عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2011, 09:55 PM   رقم المشاركة : 13
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف


المبحث الخامس
عدم تتبع الأخطاء والعثرات
وألا يجعل المسلم نفسه حكماً على الآخرين

إن منهج تتبع الأخطاء والعثرات مرفوض شرعاً ، ثبت عن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت تفسدهم" .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع أو الجدل في عينه" .

وأخرج الإمام مالك في الموطأ أنه بلغه أن عيسى عليه السلام كان يقول : "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون . ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية" .

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن من علامات أهل السعادة والموفقين للتوبة الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها فإنه من شغل بعيب نفسه ، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس ، هذا من علامة الشقاوة كما أن الأول من أمارات السعادة .


وهذه القاعدة يمكن أن تستفاد أيضاً من الأحاديث الواردة في النهي عن التجسس ، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث . ولا تَحسسوا ولا تجسَّسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً" .

فالتجسس وتتبع العثرات والسقطات يدل على فساد القصد وسوء الطوية ،ورحم الله الرافعي إذ يشبه أهل هذا الصنف "بأن منهم من تجدهم قوماً سوساً كطبع السوس لا ينال شيئاً إلا نخره أو عابه . وقوماً دوداً كطبع الدود لا يقع في شيء إلا أفسده أو قذَّره" .

إنه طبع الدود والذباب الذي ارتضاه طائفة من البشر فأصبح همهم وغرضهم وديدنهم تتبع السقطات والعثرات مع التغافل عن الحسنات . ورحم الله الشعبي إذ يقول : "لو أصبت تسعاً وتسعين ، وأخطأت واحدة ، لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين" .

وختاماً كن مع الناس كالنحل ، الذي يقع على أحسن الزهور وأطهر الزروع ؛ فيجتني منها ما يفيده ،وما يخدم به الناس . ودع مساوئهم وأخطاءهم . ولا تكن كالذباب الذي يقع على أقذر الأشياء وينشرها في الناس ويؤذي بها الأحياء .

صِنْفٌ من الناس يصوِّب نظره إلى عنصر الخير في الناس ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم ، فهو كالنحل الذي لا يقع إلا على الزهور والرياحين الزاكية النظيفة ؛ فيجتني منها ما ينفعه وينفع الآخرين .

وصِنْفٌ آخر يصوِّب نظره إلى عنصر الشر في الناس وإلى الرذائل فيهم ، ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم فيؤذي نفسه ويؤذي الآخرين ، فهو كالذباب الذي لا يقع إلى على أقذر الأشياء وينشرها بين الناس ويؤذي بها الأحياء . فكن كالأول تسعَدْ وتُسْعِد ، ولا تكن كالثاني ، تَشْقَ وتُشْقِ .

المبحث السادس
الأثر المترتب على الخطأ بالنسبة للحقوق

الأصل في الشريعة الإسلامية أن المسؤولية الجنائية لا تكون إلا عن فعل متعمد حرمه الشارع ، ولا تكون عن الخطأ لقوله تعالى : ** وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ولقوله صلى الله عليه وسلم : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" .

وجمهور الفقهاء على أن الخطأ عذر في إسقاط بعض حقوق الله تبارك وتعالى وليس فيها كلها ، فاعتبره الشارع عذراً في سقوط الإثم عن المجتهد ، وشبهة دارئة في العقوبات ، وأما حقوق العباد فلا تسقط بالخطأ ، فيجب ضمان المتلفات خطأ .

قال الزركشي : المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" أما في الحكم فإن حقوق الآدميين العامد والمخطئ فيها سواء ، وكذلك في بعض حقوق الله تعالى .

وقال القرطبي : "عند الكلام على قوله تعالى : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} المعنى : اعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما ، وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع ، وإنما اختلف فيما تعلق على ذلك من الأحكام هل ذلك مرفوع لا يلزم منه شيء أو يلزم أحكام ذلك كله؟ اختلف فيه. والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع ، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات والصلوات المفروضات .

وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر ، وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسياً في رمضان ، أو حنث ساهياً وما كان مثله مما يقع خطأ ونسياناً ويعرف ذلك في الفروع" .

وممن ذهب إلى أن الفعل الواقع خطأ غير مؤاخذ عليه مطلقاً إلكِيا الهراسي الذي قال عند الكلام على قوله تعالى : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} يقتضي رفع المؤاخذة بالمنسي ، والمؤاخذة منقسمة إلى مؤاخذة في حكم الآخرة وهو الإثم والعقاب ، وإلى مؤاخذة في حكم الدنيا وهو إثبات التبعات والغرامات ، والظاهر نفي حكم جميع ذلك ، وقوله عليه الصلاة والسلام : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" يقتضي رفع الخطأ مطلقاً ورفع حكمه .

والذي عليه جمهور العلماء والأئمة أن ضمان المتلفات والديات وكل ما يتعلق بحقوق العباد لا يسقط بحال حتى أنهم أطبقوا على أن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء .

وبالجملة فموطن تفصيل هذه القضايا في كتب الفقه ، وما أردت بهذه الرسالة أن تكون فقهية صرفة ، وإنما أردت أن أجمع قواعد عامة كلية يستفيد منها العامة والخاصة ، والله من وراء القصد .


يتبــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة: