عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2012, 12:36 AM   رقم المشاركة : 5
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ السادس || ~




.


رابعاً: فتح أذربيجان سنة 22هـ :

لما افتتح نعيم بن مقرن همذان ثانية ، ثم الري، بعث بين يديه بُكير بن عبد الله من همذان إلى أذربيجان([91]) وأردفه بسماك بن خرشَة وذلك عن أمر عمر بن الخطاب وليس بأبي دجانة([92]) فلقى أسفندياذ بن الفرُّخزاذ بكيراً وأصحابه، قبل أن يقدم عليهم سماك فاقتتلوا فهزم الله المشركين وأسر بكير اسنفدياذ، فقال له: الصلح أحب إليك أم الحرب؟ فقال: بل الصلح. فقال: فأمسكني عندك فأمسكه ثم جعل يفتح أذربيجان بلداً بلداً ، وعتبة بن فرقد في مقابله في الجانب الآخر من أذربيجان يفتحها بلداً بلداً ، ثم جاء كتاب عمر بأن يتقدم بُكير إلى الباب، وجعل سماكاً موضعه ـ نائباً لعتبة بن فرقد وجمع عمر أذربيجان كلها لعتبة بن فرقد وسلم إليه بكيرُ اسفندياذ، وقد كان اعترض بهرام بن فرّ خزاذ لعتبة بن فرقد فهزمه عتبة وهرب بهرام ، فلما بلغ ذلك اسفندياذ قال: الآن تم الصلح وطفئت الحرب، فصالحه وعادت أذربيجان سلماً، وكتب بذلك عُتْبةُ وبكير إلى عمر، وبعثوا بالأخماس إليه، وكتب عتبة حين انتهت إليه إمرة أذربيجان كتاب أمان وصلح لأهلها([93]).


.

خامساً: فتح الباب سنة 22هـ :

كتب عمر بن الخطاب كتاباً بالإمرة على هذه الغزوة لسراقة بن عمرو ـ الملقب بذي النور فسار كما أمر عمر وهو على تعبئته فلما انتهى مقدم العساكر ـ وهو عبد الرحمن بن ربيعة إلى الملك الذي هناك عند الباب([94]) وهو شهر براز، ملك أرمينية وهو من بيت الملك الذي قتل بني إسرائيل وغزا الشام في قديم الزمان فكتب شهر براز لعبد الرحمن واستأمنه فأمنّه عبد الرحمن بن ربيعة فقدم عليه المَلكِ، فأنهى إليه أن صُغْوَه([95]) إلى المسلمين وأنه مناصح للمسلمين فقال له: إن فوقي رجلاً فاذهب إليه ، فبعثه إلى سراقة بن عمرو أمير الجيش ، فسأل مِنْ سراقة الأمان فكتب كتاباً بذلك ثم بعث سراقة بكير بن عبدالله الليثي، وحبيب بن مسلمة وحذيفة بن أسيد، وسلمان بن ربيعة إلى أهل تلك الجبال المحيطة بأرمينية جبال اللاّن، تفِليسس، ومُوقَان ، فافتتح بكير مُوقان، وكتب لهم كتاب أمان، ومات في غضون ذلك أمير المسلمين هناك سراقة بن عمرو، واستخلف بعده عبد الرحمن بن ربيعة ، فلما بلغ عمر ذلك أقره وأمره بغزو الترك([96]).


.

سادساً: أول غزو الترك:

لما جاء كتاب عمر إلى عبد الرحمن بن ربيعة يأمره بأن يغزو الترك ، سار حتى قطع الباب قاصداً لما أمره عمر، فقال له شهر براز: أين تريد؟ قال: أريد ملك الترك بَلَنْجَر، فقال له شهر براز: إنّا لنرضى منهم بالموادعة، نحن من وراء الباب ـ فقال عبد الرحمن: إن الله بعث إ لينا رسولاً ووعدنا على لسانه بالنصر والظفر ونحن لا نزال منصورين، فقاتل الترك وسار في بلاد بلنجر مائتي فرسخ وغزا مرات متعددة ، ثم كانت له وقائع هائلة في زمن عثمان رضي الله عنه([97]).


.

سابعاً: غزو خُراسان سنة 22هـ :

كان الأحنف بن قيس قد أشار على عمر بأن يتوسع المسلمون بالفتوحات في بلاد العجم، ويُضيقوا على كسرى يزدجرد، فإنه هو الذي يحث الفرس والجنود على قتال المسلمين فأذن عمر بن الخطاب في ذلك عن رأيه، وأمّر الأحنف وأمره بغزو بلاد خراسان ، فركب الأحنف في جيش كثيف إلى خراسان قاصداً حرب يزدجرد فدخل خراسان فافتتح هراة عنوة، واستخلف عليه صُحَار بن فلان العبدِي ، ثم سار إلى مَرو الشهجان([98]) وفيها بزدجرد وبعث الأحنف بين يديه مُطرّف بن عبدالله بن الشخِّير إلى نيسابور([99])،والحارث بن حسان إلى سَرْخَس([100])ولما اقترب الأحنف من مرو الشاهجان، ترحل منها يزدجرد إلى مرو الروذ([101])، فافتتح الأحنف مرو الشاهجان فنزلها ، وكتب يزدجرد حين نزل مرو الروذ إلى خاقان ملك الترك يستمدَّه، وكتب إلى ملك الصغد يستمدَّه، وكتب إلى ملك الصين يستعينه ، وقصده الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ وقد استخلف على مرو الشاهجان حارثة بن النعمان ، وقد وفدت إلى الأحنف إمدادات من أهل الكوفة مع أربعة أمراء فلما بلغ ذلك يزدجرد ترحل إلى بلخ([102])، فالتقى معه ببلخ فهزمه الله عز وجل وهرب هو ومن بقي معه من جيشه فعبر النهر، واستوثق مُلك خراسان على يدي الأحنف بن قيس، واستخلف في كل بلدة أميراً ، ورجع الأحنف فنزل مرو الروذ، وكتب إلى عمر بما فتح الله عليه من بلاد خراسان بكاملها وكتب عمر إلى الأحنف ينهاه عن العبور إلى ما وراء النهر. وقال: احفظ ما بيدك من بلاد خراسان ولما وصل رسول يزدجرد إلى اللذين استنجد بهما لم يحتفلا بأمره، فلما عبر يزدجرد النهر ودخل في بلادهما تعين عليهما إنجاده في شرع الملوك، فسار معه خاقان ، فوصل إلى بَلْخ حتى نزلوا على الأحنف بمرو الروذ فتبرز الأحنف بمن معه من أهل البصرة وأهل الكوفة والجميع عشرون ألفاً فسمع رجلاً يقول لآخر: إن كان الأمير ذا رأي فإنه يقف دون هذا الجبل فيجعله وراء ظهره، ويبقى هذا النهر خندقاً حوله فلا يأتيه العدو إلا من جهة واحدة فلما أصبح الأحنف أمر المسلمين فوقفوا في ذلك الموقف بعينه، وكان أمارة النصر والرشد وجاءت الأتراك والفرس في جمع عظيم هائل مزعج، فقام الأحنف في الناس خطيباً فقال: إنكم قليل وعدوكم كثير فلا يهولُنّكم } كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(249) { (سورة البقرة ، آية:249)، فكان الترك يقاتلون بالنهار ولا يدري الأحنف أين يذهبون في الليل ، فصار ليلة مع طليعة من أصحابه نحو خاقان ، فلما كان قريب الصبح خرج فارس من الترك طليعة وعليه طوق وضرب بطبلة فتقدم إليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنف فقتله وهو يرتجز:


إنّ على كُل رئيس حقا
إنّ لها شيخا بها مُلَقىّ

أن يخضِبَ الصّعْدة أو تَنْدَقّا
سَيفَ أبي حفص الذي تبقَّى


ثم استلب التركيَّ طوقه ووقف موضعه، فخرج آخر عليه طوق ومعه طبل فجعل يضرب بطبلة ، فتقدم إليه الأحنف فقتله أيضاً واستلبه طوقه ووقف موضعه، فخرج ثالث فقتله وأخذ طوقه، ثم أسرع الأحنف الرجوع إلى جيشه ولا يعلم بذلك أحد من الترك بالكلية، وكان من عادة الترك أنهم لا يخرجون حتى تخرج ثلاثة من كهولهم بين أيديهم يضرب الأول بطبلة ثم الثاني، ثم الثالث . فلما خرجت الترك فأتوا على فرسانهم مقتولين، تشاءم بذلك الملك خاقان وتطير ، وقال لعسكره: قد طال مقامنا وقد أصيب هؤلاء القوم بمكان لم نصب بمثله ، مالنا في قتال هؤلاء القوم من خير فانصرفوا بنا فرجعوا إلى بلادهم([103]) وقد قال المسلمون للأحنف: ما ترى في اتباعهم؟ فقال: أقيموا بمكانكم ودعوهم. وقد أصاب الأحنف في ذلك، فقد جاء في الحديث: اتركوا الترك ما تركوكم([104]) ، } وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرَاً وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ الله قَوِيَّاً عَزِيزَاً{ (الأحزاب،آية:25) ، ورجع كسرى خاسر الصفقة لم يشف له غليل، ولا حصل على خير ، ولا انتصر كما كان في زعمه، بل تخلى عنه من كان يرجو النصر منه، وتنحى عنه وتبرأ منه أحوج ما كان إليه، وبقى مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء: } وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً(88) { (النساء،آية:88).

وتحير في أمره ماذا يصنع؟ وإلى أين يذهب ؟ ثم بعث إلى ملك الصين يستغيث به ويستنجده فجعل ملك الصين يسأل الرسول عن صفة هؤلاء القوم الذي قد فتحوا البلاد وقهروا رقاب العباد، فجعل يخبره عن صفتهم، وكيف يركبون الخيل والإبل، وماذا يضعون؟ وكيف يُصَلُّون؟ فكتب معه إلى يزدجرد: إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق عليّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو جئت لنصرك أزالوني ما داموا على ما وصف لي رسولك فسالمهم وأرضَ منهم بالمسالمة ، فأقام كسرى وآل كسرى في بعض البلاد مقهورين ولم يزال ذلك دأبه حتى قتل في إمارة عثمان([105])، ولما بعث الأحنف بكتاب الفتح وما أفاء الله عليهم من أموال الترك ومن كان معهم، وأنهم قتلوا منهم مع ذلك مقتلة عظيمة، ثم ردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً ، فقام عمر على المنبر وقُرِئَ الكتاب بين يديه، ثم قال عمر: إن الله بعث محمداً بالهدى ووعد على ابتاعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة فقال:} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33) { (التوبة،آية:33).

فالحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر جنده . ألا وإن الله قد أهلك مُلْك المجوسية وفرق شملهم، فليس يملكون من بلادهم شبراً يضير بمسلم، ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون، فقوموا في أمره على وجل ، يُوفِ لكم بعهده ويؤتكم وعده، ولا تغيروا فيستبدل قوماً غيركم، فإني لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتى إلا من قبلكم([106]).


.

ثامناً: فتح اصطخر سنة 23هـ :

افتتح المسلمون اصطخر ـ للمرة الثانية ـ في سنة ثلاث وعشرين وكان أهلها قد نقضوا العهد بعدما كان جند العلاء بن الحضري افتتحوها حين جاز في البحر ـ في أرض البحرين ـ والتقوا هم والفرس في مكان يقال له طاوس، ثم صالحه الهِرْبذة على الجزية ، وأن يضرب لهم الذمة ، ثم إن شهرك خلع العهد، ونقض الذمة، ونشّط الفرس ، فنقضوا العهد، فبعث إليهم عثمان بن أبي العاص ، ابنه وأخاه الحكم ، فاقتتلوا مع الفرس فهزم الله جيوش المشركين ، وقتل الحكمُ بن أبي العاص شهَرك([107]).



.

تاسعاً: فتح فساودار بجرد سنة 23هـ:

قصد سارية بن زُنَيم فساودارا بجرد، فاجتمع له جموع من الفرس والأكراد عظيمة ودهم المسلمين منهم أمر عظيم ، رأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار، وأنهم في صحراء ، وهناك جبل إن أسندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فنادى في الغد الصلاة جامعة حتى إذا كانت الساعة التي رأي أنهم اجتمعوا فيها ـ خرج إلى الناس وصعد المنبر ـ فخطب الناس وأخبرهم بصفة ما رأى ـ ثم قال: يا سارية الجبل ـ ثم أقبل عليهم وقال: إن لله جنوداً ولعل بعضها أن يبلغهم. قال: ففعلوا ما قال عمر ـ فنصرهم الله على عدوهم ـ وفتحوا البلد([108]) .


.

عاشراً: فتح كَرْمان وسجستان سنة 23هـ :

قام سهيل بن عدي في سنة 23 بفتح كرمان ([109])، وقيل فتحت على يدي عبدالله بن بُدَيل بن ورقاء الخزاعي([110])، وذكر بعض المؤرخين فتح سجستان على يدي عاصم بن عمرو، بعد قتال شديد ، وكانت ثغورها متسعة ، وبلادها متنائية ما بين السد إلى نهر بلخ، وكانوا يقاتلون القُندهار والترك من ثغورها وفروجها([111])


.

الحادي عشر: فتح مُكرَان سنة 23هـ:

في السنة 23هـ فتحت مكران على يدي الحكم بن عمرو، وأمده شهاب بن المخارق، ولحق به سهيل بن عدي ، وعبدالله بن عبدالله بن عتبان واقتتلوا مع ملك السند فهزم الله جموع السند وغنم المسلمون منهم غنيمة كثيرة ، وكتب الحكم بن عمرو بالفتح وبعث بالأخماس مع صُحار العبدي فلما قدم على عمر سأله عن أرض مُكْران فقال: يا أمير المؤمنين أرض سهلها جبل ، وماؤها وشل([112])، وتمرها دقل([113])، وعدوها بطل ، وخيرها قليل ، وشرها طويل والكثير بها قليل والقليل بها ضائع ، وما وراءها شر منها فقال عمر: أسجاع أنت أم مخبر؟ فقال: لا ، بل خبر، فكتب عمر إلى الحكم بن عمرو، أن لا يجوزون مكران، وليقتصروا على ما دون النهر([114]).


.

الثاني عشر: غزوة الأكراد :

ذكر ابن جرير بسنده عن سيف عن شيوخه: أن جماعة من الأكراد والتف إليهم طائفة من الفرس، اجتمعوا فلقيهم أبو موسى بمكان من أرض بيرُوذ قريب من نهر تِيرَى([115])، ثم سار عنهم أبو موسى إلى أصبهان وقد ا ستخلف على حربهم الربيع بن زياد بعد مقتل أخيه المهاجر بن زياد ـ فتسلم الحرب وخنق عليهم، فهزم الله العدو وله الحمد والمنة كما هي عادته المستمرة وسنته المستقرة، في عباده المؤمنين ، وحزبه المفلحين من أتباع سيد المرسلين ثم خمست الغنيمة وبعث بالفتح والخمس إلى عمر رضي الله عنه([116]).

وهكذا تم فتح العراق وبلاد إيران في عهد عمر رضي الله عنه وأقام المسلمون المسالح في شتى أرجائها متوقعين انتقاض الفرس في هذه الديار ـ لقد كانت فتوح المشرق عنيفة اقتضت من المسلمين تضحيات جسيمة بسبب اختلاف الدم، فسكان إيران فرس لا تربطهم بالعرب لغة ولا جنس ولا ثقافة وكان الشعور القومي عند الإيرانييين يزكيه التاريخ الطويل والثقافة المتأصلة، كما أن القتال كان يدور في صميم الوطن الإيراني ويشترك رجال الدين المجوسي في تأليب السكان على المقاومة يضاف إلى ذلك بعد هذه المناطق عن مراكز الجيش في البصرة والكوفة ، وطبيعة الأرض الجبلية التي تمكن السكان من المقاومة ـ ولذلك فقد انتقضت معظم هذه المراكز، وأعيد فتحها في عهد الفاروق أو في خلافة عثمان رضي الله عنهما([117]).



.

المبحث الخامس: أهم الدروس والعبر والفوائد من فتوحات العراق والمشرق:

أولاً: أثر الآيات والأحاديث في نفوس المجاهدين:

كان للآيات والأحاديث التي تتحدث عن فضل الجهاد أثرها في نفوس المجاهدين ، فقد بين المولى عز وجل أن حركات المجاهدين كلها يثاب عليها قال تعالى:} مَا كَانَ لأِهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(120) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ(121) { (التوبة،آية:120-121) ، وقد أيقن المسلمون الأوائل أن الجهاد تجارة رابحة قال تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ { (الصف،آية:10-13).

وقد تعلموا أن الجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحجاج فيه قال تعالى: } أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ
دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ(21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ
أَجْرٌ عَظِيمٌ(22) { (التوبة،آية:19-21)، واعتقدوا أن الجهاد فوز على كل حال قال تعالى:} قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ(52) { (التوبة،آية:52)، وأن الشهيد لا تنقطع حياته بل هو حي قال تعالى:} وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ(171) { (آل عمران:169-171) وكانوا يشعرون بسمو هدفهم الذي يقاتلون من أجله قال تعالى: } فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالأخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(74) وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا(75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا(76) { (النساء، آية: 74-76).

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين فضل الجهاد فألهبت تلك الأحاديث مشاعرهم وفجّرت طاقاتهم ومن هذه الأحاديث ما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مؤمن يجاهد بنفسه وماله)([118]) ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم درجات المجاهدين قال صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة([119])، وقد وضح صلى الله عليه وسلم فضل الشهداء وكرامتهم فقال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلفْ سرَّية ولوددتُ أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل)([120]) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شئ إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة)([121])، وغير ذلك من الأحاديث وقد تأثر المسلمون الأوائل ومن سار على نهجهم بهذه الآيات والأحاديث ـ فكان كبار الصحابة رضي الله عنهم يغزون وقد شاخوا فيشفق عليهم الناس وينصحونهم بالقعود عن الغزو لأنهم معذورون فيجيبونهم أن سورة التوبة تأبى عليهم القعود ويخافون على أنفسهم من النفاق إذا ما تخلفوا عن الغزو([122]).


.

1- من ثمرات الجهاد في سبيل الله:

كان الصحابة والتابعون بإحسان في العهد الراشدي يرون أن الجهاد في سبيل الله ضرورة من ضرورات بقاء الأمة الإسلامية فقاموا بهذه الفريضة في فتوحات العراق وبلاد المشرق والشام ومصر والشمال الأفريقي وترتب على قيامهم لهذه الفريضة ثمرات كثيرة منها: تأهيل الأمة الإسلامية لقيادة البشرية ،القضاء على شوكة الكفار وإذلالهم وإنزال الرعب في قلوبهم ، ظهور صدق الدعوة للناس الأمر الذي جعلهم يدخلون في دين الله أفواجا فيزداد المسلمون بذلك عزاً والكفار ذلاً، وتوحدت صفوف المسلمين ضد أعدائهم واسعدوا الناس بنور الإسلام وعدله ورحمته([123]).


.



رد مع اقتباس