شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: قصص بوليسية
تكملة
الفصل الثاني
صرخ السيد كيليفون بأعلى صوته : " فاديت , فاديت . "
لسوء الحظ أنها كانت في هذه اللحظة تبكي لأنها تريد أن تعرف من هو مرسل الرسالة والشريط . هل كان المرسل هو كيليفون ؟
هذا هو كل ما كانت تفكر به في اليومين الأخيرين .
أخذت فاديت منديلاً وغطت به عيناها لكي لا يراها كيليفون ويسألها عن سبب بكائها .
" نعم سيدي . هل ناديتني ؟ "
" أجل , هلا جلستي يا فاديت . "
ارتعشت يداها بخوف وجلست ببطء شديد . كانت تتظاهر بأنها تمسح عينيها بذلك المنديل الصغير .
" فاديت , هل أصاب عينيك أي ضرر ؟ "
أجابته وهي مظطربة : " أجل سيدي . لقد دخلت جراثيم صغيرة في عيني اليسرى وجعلتني الدموع تسقط من عيني دون أن أشعر بذلك . لا تخف , أنا بخير . "
" حسناً يا فاديت , هل بإمكاني أن أعرف أين ذهبت صباح اليوم السابق ؟ وهل بإمكاني أن أعرف لماذا خرجتي من البيت دون أن آذن لكي ؟ "
" أجل سيدي , لقد ذهبت في اليوم السابق إلى منزل السيد ريزيلا لأقابل خادمتهم السيدة فالنتينا . "
" ولِم لَم تخبريني ؟ "
" لأنك كنت نائماً , فخشيت أن أقلقك وأنت نائم . "
" حسناً , أتمنى ألا تعيديها مرة أخرى . "
" لكن , سيدي , لقد كنت أبحث عن راحتك . صدقني , لم أكن أقصد مخالفة أوامرك . أرجوك , لا تفهمني بالطريقة الخاطئة . "
" فاديت , لماذا تبكين بهذه السرعة وبلا سبب ؟ "
لقد كانت فاديت تتذكر في كل لحظة تلك الرسالة وذلك الشريط , لذا فإنها بدأت تبكي بصوت هادئ مثل لاأطفال الصغار .
" أوه , من الواضح أن عينك تؤلمك كثيراً . يجب أن تذهبي إلى غرفتك وترتاحي . هيا اذهبي ونامي يا عزيزتي . "
" لكن , أخشى يا سيدي ألا تجد من يساعدك ويحضر لك الشاي أو العصير . "
" سأحضره بنفسي إذا احتجت . "
" شكراً لك سيدي . "
تظاهرت فاديت مرة أخرى بأن عينها تؤلمها , لقد كانت بارعة في محاولة إخفاء ما يجري لها , ولو أنها شاركت في مسابقة أفضل ممثلة لحصلت على المركز الأول وبكل جدارة واستحقاق .
دخلت غرفتها ورمت المنديل على الأرض , ثم نظرت إلى الدولاب الصغير الواقع قرب السرير , كانت نظراتها كنظرات الصقر وهو ينظر إلى أرنب صغير سيفترسه . فتحت الدولاب وانتزعت من بين الأقمشة والأشياء الأخرى الصغيرة ذلك الشريط والرسالة التي كانت ملتفة حوله بطريقة عادية .
أخذت تقرأ الورقة مرة أخرى :
الشريط خاص جداً يا فــاديــت .
لا يجب أن تلمسينه أو تحاولي
الاستماع لما في داخله . إنــــه
خاص وخطر جداً يا صغيرتـي .
لا تحاولي الاستماع إليه أبداً .
سنبقى على اتصال ياعزيزتي .
قالت بغضب : " آه , الشريط خاص جداً , هل هو خاص بالسيد كيليفون أم بالسيد جيمس ريموند , أم هل هو خاص بي أنا ؟ يا لك من سافل حقير أيها المرسل ... حسناً , لا يجب أن تلمسينه أو تحاولي الاستماع لما في داخله . إن هذه العبارة توضح أنه يراقبني , وهذا يجعلني أشك بأن السيد كيليفون هو المجرم ...
حسناً , إنه خاص وخطر جداً يا صغيرتي , هذه العبارة تدل على أنه يعرفني منذ زمن , وهذا يجعلني أيضاً أشك بالسيد كيليفون ...
لا تحاولي الاستماع إليه أبداً , هذه العبارة تدلني على نفس العبارة الثانية ... العبارة الأخيرة تقول : سنبقى على اتصال يا عزيزتي , وهذه تحذرني , من الواضح أن المرسل يريد أن يجعلني أحبه , لذا قال أننا سنبقى على اتصال . لكن لا , ربما سيبقى على اتصال معي لسبب آخر ... يا إلهي , سأنتحر , سأنتحر ... " توقفت فاديت عن الكلام وبدأت تبكي بدموع تجري كنهر النيل . بقيت تبكي فترة طويلة من الوقت , وفجأة , سمعت صوت خطوات ثقيلة على الدرج الخشبي , فعلمت أن كيليفون قادم , لذا قفزت من مكانها إلى السرير وغطت جسدها كله لتظهر أمامه أنها نائمة .
دخل كيليفون بهدوء كان على عكس صعوده للدرج المزعج .
نادى بصوت هادئ : " فاديت , أعلم أنك لا زلت مستيقظة , أنا متأسف لإزعاجك , أريد أن أتحدث إليك في موضوع هام جداً . "
بدأت فاديت تخشى كيليفون ؛ لقد كانت تزداد خوفاً عندما يناديها كيليفون , ظناً منها أنه علم بما يحصل لها هذه الأيام .
" حاضر سيدي . " قامت من سريرها وتوجهت للباب , وقبل أن تخرج قالت لنفسها : " يا للسيد كيليفون , لا يقابل الحسنة بالحسنة , يقابلها بالسيئة . لقد ذهبت إلى فالنتينا ولم أوقظه من نومه لأنني أخشى أن أزعجه , لكنه فعل عكس ذلك تماماً ... "
أطلت فاديت بعينيها إلى الزقاق المقابل لغرفتها , فلم تجد السيد كيليفون , فعلمت أنه نزل إلى الطابق السفلي . لحقت به وهي تفكر في سبب هذه المقابلة التي بدت في نظرها كجلسة تحقيق في إحدى جرائم القتل المعقدة .
جلست أمام السيد كيليفون تنتظر منه أن يفتح معها الموضوع الهام .
" أنت تعرفين يا فاديت أنني رجل تحرٍ خاص , وأتعامل مع الناس بطريقة جيدة كي لا يحاولوا أن يكذبوا علي . "
" حسناً , وماذا بعد ؟ "
" انتظري , ستعرفين بعد قليل . الآن , دعينا نتخيل لو أنني توفيت , ماذا ستفعلين حيال ذلك ؟ "
تعجبت فاديت من السؤال المفاجئ وقالت : " لا أعرف , ربما أبقى في هذه القرية , وربما أعود إلى والدتي في مرسيليا . "
" حسناً , ألن تفكري في الورث ؟ "
" وهل سأرثك لو توفيت يا سيدي ؟ "
" نعم , قد أكتب وصيتي بأن تذهب كل أموالي إليكي . وبالتأكيد أنني لن أفعل هذا الشيء إلا لأنني أعرف أنكي تستحقين هذه الأموال . إنك سيدة رائعة يا فاديت . "
ابتسمت فاديت أخيراً بعد أن كانت شاحبة الوجه لعدة أيام .
" فاديت , إن الموضوع الذي سأخبرك عنه سري جداً , لا أريد أن يعرف عنه أحد , حتى صديقي جيمس . "
" اعتبر سرك في بئر يا سيدي . "
" حسناً , لقد تلقيت قبل يومين رسالة من أحد أقربائي , أخبرني فيها أنه يحتاج لخادمة تعمل في بيته , فأخبرته أن الخادمة جاهزة . "
صاحت فاديت : " ماذا , هل تقصد أنني سأذهب لأعمل في بيت قريبك هذا ؟ "
" وما المشكلة , إنه يريد الخادمة بعد أسبوعين . "
فكرت فاديت " آه , هذا رائع , سأتمكن من الهرب . المسألة سهلة , عندما أنتهي من العمل في بيت قريبه سأهرب إلى مرسيليا وأعود لأهلي ... "
أجابته بعد هذا التفكير : " كم سأعمل عند قريبك ؟ "
" فقط ثلاثة أسابيع . "
" حسناً , أخبره أنني جاهزة , وسأصل بيته في الوقت الذي يريده . لن أفعل إلا ما سيرضيك يا سيدي . "
" شكراً لك يا فاديت . لكن أتمنى ألا يعرف أحد . "
" لا تخف يا سيدي , إن آخر ما أفكر به هو إفشاء الأسرار . "
بنظرات الأسد الكاسر , وبغضب النمر الملاحق للفريسة , دخلت الآنسة فاديت غرفتها متوجهة إلى الدولاب الصغير مباشرة ً .
فتحت الدولاب وأخذت الشريط الأسود ووضعته في جيبها , ثم أخذت مسجلاً صغيراً من الغرفة وأغلقت المصباح , وأخيراً أدخلت الشريط في المسجل ووضعت سبابتها على زر التشغيل .
كانت مترددة قليلاً , لكنها كانت تتحدى ذلك السيد الذي يحاول خداعها . إنها كانت تعرف أنها لو سمعت الشريط ستتوصل للسيد الذي أحرق دمها .
بدأ المسجل يتحدث بصوت أجش :
من المؤكد أنكي تكرهينني .
وهذا يجعلني أستمتع كثيرا ً.
أحـب أن أحـرق دمـاء الذيـن
يـكـرهـونـنـي . أنا متميز في
هذا الشيء القاتل . لـن أرحل
إلا عندما أسمع خبر انتحارك
يا فاديـت . وبمـا أنك سمـعـت
هذا الشريط فإنك ستستمتعين
ببعض المغامرات الشـيقة ...
سنبقى على اتصال يا فاديت .
أوقفت المسكينة الجهاز وقالت بغضب : " أيها السافل الحقير . من أنت أيها الوقح ؟ "
من المؤكد أنها لا توجد إجابة , وإن المحيّر في الموضوع عدم تشابه هذا الصوت مع صوت السيد جيرمون كيليفون . ترى ما الذي يحصل مع فاديت ؟؟ هل هي مجرد عملية استفزاز ؟ أم أنها عملية ابتزاز لم تبدأ بعد ؟؟
***
أخذ السيد كيليفون يكرر نفس الكلمة : " شريط أسود ... شريط أسود ... ترى ما الذي يريد أن يتوصل إليه ذلك الشخص ؟ "
لقد كان الشيء الذي استلمه السيد كيليفون من صديقه كاتشرز شريطاً أسوداً مطابقاً لشريط الآنسة فاديت . لكنه لم يعرف أن فاديت تواجه نفس الشيء الذي يواجهه ...
أخذ يفكر : " ترى ما هو الشيء الذي كنت أحبه قبل ثمانية عشرة عاماً ؟ هل هو في داخل هذا الشريط ؟ "
لم يكن كيليفون خائفاً من الشريط مثل فاديت , فإلى الآن لم تظهر أية رسالة ! ربما أن الشريط ليس له أية علاقة بشريط فاديت ...
أخذ الشريط ووضعه في مسجل صغير مشابه للذي استعملته فاديت . وبدأ يسمع ما في داخل هذا الشريط المخيف :
من الواضح أنك لم تـتـعرف
علي يا صديقي كيلــيفــون .
لكنك تعرفـني جـيـداً , ولــن
يـمـضـي الكـثـير من الوقـت
كـي تـعـرفـني . أنت تعرفني
وتـحـبـنـي كثـيراً يا صديقي .
لكنني لا أحبـك أبداً . لا أحبك
ولـن أحـبـك أبـداً . لقد ندمـت
عـلـى إضـاعـتـي وقـتاً طويلاً
وثـمـيـنـاً مـع رجـل مـجـنـون
مـثـلـك . وسـنـبــقــى عــلــى
اتصال يا سـيـدي الـعزيـز ...
قال كيليفون وهو ينظر حوله في حيرة : " تباً , ما هذا ؟ "
كان خائفاً جداً , حتى أنه لم يعرف ماذا عليه أن يفعل . فأخذ المسجل ورمى به أرضاً حتى تكسر وتحول إلى قطع صغيرة , وحينها خرج من البيت غاضباً يبحث له عن شيء ينسيه ذلك الشيء السخيف . وكالعادة لم يجد شيئاً يفعله سوى الذهاب إلى بيت صديقه جيمس ريموند ؛ الشخص الوحيد الذي يفهم كيليفون ويستطيع أن يهدئه , كما أنه الشخص الوحيد الذي يخبره كيليفون عن أسراره الخاصة ...
|