وبرغم أنهما غريبان ، إلا أن العادة كانت تقضي بدعوة كل ضيف للمشاركة
في الاحتفال . كان كل إنسان سعيداً ومرحاً . الموائد مليئة بألوان
الطعام والشراب ، فقد أجريت استعدادات كبيرة للاحتفال بالعيد . كما كان
هناك بعض الفتيان والفتيات يرقصون فوق العشب أمام البيت . وبرغم كل
مظاهر الاحتفال هذه ، كان فلوريزل وبرديتا يجلسان في هدوء بأحد الأركان
، مستمتعين للغاية بما يدور بينهما من حديث أكثر من ألعاب التسلية
واللهو التي تجري حولهما . وقام الملك ، وهو على ثقة من عدم اكتشاف
أمره بالاقتراب منهما لسماع ما يدور بينهما من حوار . وأدهشه كثيراً
ذلك الأسلوب البسيط الجميل الذي تتحدث به برديتا إلى ابنه . فقال
لكاميللو : إنها أرق فتاة رأيتها في حياتي ، رغم أنها من أصل متواضع ،
فكل ما تفعله أو تقوله يبدو أعظم شأناً من نفسها ، إنها نبيلة جداً
وهذا المكان غير جدير بها . ثم التفت الملك إلى الراعي العجوز وقال :
قل لي أيها الصديق الطيب ، من ذلك الشاب الذي يتحدث إلى ابنتك ؟ فأجاب
الراعي : إنهم ينادونه دوريسلس ، ويقول إنه يحب ابنتي ، وحتى أقول
الحقيقة فإنه من الصعب أن أعرف من منهما يحب الآخر أكثر ، وإذا استطاع
دوريسلس أن يفوز بها ، فإنها ستحقق له ما لم يحلم به . وكان يقصد بذلك
باقي مجوهرات برديتا التي حفظها لها بعناية ليوم زفافها . بعدها تكلم
بوليكسنس إلى ابنه . قال له : أيها الشاب ، يبدو أن قلبك مشغول بشيء
يبعد فكرك عن مظاهر الاحتفال بالعيد ، عندما كنت شاباً ، اعتدت أن يكون
حبي مصحوباً بالهدايا وأنت لم تشتر أي شيء لفتاتك . فأجاب الأمير الشاب
، ولم يكن يدري أنه يتكلم مع أبيه وقال : يا سيدي العزيز ، ليست هناك
هدايا جديرة بها ، والهدايا التي تتوقعها برديتا مني محفوظة داخل قلبي
. ثم استدار فلوريزل إلى برديتا وقال : اصغ إلى يا برديتا ، إني أقول
لك أمام هذا الشيخ المهذب ، مهما يكن أمره ، أنه كان ذات مرة عاشقاً
وطلب فلوريزل من ذلك الغريب العجوز أن يكون شاهداً على وعده بالزواج من
برديتا والذي كان قد قرره ، لكنه عندما قال ذلك ، كشف الملك عن شخصيته
لابنه ، وألقى اللوم على ابنه لإقدامه على الزواج من تلك الفتاة
المتواضعة الأصل ، وأطلق على برديتا صفات غير مهذبة ، وهدد بأنه لو
أنها سمحت لابنه أن يراها مرة ثانية ، فسوف يقدم على قتلها هي وأبيها
الراعي شر قتلة ! عندئذٍ ، غادر الملك المكان وهو في شدة الغضب وأمر
كاميللو أن يتبعه هو والأمير فلوريزل . وبعدما رحل الملك ، ثارت طبيعة
برديتا الملكية بسبب كلمات بوليكسنس القاسية ، وقالت : برغم أن آمالنا
قد تحطمت الآن ، إلا أنني لم أكن خائفة ، فلقد كنت على وشك الرد عليه
مرة أو مرتين ، لأقول له إن نفس الشمس التي تشرق على قصره ، تشرق أيضاً
على بيتنا . ثم أضافت وكلها أسى : لكنني استيقظت الآن من ذلك الحلم ،
لم يعد هناك أمل في أن أصبح ملكة ، اتركني يا سيدي ، فسأذهب إلى أغنامي
وأبكي . إلا أن كاميللو الطيب القلب والذي أسره سلوك برديتا ، اكتشف
أيضاً أن الأمير الشاب غارق تماماً في حبها ، ولا يمكن أن يتخلى عنها
لمجرد أوامر والده الملك . لذلك فكر في مساعدتهما ، وفي نفس الوقت يقوم
بتنفيذ خطة محكمة طرأت على ذهنه . كان كاميللو على علم تام منذ فترة
طويلة بأن ليونتيس ، ملك سيسلي ، كان حزيناً بصدق لكل ما بدر منه من
أفعال ، وبرغم أن كاميللو قد أصبح الآن الصديق المقرب إلى الملك
بوليكسنس ، إلا أنه لم يستطع مقاومة رغبته في رؤية مليكه السابق ووطنه
مرة ثانية . لذلك اقترح على فلوريزل وبرديتا أن يذهبا معه إلى القصر
الملكي في سيسلي ، ووعدهما بحماية ليونتيس لهما ، حتى يستطيع بمساعدته
أن يحصلا على العفو من بوليكسنس وموافقته على زواجهما
ووافق الاثنان بابتهاج على هذا الاقتراح ، وسمح كاميللو للراعي العجوز
أن يذهب معهم . فأخذ معه باقي مجوهرات برديتا ، وكذلك ملابس طفولتها
والورقة التي وجدها مثبتة على معطفها . وبعد رحلة ناجحة ، وصل فلوريزل
وبرديتا وكاميللو والراعي العجوز ، بسلام إلى قصر ليونتيس ، واستقبلهم
الملك الذي كان ما يزال حزيناً لوفاة هرميون وفقدان طفلته ، بمودة
بالغة ، وخص الأمير فلوريزل بترحيب حار . لكن ما لفت انتباه الملك هو
برديتا عندما قدمها فلوريزل على أنها أميرته . اكتشف أنها تشبه ملكته
المتوفاة هرميون ، وقال إن ابنته كان من الممكن أن تصبح فتاة بمثل
جمالها لو أنه لم يكن قد حطمها بهذه القسوة