عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2011, 09:53 PM   رقم المشاركة : 10
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

الفصل الثالث
بعد استحكام الخطأ والإصرار عليه

إذا كان الخطأ في الفروع وأصر صاحبه عليه ، إما لكونه مجتهداً يرى الصواب فيما صار إليه أو لم يقتنع بالتصويب لحال الناصح أو أسلوبه ، أو لغير ذلك من الاعتبارات فكيف يعامل المخطئ في هذه الحالة؟

إن ثمة قواعد ذكرها سلفنا الصالح رحمهم الله يمكن أن يستضاء بها في هذا الباب ، وتكون نبراساً للباحث عن العدل والإنصاف ، منها :

المبحث الأول
المخطئ المجتهد مأجور غير مأزور:

إذا تأكد العقلاء أن الخطأ من لوازم البشر فلا يخلو إما أن يكون المخطئ مجتهداً أو غير ذلك ، فالأول هو المأجور الذي لا يُثَرب عليه ، والأصل في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب له أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" .

وعلى هذا لا بد أن نفرق بين تعاملنا مع الأخطاء بين من أخطأ عن تعمد وقصد ، وبين من أخطأ عن اجتهاد وإرادة للحق ، فالأول مأزور والثاني مأجور وشتان بين الأمرين ، وهذا المسلك هو الذي سار عليه أئمتنا رحمهم الله .

قال الآمدي رحمه الله تعالى : "اتفق أهل الحق من المسلمين على أن الإثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية .وذهب بشر المريسي وابن عليَّة ، وأبو بكر الأصم ، ونُفاةُ القياس كالظاهرية والإمامية : إلى أنه ما من مسألة إلا والحق فيها متعين ، وعليه دليل قاطع ، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق . وحجَّة أهل الحق في ذلك : ما نقل نقلاً متواتراً لا يدخله ريبة ولا شك ، وعُلِمَ علماً ضرورياً من اختلاف الصحابة فيما بينهم في المسائل، مع استمرارهم على الاختلاف إلى انقراض عصرهم ، ولم يصدر منهم نكير ولا تأثيم لأحد ، لا على سبيل الإبهام ولا التعيين . مع علمنا بأنه لو خالف أحد في وجوب العبادات الخمس وتحريم الزنا والقتل لبادروا إلى تخطئته وتأثيمه" .

وقال شيخ الإسلام تعليقاً على قوله تعالى : {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}.

قال : هذان نبيان كريما حكما في حكومة واحدة ، فخص الله أحدهما بفهمهما مع ثنائه على كل منهما بأن آتاه حكماً وعلماً ، فكذلك العلماء المجتهدون للمصيب منهم أجران وللآخر أجر ، وكل منهم مطيع بحسب استطاعته ، ولا يكلف الله ما عجز عن علمه" .

ويقول الإمام القرطبي : "وقال جمهور أهل السنة وهو المحفوظ عن مالك وأصحابه رضي الله عنهم : إن الحق في مسائل الفروع في الطرفين ، وكل مجتهد مصيب ، والمطلوب إنما هو الأفضل في ظنه ، والدليل على هذه المقالة أن الصحابة فمن بعدهم قرر بعضهم خلاف بعض ، ولم ير أحد منهم أن يقع الانحمال على قوله دون مخالفه . ومنه ردّ مالك رحمه الله للمنصور أبي جعفر عن حمل الناس على الموطأ . فإذا قال عالم في أمر حلال فذلك هو الحق فيما يختص بذلك العالم عند الله تعالى وبكل من أخذ بقوله وكذا في العكس ... وعلى هذا يحملون قوله عليه السلام : "إذا اجتهد العالم فأخطأ" أي فأخطأ الأفضل .

وقال شيخ الإسلام : "مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ" .

وقال أيضاً : "ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية ، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة ، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم ، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته وبينته على اجتهاداته ولا يؤاخذ بما أخطأ تحقيقاً لقوله : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا}" .

وقال أيضاً : "المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يُكفَّر بل ولا يفسق – إذا اجتهد فأخطأ – وهذا مشهور عند الناس في المسائل العلمية ، وأما مسائل العقائد : فكثير من الناس كفَّر المخطئين فيها ، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية ، ووقع في ذلك كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم" .

وقال في موضع آخر : "فأما الصديقون والشهداء والصالحون ، فليسوا معصومين ، وهذا في الذنوب المحققة ، وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون . فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران . وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم ، وخطؤهم مغفور لهم . وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين ، فتارة يغلون فيهم يقولون : إنهم معصومون ، وتارة يجفون عنهم ويقولون : إنهم باغون بالخطأ . وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون" .

وقال أيضاً : "والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة" .

وقال ابن أبي العز الحنفي : "والقول قد يكون مخالفاً للنص وقائله معذور . فإن المخالفة بتأويل لم يسلم منها أحد من أهل العلم ،وذلك التأويل وإن كان فاسداً فصاحبه مغفور له لحصوله على اجتهاده ، فإن المجتهد إذا اجتهد وأصاب له أجران : أجر على اجتهاده ، وأجر على إصابته الحق ، وإذا اجتهد فأخطأ : فله أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، فمخالفة النص إن كانت عن قصد فهي كفر ، وإن كانت عن اجتهاد فهي من الخطأ المغفور.." .

وقال ابن القيم رحمه الله : "ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة ، وهو من الإسلام وأهله بمكان ، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين" .

قد تكلم علماء العصر في هذه المسألة فساروا على نفس المنهج ، إذ النبع واحد .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : "وأما موقفنا من العلماء المأولين ، فنقول : من عرف منهم بحسن النية وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ ، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم قائله ، بل يكون له أجر على اجتهاده" .

ولكن هذا الاجتهاد الذي يرفع به الوزر ، ويثبت به الأجر للمجتهد ، هو : ما كان واقعاً من أهل الاجتهاد ، أما العوام فإنهم وإن زعموا الاجتهاد فليس لهم ذلك ؛ لافتقارهم لأدواته ، وإنما عملهم : من القول بالرأي المبني على الظنون والتخرصات والأهواء .

قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - : "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان : أحدهما الاجتهاد المعتبرُ شرعاً وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه...

والثاني : غير المعتبر ، وهو : الصادر عمن ليس بعارفٍ بما يفتقر الاجتهاد إليه ؛ لأن حقيقته أنه رأيٌ بمجرد التشهي ، والأغراض وخبطٌ في عماية واتباعٌ للهوى . فكل رأي صادرٍ على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره ؛ لأنه ضد الحق الذي أنزله الله كما قال تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} ، وقال تعالى : {يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}... الآية ، وهذا على الجملة لا إشكال فيه" .

وهذا الاجتهاد من غير أهل العلم وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الذين أفتوا المشجوج في البرد بوجوب الغسل .

فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال : خرجنا في سفرٍ فأصاب رجُلاً منا حجرٌ فشجه في رأسه ، فاحتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصةً في التيمم؟ قالوا : ما نجد رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ومات . فلما قدِمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبِرَ بذلك ، قال : "قتلوه ، قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا ، وإنما شفاء العي السؤال" .


قال شيخ الإسلام : "أخطأوا بغير اجتهاد ، إذ لم يكونوا من أهل العلم" .

فتأمل يا رعاك الله في تلك النقولات كيف أن أئمتنا لم يشنعوا على المجتهدين إذ وقعوا في خطأ أو زلة ، فأين هذا المنهج السامي ممن يبدِّعون ويفسقون من وقع في أي خطأ دون النظر إلى نيته ومقصده ، ودون التفريق بين المجتهد الذي يبحث عن الحق وينشده وبين صاحب الهوى القاصد للخطأ والمصر عليه ، ومشكلة هؤلاء اعتقادهم أن حكمهم ورأيهم هو حكم الله عز وجل ، وحكم غيرهم هوى وزيغ وضلال ، وهذا من التعصب الأعمى الممقوت الذي نسأل الله عز وجل أن يعافي المسلمين منه .

يتبـــــــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>>>

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة: