عرض مشاركة واحدة
قديم 05-25-2012, 11:56 AM   رقم المشاركة : 6
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~ ‏



.


2- شكاوى ضد عمرو بن العاص والي مصر:

كانت مراقبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص صارمة وحازمة وكان الخليفة الفاروق يتدخل في شئون الولاية المختلفة وحتى عندما اتخذ عمرو بن العاص منبراً كتب إليه: أما بعد فقد بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى به على رقاب المسلمين أو ما يكفيك أن تكون قائماً والمسلمون تحت عقبك فعزمت عليك إلا
ما كسرته([221])، وكان عمرو بن العاص يخشى مراقبة عمر بن الخطاب ويعلم مدى حرصه على إقامة العدل بين الناس، وعلى إقامة الحدود الشرعية، فكان يبذل جهده حتى لا يصل إلى عمر من الأخبار إلا ما يسره ومن ذلك أن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب ورجلاً آخر شربا شراباً دون أن يعلما أنه مسكر فسكرا، ثم إنهما جاءا إلى عمرو بن العاص يطلبان منه أن يقيم عليهما الحد فزجرهما عمرو وطردهما، فقال له عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي قال عمرو: فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب عمر وعزلني، ثم إن عمرو جلدهما أمام الناس وحلق رأسيهما داخل بيته، وكان الأصل العقاب بالحلق مع الجلد في وقت واحد أمام الناس، فجاءه كتاب من عمر يعنفه على عدم حلقه أمام الناس، وكان فيه: تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد عرفت أن هذا يخالفني، إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه([222]).

وقد وجهت ضد عمرو بن العاص بعض الشكاوى أثناء ولايته بعضها من جنوده المسلمين، وبعضها من أهل البلاد من الأقباط، مما دعا عمر رضي الله عنه إلى استدعاء عمرو بن العاص عدة مرات، لمعاتبته بل وأحياناً لمعاقبته على ما بدر منه، ومن ذلك ما تقدم به أحد المصريين ضد ابن لعمرو بن العاص ضربه بالسوط، مما جعل عمر بن الخطاب يستدعي عمرو وابنه ثم يأمر المصري بالقصاص من
ابن عمرو بن العاص ويقول له: لو ضربت أباه عمرو لما حلنا بينك وبين ذلك، والتفت عمر إلى عمرو بن العاص وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً([223])، وكذلك يدخل في هذا الباب ما تقدم به أحد الجنود من أن عمرو بن العاص اتهمه بالنفاق وكتب معه عمر إلى عمرو بن العاص أمراً بأن يجلس عمرو أمام الناس فيجلده إذا ثبت صدق ما ادعاه بشهادة شهود، وقد ثبت بالشهادة أن عمرو رماه بالنفاق، فحاول بعض الناس أن يمنع الرجل من ضرب عمرو وأن يدفع له الأرش مقابل الضرب، ولكنه رفض ذلك، وعندما قام على رأس عمرو ليضربه سأله: هل يمنعني أحد من ضربك؟ فقال عمرو: لا فامض لما أمرت به، قال: فإني قد عفوت عنك([224]).


.

3- شكاوى ضد أبي موسى الأشعري والي البصرة:

عن جرير بن عبد الله البجلي أن رجلاً كان مع أبي موسى الأشعري، وكان ذا صوت، ونكاية، في العدو، فغنموا مغنماً فأعطاه أبو موسى بعض سهمه، فأبى أن يقبله إلا جميعاً، فجلده أبو موسى عشرين سوطاً وحلقه، فجمع الرجل شعره ثم ترحل إلى عمر بن الخطاب حتى قدم عليه، فدخل على عمر بن الخطاب، قال جرير: وأنا أقرب الناس من عمر، فأدخل يده فاستخرج شعره ثم ضرب به صدر عمر ثم قال: أما والله لولا النار، فقال عمر: صدق والله لولا النار فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت ذا صوت ونكاية، فأخبره بأمره، وقال ضربني أبو موسى عشرين سوطاً، وحلق رأسي، وهو يرى أنه لا يقتص منه، فقال عمر رضي الله عنه: لأن يكون الناس كلهم على صرامة هذا، فأحب إلي من جميع ما أفاء الله علينا، فكتب عمر إلى أبي موسى: السلام عليك أما بعد فإن فلاناً أخبرني بكذا وكذا، فإن كنت فعلت ذلك في ملأ من الناس، فعزمت عليك لما قعدت له في ملأ من الناس، حتى يقتص منك وإن كنت فعلت ذلك في خلاء من الناس، فاقعد له في خلاء من الناس، حتى يقتص منك، فقدم الرجل، فقال له الناس: أعف عنه، فقال: لا والله لا أدعه لأحد من الناس، فلما قعد له أبو موسى ليقتص منه، رفع الرجل رأسه إلى السماء ثم قال: اللهم إني قد عفوت عنه([225])، وعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: كنا مع عمر في مسير فأبصر رجلاً يسرع في سيره، فقال: إن هذا الرجل يريدنا، فأناخ ثم ذهب لحاجته، فجاء الرجل فبكى وبكى عمر –رضي الله عنه- وقال: ما شأنك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت الخمر، فضربني أبو موسى وسود وجهي، وطاف بي، ونهى الناس أن يجالسوني، فهممت أن آخذ سيفي فأضرب به أبا موسى، أو آتيك فتحولني إلى بلد لا أعرف فيه، أو ألحق بأرض الشرك، فبكى عمر –رضي الله عنه- وقال: ما يسرني أنك لحقت بأرض الشرك وأن لي كذا وكذا، وقال: إن كنت ممن شرب الخمر، فلقد شرب الناس الخمر في الجاهلية، ثم كتب إلى أبي موسى: إن فلاناً أتاني فذكر كذا وكذا، فإذا أتاك كتابي هذا فأمر الناس أن يجالسوه وأن يخالطوه، وإن تاب فاقبل شهادته، وكساه وأمر له بمائتي درهم([226])، وجاء في رواية: إن فلاناً بن فلان التميمي أخبرني بكذا وكذا، وايم الله لئن عُدت لأسودنّ وجهك وليطاف بك في الناس، فإن أردت أن تعلم أحقًّ ما أقول فعد وأمُر الناس فليؤاكلوه وليجالسوه، وإن تاب فاقبلوا شهادته وكساه عمر رضي الله عنه حُلّة وحمله، وأعطاه مائتي درهم([227])، وهذه القصة فيها حرص الفاروق على ألا يتعدى أحدٌ من عماله العقوبات الشرعية عند معاقبة العاصين([228]).


.

4- شكوى أهل حمص ضد سعيد بن عامر:

قال خالد بن معدان: استعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر الجُمحي، فلما قدم عمر حمص قال: يا أهل حمص، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه، وكان يقال لأهل حمص الكوفية الصغرى لشكايتهم العمال، قالوا: نشكوه أربعاً، لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: أعظم بها وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحداً بليل، قال: وعظيمة، وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا، قال عظيمة وماذا؟ قالوا: يَغْنَط الغَنْطَة بين الأيام (أي يغمى عليه ويغيب عن حسه) فجمع عمر بينهم وبينه وقال: اللهم لا تفيّل رأيي فيه اليوم، وافتتح المحاكمة فقال لهم أمامه: ما تشكون منه؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: ما تقول؟ قال: والله إن كنت لأكره ذكره: ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم فقال: ما تشكون منه؟ قالوا:
لا يجيب أحداً بليل، قال: ما تقول؟ قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله عز وجل قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوماً في الشهر لا يخرج إلينا فيه قال: ما تقول؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجفّ ثم أدلكها ثم أخرج إليهم آخر النهار قال: ما تشكون منه، قالوا: يَغْنط الغنطة بين الأيام قال: ما تقول؟ قال: شهدت مصرع خُبيب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة فقالوا، أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال، والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً r يشتاكُ شوكة ثم نادى يا محمد فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً فتصيبني تلك الغنطة فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيّل فراستي، فبعث إليه بألف دينار وقال: استعن بها على أمرك، ففرَّقها([229]).


.

5- عزل من استهزأ بأحد أفراد الرعية:

قال قيس بن أبي حازم رحمه الله: استعمل عمر –رضي الله عنه- رجلاً من الأنصار فنزل بعظيم أهل الحيرة عمرو بن حيان بن بقيلة، فأمال عليه بالطعام والشراب
ما دعا به، فاحتبس الهزل([230])، فدعا الرجل فمسح بلحيته، فركب إلى عمر –رضي الله عنه- فقال يا أمير المؤمنين، قد خدمت كسرى وقيصر فما أُتي إليّ ما أتي في ملكك، قال: وما ذاك؟ قال: نزل بي عاملك فلان فأمَلْنا عليه بالطعام والشراب، ما دعا به فاحتبس الهزل فدعاني فمسح بلحيتي، فأرسل إليه عمر –رضي الله عنه- فقال: هيه؟! أمال عليك بالطعام والشراب ما دعوت به، ثم مسحت بلحيته؟ والله لولا أن تكون سنة ما تركت في لحيتك طاقة إلا نتفتها، ولكن اذهب فوالله لا تلي لي عملاً أبداً([231]).


.

ثالثاً: العقوبات التي نزلت بالولاة في عهد عمر رضي الله عنه:

نتيجة لمراقبة الفاروق لولاته لاحظ وجود بعض الأخطاء التي وقع فيها الولاة، فقام بتأديبهم ومعاقبتهم على هذه الأخطاء التي وقعوا فيها وقد اختلفت طرق تأديب الولاة حسب اختلاف الأحداث وحسب ما يراه الخليفة ومن أهم أساليب الولاة:


.

1- القود من الأمراء والاقتصاص منهم لو أخطأوا:

وقد كان عمر يقول: ألا وأني لم أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلمونكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفسي بيده إذن لأقصنه([232])، ولم يكتف عمر بالبيانات الرسمية التي تهدد الولاة وتمنعهم من الاعتداء على الناس بل إنه طبق ذلك عملياً، كما مر معنا فيمن اشتكى من أبي موسى الأشعري، واشتكى من عمرو بن العاص رضي الله عنهم([233]).


.

2- عزل الوالي نتيجة وقوعه في الخطأ:

وقد قام الفاروق رضي الله عنه بعزل الولاة نتيجة وقوعهم في أخطاء لا يرتضيها، فقد عزل رضي الله عنه أحد الأمراء نتيجة تدخله فيما لا يعنيه في شئون أجناده حيث بعثه على جيش، فلما نزل بهم قال: عزمت عليكم لما أخبرتموني بكل ذنب أذنبتموه فجعلوا يعترفون بذنوبهم فبلغ ذلك عمر فقال: ما له لا أم له، يعمد إلى ستر ستره الله فيهتكه؟ والله لا يعمل لي أبداً([234])، كما غضب عمر من أحد الولاة حينما بلغه بعض شعره وهو يتمثل فيها بالخمر فعزله([235]).



3- إتلاف شيء من مساكن الولاة:

وهو ما يقع فيه المخالفة، فقد كان عمر رضي الله عنه يحرص على أن تكون بيوت الولاة بدون أبواب، وبدون حجاب، فلما بلغه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قد وضع بابا لداره بعث إليه محمد بن مسلمة وأمره بإحراق ذلك الباب([236])، وكان سبب ذلك الباب قرب الأسواق من داره، وكانت الأصوات مرتفعة بالسوق تؤذي سعداً، فوضع بابا يحجز عنه أصوات الناس بالسوق، وبلغ ذلك أسماع عمر عن دار سعد وبابه، وأن الناس يسمّونه قصر سعد، فدعا محمد بن مسلمة وأرسله إلى الكوفة، وقال: اعمد إلى القصر حتى تحرق بابه، ثم ارجع عودك على بدئك، فخرج حتى قدم الكوفة، فاشترى حطباً ثم أتى به القصر، فأحرق الباب([237])، وروى ابن شبة: أن عمر استعمل مجاشع بن مسعود على عمل فبلغه أن امرأته تجدد بيوتها فكتب إليه عمر: من عبد الله أمير المؤمنين إلى مجاشع بن مسعود سلام عليك أما بعد فقد بلغني أن الخضيراء تحدث بيوتها، فإذا أتاك كتابي هذا فعزمت عليك ألا تضعه من يدك حتى تهتك ستورها، قال: فأتاه الكتاب والقوم عنده جلوس فنظر في الكتاب، فعرف القوم أنه قد أتاه بشيء يكرهه، فأمسك الكتاب بيده ثم قال للقوم: انهضوا فنهضوا: والله ما يدرون إلى
ما ينهضهم، فانطلق بهم حتى أتى باب داره فدخل فلقيته امرأته فعرفت الشر في وجهه فقالت له: مالك؟ فقال إليك عني قد أرمقتني([238])، فذهبت المرأة، وقال للقوم: ادخلوا، فدخل القوم، فقال: فليأخذ كل رجل منكم ما يليه من هذا النحو واهتكوا، قال فهتكوا جميعاً حتى ألقوها إلى الأرض والكتاب في يده لم يضعه بعد وفي أثناء زيارة عمر إلى الشام دعاه يزيد بن أبي سفيان إلى الطعام فلما دخل عمر البيت وجد فيه بعض الستائر، فأخذ عمر يقطعها ويقول: ويحك أتلبس الحيطان
ما لو ألبسته قوماً من الناس لسترهم من الحر والبرد([239]).


.

3- التأديب بالضرب:

فقد استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث اشتهر عنه حمل الدرة، وضربه بها وقد ضرب بعض الولاة، بسبب حوادث اقترفوها، ففي أثناء زيارة عمر إلى الشام دخل على بعض ولاته فوجد عندهم بعض المتاع الزائد، فغضب عمر وأخذ يضربهم بالدرة([240])، وفي أثناء زيارة عمر إلى الشام لقيه الأمراء، فكان أول من لقيه يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة، ثم خالد على الخيول، عليهم ثياب فاخرة لا تليق بالمجاهدين فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال: ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم، إياي تستقبلون في هذا الزي، وإنما شبعتم مذ سنتين وبالله ولو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم فقالوا يا أمير المؤمنين إنها يلاقة وإن علينا السلاح، قال فنعم إذن([241]).


.

4- خفض الرتبة من وال إلى راعي غنم:

وقد استعملها عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أحد ولاته، روى ابن شبة: أن عمر رضي الله عنه استعمل عياض بن غنم على الشام فبلغه أنه اتخذ حماماً واتخذ نوّاباً([242])، فكتب إليه أن يقدم عليه، فقدم، فحجبه ثلاثاً، ثم أذن له ودعا بجبة صوف، فقال البس هذه، وأعطاه كنف الراعي وثلاثمائة شاة وقال انعق بها، فنعق بها فلما جازه هنيهة، قال: أقبل، فأقبل يسعى حتى أتاه، فقال: اصنع بكذا وكذا، اذهب فذهب، حتى إذا تباعد ناداه: يا عياض أقبل فلم يزل يردده حتى عرّقه في جبينه، قال أوردها علي يوم كذا وكذا، فأوردها لذلك اليوم، فخرج عمر رضي الله عنه فقال انزع عليها فاستقى حتى ملأ الحوض فسقاها ثم قال: انعق بها، فإذا كان يوم كذا فأوردها فلم يزل يعمل به حتى مضى شهران أو ثلاثة، ثم دعاه فقال: هيه اتخذت نواباً واتخذت حماماً أتعود قال: لا قال: ارجع إلى عملك([243])، وقد كانت نتيجة هذه العقوبة التأديبية أن أصبح عياض بعد ذلك من أفضل عمّال عمر رضي الله عنه([244]).


.

5- مقاسمة الولاة أموالهم:

وكان تطبيق هذا النظام أمراً احتياطياً في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث شعر عمر بنمو الأموال لدى بعض الولاة فخشي أن يكون الولاة قد اكتسبوا شيئاً من هذه الأموال بسبب ولايتهم([245]) وقد علق ابن تيمية على فعل عمر هذا فقال: وكذلك محاباة الولاة في المعاملة من المبايعة، والمؤاجرة والمضاربة، والمساقات والمزارعة، ونحو ذلك هو من نوع الهدية، ولهذا شاطر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من عماله من كان له فضل ودين، لا يتهم بخيانة وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها، وكان الأمر يقتضي ذلك، لأنه كان إمام عدل، يقسم بالسوية ([246]) وقد قام عمر رضي الله عنه بمشاطرة أموال عماله منهم، سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وكان رضي الله عنه يكتب أموال عماله، إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك، وربما أخذه منهم([247]) وقد قام أيضا بمشاطرة بعض أقارب الولاة لأموالهم، إذا
ما رأى مبرراً لذلك، فقد أخذ من أبي بكرة نصف ماله، فاعترض أبو بكرة قائلاً: إني لم آلِ لك عملاً؟ فقال عمر: ولكن أخاك على بيت المال وعشور الأبلة، فهو يقرضك المال تتجر به([248]).


.

6- التوبيخ الشفوي والكتابي:

وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاتبة الأمراء على تصرفاتهم أثناء اجتماعهم به، حيث إنه عاتب عمرو بن العاص مرات، كما عاتب عياض بن غنم، وخالد بن الوليد وأبا موسى الأشعري وغيرهم من الأمراء([249]) وأما المعاتبة الكتابية في خلافة عمر فهي كثيرة، منها: أنه كتب إلى أحد الولاة، وكان قدم عليه قوم فأعطى العرب وترك الموالي: أما بعد فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام([250]).

ومن هذا كله نجد أن الولاة لم يكونوا بمنأى عن المحاسبة والتأديب بصور مختلفة، ولم تشهد البشرية مثيلاً لها في عدلها وجرأتها، مما جعل هذا العصر الراشدي بحق نموذجاً رفيعاً للحضارة الإسلامية بعد عصر الرسالة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام([251]) هذا وقد كانت حرية النقاش وبحث المشاكل بين الخليفة وولاته مكفولة إلى أقصى ما يمكن تصوره من حرية النقاش، لا يرهب الوالي سلطان الخليفة وهذا مثال على ذلك: عندما قدم عمر على الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما رأى معاوية عمر نزل من على صهوة جواده، ومشى إليه، وقال: السلام على أمير المؤمنين، فمضى عمر، ولم يرد عليه سلامه، ومعاوية يسرع خلف جمل عمر وكان معاوية سميناً، فلهث. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أتعبت الرجل، فلو كلمته: فالتفت إليه عمر وقال يا معاوية، أأنت صاحب الموكب الذي أرى. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال معاوية: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لم ويحك؟ قال معاوية: لأننا ببلاد كثر بها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العُدة والعدد، استخف بنا، وهجم علينا! وأما الحجاب، فإننا نخاف من الابتذال وجرأة الرعية. وأنا بعد عاملك، إن استوقفتني وقفت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين. قال عمر: ما سألتك عن شيء إلا خرجت منه، إن كنت صادقاً فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذباً فإنها خدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك، وانصرف عنه([252]).

ورغم شدة عمر على ولاته ودقته في محاسبتهم وإقدامه على عزل من تحوم حوله شبهة أو تثور في حقه شكاية ذات أثر، فإن رابطة قوية من الحب والولاء كانت تربطه بولاته الذين كانوا يثقون ثقة مطلقة في إخلاص خليفتهم وسلامة مقاصده وسياسته وتجرده وعدله، لقد كان عمر إذا غابت عنه أخبار بعض قادته في ساحات الجهاد يكاد يقتله القلق ويستبد به الخوف والشفقة عليهم، وكان في بعض الحروب الكبرى يخرج بنفسه يتنطّس الأخبار، ويتحسس الأنباء علّه يطمئن عليهم، وفي حالات أخرى كان يلتقي بهم فنجد أمارات الحب العميق بينهم،فلما سار عمر لفتح بيت المقدس وانتهى إلى الجابية لقيه قائداه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فوافقا عمر راكباً، فقبّلا ركبتيه، وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما([253]).


.

6- التوبيخ الشفوي والكتابي:

وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاتبة الأمراء على تصرفاتهم أثناء اجتماعهم به، حيث إنه عاتب عمرو بن العاص مرات، كما عاتب عياض بن غنم، وخالد بن الوليد وأبا موسى الأشعري وغيرهم من الأمراء([249]) وأما المعاتبة الكتابية في خلافة عمر فهي كثيرة، منها: أنه كتب إلى أحد الولاة، وكان قدم عليه قوم فأعطى العرب وترك الموالي: أما بعد فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام([250]).

ومن هذا كله نجد أن الولاة لم يكونوا بمنأى عن المحاسبة والتأديب بصور مختلفة، ولم تشهد البشرية مثيلاً لها في عدلها وجرأتها، مما جعل هذا العصر الراشدي بحق نموذجاً رفيعاً للحضارة الإسلامية بعد عصر الرسالة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام([251]) هذا وقد كانت حرية النقاش وبحث المشاكل بين الخليفة وولاته مكفولة إلى أقصى ما يمكن تصوره من حرية النقاش، لا يرهب الوالي سلطان الخليفة وهذا مثال على ذلك: عندما قدم عمر على الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما رأى معاوية عمر نزل من على صهوة جواده، ومشى إليه، وقال: السلام على أمير المؤمنين، فمضى عمر، ولم يرد عليه سلامه، ومعاوية يسرع خلف جمل عمر وكان معاوية سميناً، فلهث. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أتعبت الرجل، فلو كلمته: فالتفت إليه عمر وقال يا معاوية، أأنت صاحب الموكب الذي أرى. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال معاوية: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لم ويحك؟ قال معاوية: لأننا ببلاد كثر بها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العُدة والعدد، استخف بنا، وهجم علينا! وأما الحجاب، فإننا نخاف من الابتذال وجرأة الرعية. وأنا بعد عاملك، إن استوقفتني وقفت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين. قال عمر: ما سألتك عن شيء إلا خرجت منه، إن كنت صادقاً فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذباً فإنها خدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك، وانصرف عنه([252]).

ورغم شدة عمر على ولاته ودقته في محاسبتهم وإقدامه على عزل من تحوم حوله شبهة أو تثور في حقه شكاية ذات أثر، فإن رابطة قوية من الحب والولاء كانت تربطه بولاته الذين كانوا يثقون ثقة مطلقة في إخلاص خليفتهم وسلامة مقاصده وسياسته وتجرده وعدله، لقد كان عمر إذا غابت عنه أخبار بعض قادته في ساحات الجهاد يكاد يقتله القلق ويستبد به الخوف والشفقة عليهم، وكان في بعض الحروب الكبرى يخرج بنفسه يتنطّس الأخبار، ويتحسس الأنباء علّه يطمئن عليهم، وفي حالات أخرى كان يلتقي بهم فنجد أمارات الحب العميق بينهم،فلما سار عمر لفتح بيت المقدس وانتهى إلى الجابية لقيه قائداه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فوافقا عمر راكباً، فقبّلا ركبتيه، وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما([253]).

.


رد مع اقتباس
5 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة: