عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2011, 09:55 PM   رقم المشاركة : 12
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,314
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

المبحث الثالث
خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا إذا وافقه وأقره

إن من مبادئ الإسلام القائمة على العدل والحق والعلم أن خطأ الشخص لا يسري إلى غيره إلا إذا تواطأ معه ، وأقره على الخطأ ووافقه ، والأصل في ذلك قوله تعالى : {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وعليه فإنه من الظلم والجهل أن يعمم خطأ الأفراد على الجماعات والهيئات والحكومات ، والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد العدل والإنصاف في الأحكام على الجماعات من الناس ، ومن ذلك:

قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ} .

وقال تعالى : {وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} .

وقال تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً..} الآية .

وقال تعالى : ** يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}

وقال تعالى : {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} .

إلى غير ذلك من الآيات ، والمتأمل فيها يجد أنها جاءت بلفظ فريق ، كثير ، وهذا يدل على أن طائفة من الناس أو أكثرهم قاموا بتلك المخالفات ووقعوا فيها ، وهذا لا يدل على شمولية الحكم على كل طائفة .

ويحسن بنا أن نورد هنا ما ذكره الدكتور زيد بن عبد الكريم الزيد حيث قال : "ولأجل هذا لا يصلح أن تنتقد جماعة لخطأ وقع فيه بعض من ينتمي إليها ، حتى ولو كان هذا الخطأ صدر من رئيسها ، إذ ليست كل أقواله وأفعاله تنسب إلى الجماعة وتتحمل تبعتها ، وإن من يعيب جماعة من الجماعات الإسلامية لخطأ بعض أفرادها فمثله كمثل من يعيب جهلاً وظلماً الإسلام ، ألسنا نقول للناس لا تنظروا إلى الأفراد؟ ولكن انظروا إلى الإسلام بصفته وحياً في القرآن والسنة ، وعندها ستجدونه شرعاً فريداً" .

ولهذا نرى تخبط كثير من الناس في هذا المنهج يتهمون أمة كاملة في عقائدها ونياتها ومقاصدها بسبب خطأ بعض أفرادها ، وقد بين الدكتور عبد الله الرحيلي خطأ هذا المنهج فقال : "من النظرة المنهجية الصحيحة تجاه قضية ما – كقضية الجهاد في أفغانستان على سبيل المثال – أن لا تسقط قضية شعب بخطأ فرد – أو أفراد – وأن لا نضحي بجهاد أمة مثلاً بسبب خطأ طارئ ، وإلا نكن قد أسقطنا الخير بالشر" اهـ.

المبحث الرابع
الورع عند نقل الخطأ وعدم التحامل

الأصل في هذا قوله تعالى : ** وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

قال شيخ الإسلام : "وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم الكفار ، وهو بغض مأمور به فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه – فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق ألا يظلم بل يعدل عليه .

وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً .

لذا فإن الواجب على المسلم أن يلتزم هذا الميزان عندما ينقل أخطاء الآخرين .

يوضح لنا ذلك ما نقله زيد بن أسلم عن أبيه قال : "قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ، ولا بغضك تلفاً ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إذا أحببت فلا تكْلَف كما يَكْلَف الصبي بالشيء يحبه ، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك ويهلك" .

وقال أبو الأسود الدؤلي :

وأحبب إذا أحببت حُبَّاً مقارباً *** فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباين *** فإنك لا تدري متى أنت راجع

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "أحبب حبيبك هوناً ما فربما يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك يوماً ما فربما يكون حبيبك هوماً ما" .

ومن النشاز عن هذا المنهج أن بعضاً من الناس إذا أحب شخصاً انقلبت سيئاته إلى حسنات ، وإذا أبغض آخر تحولت حسناته إلى سيئات ، فهو بين قديس وإبليس ، كما قال الشاعر :

نظروا بعين عداوة لو أنها *** عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا

وقال الآخر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

والمنهج الوسط في ذلك أن تنقل الأخطاء كما وقعت دون زيادة وتضخيم . وذلك أن جرح الآخرين ونقدهم إنما أجيز للضرورة الشرعية فلا يتجاوز قدرها ، ولذلك حكموا بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة .

وقد قال الذهبي رحمه الله : "والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع" .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وكذلك بيان من غَلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية ، فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسان بعلم وعدل ، وقصد النصيحة ، فالله يُثيبه على ذلك ، لا سيما إذا تكلَّم فيه داعياً إلى بدعة ، فهذا يجب بيان أمره للناس ، فإنَّ دفع شره عنهم أعظم من دفع شرّ قاطع الطريق" .

ومن الورع في ذلك ما ذكره السخاوي رحمه الله في فتح المغيث : "أنه لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد" .

وقال في كتابه النفيس : "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التواريخ "ص68-69" وإذا أمكنه الجرحُ بالإشارة المفهمة أو بأدنى تصريح لا تجوزُ له الزيادةُ على ذلك ، فالأمورُ المرخَّص فيها للحاجة لا يُرتَقى فيها إلى زائدٍ على ما يُحَصَّلُ الغَرَض . وقد رَوَينا عن المُزَني قال : سَمِعَني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب ، فقال لي : يا إبراهيم اكسُ ألفاظك ، أحسِنها ، لا تقل : كذاب ، ولكن قُلْ : حديثُه ليس بشيء .

ونحوهُ أنَّ البخاري كان لمزيد وَرَعِه قلَّ أن يقول : كذَّاب أو وضَّاع . أكثَرُ ما يقول : سكتوا عنه ، فيه نظر ، تركوه ، ونحو هذا . نعم ربما يقول : كذَّبه فلان ، أو رماه فلان بالكذب".

وقال العز بن عبد السلام : "لا يجوز للشاهد أن يَجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما ، فإن القدح إنما يجوز للضرورة ، فيقدر بقدرها ، ووافقه عليه القرافي ، وهو ظاهر" .

ومن الورع أن ينقل الخطأ باللفظ الصادر دون تعرض للمعنى والتفسير ويعلل ذلك ابن الوزير بأن حكاية كلام الخصوم بالمعنى فيه ظلم لهم لأن الخصم اختار لفظاً وعبارة ارتضاها لبيان مقصده .

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من تمام المعرفة بأقوال الناس نقل ألفاظهم بدقة فيقول : "وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم ، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ، ويتعذر على بعضهم" .

وقال أيضاً : "والناقل الذي لا غرض له إما أن يحكي الأمور بالأمانة ، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه" .

وهذا الإمام الذهبي يطبق هذا المنهج ، فقد نقل في ترجمة أبي عبد الله الحاكم أن ابن طاهر قال فيه : سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم فقال : إمام في الحديث رافضي خبيث ، قلت – أي الذهبي -: الله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي بل شيعي فقط .

وإنما يحيد الإنسان عن الحق والعدل باتباعه للهوى ، وقد توافرت النصوص والآثار في التحذير من هذه الآفة ، فقد قال ابن تيمية –رحمه الله- في ذمه للهوى : "وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله . بل يرضى إذا حصل ما يرضاه هواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك معه شبهة دين : أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة ، وأنه الحق ، وهو الدين ، فإذا قُدِّر أن الذي معه الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته ، أو الرياء ليُعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعةً وطبعاً ، أو لغرض من الدنيا : لم يكن لله ، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله ، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل ، وسنة وبدعة ، ومع خصمه حق وباطل ، وسنة ، بدعة؟!" .


ومن الورع والعدل إنكار موضع الخطأ فقط إذا كان الكلام يجمع خطأ وصواباً ، فتعميم التخطئة مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .

يدل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُنِي علي ، فجلس على فراشي كمجلسي منك ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : "دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين" .

وفي رواية الترمذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها" .

وفي رواية ابن ماجه ، فقال : "أما هذا فلا تقولوه ما يعلم ما في غد إلا الله" .

ومن الورع العدل وعدم المحاباة في التنبيه على الأخطاء : قال الله تعالى : {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ} وقال : {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} ولم يمنع كون أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبه أن يشتد عليه الإنكار حينما حاول أن يشفع في حد من حدود الله ، فقد روت عائشة –رضي الله عنها- أن قريشاً أهمَّهُم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أتشفع في حد من حدود الله"، فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله . فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : "أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها .

ومن الورع عند النقل للأخطاء أن لا تتهم النيات بل ينقل الخطأ كما حدث ولا يتجاوزه إلى غيره .

فإن من قواعد الإسلام البينة أن القلوب علمها عند الله تعالى ، وعلى الناس ألا يأخذوا إلا بالظاهر والله يتولى السرائر ، وقد جاءت الآثار بذلك فمنها : عن أسامة بن زيد –رضي الله تعالى عنه- قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلاً ، فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!" قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح! قال : "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا!". فما زال يكررها ، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .

وفي حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله تعالى عنه- في ذكر أوصاف الخوارج: قال خالد : وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم" .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة" .



يتبــــــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>>

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة: