عقوبة ترك الدعوة
وعلى الجانب الآخر فإن ترك أمر الدعوة إلى الله تعالى هو أمر في غاية الخطورة،
ليس على العبد فحسب، بل على الأمة كلها.
روى أحمد في مسنده، والترمذي رحمه الله، وقال: حديث حسن.
عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
يقسم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقسم إلا على أمر عظيم،
لأننا نصدقه صلى الله عليه وسلم دون أن يقسم،
ولكن عليه الصلاة والسلام يريد أن يعمق معنى الأمر بالمعروف في نفوس الصحابة، وفي نفوس الأمة كلها ومن ثم يقول صلى الله عليه وسلم:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ،
أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.
فإذا وجدت نفسك في أزمات كثيرة، وتدعو الله عز وجل كثيرا، وهو سبحانه لا يستجيب لك،
فلتراجع نفسك في أمر الدعوة إلى الله جيدا، فربما يكون تأخير استجابة الدعاء بسبب هذا الأمر.
في الواقع هذه مشكلة كبيرة،
وهي أن كثيرا منا يعبدون الله عز وجل، لكن دون أن يدعو الناس إليه سبحانه وتعالى، ربما يكون جاره بعيدا عن الله، أو زميله في العمل، وربما زوجته، أو أولاده، أو أمه، أو أبوه، أو إخوته، ومع هذا كله لا يشغله كثيرا هذا الأمر.
فلماذا يعيش الناس إذن؟
هل يعيشون لأنفسهم فحسب؟
ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعيشيون لأنفسهم، ولم يكونوا يعيشيون لأولادهم،
وأهليهم، وإخوانهم، وعشيرتهم فحسب، بل إنهم كانوا يعيشون لأهل الأرض جميعا،
وسنرى تطبيق ذلك عمليا في السطور القادمة.
روى الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان،
وحسنه الألباني عن عائشة قالت:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت في وجهه
أن قد حفزه شيء- أي أنه صلى الله عليه وسلم
قد همه شيء- فتوضأ، ثم خرج، فلم يكلم أحدا،
فدنوت من الحجرات،
فسمعته يقول:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:
مُرُوا بِالْمَعْرَوفِ وْانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي
فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُم
وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ.
أليس من الجائز أن يكون السبب
في الانهيار الذي نرى عليه الأمة الإسلامية
هو التقصير الكبير في الأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر؟
أليس من الجائز أن يكون تأخير النصر عن الأمة،
وما تتعرض له من أزمات طاحنة، ومشكلات كبيرة،
إنما هو بسبب إهمالها في قضية الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر؟
ربما كنا نعمل وفي مرحلة إعداد،
ولكن عندنا قصور في هذا الجانب،
وهذا من الممكن أن يؤخر الأمة كلها،
بل إنه من الممكن أن يكون سببا في
استئصال أمة كاملة.
تُرى ما هي أول مشكلة وقع فيها بنو إسرائيل؟
ألم يكن بينهم مؤمنون؟
في الواقع كان في بني إسرائيل مؤمنون، ولكنهم لم يقوموا بواجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فكانت الهلكة لهم، لنرى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل وكيف كان سقوطهم وهلاكهم:
روى أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ
يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولَ:
يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فِإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ.
ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ
أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ.
أي يجده على نفس المعصية التي نهاه عنها ولا يؤثر
ذلك على العلاقة بينهما، وتنسى قضية الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.
ثم قال:
[لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)
تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ
لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ
وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ]
{المائدة:78: 81} .
ثم قال:
كَلَا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ،
وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِي الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا،
أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ،
ثُمَّ لَيَلْعَنَنِّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ.
إننا أمة الإسلام لا نملك كرامات معينة من عرق،
أو نسب، وخيريتنا إنما هي لأسباب معروفة،
ولصفات معروفة، ولنهج معروف، أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن نسير عليه، ولو خالفناه،
أو قصرنا فيه، فما من شك أن يحدث لنا ما حدث
لبني إسرائيل، وغيرهم من الهلاك.
إننا لسنا قريبين من الله لأجل أننا من جنس العرب،
أو لأننا من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم اسما فقط،
لا، بل لا بد من العمل،
ولا بد أن أن نتصف بالصفات التي ذكرها الله عز وجل
في كتابه الكريم موضحا لنا السبب الذي لأجله كانت
هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس،
فلو لم تتبع الأمة أمر ربها كان اللعن،
والطرد كما حدث مع بني إسرائيل.
أمة الإسلام أمة باقية إلى يوم القيامة،
ولن تهلك بكاملها على الإطلاق لأجل الرسالة الباقية
التي تحملها إلى الخلق أجمعين،
لكن من الممكن أن تستبدل، نعم يستبدل الله عز وجل الجيل الفاسد الذي لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر بجيل صالح يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقوم بأمر الله عز وجل
[وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] {محمد:38} .
فالأمة التي لا تستوفي شروط الخيرية تستبدل بأمة أخرى غيرها، فكم من الأمم الإسلامية السابقة قد استبدلها الله بغيرها، دول إسلامية سقطت، وأخرى قامت قياما تحافظ فيه على شروط الخيرية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله:
[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ]
{آل عمران:110}.
________________________________
اللهم استعملنا لنصرة دينك ولا تستبدلنا بغيرنا
إنك ولى ذلك ومولاه.
______________________