للغناء مفاسد كثيرة فهو منبت الشر وينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ومع كثرتها يمكن جمعها في أمرين اثنين:
1- الغناء يصد عن ذكر الله، قال عثمان لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا، قال الضحاك: الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب، فالغناء ويهيج القبائح كسائر المهيجات ويهيج على طاعة الشيطان وإذا ابتعد الإنسان عن ذكر الله وعشعش الشيطان في قلبه فهو فيمن قال فيهم ربنا: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ) (المجادلة: 19).
2- الغناء يثير الشهوات ويؤدي إلى الزنا، قال الفضيل بن عياض الغناء رقية الزنا، قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويهدم المروءة ويزيد الشهوة وينوب عن الخمر ويفعل ما لا يفعله السكر.
لذلك لما نزل الحطيئة الشاعر على رجل ومعه ابنته فلما نزل الحطيئة بدأ الرجل يغني، فقام الحطيئة هو وابنته وانصرف فغضب صاحب البيت وقال: من اعتدى عليك، وماذا رأيت منى حتى خرجت من ضيافتي؟ قال: الغناء الذي سمعته سيفسد ابنتي عليَّ إما أن تسكت وإما أن أخرج.
قال ابن القيم رحمه الله: من المعلوم عند العامة والخاصة أن فتنة سماع الغناء والمعازف أعظم من فتنة النوح بكثير، والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو، وبلوا بالحرب، والقحط، وولادة السوء، والواقع خير دليل على كلام ابن القيم رحمه الله .
الأول: المغني من اشتغل بهذا الأمر، ورزق منه، وكان هذا عمله، فإن رزقه حرام، وهو فاسق مردود الشهادة، فلابد للمسلم أن يعامله على هذا الأساس، فلا يكرم بأي نوع من أنواع الكرامة، ولا يستشهد به في أي موضوع، ولا يجالس عند معصيته.
قال مكحول الدمشقي: من مات وعنده آلة غناء أو قينة أو يغني لا يصلي عليه؛ لأنه يمسخ في قبره، وكلام مكحول من باب التعزير ومن باب التخويف لغيره.
ثانيًا: سماع الغناء بإجماع العلماء والأئمة الأربعة وسلف الأمة هذا لا يجوز مطلقًا، ومن اعتاد السماع وكان ديدنه فهو فاسق مردود الشهادة.
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان)) صحيح مسلم الصفحة :49
لذلك يجب على المسلم أن يزيل هذا المنكر بيده بشرط أن لا يترتب على ذلك أي ضرر له وقد سبق في البحث أن الإمام أحمد شاهد رجل ومعه عود فقام وكسر العود فإن لم يستطع التغيير باليد فعليه باللسان، وذلك عن طريق الوعظ باللين والحكمة والموعظة الحسنة، فإن استجاب فالحمد لله , وإن لم يستجب فإلى المرتبة الثالثة من مراتب تغيير المنكر وهي لا ينفك عنها مسلم، وهي التغيير بالقلب، وذلك يستلزم مغادرة المكان .
- ارجع إلى فتوى الإمام مالك رحمه الله في هذا البحث-.وإليك وقائع لسلفنا حتى تكون على بينة من الأمر - ارجع إلى واقعة ابن عمر مع نافع-.مر محمد بن مصعب توفي سنة 228 ببيت فسمع غناء فدق الباب فخرجت جارية، فقال لها: من أنت؟ قالت: جارية وعندي مولاتي أغنى لها، وأدق لها على العود، فقال: أنزلي العود حتى أكسره، قالت: انتظر حتى أخبر مولاتي فلما أخبرتها، قالت: هذا شيخ أحمق اضربي بالعود فبدأت الجارية تغني فلما سمع محمد بن مصعب جلس يقرأ القرآن ويبكي، فاجتمع الناس وصار لهم ضجيج، وصياح فأشرفت المرأة من النافذة ورأت الحالة، فقالت المرأة للجارية: خذي العود حتى يكسره وينصرفوا فكسره محمد بن مصعب وانصرف ومعه الناس.
ذهب شعبة شيخ المحدثين في زمانه ليتلقى الحديث عن المنهال بن عمرو فسمع صوت طنبور "عود" لما اقترب من بيت المنهال فانصرف شعبة عن المنهال، وقدح فيه، وقال فيه كل سوء، قال العلماء: المنهال بن عمرو ثقة من رجال البخاري، ولكن شعبة تسرع، وكان الغناء من بيت جار المنهال .
وهذه الواقفة تدل على شدة ورع شعبة وحرصه على من يتعلم من علمه ودينه. ورحمة الله على الإمام مالك الذي قال: "العلم دين فلينظر أحدكم عن يأخذ دينه".