بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما إنه سميع قريب مجيب.
أخرج مسلم في ((صحيحه)) بسند إلى أبي عثمان النَّهدي قال: كتب إلينا عمر، ونحن بأَذْرَبِيجَان: يا عُتْبةُ بن فرْقَد!! إنه ليس مِن كَدِّك ولا مِنْ كَدّ أبيك، ولا مِنْ كَدّ أُمّك، فأشبع المسلمين في رحالهم، مما تشبع منه في رحلك ، وإيّاكم والتنعُّم، وَزِيٍّ أهل الشّرك، وَلَبُوس الحرير)
أخرجه: البخاري: كتاب اللباس: باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه: (10/284) رقم (5828) و (5829) و (5830) و (5834) و (5835) مختصراً.
ومسلم: كتاب اللباس والزينة: باب تحريم استعمال إناء الذّهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل. ... (3/1642) واللفظ له.
والنسائي: كتاب الزينة: باب الرخصة في لبس اْلحرير: (8/178) .
وأبو داود: كتاب اللباس: باب ما جاء في لبس الحرير: (4/47) رقم (4042) .
وابن ماجه: كتاب اللباس: باب الرخصة في العلم في الثوب: (2/1188) .
وأحمد: المسند: (1/91) رقم (92ـ ط أحمد شاكر) .
وابو عوانة: المسند: (5/456 ـ 457 و457 و458 ـ 459 و 459 و 459 ـ 460 و 460) .
وقد بين أبوعوانة في "صحيحه" من وجه آخر سبب قول عمرذلك , فعندهفي أوله( أن عتبة بن فرقد بعث إلى عمر مع غلام له , بسلال فيها خبيص , عليها اللبود , فلما رأه عمر قال : أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا ؟ قال : لا , فقال عمر : لا أريده , وكتب له ....)
وجاء في ((مسند علي بن الجعد)) : (( ... فائتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وألقوا السراويلات، ... وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإيّاكم والتنعيم وزيّ العجم ... ))
أخرجه: علي بن الجعد في ((المسند)) رقم (1030) و (1031) وأبو عوانة في ((المسند)) : (5/456 و 459 و 460) وإسناده صحيح.
وأخرج وكيع وهناد في ((الزهد)) عن ابن مسعود قال: ((لا يشبه الزي الزي، حتى تشبه القلوب القلوب))
أخرجه: وكيع في ((الزّهد)) : رقم (324) وهناد في ((الزّهد)) رقم (796) ، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.
وكلام عبد الله بن مسعود مأخوذ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تشبّه بقوم فهو منهم))
أخرجه: أبو داود في ((السنن)) : (4/44) رقم (4031)
وأحمد في ((المسند)) : (2/50و 92)
والطحاوي في ((مشكل الآثار)) : (1/88)
وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) : (19/169)
وابن الأعرابي في ((المعجم)) : (110/2)
والهروي في ((ذم الكلام)) : (54/2)
والقضاعي في ((مسند الشهاب)) : (1/244) رقم (390) ،..
والحديث صحيح انظر ((نصب الراية)) : (4/347) و ((تخريج أحاديث إحياء علوم الدين)) : (1/342) و ((إرواء الغليل)) : (5/109) .
ولهذا: أمر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رعيته أن يلقوا الخفاف والسراويلات، كما أمرهم بغير ذلك من لبوس العرب وعاداتهم، ليحافظوا على مشخصاتهم، فلا يندفعوا في الأعاجم.
وإن في تشبه أفراد أمتنا بأعدائهم في اللباس وغيره، دليلاً على ضعف التزامهم وسلوكهم، وأنهم مصابون بداء التلوّن والتمرّغ، وأن سيرتهم متخلخلة لا قرار لها، وأنها كمادة سائلةٍ، مستعدّة للانصهار في كل قالب في كل حين، وفوق هذا: فإن هذا النوع من التشبّه، فعلة شنيعة، مثلها كمثل رجلٍ ينسب نفسه إلى غير أبيه!!
والذين يسلكون هذا المسلك وهذا السبيل: لا هم من الأمّة التي ولدوا فيها، ولا من الأمة التي يحبّون أن يعدّوا منها: {لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} سورة النساء آية رقم (143)
وقد يقال: لِمَ لَمْ يقاوم العلماء المسلمون هذه العادات، قبل استفحال أمرها؟
والجواب: أنهم قاوموها كأشدّ ما تكون المقاومة..
انظر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تعليق الألباني على حديث رقم (1704) من ((السلسة الصحيحة)) وتعليق أحمد شاكر على حديث رقم (6513) من ((مسند أحمد)) وكتاب ((اللباس)) للمودودي و ((تنبيهات هامة على ملابس المسلمين اليوم)) و ((فتاوى رشيد رضا)) : (5/1829)..
بيد أن سنّة تأثر المغلوب بالغالب، لم تنجح معها مقاومة العلماء، فتورط في عادات المشركين ولباسهم كثيرٌ من المسلمين، بل كثير ممن ينتسبون إلى العلم، فكانوا مثالاً سيّئاً للمسلمين، والعياذ بالله تعالى.
وقد فصل الشيخ أبو بكر الجزائري في كتابة ((التدخين: مادةً وحكماً)) : (ص 7) مخلفاّت آثار الاستعمار، فقال: ((ومن تلك المخلفات الفاسدة: تربية الكلاب في الدور، وسفور المرأة المسلمة وحلق لحى الرجال، ولبس البنطلون الضيق ليس فوقه شيء، وحسر الرأس، ومجاملة أهل الفسق والنفاق، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوى حرية الرأي والسّلوك الشخصي))
ويزيد الطّين بِلّة: أن منهم مَنْ يعتذرون عن الصّلاة، بأنها تحدث في السراويل ((البنطلون)) تجعّداً يشوّه مَنظره!! سمعنا هذا بآذاننا من كثيرين.
ويزيد الطّين بِلّة أيضاً:
لبس الثياب الحازقة الضّاغطة مكروه شرعاً وطبّاً، لضررها بالبدن، حتى إن بعضها يتعذّر السجود على لابسه، فإذا أدّى لبسها إلى ترك الصّلاة حرم قطعاً، ولو لبعض الصّلوات.
وقد ثبت بالتجارب أن أكثر مَنْ يلبسونها لا يصلّون، أو إلا قليلاً كالمنافقين!!
وكثير من المصلّين هذه الأيام، يصلّون بثيابٍ تصف السّوأَتيْن: إحداهما أو كلتيهما!!
وحكى الحافظ ابن حجرفي الفتح (1/476) عن أشهب، فيمن اقتصر على الصّلاة في السّراويل مع القدرة:
يعيد في الوقت، إلا إن كان صفيقاً، وعن بعض الحنفيّة يكره .
هذا عن سراويلهم الواسعة جداً، فما بالك في ((البنطلون)) الضّيق جدّاً!!
قال العلاّمة الألباني: و ((البنطلون)) فيه مصيبتان:
المصيبة الأولى:
هي أن لابسه يتشبّه بالكفّار، والمسلمون كانوا يلبسون السراويل الواسعة الفضفاضة، التي ما زال البعض يلبسها في سوريا ولبنان.
فما عرف المسلمون ((البنطلون)) إلا حينما استعمروا، ثم لما انسحب المستعمرون، تركوا آثارهم السيئة، وتبنّاها المسلمون، بغباوتهم وجهالتهم.
المصيبة الثّانية:
هي أن ((البنطلون)) يحجّم العورة، وعورة الرجل من الرّكبة إلى السرّة. والمصلي يفترض عليه: أن يكون أبعد ما يكون عن أن يعصي الله، وهو له ساجد، فترى إِِليتيه مجسمتين، بل وترى ما بينهما مجسماً!!
فكيف يصلي هذا الإنسان، ويقف بين يدي ربّ العالمين؟
ومن العجب: أن كثيراً من الشباب المسلم، ينكر على النساء لباسهن الضيّق، لأنه يصف جسدهن، وهذا الشباب ينسى نفسه، فإنه وقع فيما ينكر، ولا فرق بين المرأة التي تلبس اللباس الضيّق، الذي يصف جسمها، وبين الشباب الذي يلبس ((البنطلون)) ، وهو أيضاً يصف إِليتيه، فإلية الرجل وإلية المرأة من حيث إنهما عورة، كلاهما سواء، فيجب على الشباب أن ينتبهوا لهذه المصيبة التي عمّتهم إلا مَنْ شاء الله، وقليل ما هم)).
من تسجيلات له يجيب فيها على أسئلة أبي إسحاق الحويني المصري، سجلت في الأردن، محرم، سنة 1407هـ.
وانظر له: الشريط الرّابع من شروط حجاب المرأة المسلمة: ((أن يكون فضفاضاً غير ضيّق، فيصف شيئا من جسمها)) في كتابه ((حجاب المرأة المسلمة من الكتاب والسنة)) : (ص 59 ـ وما بعدها) .
فالخطأ المذكور يشترك فيه الرّجل والنساء، ولكنه ـ في زماننا ـ في الرجل أظهر، إذ أغلب المسلمين ـ هذه الأيام ـ لا يصلون إلاَّ في ((البنطال)) ، وكثير منهم: في الضيق منه، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
وقد ((نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل في سراويل، وليس عليه رداء)) أخرجه أبو داود والحاكم، وهو حسن، كما في ((صحيح الجامع الصغير)) : رقم (6830) وأخرجه أيضاً: الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) : (1/382) .
وانظر محاذير لبس البنطلون في ((الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثر ون من مشابهه المشركين)) للشيخ حمود التويجري (ص77 ـ 82) .
أما إذا كان ((البنطلون)) واسعاً غير ضيق، صحت فيه الصلاة، والأفضل أن يكون فوقه قميص يستر ما بين السرة والركبة، وينزل عن ذلك إلى نصف الساق، أو إلى الكعب، لأن ذلك أكمل في الستر .
الفتاوى: (1/69) للشيخ عبد العزيز بن باز.. وبهذا أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على سؤال مقيد بإدارة البحوث برقم (2003) عن حكم الإسلام في الصّلاة في البنطلون، ونص جوابها: إن كان ذلك اللباس لا يحدد العورة لسعته، ولا يشف عما وراءه، لكونه صفيقاً، جازت الصّلاة فيه، وإن كان يشف عما وراءه بأن ترى العورة من ورائه بطلب الصّلاة فيه، وإن كان يحدد العورة فقط، كرهت الصلاة فيه، إلاَّ أن لا يجد غيره، وبالله التوفيق.
من كتاب " أخطاء المصلين " للشيخ مشهور حسن آل سلمان بتصرف