4- مجنونة زنت: أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار الناس فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: أما علمت أن القلم قد رفع، فذكر الحديث وفي آخره قال: بلى قال فما بال هذه ترجم؟ فأرسلها([256])، وجعل عمر يكبر([257]). 5- ذمي استكره مسلمة على الزنا: حدث ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه، فصلبه لأنه خالف شروط العهد([258]). 6- إكراه نساء على الزنا: أتي عمر بإماء من إماء الإمارة استكرههنّ غلمان من غلمان الإمارة فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء([259])، وأتي عمر بامرأة زنت فقال: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها([260])، فهذه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل، فقد حدث في عهد عمر: أن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها. 7- حكم من جهل تحريم الزنا: عن سعيد بن المسيب: أن عاملاً لعمر بن الخطاب كتب إلى عمر يخبره: أن رجلاً اعترف عنده بالزنى؟ فكتب إليه عمر، أن سله: هل كان يعلم أنه حرام، فإن قال: نعم، فأقم عليه الحد، وإن قال: لا، فأعلمه أنه حرام، فإن عاد فاحدده([261]). ● ● ● ● . 8- تزوجت في عدتها وهي وزوجها لا يعلمان التحريم: تزوجت امرأة في عدتها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فضربها دون الحد وفرق بينهما([262])، وجلد الزوج تعزيراً([263]). 9- امرأة تزوجت ولها زوج كتمته: رجمها عمر، وجلد الزوج مائة سوط، ولم يُرْجم للجهالة([264]). 10- اتهام المغيرة بن شعبة بالزنا: فشهد عليه ثلاثة وتراجع الرابع فقال عمر: الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأصحاب محمد r([265])، وأقام حد القذف على الشهود الثلاثة لأن الشهادة لم تكتمل بالثلاثة([266]). ● ● ● ● . 11- حكم من تسرت بغلامها: تزوجت امرأة عبدها، فقيل لها، فقالت: أليس الله يقول} وَمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ { فهذا ملك يمين ورفع الأمر إلى عمر رضي الله عنه فقال لها: لا يحل لك ملك يمينك([267]) وفي رواية وفرق بينهما وجلدها مئة تعزيراً لا حداً، وقد أسقط عمر عنها الحد لجهلها بالتحريم([268]). 12- امرأة اتهمت زوجها بجاريتها: اتهمت امرأة زوجها بجاريتها ثم اعترفت بأنها وهبتها له، فحكم عمر رضي الله عنه؛ بإقامة حد القذف على المرأة ثمانين جلدة([269]). 13- إقامة حد القذف بالتعريض: حدث في عهد الفاروق أن عرّض أحد الأشخاص بآخر فقال له: ما أبي بزان ولا أمي بزانية، فاستشار عمر في ذلك فقال قائل: مدح أباه وأمه، وقال آخرون: كان لأبيه وأمه مكان غير هذا، نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين جلدة([270])، فعمر رضي الله عنه قد جلد الحد بالتعريض لأن القرينة كانت واضحة، فقد كان الرجل يعرّض بصاحبه لأن الحال تبين لك فهو ما قال إلا بعد سب ومخاصمة، وفعل عمر رضي الله عنه يعتبر سياسة أراد بها تأديب السفهاء وحفظ أعراض الأبرياء وهي سياسة حكيمة لا تخالف نصاً من كتاب ولا سنة، بل إنها عمل بروح الشريعة الغرّاء([271]). 14- إهدار دم اليهودي المعتدي على العرض: كان شابان صالحان متآخيان في عهد عمر رضي الله عنه، فأغزى أحدهما فأوصى أخاه بأهله، فأنطلق ذات ليلة إلى أهل أخيه يتعهدهم فإذا سراج في البيت يزهر، وإذا يهودي في البيت مع أهل أخيه وهو يقول: وأشعت غره الإسلام مني أبيت على ترائبها ويمسي كأن مجامع الربلات([272]) منها خلوت بعرسه ليل التمام([273]) على جرداء لاحقه الحزام([274]) فئام ينهضون إلى فئام([275]) ● ● ● ● . فرجع الشاب إلى أهله فاشتمل على السيف حتى دخل على أهل أخيه، فقتل اليهودي ثم جرده فألقاه في الطريق، فأصبح اليهود وصاحبهم قتيل لا يدرون من قتله، فأتوا عمر بن الخطاب، فدخلوا عليه، وذكروا ذلك له، فنادى عمر في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أنشد الله رجلاً علم من هذا القتيل علماً إلا أخبرني به فقام الشاب، فأنشد عمر الشعر وأخبره فقال عمر: لا يقطع الله يديك، وأهدر دمه([276]). 15- قتيل الله لا يودى أبداً: روى عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في سننه: أن رجلاً استضاف ناساً من هذيل، فأرسلوا جارية تحتطب لهم، فأعجبت المضيف فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنعت، فعاركها ساعة، فانفلتت منه، انفلاتة فرمته بحجر، ففضت كبده فمات، ثم جاءت إلى أهلها فأخبرتهم، فذهب أهلها إلى عمر فأخبروه، فأرسل عمر، فوجد آثارهما فقال: قتيل الله لا يودى أبداً فهو رضي الله عنه قد أهدر دم ذلك المعتدي فلا قصاص ولا دية ولا كفارة. 16- لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن غلاماً قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم وفي رواية: إن أربعة قتلوا صبياً فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم([277])، وهذا الحكم لم يوجد فيه نص من كتاب ولا سنة ولم يوجد أثر عن الصديق أنه قضى بمثله، وإنما بنى حكمه على فهمه لمقاصد الشريعة والتي جاءت لحفظ أمن المجتمع واستقراره، إذ أن الدماء ليست أمراً هيناً، ولذلك يقتضي العدل، ومصلحة الأمة، ومقاصد الشريعة القصاص إذا ثبت أن الجميع تواطئوا على قتله وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وسعيد بن المسيب والحسن وأبي سلمة وعطاء وقتادة والثوري، والأوزاعي وغيرهم([278])، وهذا الرأي هو الأرجح والأَولى بالاتباع وذلك لقوة الدليل في فعل عمر وإجماع الصحابة ولما فيه من حكمة في ردع وزجر الناس وحفظ النفوس في المجتمع([279]). ● ● ● ● . 17- عقوبة الساحر القتل: كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة([280])، ونفذ ذلك وكان إجماعاً من الصحابة([281]). 18- من قتل ولده متعمداً؟ وما حكم المسلم الذي يقتل ذمياً؟ حكم عمر رضي الله في من قتل ولده بدفع الدية([282])، وأما المسلم الذي يقتل ذمياً فحكمه القتل قصاصاً وهذا حدث في عهد عمر حيث قتل مسلم ذمياً بالشام، فقتل قصاصاً([283]). 19- الجمع بين الدية والقسامة: القسامة: هي الأيمان المكررة في دعوى القتل من أولياء القتيل أو المدعى عليهم([284])، وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الشعبي: أن قتيلاً وجد بين وادعة وشاكر([285])، فأمرهم عمر بن الخطاب أن يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب فأحلفهم خمسين يميناً، كل رجل: ما قتلته ولا علمت قاتله، ثم أغرمهم الدية، فقالوا: يا أمير المؤمنين لا أيماننا دفعت عن أموالنا ولا أموالنا دفعت عن أيماننا فقال عمر: كذلك الحق([286]). 20- اللهم لم أشهد ولم آمر، ولم أرضَ ولم أسر إذ بلغني: لما أُتي عمر بفتح (تستر) قال: هل كان شيء؟ قالوا: نعم رجل ارتد عن الإسلام. قال: فما صنعتم به قالوا: قتلناه. قال: فهلا أدخلتموه بيتاً وأغلقتم عليه وأطعمتموه كل يوم رغيفاً فاستتبتموه فإن تاب وإلا قتلتموه، ثم قال: اللهم لم أشهد، ولم آمر، ولم أرضَ، ولم أُسر إذ بلغني([287]). 21- جعل حد الخمر ثمانين جلدة: لما تولى الفاروق الخلافة وكثرت الفتوحات الإسلامية وتحسنت أحوال الناس، وتباعدت الديار ودخل كثير من الناس الإسلام ولم يأخذوا التربية الإسلامية الكافية والتفقه في الدين كمن سبقهم من المسلمين، فكثر في الناس شرب الخمر وكانت مشكلة أمام عمر، فجمع كبار الصحابة وشاورهم في الأمر، فاتفقوا على أن يبلغ هذا الحد ثمانين وهو أدنى الحدود، فعمل به ولم يخالفه أحد من الصحابة في عهده([288])، فقد ذكر ابن القيم: أن خالد بن الوليد بعث وبرة الصليتي من الشام إلى عمر قال فأتيته وعنده طلحة والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف متكئون في المسجد فقلت له إن خالد بن الوليد يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الناس قد انبسطوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فما ترى. فقال عمر: هم هؤلاء عندك. قال: فقال عليّ: أراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فأجمعوا على ذلك فقال عمر: بلغ صاحبك ما قالوا، فضرب خالد ثمانين وضرب عمر ثمانين([289]). 22- إحراق حانوت الخمر: عن يحيى بن سعيد بن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجد عمر في بيت رجل من ثقيف شراباً فأمر به فأحرق، وكان يقال له رويشد فقال: أنت فويسق([290])، وقال ابن الجوزي: وأحرق يعني عمر بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتاً يعني نباذاً([291])، وقال ابن القيم: وحرق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حانوت الخمر بما فيه، وحرق قرية تباع فيها الخمر([292]). 23- أنكحها نكاح العفيفة المسلمة: أتى عمر رضي الله عنه رجل فقال: إن ابنة لي كنت وأدتها في الجاهلية فاستخرجناها قبل أن تموت، فأدركت معنى الإسلام فأسلمت، ثم أصابها حد من حدود الله، فأخذت الشُّفرة لتذبح نفسها، وأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها([293])، فداويتها حتى برأت، ثم أقبلت بعد توبة حسنة، وهي تخطب إلى قوم، فأخبرهم بالذي كان؟ فقال عمر: رضي الله عنه: أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه، والله لئن أخبرت بشأنها أحداً لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة([294]). 24- من طلق زوجته يمنعها من الميراث: عن سالم عن أبيه أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال النبيصلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعاً، فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرسل إليه عمر فقدم عليه، فقال له: إني أظهر أن الشيطان فيما يسترق السمع سمع بموتك فقذف في قلبك أنك تموت، فحملك مبادرة ذلك على ما صنعت، وإني والله لأظنك لا تلبث بعد أن تقوم عن حضري هذا حتى تموت، وايم الله لئن مت قبل أن تراجع نساءك وترجع مالك لأورثن نساءك من مالك، ثم لأرجمن قبرك حتى أجعل عليه مثل ما على قبر أبي رغال، فراجع نساءه – ولم يكن بت طلاقهن – وارتجع ماله الذي قسم بين بنيه، ثم ما لبث أن مات([295]). ● ● ● ● . 25- أقل مدة الحمل وأكثره: رفعت إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فجاءت أختها إلى عليّ فقالت: إن عمر همّ برجم أختي، فأنشدك الله إن كنت تعلم لها عذراً لما أخبرتي به، فقال علي: إن لها عذراً، فكبرت تكبيرة سمعها عمر ومن عنده، فانطلقت إلى عمر فقالت: إن علياً زعم أن لأختي عذراً، فأرسل عمر إلى علي: ما عذرها؟ فقال إن الله يقول: ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)) وقال: (( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)) فالحمل ستة أشهر والفصال أربعة وعشرون شهراً فخلى عمر سبيلها، وقد يبقى الحمل في بطن أمه أكثر من تسعة أشهر، فقد رفعت لعمر امرأة غاب عنها زوجها سنتين، فجاء وهي حبلى، فهم عمر برجمها فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين إن يك لك السبيل عليها، فليس لك السبيل على ما في بطنها، فتركها عمر حتى ولدت غلاماً قد نبتت ثناياه، فعرف زوجها شبهه به، قال عمر: عجز النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر([296])، ويظهر أن عمر كان يرى أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، لأنه قضى في امرأة المفقود أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة قال ابن قدامة حاكياً مذهب عمر في ذلك: المفقود تتربص زوجته أربع سنين أكثر مدة الحمل، ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج([297]). ● ● ● ● . سابعاً: فرض القيود على الملكية حتى لا يقع تعسّف في استعمالها: ومن اجتهادات عمر التي سبق بها زمانه والتي تدل على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وتفرض قيوداً على الملكية حتى لا يقع تعسف في استعمالها ما رواه مالك في الموطأ: عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك، لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك، فقال محمد لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعلَ الضحاك([298])، وكان هذا قياساً من عمر على حديث أبي هريرة الذي قال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) ثم قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم([299]). ويظهر لنا أن ما فعله عمر هو قياس أولى، لأن نهي النبي الجار أن يمنع جاره غرز خشبة في جداره، هذه العملية وإن كانت لا تضر الجار فإنها في ذات الوقت لا تنفع هذا الجار، في حين أن مرور الماء اجتمع فيه الأمران معاً، نفع الجار، وعدم إلحاق الضرر به، فهو قياس أولى، وإذا كان أحمد إبراهيم يرى أن عمر قضى في هذه النازلة بما يعرف اليوم بقواعد العدالة([300])، فإن عبد السلام السليماني يرى أنها تدخل فيما يعرف اليوم في الفقه الغربي بنظرية التعسف في استعمال الحق هذه النظرية التي سبق إليها المسلمون الفقه الغربي بعدة قرون، وقد استمدت من حديث أبي هريرة سالف الذكر، الذي عممه عمر في كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز ذلك إلا بإذن جاره([301]). ويلاحظ على هذه النازلة عدة أمور وهي: 1- أن هذه النازلة تدخل في الاجتهاد القضائي لعمر، لأنه قضى فيها بناء على شكوى تقدم بها الضحاك إلى عمر بعد أن امتنع محمد بن مسلمة من الاستجابة لما طلب منه بصفة ودية، وبعد أن دعي هذا الأخير للحضور في مجلس عمر رضي الله عنه. 2- أن عمر لم يحكم في هذه النازلة جزافاً بل إنه تثبت في الأمر واطلع على ملابسات القضية وتأكد من إصرار الخصم على موقفه الرافض لمرور الماء في أرضه، وهو موقف لا مبرر له، لأن مرور الماء لم يكن يشكل أي ضرر على المدعى عليه بل على العكس من ذلك كان سيعود عليه بالنفع المحض ويحقق المصلحة المشتركة للطرفين معاً، وما دام الأمر كذلك فإن الامتناع عنه يشكل حائلاً أمام تحقيق مصلحة عامة ويدخل في نطاق التعسف في استعمال الحق، ولم يكن عمر ليتهاون في تحقيق الصالح العام لكل أفراد الأمة. 3- لاين سيدنا عمر محمد بن مسلمة، وهو يخاطبه مذكراً إياه بأخوة الإسلام محاولاً إقناعه بالرجوع إلى جادة الصواب ولما قابل هذا اللين بالرفض البات المشفوع بالقسم، وهو موقف أبان عن تحد لأمر الخليفة وامتناع عن الانصياع لحكمه، فجاء رد فعل عمر عنيفاً وفي مستوى مسؤوليته صونا لهيبة الخلافة التي لم يكن يستعملها إلا لتحقيق الصالح العام لجماعة المسلمين وصيانة الحقوق([302]). ● ● ● ● . ثامناً: إمضاؤه الطلاق الثلاث بلفظ واحد: عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم([303])، وعن أبي الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنّما كانت الثلاث تُجعلُ واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس نعم([304]). في هذين الأثرين قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإيقاع الطلاق الثلاث ثلاثاً، على خلاف ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر الصديق، حيث كان الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد أو مجلس واحد يوقع طلقة واحدة. ووجهة عمر في إيقاع هذه العقوبة والتعزير أن الناس أكثروا من إحداث طلاق الثلاث، فأراد أن يردهم إلى الطلاق السُّنِّي الذي شرعه الله، وهو إيقاع طلقة واحدة ثم يتركها حتى تنتهي عدتها، فإن كان له رغبة في عودة وشائج الزوجية راجعها قبل انتهاء العدة، وهكذا حتى تنتهي عدد الطلاق الثلاث([305])، وهذا التصرف من عمر بن الخطاب اعتبره بعض الناس مخالفة للنصوص ومنهم الدكتور عطية مصطفى مشرفة حيث قال: وكان عمر جريئاً في العمل بالرأي ولو خالف ذلك بعض النصوص والقواعد التي كانت معروفة ومعمولاً بها من قبل، ليكون الحكم ملائماً لأحوال المجتمع الإسلامي الجديد([306])، وذكر من الأمثال التي ضربها إيقاع الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثاً([307]) والحق أن عمر بهذا التصرف لم يخالف النصوص القطعية، وإنما اجتهد في فهم النصوص، إذ له سند منها: 1- روى مالك عن أشهب عن القاسم بن عبد الله أن يحيى بن سعيد حدّثه أن ابن شهاب حدثه، أن ابن المسيب حدَّثه، أن رجلاً من أسلم طلق امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات، فقال له بعض الصحابة: إن لك عليها رجعة، فانطلقت امرأته حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي طَلَّقَني ثلاث تطليقات في كلمة واحدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد بنت منه ولا ميراث بينكما([308]). ففي هذا الحديث أمضى رسول اللهصلى الله عليه وسلم الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ثلاثاً. 2- روى النسائي بسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجُلٌ وقال: يا رسول الله ألا أقتله([309])، ففي هذا الحديث غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من طلق امرأته ثلاثاً بلفظ واحد وأنكر عليه، مما يدل على وقوعها، إذ لو لم تقع الثلاث بلفظ واحد ثلاثاً لبيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة مع إمكانه غير جائز([310]). 3- وعن نافع بن عمير بن عبد يزيد بن ركانة، أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سُهيمة ألبتَّة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان([311]). ففي هذا الحديث لما طلق ركانة زوجته البتة، وادعى أنه لم يرد إلا طلقة واحدة، استحلفه الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه ما يريد إلا طلقة واحدة، فحلف فردها إليه، مما يدل على أنه لو قصد بطلاقه البتة الطلاق الثلاث لوقعن، وإلا فلم يكن لتحليفه معنى، وبعد سياق ما تقدم نجد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استند إلى دليل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه بإمضائه الثلاث بلفظ واحد ثلاثاً لم يكن بدعا من عند نفسه، كما أن كثيراً من الصحابة رضوان الله عليهم وافقه فيما ذهب إليه، كعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود ولهم أكثر من رواية، وعمران بن حصين وعلى هذا فقضية إيقاع الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة، أو كلمات مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق وطالق وطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو يقول: أنت طالق ثم ثلاثاً أو عشر طلقات، أو مائة طلقة، أو ألف طلقة، أو نحو ذلك من العبارات مسألة اجتهادية للحاكم بحسب ما يرى من المصلحة في الزمان والمكان أن يوقعها ثلاثاً أو طلقة واحدة رجعية([312])، وقال ابن القيم رحمه الله: لم يخالف عمر إجماع من تقدمه، بل رأى إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم، لما علموا أنه حرام وتتابعوا فيه، ولا ريب أن هذا سائغ للأئمَّة أن يلزموا الناس بما ضيقوا به على أنفسهم، ولم يقبلوا فيه رخصة الله عزوجل وتسهيله([313]). ● ● ● ● . تاسعاً تحريم نكاح المتعة: رويت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه آثار في تحريم نكاح المتعة والتشديد في ذلك، واعتباره زنا يعاقب عليه بالرجم بالحجارة لمن أحصن وقد ظن بعض الناس أن المحرِّم لنكاح المتعة هو عمر بن الخطاب دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء الله بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتُّوا نكاح هذه النِّساء فلن أُوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة([314])، فهذا الأثر يفيد أن المتعة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذي حرّمها عمر بن الخطاب والآثار التي تفيد أن المتعة كانت حلالاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحرمها وكذلك عهد أبي بكر وإنما الذي حرم المتعة بعد أن كانت حلالاً، هو أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب ذُكرت عند مسلم، ومصنف عبد الرزاق وفي الحقيقية أن الذي حرّم المتعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذين نقل عنهم من الصحابة الذين كانوا يرون جواز نكاح المتعة، ولم يبلغهم النهي القاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك من نسب تحريم المتعة إلى عمر بن الخطاب دون أن يكون له سند من النصوص الشرعية من المتأخرين، أمثال أبي هلال العسكري([315])، ورفيق العظم([316]) فقد جهل أدلة ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كانت سنداً للفاروق في تحريمه للمتعة وإليك بعض الأحاديث التي وردت عن رسول الله والتي تفيد أنه حرم نكاح المتعة والتي منها: 1- روى مسلم بسنده عن سلمة قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس([317]) في المتعة ثلاثاً، ثم نهى عنها([318]). 2- وروى مسلم بسنده عن سبرة أنه قال: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء([319])، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطى؟ فقالت ردائي وقال صاحبي ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه([320])، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليَّ أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يَتَمتَّعُ، فليُخل سبيلها([321]). 3- وروى مسلم بسنده عن سبرة الجهني، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إنِّي قد كنت أَذِنْتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء فليُخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً([322]). 4- ورورى مسلم بسنده عن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يُليِّنُ في متعة النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية([323]). إن الفاروق رضي الله عنه لم يبتدع تحريم نكاح المتعة من عند نفسه، بل كان متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حرمها صلى الله عليه وسلم عام الفتح في السنة الثامنة من الهجرة تحريماً مؤبداً، بعد أن حرمها في خيبر سنة ست من الهجرة، ثم أحلها عام الفتح فمكث الناس خمسة عشرة يوماً وهم يستمتعون، ثم حرمها صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة([324]). ● ● ● ● . عاشراً: من اختيارات عمر رضي الله عنه الفقهية: أثّر عمر رضي الله عنه في المؤسسة القضائية باجتهاداته في مجال القصاص والحدود والجنايات والتعزير، كما أنه رضي الله عنه ساهم في تطوير المدارس الفقهية الإسلامية باجتهاداته الدالة على سعة اطلاعه وغزارة علمه وعمق فقهه وفهمه واستيعابه لمقاصد الشريعة الغرّاء وله مسائل كثيرة في الفقه الإسلامي اختارها ومال إليها وإليك بعضها: 1- اختار عمر رضي الله عنه أن جلد الميتة يطهر بالدباغ إذا كانت طاهرة في حال الحياة. 2- اختار عمر رضي الله عنه كراهة الصلاة في جلود الثعالب. 3- اختيار عمر رضي الله عنه لا يكره السواك للصائم بعد الزوال بل يستحب. 4- اختيار عمر رضي الله عنه أن المسح على الخفين وما أشبهها موقت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر. 5- اختيار عمر رضي الله عنه ابتداء مدة المسح على المسح بعد الحدث. 6- أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس. 7- اختيار عمر أن مس الذكر ينقض الوضوء. 8- اختيار عمر أن التكبير في العيد من الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق. 9- اختيار أبي بكر وعمر المشي أمام الجنازة أفضل. 10- اختياره تجب الزكاة على الصبي والمجنون. 11- اختيار عمر القول بإثبات خيار الفسخ، وإن لكل واحد الخيار ما دام في المجلس. 12- اختيار لا يصح السلم في الحيوان. 13- اختياره أنه إذا شرط أنه متى حل الحق ولم يوف فالرهن بالدين، فهو مبيع بالدين، الذي عليك، فهو شرط فاسد. 14- اختيار عمر إذا وجد الغريم عين ماله عند المفلس فهو أحق بها. 15- اختيار عمر أن الجارية لا يدفع إليها مالها بعد بلوغها حتى تتزوج أو تلد أو تمضي عليها سنة في بيت الزوج. 16- اختيار عمر أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها. 17- اختيار عمر أن الشفعة لا تكون إلا في المشاع غير المقسوم، فأما الجار فلا شفعة له. 18- اختياره تجوز المساقاة في جميع الشجر. 19- اختيار أبي بكر وعمر جواز استئجار الأجير بكسوته. 20- اختياره لا تلزم الهبة إلا بالقبض. 21- اختياره من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يُثب عليها، ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع. 22- اختياره أن مدة تعريف اللقطة سنة. 23- اختياره يجوز أخذ اليسير من اللقطة، والانتفاع به من غير تعريف. 24- اختيار عمر أن اللقطة إذا عرفها المدة المعتبرة، فلم يعرف مالكها، صارت كسائر أمواله غنياً كان أو فقيراً. 25*- اختيار عمر أن لقطة الحل والحرم سواء. 26- اختياره اللقيط يقر بيد من وجده إن كان أميناً. 27- اختياره: جواز الرجوع في الوصية وقال: يغير الرجل ما شاء من وصيته. 28- اختيار عمر أن الكلالة اسم للميت الذي لا ولد له ولا والد. 29- اختياره أن الأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل. 30- إذا كان زوج وأم، وإخوة من أم وإخوة من أب وأم فهذه المسألة في علم المواريث اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، فيروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث، فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين، ويروى أن عمر كان أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة، فشرك بينهم وهذه المسألة تسمى المشرَّكة وتسمّى الحمارية لما تقدم. 31- اختياره أن للجدات وإن كثرت السدس وهو قول أبي بكر. 32- اختيار عمر في أم وأخت وجد؛ للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجد. 33- اختيار عمر إذا كان زوج وأبوان؛ أعطي الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب وإذا كانت زوجة وأبوان أعطيت الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب وهاتان المسألتان تسميان بالعمريتين، لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا. 34- اختيار توريث ذوي الأرحام إذا لم يكن ذوا فرض ولا عصبة([325]).