ثالثاً: مصارف الدولة في عهد عمر: تنقسم مصارف بيت المال إلى ثلاثة أقسام هي: مصارف الزكاة وما يتصل بها، ومصارف الجزية والخراج والعشور وما يتصل بها، ومصارف الغنائم وما يتصل بها، وقد بين القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم مصارف هذه الأبواب([116]). ● ● ● ● . 1- مصارف الزكاة: ذكر المولى عز وجل ثمانية أصناف ممن تجب لهم الزكاة قال تعالى:} إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60) { (التوبة،آية:60). وقد كان الفقراء والمساكين في عهد عمر رضي الله عنه يعطون من هذه الأموال ما يبعدهم عن المسكنة والفقر، ويخرجهم من الفاقة والعوز، ويقربهم إلى أدنى مراتب الغنى واليسار([117])، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: إذا أعطيتم فأغنوا([118])، وهذه هي السياسة العمرية الراشدة وهي إعطاء ما يكفي وزيادة النسبة للعجز المؤقت، أما العجز المزمن من مرضى ونحوه، فإن الزكاة بالنسبة لهذا الصنف من والبطالة بالكسب، وتتعدى هذه السياسة العمرية المسلمين فتشمل مساكين أهل الكتاب بعد إسقاط الجزية عنهم([119])، كما أن من نفقات الزكاة العاملين عليها فهم لهم وظائف شتى، وأعمال متشعبة، كلها تتصل بتنظيم الزكاة، وبإحصاء من تجب عليه؟ وفيم تجب؟ ومقدار ما يجب؟ ومعرفة من تجب له؟ وكم عددهم؟ ومبلغ حاجتهم، وقدر كفايتهم، إلى غير ذلك من الشؤون التي تحتاج إلى جهاز كامل من الخبراء وأهل الاختصاص ومن يعاونهم([120])، وأما المؤلفة قلوبهم، فقد أسقط عمر سهمهم، وذلك لأن الإسلام كان قوي الجانب في خلافته فلا حاجة للانفاق من أموال الزكاة على هذا الصنف من الأصناف الثمانية التي نصت عليها الآية([121])، وأما في عصرنا الحاضر فلا يزال التأليف موجوداً بصورة أو أخرى، ويوجد من تنطبق عليهم شروط المؤلفة قلوبهم([122])، وقد استغل بعض خصوم الإسلام ودعاة الجمود من المسلمين إسقاط نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة في عهد عمر فكتبوا عن هذه القصة، وادعوا أن عمر رضي الله عنه، بهذا أوقف نصاً من نصوص القرآن الكريم، وهذا الادعاء ليس بصحيح، كما أنه لا يتفق مع الحقيقة فالواقع أن الخليفة عمر رضي الله عنه أوقف نصيب المؤلفة قلوبهم لسبب وحكمة، وهي أن الإسلام أصبح عزيزاً قوياً بعد أن كان ضعيفاً في عهده الأول، ورأى رضي الله عنه أنه لا داعي لتأليف هؤلاء وهؤلاء بعد العزّة والنصر والقوة([123]). وقد وافق الصحابة على قرار الفاروق، ولم تأت هذه الموافقة اعتباطاً وإنما نتيجة الاقتناع بالمبررات التي دفع بها لإيقاف إعطاء المؤلفة قلوبهم من حيث إن الإسلام قد غدا في قوة ومكنة تجعلانه في غنى عن عدد قليل لا وزن له، بعد دخول أمم كثيرة في الإسلام، كما أنه ليس ثمة خوف من هؤلاء الذين يطلبون التأليف، بل كان الخوف عليهم أن يظلوا على نزعتهم التواكلية، ثم إن حق هؤلاء ليس حقاً موروثاً يتوارثونه جيلاً بعد جيل([124])،إن عمر لم يقف جامداً أمام هذا النص فيما يتصل بسهم المؤلفة قلوبهم، فهو قد فهم أن المقصود من النص هو إعزاز الإسلام بدخول أشراف العرب فيه، وتثبيت من أسلم منهم على الإسلام، فقد نظر إلى علة النص لا إلى ظاهره، وحيث أعز الله الإسلام وكثر أهله فقد أصبح الإعطاء حينئذ –في نظر عمر- ذلة وخنوعاً، وزالت العلة التي من أجلها جعل الله للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة وبناء على ذلك أوقف عمر هذا السهم ولم يعطه لهم، وبناء على هذا الفهم الصحيح لا يجوز أن نقول إن عمر ألغى العمل بالنص القرآني المتعلق بإعطاء المؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة لأن ذلك من قبيل النسخ، ولا نسخ إلا من طرف صاحب الشرع نفسه وعليه فلا نسخ بعد وفاة الرسول r([125])، لقد كان عمر رضي الله عنه يراعي تغير الظروف والعلل التي بنيت عليها نصوص الأحكام، ولم يكن يقف مع ظواهرها كما سبق القول([126])، كما كان الإنفاق في الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل، وقد اعتنى القرآن الكريم بابن السبيل أيّما اعتناء، فقد جعل له سهماً من الزكاة ونصيباً من الفيء ومن خمس الغنائم، وعناية الإسلام بالمسافرين الغرباء والمنقطعين عناية فذة لم يعرف لها نظير في نظام من الأنظمة أو شريعة من الشرائع، ويؤكد هذه العناية هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصديق، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله اتخذ في عهده داراً خاصة أطلق عليها (دار الدقيق)، وذلك أنه جعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يحتاج إليه، يعين به المنقطع به، والضيف ومن ينزل بعمر، ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به، ويحمل من ماء إلى ماء([127]). إن هذا التحديد للأصناف الثمانية يوجب على الدولة حصرهم وتتبع حالتهم وأن يكون هناك سجلات في كل بلد، ثم في المقر الرئيسي للدولة، وقد كان للصدقة ديوان خاص بها في دار الخلافة، له فروع في سائر الولايات وقد كان ذلك في عهد الخليفة عمر (رضي الله عنه) بعد تدوين الدواوين([128])، إن نظرة إلى تلك الأصناف الثمانية الذين ذكرتهم الآية نلاحظ أنها قد شملت المصالح الدينية والسياسية والاجتماعية من دعوة للجهاد في سبيل الله، وتكوين الجيوش، والعمل على القضاء على الفقر، وسداد الدين، ودفع الحاجة عن ذوي الحاجة، أي أنها تشمل كل متطلبات المجتمع وإيجاد الأمن والمحبة والتآلف بين أفراده([129]). ● ● ● ● . 2- مصارف الجزية والخراج والعشور: تصرف في أعطيات الخلفاء، والعمال والجند، وآل البيت، وزوجات المجاهدين وغيرها من أوجه الخير. - أعطيات الخليفة: وقد فرض للخليفة عمر رضي الله عنه من الأعطيات خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم على رواية أخرى. أعطيات العمال: أي ولاة الأقاليم، ففي عهد الخليفة عمر (رضي الله عنه)، عين الفاروق في كل ولاية، واليا حازماً عادلاً لحكمها وإدارتها، وزوده بعدد من الأعوان والمساعدين والجباة والقضاة والكتّاب وعمال الخراج، والصدقات وغيرهم، فكان للصلاة والحرب عامل –وهو الأمير- ولتحصيل الأموال عامل آخر، ولمساحة الأراضي وتقدير الضرائب وإحصاء الناس عمّال لهم خبرة ودراية، وقد أجرى لهم الأعطيات بما يتناسب مع منصب كل منهم وما تتطلبه أعماله، مراعياً في ذلك حالة الإقليم من قرب وبعد، وتوفر خيرات، ورخص وغلاء، ولم يجعل لصرفها موعداً ثابتاً لا يتخلف([130]) وسيأتي الحديث عن العمال بالتفصيل بإذن الله عند حديثنا عن مؤسسة العمال. ● ● ● ● . - أعطيات الجند: اهتم عمر رضي الله عنه بأمر الجند فنظم ديوان الجيش، وسار في تقسيم الأرزاق فيه على أساس القربى من النسب النبوي الشريف، والسابقة للإسلام([131])، وبذلك أصبح في مقدمة أصحاب المعاشات آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم وكان العباس يتسلمها ويوزعها عليهم، ثم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وتختص كل واحدة بمعاش مستقل عن آل البيت أما بقية المسلمين فقد قسموا إلى طبقات حسب ترتيب اشتراكهم في الجهاد في سبيل الله، فبدأ بأهل بدر، ثم من حاربوا بعد بدر إلى الحديبية، ثم من حاربوا من الحديبية إلى آخر حروب الردة ثم من تلاهم من شهد القادسية واليرموك وهكذا، كما أنه جعل مخصصات لزوجات المحاربين وأطفالهم منذ الولادة ولم يغفل أمر الغلمان، واللقطاء، بل خصص لهم أعطيات سنوية، أدناها مائة درهم، تتزايد عند بلوغهم([132])، كما فرض للموالي من ألفين إلى ألف([133])، وقد وردت روايات كثيرة تتفق فيما بينها في كثير من أرقام المقررات التي قررها الخليفة عمر (رضي الله عنه) أعطيات للجند، وتختلف بعض الاختلافات في تلك المقادير([134])، وأما ما صح من مقادير العطاء، فإن عطاء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كان عشرة آلاف درهم (10000 درهم) كل سنة إلا جويرية وصفية وميمونة فقد فرض لهن أقل من ذلك ثم زاد عطاءهن إلى اثني عشر ألف درهم (12000 درهم) إلا صفية وجويرية كان عطاؤهن ستة آلاف درهم (6000 درهم)، وقد طالبت عائشة بالمساواة بين أمهات المؤمنين، فوافق عمر على مساواتهن، وكان عطاء المهاجرين والأنصار أربعة آلاف درهم (4000 درهم) لكل واحد سنوياً سوى عبد الله بن عمر بن الخطاب فإنه فرض له ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم (3500 درهم) معللاً ذلك بأنه هاجر به أبوه أي ليس كمن هاجر بنفسه([135])، وكان عبد الله صبياً حين الهجرة، ثم زاد المهاجرين ألفاً فصار عطاؤهم خمسة آلاف درهم (5000 درهم) كل سنة([136])، ويبدو أن هذا العطاء للبدريين فقط من المهاجرين والأنصار([137])، وأما من شهد صلح الحديبية فكان عطاؤه ثلاثة آلاف درهم (3000 درهم) كل سنة([138])، وفرض لكل مولود مائة درهم (100 درهم) وكان يفرض للفطيم ثم فرض للمولود حين ولادته خوفاً من تعجيل فطامه، وأما الموالي فقد فرض لأشرافهم كالهرمزان حينما أسلم ألفي درهم (2000 درهم) وغير ذلك من الأعطيات، وإضافة إلى العطاء السنوي فإن عمر رضي الله عنه كان يوزع عطايا متفرقة([139])، وإلى جانب ما خصص لكل فرد ممن سبق ذكرهم وزيادة على عطائه السابق طعام من الحنطة كل شهر([140])، وقد قال الخليفة عمر رضي الله عنه في آخر عهده: لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم، ألف لسفره، وألف لسلاحه، وألف يخلفها لأهله، وألف لفرسه وبغله([141])، وقد رأى الخليفة عمر رضي الله عنه أن لكل مسلم حقاً في بيت المال، منذ أن يولد حتى يموت، ولقد أعلن هذا المبدأ بقوله: والله الذي لا إله إلا هو -ثلاثاً- ما من أحد إلا له في هذا المال حق أُعطيَه أو مُنِعَه، وما أحد بأحق به من أحد إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه قبل أن يُخمَّرَ وجهه([142])، ومن المهم أن نتبين وجهة نظر عمر رضي الله عنه في عدم المساواة بين المسلمين في العطاء، ودعمه الواضح لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار واعتباره للسابقة في الإسلام والبلاء في الجهاد، فلا شك أن الفئة التي حازت الأموال الوفيرة في خلافته هي التي أقامت على أكتافها صرح الدولة الإسلامية، كما أنها أكثر فقهاً والتزاماً بالشرع ومقاصده، وأكثر ورعاً وصلاحاً في التعامل مع المال، وتذليله لتحقيق المقاصد الاجتماعية عن طريق الانفاق، ودعم هذه الفئة اقتصادياً يقوي نفوذها في المجتمع، ويجعلها أقدر على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلاحظ أن عمر رضي الله عنه عزم على تبديل سياسة التفضيل في العطاء إلى المساواة، وقد صرّح بذلك في آخر خلافته قائلاً: لئن بقيت إلى قابل، لألحقن آخر الناس بأولهم ولأجعلنهم بياناً واحداً([143]) –أي سواء- وأما عن نظرة عمر إلى الأموال العامّة فقد عبّر عنها بقوله: إن الله جعلني خازناً لهذا المال، وقاسماً له، ثم قال: بل الله يقسمه([144])، وقد بكى عندما رأى عظمة الأموال التي جلبت إلى بيت المال في فتوح فارس، فلما ذكره عبد الرحمن بن عوف بأنه يوم شكر وسرور وفرح وقال عمر: كلا إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء([145])، ونظر إلى أموال فتح جلولاء فقرأ الآية } زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ { (آل عمران،آية:14) وقال: اللهم لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم فاجعلني أنفقه في حقه وأعوذ بك من شره([146]). ● ● ● ● . 3- مصارف الغنائم: أما توزيع الغنائم فقد قسمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الآية الكريمة، قال تعالى: } وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... { (الأنفال،آية:41)، وأما أربعة أخماس الغنيمة الباقية فكانت توزع بين الغانمين للفارس ثلاثة أسهم -سهمان لفرسه وسهم له وللراجل سهم([147])، وقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم سهم في حياته ينفقه على نفسه، وأزواجه، وما بقي من هذه الأسهم كان يجعله في المصالح العامة أو ينفقه على أهل الفاقة والاحتياج، وكان لذوي قربى الرسول صلى الله عليه وسلم - السهم الثاني، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب الذين خضعوا للإسلام وشملتهم دعوته (عليه الصلاة والسلام) وقد اختلف الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين، سهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى، فقال قوم: سهم الرسول للخليفة من بعده، وقال آخرون: سهم ذوي القربى لقرابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة من بعده، فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح([148])، وبذلك أصبحت مخصصات السهمين تصرف في مصالح المسلمين العامة، كتجهيز الجيوش، وسد الثغور، والعمل على تقوية الدولة وتمكينها، في عهد الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما مخصصات الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، فقد بقيت كما كانت على أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يطرأ عليها أي تغيير أو تعديل في أيام الخليفة الثاني رضي الله عنه([149]). هذه بعض المعالم الواضحة على المؤسسة المالية في زمن الفاروق وكيف عمل على تطويرها، وقد كان رضي الله عنه شديد الورع في المال العام ويظهر ذلك في قوله: أنا أخبركم بما أستحل من مال الله، حلة الشتاء والقيظ وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم([150])، وكان يقول: اللهم إنك تعلم أني لا آكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي، ولا آخذ إلا حقي([151]) وكان يقول: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، من كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف([152]). ● ● ● ● . 4- أمور متعلقة بالتطوير الاقتصادي في الدولة: - إصدار النقود الإسلامية: تعتبر النقود من المعادن الثمينة كالذهب والفضة وهي وسيلة ضرورية للحياة الاجتماعية الخاصة والعامة، لا سيما في التعامل بين الأمم والدول، وما يعنينا من هذا الموضوع - وقد أصبح للإسلام دولة فيها مسلمون وغيرهم من الناس، ويجاورها أمم ودول ذات نظم وحضارات، ظلت تتعامل مع الدولة الإسلامية في عهد عمر وغيره من خلفاء وأمراء المسلمين - هو الناحية التنظيمية والإدارية التي سلكها عمر بشأن النقود، سواء أكان في داخل الدولة الإسلامية أم في دور الحرب الأخرى([153])، فالمعلومات التاريخية تشير إلى: أن عمر بن الخطاب قد أبقى على تداول النقود والعملة التي كانت متداولة قبل الإسلام وفي عهد الرسولصلى الله عليه وسلم وأبي بكر بما كان عليها من نقوش هرقلية عليها نقوش مسيحية أو كسروية رُسم فيها بيت النار، بيد أنه أقرها على معيارها الرسمي المعروف على عهد النبيصلى الله عليه وسلم وأبي بكر، مضيفاً إليها كلمة جائز، لتمييزها من البهارج الزائفات([154])، فالذي ضرب النقود المسكوكة في الخارج وأقر التعامل بها وقرر الدرهم الشرعي في الإسلام هو الفاروق رضي الله عنه يقول الماوردي: إن عمر بن الخطاب هو الذي حدد مقدار الدرهم الشرعي([155])، ويقول المقريزي: وأول من ضرب النقود في الإسلام عمر بن الخطاب سنة ثماني عشر من الهجرة على نقش الكسروية وزاد فيها: الحمد لله. وفي بعضها: لا إله إلا الله، وعلى جزء منها اسم الخليفة عمر([156])، وعليه فإن الفاروق رضي الله عنه قد وضع تنظيماً خاصاً لوسيلة من وسائل الحياة الضرورية للمسلمين وغيرهم أثناء حكمه وقد تبعه الخلفاء الراشدون وغيرهم ممن طوروا هذا الأمر مع تطور وتقدم المدنية والحضارة([157]). ● ● ● ● . - الإقطاع: مضى أبو بكر رضي الله عنه في تطبيق السياسة النبوية في إقطاع الأراضي للناس طلباً لاستصلاحها فقد أقطع الزبير بن العوام أرضاً مواتاً ما بين الجرف وقناة([158])، وأقطع مجاعة بن مرارة الحنفي الخضرمة (قرية كانت باليمامة) وأراد إقطاع عيينة بن حصن الفزاري والأقراع بن حابس التميمي أرضاً سبخة – ليس فيها كلأ ولا منفعة – أرادا استصلاحها ثم عدل عن ذلك أخذاً برأي عمر رضي الله عنه في عدم الحاجة لتأليفهما على الإسلام فقد قال لهما عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله عز وجل قد أعز الإسلام، فاذهبا فأجهدا جهدكما([159])، ومن الواضح أن اعتراض عمر ليس على مبدأ الإقطاع لاستصلاح الأراضي بل على أشخاص بعينهم لا يرى تأليفهم على الإسلام، وقد توسع عمر رضي الله عنه في إقطاع الأراضي لغرض استصلاحها جرياً على السياسة النبوية، فقد أعلن: يا أيها الناس من أحيا أرضاً ميتة فهي له([160])، وتعتضد آثار ضعيفة لتؤكد انتزاع عمر رضي الله عنه ملكية الأرض المقتطعة إذا لم يتم استصلاحها، وتحدد رواية ضعيفة لذلك ثلاث سنوات من تأريخ الإقطاع وقد ثبت إقطاع عمر رضي الله عنه لخوات بن جبير أرضاً مواتاً([161]) وللزبير بن العوام أرض العقيق جميعها، ولعلي بن أبي طالب أرض ينبع، فتدفق فيها الماء الغزير، فأوقفها علي رضي الله عنه صدقة على الفقراء، وتوجد آثار ضعيفة لإقطاعه عدداً من الصحابة الآخرين([162]). ● ● ● ● . المبحث الثاني: المؤسسة القضائية: عندما انتشر الإسلام، واتسعت رقعة الدولة في عهد عمر، وارتبط المسلمون بغيرهم من الأمم، دعت حالة المدنية الجديدة إلى تطوير مؤسسة القضاء، فقد كثرت مشاغل الخليفة، وتشعبت أعمال الولاة في الأمصار، وزاد النزاع والتشاجر، فرأى عمر رضي الله عنه أن يفصل الولايات بعضها عن بعض وأن يجعل سلطة القضاء مستقلون، حتى يتفرغ الوالي لإدارة شؤون ولايته، فأصبح للمؤسسة القضائية قضاة مستقلين، عن الولايات الأخرى، كولاية الحكم والإدارة فكان عمر بهذا أول من جعل للقضاء ولاية خاصة، فعين القضاة في الأمصار الإسلامية، في الكوفة والبصرة والشام، ومصر، وجعل القضاء سلطة تابعة له مباشرة، سواء كان التعيين من الخليفة، أو كان بتفويض أحد ولاته بذلك نيابة عنه، وهذا يدل على أن القيادة الإسلامية متمثلة في شخصية الفاروق، لم تكن عاجزة عن وضع قواعد أصلية، في تنظيم الدولة وترتيب شؤونها، وتحديد سلطاتها وإذا كانت أوربا قد اكتشفت هذه القاعدة بصورة نظرية في القرن الثامن عشر، واعتبرتها فتحاً جديداً في تنظيم الدولة، وفي رعاية حقوق المواطنين، يوم تحدث عنها (مونتسكو) في كتابة روح الشرائع، ولكن لم يكتب لهذه القاعدة التطبيق العملي إلا في أوائل القرن التاسع عشر، أي بعد الثورة الفرنسية، فإن الإسلام قد أقرّها قبل أربعة عشر قرناً، واعتبرها أصلاً من أصول نظامه وقد كان هذا الأصل من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذاً إلى اليمن وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تقضي يا معاذ؟ فبين معاذ أنه يقضي بكتاب الله، فإن لم يجد فبسنة رسول الله، فإن لم يجد يجتهد رأيه ولا يألو، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك([163]) وأما الفاروق، فقد قام بتطوير المؤسسة القضائية وما يتعلق بها من أمور، وأصبح في عهده مبدأ فصل القضاء عن غيره من السلطات واضحاً في حياة الناس ولم يكن استقلال ولاية القضاء مانعاً لعمر رضي الله عنه من أن يفصل في بعض القضايا، وربما ترك بعض ولاته يمارسون القضاء مع السلطة التنفيذية، ويراسلهم في الشؤون القضائية، فقد راسل المغيرة بن شعبة في أمر القضاء وكان واليه على البصرة ثم الكوفة، وراسل معاوية واليه على الشام في النزاع القضائي، وراسل أبا موسى الأشعري في شأن بعض القضايا، وكان القاضي يعين للولاية كلها، سواء أكان تعيينه من قبل الخليفة أم كان من قبل الوالي بأمر الخليفة، وكان مقر القاضي حاضرة الولاية وإليه ترجع السلطة القضائية في ولايته([164])، وقد تم فصل السلطة القضائية في الولايات الكبيرة على الغالب، مثل الكوفة، ومصر، وقد جمع لبعض ولاته بين الولاية والقضاء إذا كان القضاء لا يشغلهم عن شؤون الولاية، وراسلهم بهذا الوصف في شؤون القضاء، وأنه كان يقوم بالقضاء في بعض الأحيان مع وجود قضاة له بالمدينة([165])، ومن القضاة الذين قصرهم الفاروق في خلافته على القضاء وحده: - عبد الله بن مسعود: ولاه عمر قضاء الكوفة، فقد روى قتادة عن مجلز أن عمر بن الخطاب بعث عمار بن ياسر على صلاة أهل الكوفة، وبعث عبد الله بن مسعود على بيت المال والقضاء([166]). - سلمان بن ربيعة: ولاه عمر القضاء على البصرة ثم القادسية. - قيس بن أبي العاص القرشي تولى قضاء مصر. وأما الذين جمعوا بين الولاية والقضاء فمنهم: - نافع الخزاعي والي مكة، ذكر ابن عبد البر أن عمر بن الخطاب استعمله على مكة وفيهم سادة قريش، ثم عزله وولى خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي([167]). - يعلى بن أمية والي صنعاء. - سفيان بن عبد الله الثقفي والي الطائف. - المغير بن شعبة والي الكوفة. - معاوية بن أبي سفيان والي الشام. - عثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين وعمان. - أبو موسى الأشعري والي البصرة. - عمير بن سعد والي حمص. ومن هؤلاء من أبقاه الفاروق على القضاء مع الولاية، كما فعل مع معاوية، ومنهم من فصل القضاء عن سلطته وقصره على الولاية كما فعل مع المغيرة، وأبي موسى الأشعري، ومن قضاة الفاروق بالمدينة: - علي بن أبي طالب. - زيد بن ثابت رضي الله عنه فقد روي عن نافع: أن عمر استعمل زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً([168]). - السائب بن أبي يزيد([169]). ● ● ● ● . أولاً: من أهم رسائل عمر إلى القضاة: إن الفاروق رضي الله عنه وضع دستوراً قويماً في نظام القضاء والتقاضي، وقد اهتم كثير من أعلام الفقه الإسلامي بشرح هذا الدستور والتعليق عليه، ونجد الدستور العمري في القضاء في رسالته لأبي موسى الأشعري وهذا نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن لخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس([170])، سلام عليك، أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ([171]) بين الناس في وجهك وعَدْلِكَ ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك([172])، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرّم حلالاً، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، فراجعت فيه عَقْلَكَ، وهُدِيتَ فيه لرشدك: أن ترجع إلى الحقِّ، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التّمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعْرِف الأشباه والأمثال، فقس الأمور عند ذلك واعْمد إلى أقربها إلى الله، وأشبهها بالحقِّ واجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بيِّنته أخذت له بحقه وإلا استحْللت([173])،عليه القضيّة، فإنه أنفى للشك، وأجْلى للعَمَى، المسلمون عدول([174])، بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حدِّ، أو مُجرّباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السَّرائر، ودرأ([175]) بالبينات والأيمان، وإياك والغلق([176])، والضجر والتأذي للخصوم، والتنكر عند الخصومات فإن القضاء في مواطن الحق يعظم الله به الأجر، ويحسن به الذُّخر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلَّق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه: شانه الله فما ظنك بثواب الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام([177])، وقد جمعت هذه الرسالة العجيبة آداب القاضي، وأصول المحاكمة، وقد شغلت العلماء بشرحها والتعليق عليها هذه القرون الطويلة ولا تزال موضع دهشة وإكبار لكل من يطلع عليها، ولو لم يكن لعمر من الآثار غيرها، لعد بها من كبار المفكرين والمشرعين ولو كتبها رئيس دولة في هذه الأيام التي انتشرت فيها قوانين أصول المحاكمات، وصار البحث فيها مما يقرؤه الأولاد في المدارس، لكانت كبيرة منه، فكيف وقد كتبها عمر منذ نحو أربعة عشر قرناً، ولم ينقلها من كتاب ولا استمدها من أحد، بل جاء بها في ذهنه، ثمرة واحدة من آلاف الثمرات، للغرسة المباركة التي غرسها في قلبه محمد صلى الله عليه وسلم ، حين دخل عليه في دار الأرقم، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله([178])، ومن الرسائل المهمة في هذا الباب رسالة الفاروق إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: أما بعد فإني كتبت إليك بكتاب لم آلك ونفسي خيراً، الزم خمس خصال يسلم لك دينك، وتأخذ بأفضل حظَّيك: إذا حضر الخصمان فعليك بالبينات العدول، والأيمان القاطعة، ثم ادن الضعيف حتى تبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعهّد الغريب فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته وانصرف إلى أهله، وإنّ الذي أبطل من لم يرفع به رأساً. واحرص على الصلح ما لم يستبن لك القضاء. والسلام([179]) وكتب رضي الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في القضاء: أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب في القضاء لم آلك ونفسي فيه خيراً، الزم خمس خصال يسلم لك دينك، وتأخذ فيه بأفضل حظك: إذا تقدم إليك خصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة، وأدْن الضعيف حتى يشتدّ قلبه وينبسط لسانه، وتعهد الغريب، فإنك إن لم تتعهده ترك حقه، ورجع إلى أهله، وإنما ضيع حقه من لم يرفق به، وآسِ بينهم في لحظك وطرفك، وعليك بالصلح بين الناس، مالم يستبن لك فصل القضاء([180])، وكتب إلى القاضي شريح عن الاجتهاد: إذا أتاك أمر فاقض فيه بما في كتاب الله فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سنَّ فيه رسول الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسنّه رسول الله ولم يتكلم فيه أحد فأيّ الأمرين شئت فخذ به وفي رواية أخرى: فإن شئت أن تجتهد رأيك فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر، وما أرى التأخر إلا خيراً لك([181])، ويمكن للباحث من خلال رسائل الفاروق وحياته في زمن خلافته أن يستخرج ما يتعلق بالمؤسسة القضائية في الأرزاق والعزل، وأنواع القضاة وصفاتهم وما يجب عليهم ومصادر أحكامهم وخضوع الخليفة نفسه للقضاء وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذه المؤسسة. ● ● ● ● . ثانياً: تعيين القضاة ورزقهم واختصاصهم القضائي: 1- تعيين القضاة: يصدر تعيين القضاة من الخليفة رأساً فقد عين عمر بن الخطاب شريحاً بالكوفة، أو يكون التعيين من الوالي بتفويض من الخليفة، كما عيّن عمرو بن العاص والي مصر عثمان بن قيس بن أبي العاص قاضياً بها فحق تعيين القاضي إلى الخليفة، إن شاء عينه بنفسه، وإن شاء فوّضه إلى واليه ولم يكن تعيين القضاة مانعاً من أن يتولى الخليفة القضاء بنفسه، لأن القضاء من سلطاته، وهو الذي يتعهد بالقضاء إلى غيره، فالحق الأول في القضاء إليه ولا يكتسب القاضي الصفة القضائية إلا إذا عيّنه الخليفة بنفسه، أو بواسطة واليه([182])، ويجوز للخليفة أن يعزل القاضي لسبب من الأسباب الداعية إلى ذلك، كما إذا زالت أهلية القاضي وصلاحيته للحكم، أو ثبت عليه ما يخل بواجب القضاء، وإن لم يجد سبباً للعزل فالأولى أن لا يعزله، لأن القاضي معيّن لمصلحة المسلمين فيبقى ما دامت المصلحة محققة([183])، وقد عزل عمر رضي الله عنه بعض القضاة وولى غيرهم([184])، مثلما عزل أبي مريم الحنفي، فقد وجد فيه ضعفاً فعزله. ● ● ● ● . 2- رزق القضاة: كان عمر رضي الله عنه يوصي الولاة باختيار الصالحين للقضاء، وبإعطائهم المرتبات التي تكفيهم([185])، فقد كتب إلى أبي عبيدة ومعاذ: انظروا رجالاً صالحين فاستعملوهم على القضاء وارزقوهم([186])، وقد ذكر الدكتور العمري مرتبات بعض القضاة في عهد عمر رضي الله عنه وهي كالآتي، سلمان بن ربيعة الباهلي (الكوفة) 500 درهم كل شهر، شريح القاضي، الكوفة 100 درهم كل شهر، عبد الله بن مسعود الهذلي (الكوفة) 100 درهم كل شهر وربع شاة كل يوم، وعثمان بن قيس بن أبي العاص (مصر) 200 دينار، وقيس بن أبي العاص السهمي (مصر) 200 دينار لضيافته([187]). ● ● ● ● . 3- الاختصاص القضائي: كان القاضي في عصر الخلافة الراشدة يقضي في الخصومات كلها، أيّا كان نوعها، في المعارضات المالية، وفي شؤون الأسرة، وفي الحدود والقصاص، وسائر ما يكون فيه الشجار، وليس هناك ما يشير إلى ما يعرف اليوم بالاختصاص القضائي سوى ما جاء في تولية السائب بن يزيد بن أخت النمر من قول عمر بن الخطاب له: رُدّ عني الناس في الدرهم والدرهمين([188])، ويجوز أن يعهد الخليفة إلى القاضي أن يقضي في قضية بعينها وينتهي اختصاصه بالنظر فيها، وكان القضاة يقضون في الحقوق المدنية والأحوال الشخصية، أما القصاص والحدود فكان الحكم فيها للخلفاء، وأمراء الأمصار، فلا بد من موافقتهم على الحكم، ثم انحصرت الموافقة على تنفيذ حد القتل بالخليفة وحده، وبقي للولاة حق المصادقة على أحكام القصاص دون القتل، ولم يكن للقضاء مكان مخصص، بل يقضي القاضي في البيت والمسجد، والشائع جلوسهم في المسجد([189])، ولم تكن الأقضية تسجل لقلتها وسهولة حفظها، وكان بإمكان القاضي حبس المتهم للتأنيب واستيفاء الحقوق، وقد فعل ذلك عمر وعثمان وعلي، فكانت الدولة تهيء السجون في مراكز المدن، وكان القصاص ينفذ خارج المساجد([190]).
ثالثاً: مصارف الدولة في عهد عمر: تنقسم مصارف بيت المال إلى ثلاثة أقسام هي: مصارف الزكاة وما يتصل بها، ومصارف الجزية والخراج والعشور وما يتصل بها، ومصارف الغنائم وما يتصل بها، وقد بين القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم مصارف هذه الأبواب([116]).