:: العميل السري ::
:: الفصل الخامس ::
ظهر أن الكوماندوزهايدوك مضيف من الطراز الاول .. فقد قابل المستر ميدوز والماجور بلتشلي بحماسة وصممأن يطوف بالأول كل أرجاء منزله الصغير المسمى استراحة المهربين ولم تكن هذهالاستراحة في أول أمرها سوى كوخين من أكواخ حراس الشواطئ يقعان على قمة تشرف علىالشاطئ اشتراهما أحد رجال الأعمال وربط بينهما وحاول أن يزرع حديقة في الأرضالمحيطة بأحدهما اذ أن الجهة الأخرى كانت هوة لا يخاطر بالاقتراب منها الاالمخاطرون من الشباب ..
وكان رجل الاعمال هذا لا يزور تلك الناحية الا فيشهر الصيف ثم يتركها فتبقى بلا ساكن عدة سنوات وكانت تؤجر في شهور الصيف فقط ..
وقال هايدوك يكمل قصة منزله:
- ثم اشتراها رجل يدعى هاهن وكان ألمانيا وإذاسألتني عن صناعته فلن أجد لها وصفا سوى أنه كان جاسوسا لا أقل ولا أكثر ..
- جاسوس .. انها لقصة مثيرة..
- نعم .. وهم قوم بعيدو النظر.. خذ مثلا موقع هذاالمكان .. انه أحسن مكان مناسب لإرسال الاشارات عبر البحر .. ولديك مرفأ تستطيع أنتخفي فيه قاربك البخاري.. لو أردت .. وقد صرف هاهن على المكان كله مبالغ طائلة.. فقد أنشأ سلما حجريا ضخما يصل المكان بالشاطئ.. والغريب في الأمر أن جميع الانشاءاتالتي أجراها والتحسينات التي تمت في البناية نفسها لم يقم بها أي مواطن.. فقد كانجميع العمال من الأجانب..
! أمر غريب ولا شك..
- وكنت أقيم في هذه المنطقةحينذاك وقد أثار اهتمامي ما كان يفعله الرجل فكنت أخر من منزلي وآتي الى هنا أرقبالعمال الالمان.. ولما تحققت من غرابة الاعمال التي يقومون بها اتصلت برجال البوليسوأوضحت لهم شكوكي ولكنهم لم يعيروا قولي أي التفات.. فان الحرب مع ألمانيا كانتأمرا بعيدا عن تصورهم .. وقد اعتبروني حينئذ من الرجعيين أو مجنوني الحرب.. ولكننيكنت أعلم.. أعلم أن أصدقاءنا الألمان قوم شديدو الصبر. يعدون العدة لأي أمر منالامور في تؤدة وعلى مهل .. ولم تعجبني اطلاقا أحوال ذلك الرجل هاهن فأخذت أتحدث عنشكوكي لكل معارفي .. وأخيرا تركت أحاديثي بعض الأثر، وتعرفت الى أحد رجال البوليسوأقنعته بشكوكي فلم يجد غضاضة في مراقبة هاهن ويظهر أن هذا أحس بالمراقبة، فاختفىنهائيا، فصدر الأمر لرجال البوليس بتفتيش المكان فوجدوا لاسلكيا، أخفي بمهارة فيحائط حجرة الطعام .. كما وجدوا أوراقا ذات أهمية عظمى وخزانا ضخما للبترول تحتالجراج.. وغير ذلك.. وفي النهاية عرض المنزل للبيع، فاشتريته.. واني أود أن ترى مافيه .. هيا يا ميدوز..
- أشكرك .. اني أود أن أراه..
وقام الرجلان وقدأظهر هايدوك حماسة الطفولة وهو يري ضيفه مكان جهاز اللاسلكي المدفون في حائط حجرةالطعام .. وكذلك مخزن البنزين تحت الجراج ثم الحمامين الجميلين و أدواتهما الغريبةووسائل الانارة المختلفة.. وبعد ذلك رأى الطريق الحجري المدرج الموصل إلى شاطئالبحر.. وعاد هايدوك يحدث ضيفه من جديد عن قيمة المكان كله من الوجهة الحربية .. ولم يدر الماجور بلتشلي مع الرجلين دورتهما هذه، ولكنه مكث حيث كان في الشرفة، يجرعكئوس الشراب وقد أدرك تومي أن الماجور لم يترك واحدا من أصدقائه دوم أن يحدثه عنالجاسوس الذي اكتشفه.. وبعد فترة قام بلتشلي وصحب تومي الى سان سوسي .. وقالالماجور وهما في الطريق :
- ان هايدوك هذا رجل طيب .. ومع ذلك فانه لا يتركالامور تمر ببساطة، فقد سمعنا منه قصة الجاسوسية هذه مئات المرات.
ثم راحبلتشلي نفسه يقص على تومي احدى مخاطراته الخاصة ولم يكن تومي على استعداد لتتبعتفاصيل هذه القصة اذ كان قد سرح بأفكاره الخاصة ..
وكان تومي قد آمن حينئذأن المرحوم فاركوهار الذي حل هو محله.. كان يسير في الطريق الصحيح عندما ذكر سانسوسي قبل وفاته.. كما تأكد بعد ان رأى ما رآه في استراحة المهربين وتلك الاستعداداتالتي أعدها هاهن الاماني ان تلك المنطقة من المناطق التي يهتم بها العدو منذ عهدبعيد.. وان نشاط هاهن لم يكتشف الا بطريق الصدفة ونتيجة لمجهودات الكوماندوزالمتواصلة..
وتذكر تومي قصة مسز برينا ان زوجها كما تقول اشترى سان سوسي منذاربعه اعوام تقريبا.. فهل هذه هي الحلقة الثانية؟ ان كل شيء جائز ومحتمل.. و فكر فيذلك السكون والهدوء السطحي الذي يمتاز به سان سوسي.. انه سكون ظاهري يخفي وراءهكثيرا، وميز برينا في نظره هي البؤرة التي تتجمع فيها كل الاشاعات فيجب مراقبتها.. و اذا كانت مسز برينا هي السيدة التي يرمز اليها بالحرف ( م ) فإنها تكون زعيمةأعمال الجاسوسية والطابور الخامس في هذا البلد.. ولابد أن شخصيتها ليست معروفة الالرؤسائها .. ولكن .. لا بد أنها تتصل بالطبقة التي تليها في الاهمية وعلى تومي وتوبنس ان يكتشفا هذه الطبقة.. ثم ان الانتفاع باستراحة المهربين ليس بالأمرالمستحيل .. ففي الوقت المناسب يستطيع اسياد سان سوسي ان يجعلوه تحت تصرفهم.. لكناللحظة المناسبة لم تأت..
كتبت توبنس خطابا لابنتها ديبورا وآخر لديريكولدها وخرجت بنفسها لتودعهما صندوق البريد وفي عودتها مرت بقمة التل المجاورة لسانسوسي فاسترعى انتباهها شبحان وقفا يتبادلان الحديث فتسمرت توبنس في مكانها لماتبينت أن هذين الشبحين هو المرأة الغريبة التي رأتها بالأمس.. وأن الشبح الآخر هوكارل فون دينيم..
وضايق توبنس عدم وجود مكان تستطيع الاختفاء فيه، كما لم يكن فياستطاعتها الاقتراب منهما لتسمع ما يدور بينهما من حديث دون ان يرياها.. وفوق ذلكفقد أدار الشاب الاماني رأسه في تلك اللحظة ورآها.. فهمس بكلمات قلائل للمرأةالغريبة فافترقا.. وانحدرت المرأة مع التل بسرعة عابرة الطريق الرئيسي مارة بتوبنسالتي كانت في الناحية الاخرى..
أما كارل فون دينيم فقد انتظر حيث كان الى انوصلت توبنس فألقى إليها التحية بلهجة تنم عن الاسى,, فقالت توبنس على الفور:
- ما أشد غرابة مظهر هذه السيدة التي كنت تتحدث اليها يا مستر دينيم..
- نعم انهامن اواسط اوروبا . انها بولندية ..
- أحقا.. أهي صديقة لك ؟
- أبدا .. فأنالم أرها قبل هذه اللحظة..
- لقد ظننت ..
- كانت تسألني عن الطريق .. وكانحديثنا بالألمانية.. لأنها لا تكاد تفهم الانجليزية ..
- كانت تسألك عن الطريق؟
- وسألتني ما اذا كنت أعرف مسز جودليب فأجبتها بالنفي .. فقالت انها ربما أخطأتالعنوان..
ورمقت توبنس كارل وهو يسير إلى جوارها .. وفكرت في هذه المرأة.. التي تسأل ساعة عن مستر روزنستاين .. وساعة أخرى عن مسز جودليب .. وأحست بشكوك لانهاية لها.. وخيل اليها أن الحديث بين كارل وتلك المرأة لا بد قد استغرق وقتاطويلا.. واستعادت ذاكرتها حديث كارل وشيلا.. لما قالت له " يجب أن تكون على حذر " .. وشارت توبنس الى غرفة نومها وهي تفكر في كارل وشيلا ومسز برينا صاحبة الفيلا..
وقبل أن تذهب الى فراشها، اتجهت الى مكتبها الصغير وفتحت أحد الأدراج وكانبه صندوق صغير.. فلبست قفازها وفتحت الصندوق.. ان به مجموعة من الخطابات وفوقهاجميعا ذلك الخطاب الذي تسلمته في الصباح من ابنها المزعوم "رايموند " ففتحته توبنسباحتياط ثم ضمت شفتيها قطبت وجهها.. ان الرمش الصغير الذي كان بين طيات الخطاب قداختفى فذهبت بالخطاب الى منضدة الزينة واستعانت بأحد المساحيق الغامقة التيتستعملها في تظليل جفونها فرشته على الخطاب ثم نفضته.. فلم يظهر أي أثر لبصماتالأصابع.. فهزت توبنس رأسها في تأكيد .. كان لابد من وجود بصمات.. بصمات توبنسنفسها على الأقل .. وقالت لنفسها.. يجوز أن يقرأ أحد الخدم خطاباتها بدافع حبالاستطلاع مثلا.. ولو أن ذلك مستبعد.. ولكن الخادم لا يفكر مطلقا في ازالة آثاربصمات الاصابع .. هل هي مسز برينا ؟ أم شيلا ؟ أم شخص آخر؟ انه على كل خال شخص يهمبحركات القوات البريطانية..
وبدأت تفكر في الاحتمالات المختلفة.. وفي وجوباجراء تجربة لمعرفة الشخص أو الاشخاص الذي يهتمون بحركات هذه القوات..
وقضتتوبنس الصباح التالي في فراشها.. حتى دخلت بتي إليها.. وكانت توبنس تحب الطفلةوصعدت الطفلة على الفراش الى جوار توبنس وألقت إليها بكتاب من كتب الأطفال عنوانهأحلام ساندريلا وأخذت توبنس تمازح الطفلة وتداعبها وتروي لها بعض طرائف الكتاب ..
وفجأة اندفعت مسز سبروت الى الحجرة وهي تقول:
- هاهي العزيزة بحثت عنك فيكل مكان أيتها الشيطانة الصغيرة .. كم أنا آسفة يا مسز بلنكنسوب ..
كانت بتي قدحلت أربطة الحذاء وبللتها جميعا في كوب اللبن وأخذت تعبث بها وجلست توبنس في فراشهاتضحك ثم قالت تقاطع مسز سبروت التي انهالت اهتذاراتها:
- لا داعي لكل هذا يامسز سبروت فالأربطة يمكن تجفيفها وأنا التي اخطأت اذ لم ألاحظ ما تفعل..
- اذاسمحت.. سآتي لك بأربطة أخرى ..
- لا لا .. أشكرك .. فلدي غيرها.. كما أن هذهستجف بلا شك ..
وسحبت مسز سبروت الطفلة من يدها .. وقامت توبنس من الفراش لتنفذما عزمت عليه ..