عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2012, 11:47 PM   رقم المشاركة : 3
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ السابع || ~ ‏





.

· أهم الدروس والعبر والفوائد:

أ- موقف فدائي لواثلة بن الأسقع رضي الله عنه: قال واثلة: .. فأسمع صرير باب الجابية – وهو واحد من أبواب دمشق – فمكثت فإذا بخيل عظيمة فأمهلتها، ثم حملت عليهم وكبّرت فظنوا أنهم أحيط بهم، فانهزموا إلى البلد، وأسلموا عظيمهم – يعني قائدهم – فدعسته بالرمح وألقيته عن برذونه، وضربت يدي على عنان البرذون وركضت، والتفتوا فلما رأوني وحدي تبعوني فدعست فارساً بالرمح فقتلته، ثم دنا آخر فقتلته، ثم جئت خالد بن الوليد فأخبرته وإذا عنده عظيم من الروم يلتمس الأمان لأهل دمشق([55]).


.

ب- سفارة معاذ بن جبل إلى الروم قبيل (موقعة فحل):

بعد مناوشات بين المسلمين والروم، قبيل موقعة فحل، أرسل الروم إلى المسلمين أن ابعثوا إلينا رجلاً، نسأله عما تريدون وما تسألونه وما تدعون إليه ونخبره بما نريد. فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل الأنصاري مفاوضاً وسفيراً عن المسلمين، فاستعد الروم لاستقباله، وأظهروا أجمل ما عندهم من الزينة، وأنفذ ما عندهم من الأسلحة: وفرشوا الأرض بأثمن البسط والنمارق التي تكاد تخطف الأبصار، ليفتنوا معاذا عما جاء له أو يرهبوه ويفتوا في عضده ففاجأهم بتعاليه عن زينتهم، ورفضه لكل أشكال المغريات، وبشدة تواضعه وزهده، بل اغتنم ذلك الموقف لاستخدامه سلاحاً ضد الروم، فأمسك بعنان فرسه، وأبى أن يعطيه لغلام من الروم،
وأبى الجلوس على ما أعدوه لاستقباله وقال لهم لا أجلس على هذه النمارق التي استأثرتم بها على ضعفائكم.. وجلس على الأرض.. وقال إنما أنا عبد من عباد الله أجلس على بساط الله، ولا أستأثر بشيء من مال الله على إخواني([56])، ودار بينهم حوار سألوه فيه عن الإسلام فأجابهم، وسألوه عن نبي الله عيسى عليه السلام فقرأ عليه قوله تعالى:} إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59) { (آل عمران،،آية:59).وأوضح لهم ما يريد منهم المسلمون، وقرأ عليهم قوله تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً { (التوبة،آية:123). وقالوا له إن سبب انتصار المسلمين على الفرس هو موت ملكهم، وإن ملك الروم حي وجنوده لا تحصى، فقال لهم إن كان ملككم هرقل، فإن ملكنا الله وأميرنا رجل منا، إن عمل فينا بكتاب الله وسنة نبينا أقررناه، وإن غير عزلناه، ولا يحتجب عنا ولا يتكبر ولا يستأثر علينا([57])، وأما عن كثرتهم فقد قرأ عليهم قوله تعالى: } كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(249) { (البقرة،آية:249). ولما فشل الروم في التأثير في معاذ أو النيل منه، فيما أعدوه من بهارج وخيلاء، عادوا إلى الواقع يعرضون عليه الصلح، وأن يعطوا المسلمين البلقاء وما والاها فأعلمهم معاذاً أنه ليس أمامهم إلا الإسلام أو الجزية، أو الحرب، فغضبوا وقالوا اذهب إلى أصحابك، إنا لنرجو أن نقرنكم في الحبال. فقال معاذ: أما الحبال فلا، ولكن والله لتقتلننا عن آخرنا أو لنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون، ثم انصرف([58])، وهكذا ظهر معاذ في هذه السفارة شخصية سياسية عسكرية، وداعية إلى الإسلام يواجه حجج خصومه، ويوجه إليهم النقد اللاذع، مظهراً عيوبهم واستئثارهم على رعيتهم، ويذكرهم بتعاليم دينهم، ويدعوهم إلى الإسلام، أما تهويلهم وحربهم النفسية فيرد عليها بالواقع

لا بالتهويل والتخويف، ثم يعود إلى قيادته التي أقرت كل ما قام به وما قاله للروم([59])، وقد كان المسلمون يدعون خصومهم للإسلام قبل القتال.


.

ج- موقف لعبادة بن الصامت في فتح قيسارِية:

كان عبادة بن الصامت على ميمنة جيش المسلمين في حصار قيسارية، فقام رضي الله عنه بوعظ جنده ودعاهم إلى تفقد أنفسهم، والحيطة من المعاصي ثم قاد هجوماً قتل فيه كثيراً من الروم، لكنه لم يتمكن من تحقيق هدفه، فعاد إلى موقعه الذي انطلق منه، فحرض أصحابه على القتال، وأبدى لهم استغرابه الشديد لعدم تحقيق أهداف ذلك الهجوم فقال: يا أهل الإسلام إني كنت من أحدث النقباء سناً وأبعدهم أجلاً وقد قضى الله أن أبقاني حتى قاتلت هذا العدو معكم.. والذي نفسي بيده ما حملت قط في جماعة من المؤمنين على جماعة من المشركين، إلا خلوا لنا الساحة وأعطانا الله عليهم الظفر فما بالكم حملتم على هؤلاء فلم تزيلوهم؟([60]) ثم بين لهم ما يخشاه منهم فقال: إني والله لخائف عليكم خصلتين، أن تكونوا قد غُللتم، أولم تناصحوا الله في حملتكم عليهم([61])، وحث أصحابه على طلب الشهادة بصدق، وأعلمهم أنه سيكون في مقدمتهم وأنه لن يعود إلى مكانه، إلا أن يفتح الله عليه أو يرزقه الشهادة([62])، فلما التحم المسلمون والروم، ترجل عبادة عن جواده، وأخذ راجلاً فلما رآه عمير بن سعد الأنصاري نادى المسلمين يعلمهم بما فعل أميرهم ويدعوهم إلى الاقتداء به فقاتلوا الروم حتى هزموهم و(أحجروهم في حصنهم) ([63]).



.

د- أم حكيم بنت الحارث بن هشام في معركة مرج الصُّفر:

كانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل فقتل عنها في معارك الشام([64])، فاعتدت أربعة أشهر وعشراً، وكان يزيد بن أبي سفيان يخطبها، وكان خالد بن سعيد يرسل إليها يعرض لها في خطبتها، فخطبت إلى خالد بن سعيد، فتزوجها، فلما نزل المسلمون مرج صفر–وكان خالد قد شهد أجنادين وفِحل ومرج الصفر– أراد أن يعرّس بأم حكيم فجعلت تقول: لو أخرت الدخول حتى يفضّى الله هذه الجموع، فقال خالد: إن نفسي تحدثني أني أصاب في جموعهم. قالت: فدونك، فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر، فبها سميت قنطرة أم حكيم، وأولم عليها، فدعا أصحابه إلى طعام، فما فرغوا من الطعام حتى صفت الروم صفوفها وبرز خالد بن سعيد فقاتل فقتل وشدت أم حكيم عليها ثيابها وتبدت، وإن عليها أثر الخلوق فاقتتلوا أشد القتال على النهر، وصبر الفريقان جميعاً، وأخذ السيوف بعضها بعضاً، وقتلت أم حكيم يومئذ سبعة بعمود الفسطاط الذي بات فيه خالد معرساً بها([65]).


.


هـ- قيصر ملك الروم يودع الشام :

في السنة الخامسة عشرة تقهقر هرقل بجنوده، وارتحل عن الشام إلى بلاد الروم([66]) وقيل في سنة ست عشرة([67])، وكان هرقل كلما حج إلى بيت المقدس وخرج منها يقول: عليك السلام يا سورية، تسليم مودع لم يقض منك وطراً وهو عائد؛ فلما عزم على الرحيل من الشام وبلغ الرُّها([68])، طلب من أهلها أن يصحبوه إلى الروم فقالوا: إن بقاءنا هاهنا أنفع لك من رحيلنا معك، فتركهم؛ فلما وصل إلى شِمْشَاط([69]) وعلا على شرف هنالك التفت إلى نحو بيت المقدس وقال: عليك السلام يا سورية سلاماً لا اجتماع بعده([70])، ثم سار هرقل حتى نزل القسطنطينية واستقر بها ملكه، وقد سأل رجلاً ممن اتبعه، كان قد أُسِرَ مع المسلمين، فقال أخبرني عن هؤلاء القوم، فقال: أخبرك كأنك تنظر إليهم. هم فرسان بالنهار ورهبان بالليل، ما يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقضون على من حاربوه حتى يأتوا عليه، فقال: لئن كنت صدقتني ليملكن موضع قدمي هاتين([71]).


.

و- إن الله أعزَّكم بالإسلام:

لما قدم عمر رضي الله عنه الشام راكباً على حماره ورجلاه من جانب قال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، الآن يتلقاك عظماء الناس فقال عمر رضي الله عنه: إن الله أعزّكم بالإسلام، فمهما طلبتم العزّ في غيره أذلكم([72]).


.

ز- من خطبته بالجابية لما وصل الشام:

خطب عمر رضي الله عنه بالجابية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا فقال: أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئُ قوم يحلف أحدهم على اليمين قبل أن يُسْتَحْلَف عليها، ويشهد على الشهادة قبل أن يُستشهد، فمن أحب منكم أن ينال بُحْبُوحة الجنة، فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان، ومن كان منكم تسرُّه حسنته وتسوؤه سيئته فهو مؤمن([73]).


.

ح- غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة:

لما قدم عمر الشام قال لأبي عبيدة رضي الله عنه: اذهب بنا إلى منزلك، قال:
وما تصنع عندي؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك عليّ، قال: فدخل فلم ير شيئاً، قال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لَبَداً وصحفة وشناً([74])، وأنت أمير أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة([75])، فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال له أبو عبيدة: قد قلت لك إنك ستعصر عينيك عليّ، يا أمير المؤمنين يكفيك ما يُبلغُك المقيل، قال عمر: غيَّرتنا الدنيا كلّنا غيرك يا أبا عبيدة([76]) وعلق الذهبي على هذه الحادثة فقال: وهذا والله هو الزهد الخالص لا زهد من كان فقيراً معدماً([77])، وجاء في رواية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قدم عمر –رضي الله عنه- الشام، فتلقاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح، قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة مخطومة بحبل فسلم، عليه، فسأله ثم قال للناس: انصرفوا عنا فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه، وترسه، ورحله([78])…


.

ط- تعليق على نص معاهدة أهل بيت المقدس:

إن كتاب الصلح الذي أبرمه عمر رضي الله عنه يشهد شهادة حق بأن الإسلام دين تسامح وليس دين إكراه وهو شاهد عدل بأن المسلمين عاملوا النصارى الموجودين في القدس معاملة لم تخطر على بالهم إن عمر وهو الفاتح كان يستطيع أن يفرض عليهم ما يشاء، وأن يجبرهم على ما يريد، ولكنه لم يفعل لأنه كان يمثل الإسلام، والإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه ولا يقبل من أحد إيماناً إلا عن طواعية وإذعان، إن الإيمان ليس شيئاً يجبر عليه الناس لأنه من عمل القلوب، والقلوب لا يعلم مخبآتها إلا الله سبحانه فقد يريك الإنسان أنه مؤمن وليس كذلك وتكون مضرته لأهل الإيمان أكثر ممن يجاهرون بالكفر والإلحاد ولهذا آثر المسلمون أن يعطوا الناس حرية العبادة، ويؤمنوهم على كل عزيز لديهم على أن يعيشوا في كنف المسلمين، ويؤدوا الجزية مقابل حمايتهم والذود عنهم، وفي ظلال الحياة الهادئة الوديعة وفي رحاب الصلات والجوار، وفي كنف المسلمين وعدالتهم سيرى غير المسلمين عن قرب جمال الإسلام وسماحته وإنصافه وعدالته وسَيَرون فيه الحقائق التي قد عميت عليهم لبعدهم عنه، وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجاً كما حدث في كل البلاد التي فتحها المسلمون، وأعطوا أهلها مثل هذا الأمان([79]).


.

ي- عمر رضي الله عنه يصلي في المسجد الأقصى:

قال أبو سلمة حدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن اخذت عنّي، صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلُّها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت اليهودية،
لا ولكن أصلي حيث صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم إلى القبلة فصلّى، ثم جاء فبسط ردائه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس([80]) وقال ابن تيمية: المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد.. وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلّى الذي بناه عمر بن الخطاب في مُقَدّمه، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين، أفضل من الصلاة في سائر المسجد، فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس، وكان على الصخرة زبالة عظيمة، لأنَّ النصارى كانوا يقصدون إهانتها، مقابلة لليهود الذي يصلّون إليها، فأمر عمر بإزالة النجاسة عنها. وقال كعب: أين ترى أن نبني مصلى للمسلمين؛ فقال: خَلْفَ الصخرة، فقال: يا ابن اليهودية: خالطت اليهودية بل أبنيه أمامها، فإنّ لنا صدور المساجد([81]).

وهذا موقف آخر جليل وعظيم من مواقف أمير المؤمنين التي لا تحصى، والتي برهن فيها عملياً على أن الإسلام يحترم جميع الأديان السماوية ويجعل كل المقدسات محترمة ولا يختصر شيئاً منها، إن هذه الصخرة التي أزال عنها عمر التراب والأوساخ بيده وحملها في قبائه لينفيها عنها هي قبلة اليهود والصخرة المعظمة عندهم التي كلم الله عليها يعقوب عليه السلام كما يعتقدون، فكما كان موقف عمر من النصارى رائعاً وجليلاً حين منحهم حرية الاعتقاد وأمنهم على صلبانهم وكنائسهم لم يضن على اليهود مع ما ارتكبوه في حق المسلمين من الجرائم بمثل هذا الموقف الرائع الجليل، حيث رفع التراب عن الصخرة، وأظهر عنايته بها وحرصه على احترامها([82]).


.


- محاولة الرومان احتلال حمص من جديد:

قدمت عيون أبي عبيدة فأخبروه بجمع الروم وخطاب هرقل فيهم وسيرهم إليه، ورأى أبو عبيدة ألا يكتم جنوده الخبر، فدعا رؤوس المسلمين وذوي الهيئة والصلاح منهم ليستشيرهم ويسمع رأي جماعتهم([83])، فكان رأي معاذ بن جبل الأنصاري، عدم الانسحاب وقال: هل يلتمس الروم من عدوهم أمراً أضر لهم مما تريدون بأنفسكم تخلون لهم عن أرض قد فتحها الله عليكم، وقتل فيها صناديدهم وأهلك جنودهم.. أما والله لئن أردتم دخولها بعد الخروج منها لَتُكابدنَّ من ذلك مشقة فقال أبو عبيدة صدق والله وبرّ([84])، ولكن الأحداث سارت على غير هذا الاتجاه، فأعاد المسلمون ما جبوه من أهل حمص فقد أمر أبو عبيدة حبيب بن مسلمة وقال له: اردد على القوم الذين كنا صالحناهم من أهل البلد، ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذ لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئاً، وقال لهم نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم أنا كرهنا أن نأخذ بأموالكم ولا نمنع بلادكم، ولكنا نتنحى إلى بعض الأراضي ونبعث إلى إخواننا فيقدموا علينا ثم نلقي عدونا فنقاتلهم فإن أظفرنا الله بهم وفينا لكم بعهدكم إلا أن لا تطلبوا ذلك وأصبح الصباح فأمر
أبو عبيدة برحيل جيش المسلمين إلى دمشق، واستدعى حبيب بن مسلمة القوم الذين كانوا أخذ منهم الجزية فرد عليهم مالهم وأخبرهم بما قال أبو عبيدة، وأخذ أهل حمص يقولون: ردكم الله إلينا ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا علينا بل غصبونا وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا، لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم([85]).

وأرسل أبو عبيدة سفيان بن عوف إلى عمر ليلة غدا من حمص إلى دمشق، وقال إئت أمير المؤمنين فأبلغه عني السلام، وأخبره بما قد رأيت وعاينت وبما قد جاءتنا به العيون، وبما استقر عندك من كثرة العدو، وبالذي رأى المسلمون من التنحي عنهم، وكتب معه: أما بعد، فإن عيوني قدمت عليّ من أرض عدونا، من القرية التي فيها ملك الروم، فحدثوني بأن الروم قد توجهوا إلينا وجمعوا لنا من الجموع ما لم يجمعوه لأمة قط كانت قبلنا، وقد دعوت المسلمين وأخبرتهم الخبر واستشرتهم في الرأي، فأجمع رأيهم على أن يتنحوا عنهم حتى يأتينا رأيك، وقد بعثت إليك رجلاً عنده علم ما قبلنا فسله عما بدا لك فإنه بذلك عليم وهو عندنا أمين، ونستعين بالله العزيز العليم وهو حسبنا ونعم الوكيل([86]).



.

- الخطة الحربية البديعة التي رسمها عمر رضي الله عنه لنجدة أبي عبيدة رضي الله عنه:

لما بلغ الخبر عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه: أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو، وسرِّحهم من يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص، فإن أبا عبيدة قد أحيط به، وكان عمر قد أعد خيولاً احتياطية في كل بلد استعداداً للحروب المفاجئة، فكان في الكوفة أربعة آلاف فرس، فجهز سعد عليها الجيش الذي أرسله إلى الشام، وكتب عمر أيضاً إلى سعد: أن سرِّح سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند، ولْيَأت (الرَّقَّة)، فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص، وإن أهل (قَرْقِيسياء) لهم سلف، وسرّح عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى (نصيبين) فإن أهل قرقيسياء لهم سلف ثم لينْفُضا([87]) حرَّان والرَّها، وسرِّح الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ، وسرح عياضاً، فإن كان قتال فقد جعلت أمرهم جميعاً إلى عياض بن غَنْم، فمضى القعقاع في أربعة آلاف من يومهم الذي أتاهم فيه الكتاب نحو حمص، وخرج عياض بن غنم وأمراء الجزيرة فأخذوا طريقهم نحو الأهداف التي وجهوا إليها، وخرج أمير المؤمنين عمر من المدينة مغيثاً لأبي عبيدة يريد حمص حتى نزل الجابية وعلم أهل الجزيرة الذين اشتركوا مع الروم في حصار أهل حمص بخروج الجيوش من العراق، ولا يدرون هل مقصدهم حمص أم بلادهم في الجزيرة فتفرقوا إلى بلدانهم وإخوانهم، وتركوا الروم يواجهون المعركة وحدهم ولما رأى أبو عبيدة أن أنصار الروم من أهل الجزيرة قد انفضوا عنهم، استشار خالداً في الخروج إليهم وقتالهم فأشار عليه بذلك، فخرجوا إليهم وقاتلوهم وفتح الله عليهم، وقدم القعقاع بن عمرو ومن معه من أهل الكوفة بعد ثلاثة أيام من المعركة وقدم أمير المؤمنين بالجابية، فكتبوا إليه بالفتح وبقدوم المدد عليهم بعد ثلاثة أيام من الفتح وبالحكم في ذلك، فكتب إليهم أن شركوهم فإنهم قد نفروا لكم وقد تفرق لهم عدوكم([88])، وقال: جزى الله أهل الكوفة خيراً يكفون حوزتهم ويُمِدّون أهل الأمصار([89]).

حينما نتأمل هذه الخطة الحربية البديعة التي رسمها عمر رضي الله عنه لإرباك الأعداء وتفريقهم نرى عبقرية الفاروق العسكرية، فقد أمر ببعث جيش سريع من الكوفة إلى حمص ليقوم بعملية الإنقاذ وخرج هو بجيش من المدينة، وهذا كله يبدو أمراً معتاداً، ولكن الأمر الذي يثير الإعجاب هو ما قام به من الأمر ببعث الجيوش إلى بلاد المحاربين ليضطرهم إلى ترك ميدان القتال والتفرق إلى بلادهم لحمايتها، وقد نجحت هذه الخطة حيث تفرقوا فهان على المسلمين القضاء على الروم([90]).

.



رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة: