أخى المريض ..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف ترجو الشفاء دون أخذ الدواء؟!
كيف يدوم اللهب دون حرق الحطب؟!
كيف يكون علم دون وجود عمل؟!
وهل يُسمى العلم فى هذه الحالة علما؟!
إن لم تتناول الدواء فلا تشرب سمـا
فإن عصتك نفسك فى الطاعة فلم تطاوعك
فاعصها أنت فى المعصية ولا تطاوعها
واستخلص منه كل لحظة فارغة
وقدم لنفسك من البر ولو ذرة
واذكر أن الأنفاس ودائع لديك
ولا بد يوما أن تُرد الودائع
ولا يأس فكل يوم فيه مئات فرص الشفاء
وهى تمر بك مر السحاب تنتظر براعة المقتنص
ويقظة النبيه فهلا ربحـت نفسك اليوم باستغلال
قبل أن تنتزع غدا إى القبر
ولات حين دواء أو بارقة شفاء!!
الدموع:كنـز المرأة الثمين
ولأن النساء شقائق الرجال فإليكن أيتها المريضات
هذا المثال لتنسجن على المنوال وتدركن المنال بإذن الله.
قال القاسم:
"كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها ،
فغدوت يوما فإذا هى قائمة تسبح وتقرأ:
"فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم" الطور"27
وتدعو وتبكى وترددها ،فقمت حتى مللت القيام،
فذهبت إلى السوق لحاجتى ،ثم رجعت فإذا هى
قائمة كما هى تصلي وتبكى"
يــــا أخـتـاه...الدواء منكِ قريب وفى متناول يدك ،
فقد خلقك الله أعذب مشاعرا وأرق عواطف،
فدمعتك أقرب من دمعة الرجل بكثير،
وهذا هو كنزك الثمين وأغلى حليك:
"عينان لا تمسهما النار أبدا :
عين بكت من خشية الله......"
قال الأصمعى :
"أقبلت ذات مرة من مسجد بالبصرة إذ طلع أعرابى
جِلف جاف على قعود له متقلدا سيفه وبيده قوسه ،
فدنا وسلم وقال:ممن الرجل؟
قلت:من بنى أصمع. قال:أنت الأصمعى؟ قلت : نعم .
قال: ومن أين أقبلت ؟ قلت: من موضع يُتلى فيه كلام الرحمن
قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟! قلت : نعم .
قال: فاتلُ على منه شيئا ،فقرأت:
"والذاريات ذروا" إلى قوله تعالى:"وفى السماء رزقكم"
فقال: يا أصمعى حسبك ، ثم قام إلى ناقته
فنحرها وقطعها بجلدها ، وقال: أعنى على توزيعها ،
ففرقناها على من أقبل وأدبر ،
ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعهما تحت
الرحل وولى إلى البادية وهو يقول
" وفى السماء رزقكم وما توعدون " ،فمقت نفسى ولُمتها،
ثم حججت مع الرشيد ، فبينما أنا أطوف إذا أنا
بصوتٍ رقيق فالتفت فإذا أنا بالأعرابى وهو ناحل مصفر ، فسلم على وأخذ بيدى فقال:
اتلُ علي كلام الرحمن ، وأجلسنى من وراء المقامات فقرأت:"والذاريات ذروا " حتى وصلت إلى قوله تعالى
"وفى السماء رزقكم وما توعدون"
فقال الأعرابى: لقد وجدنا ما وعدنا ربُنا حقا ،
وقال : وهل غير هذا؟ قلت: نعم ...يقول تبارك وتعالى
" فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"
فصاح الأعرابى وقال: يا سبحان الله ...من أغضب
الجليل حتى حلف!! ألم يصدقوه فى قوله
حتى ألجأوه إلى اليمين؟فقالها ثلاثا وخرجت بها نفسه"
رأى الجنيد هِـرة تسعى وراء فــأر ؛
فدخل الفـأر جحره وبقيت هى أمام الجحر تترقب ،
وكــــل شعرة فى جســـدها واقفة تعلــن النفير ،
مستحضـــرة اعلى درجات العزم والتوثب ،
فخطـر للجنيد خـاطر استحال خاطـــرة جاء فيها:
"يــــا مسكين .. ألـم تبلغ فى الهمــة درجـــة هــرة ؟!
إذا حصلت .. أيكـــون مطلوبكـ كمطلوبهـا؟!
أنت طالب جنة وهى طالبة لقمـة وهمتها أعــلى من همتك!!
أنـــت طالب شفاء وهى طالبة عناء ومـع ذلك
عـزمها أشـد وأصـدق!!
أنـــت تسعى لباقٍ وهى تسعى لفانٍ ومــع هذا تغلبك!!
قطـة هجرت الكسل وهبت إلى العمل وأنت
نائم فى بيتك يا بطل !!
للأخــــــوة دور عظيم فى دورات الاستشفاء
وهذه بعض آثارها:
من فوائد ذكر الصالحين وضرب نماذج المتقين
إبطال كيد الشيطان وإغاظته
والنيل منه وغزوه فى عُقر داره ،والأمر كما قا الرافعى
"فإن أسماء الزُهاد والعُباد والصالحين هى فى تاريخ الشياطين كأسماء المواقع التى تنهزم فيها الجيوش"
ومن فوائدها كذلك معرفة قدر نفسك إن كان الغرور
والعُجب قد تسلل إليك،فتقطع الطريق على الشيطان
من البداية وتُبطل كيده والغواية.
ومـــــــن فوائدها الإرتقاء إلى سماوات القدوات
إن كانت الدنيا قد أظلمت من قلة الصالحين وكثرة الرويبضات،والتطلع إلى اللآلئ الغالية بدلا من التحديق
فى الأصداف الخاوية وعندا "يحق لمن رأى الراحلين
إلى الحبيب وهو قاعد يبكى ،
ولمن سمع بأخبار الواصلين وهو متباعد أن يقلق "
كُـــــــن كاصحابة فى زهـد وفى ورع
القوم هُم ما لهم فى الناس أشباه
عُباد ليل إذا جن الليل بهم
كم عابد دمعه فى الخد أجراه
وأُسد غاب إذا نادى الجهاد بهم
هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرا
وانظروا كيف حرص كل صالح منهم
– مهما بلغ من صلاحه - أن يصحب من هو أفضل منه ،
وما لهذا المبدأ من أثر رائع لا يُتصور ،
فسفيان الثوري الذى كان يُشبه فى زمانه بأبى بكر
وعمر فى زمانهما يقول :
"إنى لأشتهى من عمرى كله أن أكون سنة واحدة مثل عبد الله بن المبارك ، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام"
وهذا تفسير للمرض وليس تبرير له، يعنى أنه ليس
عذرا لك بل أنت مسؤل عن نفسك وعن تغيير نفسك ،
ولذلك ننادى دائما بأهمية الصحبة الصالحة والوسط الطيب كما قال تبارك وتعالى :
" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم
بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك
عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" الكهف :28
وعندما يتعرض المسلم لفتنه ويبتليه ربه ليمحصه،
أو يضعف إيمانه إثر غارة من غارات الأبالسة
من الجن والإنس ؛يكون من عوامل الثبات
أن يُقيض الله له رجلا صالحا يعظه ويثبته ،
فتكون كلماته مرهم الجروح وبلسم الشفاء.
ومــــن فوائد الأخوة أنها مرآة العيوب وجهاز
الإكتشاف المبكر لأمراض القلوب؛ لذا كان بلال بن سعد
يقول لأخيه :"بلغنى أن المسلم مرآة أخيه ،
فهل تستريب من أمرى شيئا؟!
وروى جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران
قول ميمون له :"يا جعفر ..قل لى فى وجهى ما أكره،
فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له فى وجهه ما يكره"
وهى واحدة من أفضل الوسائل المؤدية إلى اكتشاف عيوب المرء ، وفى المثل الغربى :ما الحقيقة؟!
قيل : انطباعات الآخرين.
فحقيقة نفسك ليس ما تراه أنت وتظنه فيك من مزايا وعيوب ، بل ما يراه الآخرون فيك ، والآخرون عندنا هم أبناء الآخرة كان الشيخ المجدد وباعث النهضة الإيمانية فى جيل صلاح الدين : الغمام عبد القادر الجيلانى الذى كان يطلب ممن يحضردروسه هذا الطلب العجيب:
"اجعلنى مرآتك ، اجعلنى مرآة قلبك وسرك ،مرآة أعمالك ،ادنُ منى ،فإنك ترى فى نفسك ما لا تراه مع البعد عنى ،إن كان لك حاجة فى دينك فعليك بي ،فإنى لا أحابيك فى دين الله عز وجل "
فربى بذلك الجموع الهادرة وأوقد الشعلة النائمة
التى نمت بعد ذلك إلى أن صارت انتفاضة
واعية ونهضة شاملة انتهت بتحرير المقدسات
والصلاة فى الأقصى مطهرا من دنس الصليبيين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
أفهم أن يضل المسافـر ساعة أو ساعتين،
فإن طال غيابه فيوما أو يومين،ثم يهتدى،
فواعجباً من تائه طوال عمره ؛
ثـم لا هو يهتدى ولا هـو يسير مع المهتديـن!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
انتهى لقائنا اليوم إخوتى وأخواتى فقد أطلت عليكم
إن شاء الله تكونوا استفدتم من تللك الجرعات
وسيكون لقائنا القادم بإذن الله مع هذا الكتاب
أيضا لنأخذ منه جرعات جديدة لعلاج قلوبنا
أستودعـكم الله وألقاكم على خيـر
تحيـاتى إليكم