عرض مشاركة واحدة
قديم 05-14-2012, 11:14 PM   رقم المشاركة : 3
Arsalan
عضو نشيط






 

الحالة
Arsalan غير متواجد حالياً

 
Arsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريبArsalan عضوية ستكون لها صيت عما قريب

شكراً: 192
تم شكره 741 مرة في 171 مشاركة

 
افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~




.
- ما هي القيم والمصالح الأمنية في عدم تقسيم أراضي الخراج؟

هناك جملة من المصالح الأمنية التي استند إليها الخليفة –والذين وافقوه على رأيه- في اتخاذ هذا القرار يمكنني تصنيفها إلى صنفين، أولهما المصالح الداخلية وأهمها سد الطريق على الخلاف والقتال بين المسلمين، وضمان توافر مصادر ثابتة لمعايش البلاد والعباد، وتوفير الحاجات المادية اللازمة للأجيال اللاحقة من المسلمين، وثانيهما المصالح الخارجية والتي يتمثل أهمها في توفير ما يسد ثغور المسلمين، ويسدّ حاجتها من الرجال والمؤن، والقدرة على تجهيز الجيوش، بما يستلزمه ذلك من كفالة الرواتب وإدرار العطاء وتمويل الإنفاق على العتاد والسلاح وترك بعض الأطراف لتتولى مهام الدفاع عن حدود الدولة وأراضيها اعتماداً على ما لديها من خراج، والذي يجب ملاحظته في هذه المصالح أن الخليفة أراد أن يضع بقراره دعائم ثابتة لأمن المجتمع السياسي ليس في عصره فقط، بل وفيما يليه من عصور بعده وعباراته من مثل (فكيف بمن يأتي من المسلمين)، و(كرهت أن يترك المسلمون) التي توحي بنظرته المستقبلية لهذا الأمن الشامل تشهد على ذلك، وقد أثبت تطور الأحداث السياسية في عصر الخليفة الثاني صواب وصدق ما قرره.


.

- أن تعدد أطوار اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي قد أكد أمرين أولهما أن بعض القرارات المهمة التي تمس المصالح الجوهرية للمسلمين قد تأخذ من الجهد والوقت الكثير، كما أنها قد تتطلب قدراً من الأناة في تبادل الحجج والبراهين، دون أن يتيح ذلك مجالاً للخلاف وتعميق هوة الانقسام أحياناً أو يفوت باباً من أبواب تحقيق بعض المصالح الخاصة بأمن الأمة في حاضرها ومستقبلها، والأمر الثاني أن بعض القرارات المهمة التي قد تخرج بعد عسر النقاش والحوار، والبداية المتعثرة لها، يفرض على الحاكم الشرعي أن يكون أول المسلمين وآخرهم جهداً في السعي إلى تضييق هوة الخلاف، والتقريب بين وجهات النظر المتعارضة لكي يصل بالمسلمين إلى الحكم الشرعي فيما هو متنازع بشأنه([74]).


.

- أن تبادل الرأي والاجتهاد بين الخليفة والصحابة الذين لم يوافقوه على رأيه واستناد الكل في ذلك إلى النصوص المنزلة في الاجتهاد يثبت أن الفيصل في إبداء الآراء في القرارات السياسية عامة والتي تمس مصالح المسلمين بصفة مباشرة خاصة، هو أن تجيء هذه الآراء مستندة إلى النصوص المنزلة، أو ما ينبغي أن يتفرع عنها من مصادر أخرى لا تخرج عن أحكامها في محتواها ومبرراتها.


.

- أن لجوء الخليفة إلى استشارة أهل السابقة من كبار الصحابة العلماء في فقه الأحكام ومصادر الشرع، واستجابتهم بإخلاص النصح له، يؤكد أن أهل الشورى لهم مواصفات خاصة تميزهم، فالذين يستشارون هم أهل الفقه والفهم والورع والدراية، الواعون لدورهم، إنهم بعبارة أدق الذين لا إمعية في آرائهم، ومن دأبهم توطين أنفسهم على قول الحق وفعله، غير خائفين في ذلك لومة لائم من حاكم أو غيره.


.

- ثم يبقى القول أن ما حدث بصدور قرار عدم تقسيم الأراضي، يظل نموذجاً عالياً سار عليه الصحابة في كيفية التعامل وفق آداب الحوار وأخلاقيات مناقشة القضايا، وتقليب أوجهها المختلفة ابتداء بمرحلة التفكير في اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي -بصفة مباشرة، أو غير مباشرة- وعلى رأسهم الخليفة الذي لم يخرج عن هذه الآداب رغم اختلاف اجتهاداتهم بشأنه([75])، بل إن الفاروق رضي الله عنه بين بأن الحاكم مجرد فرد في هيئة الشورى، وأعلن الثقة في مجلس شورى الأمة، خالفته، أو وافقته والرد إلى كتاب الله، فقد قال رضي الله عنه: إني واحد منكم، كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ومعكم من الله كتابٌ ينطق بالحق([76]).


.

- أهم الآثار الدعوية في هذا القرار:

من أهم هذه الآثار: القضاء نهائياً على نظام الإقطاع، فقد ألغى عمر رضي الله عنه كل الأوضاع الإقطاعية الظالمة التي احتكرت كل الأرض لصالحها واستعبدت الفلاحين لزراعتها مجاناً، فقد ترك عمر رضي الله عنه أرض السواد في أيدي فلاحيها يزرعونها مقابل خراج عادل يطيقونه يدفعونه كل عام، وقد اغتبط الفلاحون بقرار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتمليكهم الأرض الزراعية يزرعونها مقابل دفع الخراج الذي يستطيعونه مما جعلهم يشعرون لأول مرة في حياتهم أنهم أصحاب الأرض الزراعية لا ملكاً للإقطاعيين من الطبقة الحاكمة، وكان الفلاحون مجرد أجراء يزرعونها بدون مقابل، وكان تعبهم وكدهم يذهب إلى جيوب الطبقة الإقطاعية طبقة ملاك الأرض ولا يتركون لهم إلا الفتات([77]).


.

- قطع الطريق على دعوة جيوش الروم والفرس بعد طردهم:

لقد أدت سياسة عمر رضي الله عنه في تمليك الأرض لفلاحي الأمصار المفتوحة عنوة إلى شعورهم بالرضا التام كما تقدم وهذا مما جعلهم يبغضون حكامهم من الفرس والروم ولا يقدمون لهم أية مساعدات بل كانوا على العكس من ذلك يقدمون المساعدات للمسلمين ضدهم، حتى إن رستم القائد الفارسي دعا أهل الحيرة فقال: يا أعداء الله فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا وكنتم عيوناً لهم علينا وقويتموهم بالأموال([78]):


.

- مسارعة أهل الأمصار المفتوحة إلى الدخول في الإسلام:

فقد ترتب على ما تقدم من تمليك الأرض للفلاحين أن سارعوا إلى الدخول في الإسلام، الذي انتشر بينهم بسرعة مدهشة لم يسبق لها مثيل، فقد لمسوا العدل وتبين لهم الحق، وأحسوا بكرامتهم الإنسانية من معاملة المسلمين لهم([79]).


.

- تدبير الأموال لحماية الثغور:

فقد امتدت الدولة الإسلامية صوب جهاتها الأربع وانتقلت أسماء الثغور إلى
ما وراء حدود الدولة في عصورها الأولى ومن أهم هذه الثغور، ما كان يعرف بالثغور الفراتية والتي كانت تمتد على طول خط استراتيجي يفصل ما بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية وغيرها من الثغور، وقد اتخذ عمر في كل مصر على قدره خيولاً، وقد وصلت قوات الفرسان المرابطين في الأمصار إلى أكثر من ثلاثين ألف فارس، وهذا بخلاف قوات المشاة وأي قوات أخرى كالجمالة وخلافه وهذه خصصها عمر كجيش منظم لحماية ثغور المسلمين وكفل أرزاقهم وصرفهم عن الاشتغال بأي شيء إلا بالجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فكان الخراج من الأسباب التي ساقها المولى عز وجل لتجهيز هذه القوات وكفالة أرزاق أجنادها([80]).

إن الفاروق رضي الله عنه وضع قواعد نظام الخراج باعتباره مورداً من الموارد المالية الهامة لخزينة الدولة وكان يهدف من ورائه إلى أن يكون بيت المال قائماً بما يجب عليه من تحقيق المصالح العامة للأمة وحفظ ثغورها وتأمين طرقها ولا يتأتى ذلك إلا بإبقاء أصحاب الأرض التي تملكها المسلمون عنوة لقاء نسبة معينة مما تنتجه الأرض وهذا أمرٌ من شأنه أن يزيدهم حماساً في العمل ورغبة في الاستغلال والاستثمار ومقارنة ذلك بما كانوا يرهقون به من الضرائب من طرف أولياء أمورهم قبل وصول المسلمين([81]).


.

4- العشور:

هي الأموال التي يتم تحصيلها على التجارة التي تمر عبر حدود الدولة الإسلامية سواء داخلة أو خارجة من أراضي الدولة وهي أشبه ما تكون بالرسوم الجمركية في العصر الحاضر، ويقوم بتحصيلها موظف يقال له (العاشر) أي الذي يأخذ العشور([82])، ولم يكن لهذه الضريبة وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخليفته الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأن تلك الفترة كانت فترة دعوة إلى الإسلام، والجهاد في سبيل نشره، وبناء الدولة الإسلامية، فلما اتسعت الدولة في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه، وامتدت حدودها شرقاً وغرباً وصار التبادل التجاري مع الدول المجاورة، ضرورة تمليها المصلحة العامة، رأى الخليفة عمر رضي الله عنه أن يفرض تلك الضريبة على الواردين إلى دار الإسلام، كما كان أهل الحرب يأخذونها من تجار المسلمين القادمين إلى بلادهم، معاملة بالمثل وقد أجمع المؤرخون([83])، أن أول من وضع العشر في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك عندما كتب إليه أهل منبج ومن وراء بحر عدن يعرضون عليه أن يدخلوا بتجارتهم أرض العرب وله منها العشر فشاور عمر في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على ذلك، فهو أول من أخذ منهم العشور، ولكن عمر أراد أن يتأكد من مقدار ما تأخذه الدول الأخرى من تجار المسلمين إذا اجتازوا حدودهم، فسأل المسلمين كيف يصنع بكم الحبشة إذا دخلتم أرضهم؟ قالوا: يأخذون عشر
ما معنا، قال: فخذوا منهم مثل ما يأخذون منكم([84])، وسأل أيضاً عثمان بن حنيف كم يأخذ منكم أهل الحرب إذا أتيتم دارهم؟ قال: العشر، قال عمر: فكذلك فخذوا منهم([85])، وروي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه: إن تجاراً من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب فيأخذون منهم العشر، فكتب إليه الخليفة عمر رضي الله عنه: خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين، وخذ من أهل الذمة نصف العشر، ومن المسلمين من كل أربعين درهماً درهماً، وليس فيما دون المائتين شيء، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم،
وما زاد فبحسابه([86])، وقد ساهم هذا التشريع الجديد في تنظيم العلاقات التجارية بين الدول، وقد حققت التجارة الإسلامية مكاسب كبيرة في عالم التجارة حيث فتحت أبواب الدولة الإسلامية للتجارة وجلبت البضائع والسلع إلى الدولة الإسلامية من كل أنحاء العالم وهذا بطبيعة الحال شجع التاجر المسلم والأجنبي على زيادة نشاطهم في التصدير، والاستيراد من كافة أنحاء العالم، وبذلك نشطت المراكز التجارية داخل بلاد الدولة الإسلامية بما فيها الجزيرة وزادت حركة القوافل التجارية القادمة والذاهبة من أقاليم الجزيرة إلى الأقاليم الإسلامية الأخرى، كما استقبلت موانئ بلاد الإسلام السفن الكبيرة التي تصل إليها من الهند والصين وشرقي أفريقية محملة بأغلى وأنفس البضائع وظهر ذلك جلياً في العصر الراشدي والدولة الأموية([87])، وقد كان في عهد عمر عشارون يأخذون زكاة ما يمر بهم من أموال التجار ويعتبرون النصاب والحول، قال أنس بن مالك، بعثني عمر بن الخطاب على جباية العراق، وقال: إذا بلغ مال المسلم مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم، وما زاد على المائتين، ففي كل أربعين درهماً، درهم([88]) وذكر الشيباني أنّ عمر بن الخطاب بعث زياد بن جرير وقيل زياد بن حدير مصدّقا إلى عين التمر، وأمره بأن يأخذ من أموالهم ربع العشر، ومن أهل الذمة إذا اختلفوا بها للتجارة نصف العشر، ومن أموال أهل الحرب العشر، وجعل عمر بن الخطاب نفقة العاشر أي المصدّق من المال الذي يأخذه([89]).

إن من يفكر في ذلك التحديد الذي رسمه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد يصل إلى أنه فرض العشر على الحربيين لمعاملتهم المسلمين كذلك، فهذا مبدأ المعاملة بالمثل، وأنه فرض نصف العشر على أهل الذمة تمييزاً لهم عن المسلمين، وتطبيقاً لما سبق أن فرضه على نصارى بني تغلب. الذين قبلوا أن تؤخذ منهم الجزية ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الصدقة، وأن ما قرره على المسلمين هو بمثابة زكاة، ومعروف نصاب الزكاة لعروض التجارة، وهو الذي جعله حداً أدنى لأخذها ومنع من تكرار أخذها من المسلمين وأهل الذمة، ما دام رأس المال ثابتاً والبضاعة الواردة لم تزد قيمتها عنه، ولو تكرر مرات دخولها، إلا بعد الحول، وتمشياً لمبدأ المعاملة بالمثل، فإنه حينما يرفع أهل الحرب ما يأخذونه من المسلمين من ضريبة، فيحق للمسلمين رفع الضريبة على ما يرد منهم إلى دار الإسلام بنفس النسبة، وكذلك الحال عند إسقاطهم لها، فعلى المسلمين إسقاطها عنهم. وهذا
ما تسير عليه الدول حديثاً، ويسمى برفع الحواجز الجمركية([90])، وعندما يكون المسلمون في حاجة إلى بعض البضائع والمنتجات الواردة إليهم فإنهم يخفضون أو يعفون التجار من ضريبتها تشجيعاً لتوريدها، والإكثار منها، وقد فعل الخليفة عمر رضي الله عنه ذلك، حين أمر عماله أن يأخذوا نصف العشر من الحربيين حين دخولهم الحجاز بالزيت والحبوب، كما أمر بإعفائهم أحياناً أخرى، فعن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه، أنه كان يأخذ من النَبَط من القطنية العشر، ومن الحنطة والزبيب نصف العشر، ليكثر الحمل إلى المدينة([91])، وقد كان لهذه التنظيمات المالية التي وجدت أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، النفع الكبير في سهولة التبادل التجاري بين المسلمين وجيرانهم، وورود أصناف متعددة من متطلبات الناس واحتياجاتهم فهو لم يقتصر اهتمامه على تنظيم المواد الآتية إلى بيت المال، بل نظم الطرق التي بواسطتها وبسببها يزداد دخل بيت المال، وتنعم البلاد بالرخاء ورغد العيش، ومن ذلك اهتمامه بالتجارة الخارجية، وحسن معاملته لأهلها، وتتبعه العمال والأمراء، والكتابة إليهم بذلك وحرصه على استيفاء حقوق الدولة من غير تعسف في جبايتها([92]).



.


5- الفيء والغنائم:

أما الفيء، فهو كل مال وصل المسلمين من المشركين من غير قتال، ولا بإيجاف خيل ولا ركاب، ويوزع خمس الفيء على أهل الخمس([93]) الذين بينهم الله سبحانه في كتابه الكريم: } مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ { (الحشر،آية:7).

وأما الغنائم: فهي ما غلب عليه المسلمون من مال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة([94])، قال تعالى: } وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ(41) { (الأنفال،آية:41).

ففي خلافة عمر رضي الله عنه زادت الغنائم زيادة كبيرة لاتساع المناطق المفتوحة ولما كانت تتمتع به من ازدهار اقتصادي كبير، وكان القادة الفرس والروم يخرجون إلى الميدان بكامل أبهتهم، فيقع سلبهم للمسلم، وأحياناً يبلغ 15.000 درهم، و 30.000 درهم([95])، وقد فتحت المدن العظيمة كالمدائن وجلولاء وهمذان والري واصطخر وغيرها، فحاز المسلمون أموالاً عظيمة، مثل بساط كسرى، وهو 3600 ذراع مربعة أرضه مفروشة بالذهب وموشى بالفصوص وفيه رسوم ثمار بالجواهر، وورقها بالحرير، وفيه رسوم للماء الجاري بالذهب، وقد بيعت بعشرين ألف درهم (20.000 درهم) وحاز المسلمون الذهب والفضة والمجوهرات العظيمة من غنائم جلولاء ونهاوند، حيث بلغ خمس جلولاء ستة ملايين درهم([96])، وأعظم الغنائم هي أرض السواد التي وقفها عمر رضي الله عنه للدولة، وأراضي الصوافي التي قتل أصحابها أو فروا عنها، وأملاك كسرى وأهله، حيث جعلت غلتها للدولة، فكانت بإدارتها لصالح بيت المال، ويقال إن
غلتها – فيما بعد – بلغت سبعة ملايين درهم، فقد كانت الغنائم عظيمة القدر، وأنها أغنت المسلمين أفراداً ودولة وارتفعت بمستوى المعيشة وظهرت آثارها أكثر جلاء في خلافة عثمان رضي الله عنه([97]).

هذه هي أهم مصادر الدولة في عهد الفاروق رضي الله عنه.



.

ثانياً: بيت مال المسلمين وتدوين الدواوين:

بيت المال: هو المكان الذي ترد إليه جميع موارد الدولة، وهو كذلك المكان الذي تصرف منه جميع مصروفاتها من أعطيات الخلفاء والجيش والقضاة والعمال والمرافق العامة والخاصة للدولة وهكذا([98])، وأما الدواوين: فهي السجلات والدفاتر التي تسجل فيها أمور الدولة وقد أطلقت كلمة ديوان على المكان الذي يجتمع فيه الكتاب والموظفون العاملون بتلك السجلات عند الفرس([99])، وفي بداية الدولة الإسلامية لم يكن هناك بيت مال بالمعنى الذي عرف به فيما بعد فقد كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم تقوم على أن لا يؤخر تقسيم الأموال أو إنفاقها، وقد سار أبو بكر على نهج النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهج الفاروق طريق صاحبيه في أول خلافته، حتى اتسع سلطان الدولة شرقاً وغرباً، فبدأ بالتفكير في طريقة يدبر فيها ما تجمع لدى الخليفة من أموال الفتوحات وغنائمها، وإيرادات الجزية والخراج والصدقات فكثرت الجيوش واحتاجت إلى ضبط احتياجاتها وأسماء رجالها خوفاً من ترك أحدهم دون عطاء، أو تكرار العطاء للآخرين وتوالت حملات الفتح وانتصاراتها، فكثرت الأموال بشكل لم يكن معروفاً لدى المسلمين من قبل، فرأى أمير المؤمنين عمر أن لا طاقة للخليفة وأمرائه بضبطها، وأنه ليس من الحكمة الاقتصادية أن يترك زمام الأمور المالية بيد العمال والولاة دون أن يضبطها عداً أو يحصيها حساباً، فكان نتيجة ذلك التفكير ملياً في وضع قواعد ثابتة لهذه الأموال، ومن هنا نشأ الديوان، وكان عمر رضي الله عنه هو أول من وضع الديوان في الدولة الإسلامية([100]) وقصة ذلك كما تناقلها المؤرخون: أن أبا هريرة قال: قدمت من البحرين بخمسمائة ألف درهم فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألني عن الناس، فأخبرته، ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قال: قلت: جئت بخمسمائة ألف، قال: ويحك. هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف. قال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك، فنم، فإذا أصبحت فائتني، فلما أصبحت أتيته، فقال: ماذا جئت به؟ قلت جئت بخمسمائة ألف، قال: ويحك! هل تدري
ما تقول؟! قلت: نعم، مائة ألف، حتى عدها خمس مرات، يعدها بأصابعه الخمس قال أطيب؟ قلت: لا أعلم إلا ذلك. قال: فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم أن نكيلكم كيلاً، وإن شئتم أن نعدكم عداً فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديواناً لهم([101])، فاشتهى عمر ذلك([102])، وقد استشار عمر المسلمين في تدوين الدواوين، فأشار بعضهم بما يراه إلا أن الوليد بن هشام بن المغيرة، قال: جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً وجندوا جنداً، فدون ديواناً وجند جنداً وفي بعض الروايات أن الذي قال ذلك هو خالد بن الوليد([103])، وذكر بعض المؤرخين أنه كان بالمدينة بعض مرازبة الفرس، فلما رأى حيرة عمر قال له: يا أمير المؤمنين: إن للأكاسرة شيئاً يسمونه ديواناً جميع دخلهم وخرجهم مضبوطة فيه لا يشذ منه شيء، وأهل العطاء مرتبون فيه مراتب لا يتطرق عليها خلل، فتنبه عمر وقال: صفه لي، فوصفه المرزبان فدون الدواوين وفرض العطاء([104])، وقد حبذ عثمان التدوين فأشار برأيه: أرى مالاً كثيراً يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يُعرف من أخذ ممن لم يأخذ، خشية أن ينتشر الأمر([105]) هذه بعض الروايات التي حدثت بناء على استشارة عمر رضي الله عنه في مرات متعددة لمن يحضرون عنده، وهناك اختلاف بين المؤرخين في السنة التي تم فيها التدوين، فمن قائل إن ذلك في السنة الخامسة عشرة للهجرة كالطبري وعنه أخذ ابن الأثير وغيرهم وقال آخرون إن ذلك كان في شهر محرم من سنة عشرين هجرية كالبلاذري، والواقدي، والماوردي وابن خلدون([106]) وغيرهم والأرجح أن يكون تمّ في سنة عشرين هجرية، لأنه في سنة خمس عشرة كانت القادسية، ولم يستكمل فتح العراق والشام ومصر إلا بعدها([107]) وقد سار عمر في تقسيم الأموال على خلاف ما سار عليه أبو بكر حيث كان الصديق يقسم الأموال بين الناس بالسوية، في حين قسم عمر أعطياتهم على حسب السابقة في الإسلام والفضل في الجهاد ونصرة رسول الله r([108])، وقد كان رأي الفاروق هذا من زمن الصديق وقال لأبي بكر لما رآه سوّى بين الناس قال له: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف؟ فقال له أبو بكر: إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا دار بلاغ للراكب، فقال له عمر: لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه([109])، ولذلك قسم الفاروق الناس في العطاء إلى:


- ذوو السوابق الذين بسابقتهم حصل المال.

- من يغني المسلمين في جلب المنافع لهم كولاة الأمور والعلماء الذين يجلبون لهم منافع الدين والدنيا.

- من يبلي بلاء حسناً في دفع الضرر عنهم كالمجاهدين في سبيل الله من الجنود والعيون والناصحين نحوهم.

- ذوو الحاجات([110]).



.

هذه سياسته في التقسيم تضمنها قوله: ليس أحد أحق بهذا المال من أحد إنما هو الرجل وسابقته والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته([111])، وقد دعا الفاروق عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من شبان قريش وقال: اكتبوا للناس على منازلهم، فبدأوا ببني هاشم فكتبوهم ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه، وكتبوا القبائل ووضعوها على الخلافة ثم رفعوه إلى عمر، فلما نظر فيه قال: لا، ما وددت أنه كان هكذا، ولكن ابدأوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله، فجاءت بنو عدي إلى الخليفة عمر رضي الله عنه وقالوا: إنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة أبي بكر رضي الله عنه وأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا فقال: بخ بخ يا بني عدي، أردتم الأكل على ظهري، وأن أهب حسناتي لكم لا، ولكنكم حتى تأتيكم الدعوة وأن ينطبق عليكم الدفتر - يعني ولو تكتبون آخر الناس - إن لي صاحبين سلكا طريقاً فإن خالفتهما خولف بي، ولكنه والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا نرجو الثواب عند الله تعالى على عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهو شرفنا وقومه أشراف العرب ثم الأقرب فالأقرب، ووالله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بغير عمل لهم أولى بمحمد صلى الله عليه وسلم منا يوم القيامة، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه([112])، وبدأ عمر رضي الله عنه تسجيله بديوان سجل فيه أصحاب الأعطيات ومقدار أعطياتهم، وسمَّى ديوان الجند على أساس أن جميع العرب المسلمين جنود للجهاد في سبيل الله، فبدأ سجله للجيش ببني هاشم الأقرب فالأقرب من رسول الله ثم بمن بعدهم طبقة بعد طبقة، وجعل لكل واحد من المسلمين مبلغاً محدداً، وفرض لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسراريه، وسائر المسلمين من الرجال والنساء والأطفال منذ الولادة والعبيد بمقادير مختلفة([113])، وبإخراج هذا الديوان أظهر عمر اهتمامه بأمر الجهاد في سبيل الله، واعتنى بأمر المجاهدين حفظاً لحقوقهم، وعمل سجل الجند باللغة العربية بالمدينة المنورة على يد نفر من نوابغ قريش وعلماء الأنساب منهم، ثم أمر بعمل الدواوين في أقاليم الدولة الإسلامية، فدونت بلغة البلاد المفتوحة، ولم يتم تعريبها إلا في خلافة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وبعد تدوين الدواوين صار عمر يجمع المال مدة سنة ثم يقسمه بين الناس، لأنه يرى أن جمعه أعظم للبركة، فكان جمع المال يستلزم أن يكون له أمناء فكان زيد بن أرقم على بيت المال في عهد عمر([114])، وروى أبو عبيد بسنده عن
عبد القاري من قبيلة القارة قال: كنت على بيت المال زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه([115]).


.


رد مع اقتباس
6 أعضاء قالوا شكراً لـ Arsalan على المشاركة المفيدة: