل المواقف التي عرفها التاريخ العالمي، فقد كان الخلفاء والقادة يوصون جندهم بالاستعانة بالله، والتقوى، وإيثار أمر الآخرة على الدنيا، والإخلاص في الجهاد، وإرادة الله في العمل، والابتعاد عن الذنوب، فكانت فيهم الرغبة الأكيدة الملحة لإنقاذ الأمم والإفراد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ونقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فكان قادة المسلمين على رأس جندهم يتلقون الصدمات الأولى في معارك الجهاد، واستشهد عدد كبير منهم، وقد كان القادة يسيرون خلف جندهم في وقت الأمن والعودة يرفقون بهم ويحملون الكلأ ويعينون الضعيف وكان القادة دعاة في المقام الأول، طبقوا مبادئ الحرب الإسلامي تماماً والحق أن المسلمين كانوا يخوضون جهاداً في سبيل الله، وليس حرباً كما كانت تفعل الدول الأخرى([165]).


.

ثانياً: الطريقة العمرية في اختيار قادة الجيوش:

كانت للفاروق طريقة متميزة في اختيار قادة الفتح، فقد وضع عدة شروط وضوابط لاختيار قادة جنده وهي كالآتي:

1- أن يكون تقياً ورعاً عالماً بأحكام الشريعة:

وكان يقول ويردد: من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله([166])، ولما أرسل إلى سعيد بن عامر ليستعمله على بعض الشام، فأبى عليه، فقال عمر: كلا والذي نفسي بيده لا تجعلونها في عنقي وتجلسون في بيوتكم([167]).


.

2- أن يشتهر القائد بالتأني والتروي:

لما ولَّى عمر رضي الله عنه أبا عبيد الثقفي قال له: إنه لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا سرعته إلى الحرب، وفي التسرع إلى الحرب ضياع إلا عن بيان والله لولا سرعته لأمرته ولكن الحرب لا يصلحها إلا المكيث([168]).


.

3- أن يكون جريئاً، وشجاعاً ورامياً:

ولما أراد عمر أن يولي قائداً لجيوش المسلمين لفتح نهاوند([169]) واستشار الناس فقالوا يا أمير المؤمنين أنت أعلم بأهل العراق وجندك قد وفدوا عليك، ورأيتهم وكلمتهم فقال: أما والله لأولين أمرهم رجلاً ليكوننّ أول الأسنّة([170]) إذا لقيها غداً، فقيل من يا أمير المؤمنين؟ قال: النعمان بن مقرن المزنيِّ، فقالوا: هُوَ لها([171]).


.

4- أن يكون ذا دهاء وفطنة وحنكة:

قال عمر رضي الله عنه: ولكم عليّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أحجزكم في ثغوركم([172]). ولما نزل عمرو بن العاص وجنده على الروم بموقعة أجنادين لفتحها وكان قائد الروم الأرطبون وهو أدهى الروم، وأبعدها غوراً، وأنكاها فعلاً، ووضع جنداً عظيماً بإيلياء والرملة وكتب عمرو إلى عمر بالخبر، فلما جاءه كتاب عمر قال: رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا عمّ تنفرج([173])، ولما أراد عمرو أن يجمع المعلومات عن الأرطبون وجيشه، حتى يضع خطته الحكيمة لمهاجمته، والانتصار عليه دخل بن العاص معسكر قائد الروم وكاد أن يقتل إلا أن الله نجاه وخدع عمرو بن العاص أرطبون الروم ولما وصل الأمر إلى عمر بن الخطاب. قال: غلبه عمرو لله عمرو([174]).


.

5- أن يكون القائد لبقاً حاذقاً له رأي وبصر بالحروب:

يقول صاحب المغني (ابن قدامة الحنبلي) في كلامه عن أمير الحرب: .. ويكون ممن له رأي وعقل ونجدة وبصر بالحرب ومكايدة للعدو، ويكون فيه أمانة ورفق ونصح للمسلمين([175]). ولذلك اختار الفاروق سعد بن أبي وقاص لقيادة حرب العراق بعد أن استشار الناس.


.

6- الرغبة في العمل:

كان من خطة عمر رضي الله عنه أن لا يولِّي رجلاً عملاً لا رغبة له فيه ولا قناعة إلا إذا اضطر إلى ذلك ليكون العمل أكثر إتقاناً، فقد ندب الناس مرة وحثهم على قتال الفرس بالعراق، فلم يقم أحد ثم ندبهم في اليوم الثاني فلم يقم أحد، ثم ندبهم في اليوم الثالث وهكذا ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي، ثم تتابع الناس، فأمّر على الجميع أبا عبيد – وهو لذلك أهلٌ – ولم يكن صحابياً فقيل لعمر: هلا أمّرت عليهم رجلاً من الصحابة؟ فقال: إنما أومر عليهم من استجاب([176])، وقد تجسدت هذه الصفات في كل من سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وغيرهم كثير.

.



رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة: