عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2011, 09:50 PM   رقم المشاركة : 7
الثلايا
مشرف القسم الإسلامي






 

الحالة
الثلايا غير متواجد حالياً

 
الثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميعالثلايا عضوية معروفة للجميع

شكراً: 2,316
تم شكره 3,815 مرة في 992 مشاركة

 
افتراضي رد: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف

الفصل الثاني

عند ثبوت الخطأ


إذا سلك المسلم الوسائل السابقة في التثبت وظهر له أن الخطأ واقع فكيف يتعامل معه بعد ثبوته؟

إن المتأمل في النصوص الشرعية الواردة في ذلك يجد أن معالجة الخطأ قائمة على أمرين هما

1- النصح .

2- الستر .

وسيكون الحديث عن هذين الأمرين في المباحث التالية :

المبحث الأول
النصح والتوجيه

إن من حق المسلم على أخيه المسلم أن ينصح له إذا رأى منه خطأ أو عيباً وذلك امتثالاً للأحاديث والآثار الوارد في ذلك ، فمنها حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الدين النصيحة ، قلنا : لمن؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" .


وحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" .


إذاً فالنصح حق واجب وهو دليل على صدق الإخاء كما قال بلال بن سعد رحمه الله : صديق إذا لقيك أخبرك بعيب فيك خير من صديق إذا لقيتك وضع في يدك درهمين" .


بل كانوا يسألون غيرهم النصح والتوجيه كما قال بلال ابن سعد لأحد إخوانه : "أي أخي بلغنا أن المؤمن مرآة أخيه فهل تستريب من أمري شيئاً" .


وكان عمر بن عبد العزيز يطلب النصيحة من عمرو بن مهاجر فيقول له : "يا عمرو ، إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني ، ثم قل لي : ماذا تصنع؟" .


ويدخل تحت هذا المبحث مطالب هي بمثابة منائر في طريق النصح

فمن ذلك :

1- إخلاص النية والقصد عند النصح والتوجيه فإنما الأعمال بالنيات:


قال الحافظ ابن رجب : "وأما في باطن الأمر فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبين الحق ، ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته ، فلا ريب أنه مثاب على قصده ، وندخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم ، وأما إن كان مراد الراد بذلك إظهار عيب من رد عليه وتَنَقُّصَه وتبيين جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان مجرماً ، سواء كان رَدُّه لذلك في وجه من ردَّ عليه أو في غيبته ، وسواء كان في حياته أو بعد موته ، وهذا داخل فيما ذمه الله تعالى في كتابه وتوعد عليه في الهمز واللمز ،

وداخل أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" إلى أن قال : "ومن عرف منه" أنه أراد برده على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين ، ومن عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة" .

قال الشيخ مرتضى الزبيدي في مبحث جواز غيبة الفاسق: "إنَّ ذكر الفاسق بما فيه ليحذره الناس : مشروط بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة دفعاً للاغترار به ، فمن ذكر أداً من هذا الصنف تشفياً لغيظه أو انتقاماً لنفسه أو لنحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم . صرَّح بذلك تاج الدين السبكي عن والده تقي الدين ابن السبكي ، قال تاج الدين : كنت جالساً بدهليز دارنا ، فأقبل كلب ، فقلتُ : اخسأ كلبَ بنَ كلب ، فزجرني والدي من داخل البيت ، فقلت : أليس هو كلبَ بن كلب؟ قال : شرْطُ الجواز عدَمُ قصد التحقير ، فقلت : هذه فائدة" .


وبعد إخلاص النية والمقصد عليه اتباع الوسائل والأساليب الشرعية في معالجة الخطأ ،

فمن ذلك :

2- الهدوء في التعامل مع المخطئ وإظهار الرحمة به:

بعد إخلاص النية والمقصد ، على الناصح اتباع الوسائل والأساليب الشرعية ومنها الهدوء في التعامل للوصول إلى الهدف الأسمى من النصح وهو إخراجه من دائرة الخطأ إلى دائرة الصواب والخير ، فالناصح الصادق يتعامل مع المخطئ تعامل الطبيب المريض لا تعامل الشرطي مع اللص ، ولعل في هذين الموقفين من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما يجلي لنا ذلك:


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَهْ مَهْ! قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تُزْرِمُوهُ دعوه" فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" ، قال : فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من الماء فشَنّهُ عليه .


وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال : يا رسول الله هلكت ، قال "مالك؟ قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل تجد رقبة تعتقها" ، قال : لا ، قال : "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" ، قال : لا ، فقال : "فهل تجد إطعام ستين مسكيناً" ، قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر – والعَرَقُ المِكْتَلُ- قال : "أين السائل؟" فقال : أنا ، قال : "خذها فتصدق به" ، فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابَتَيها – يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال : "أطعمه أهلك" .


3- إرشاد المخطئ وإِعانته على تصحيح خطئه ، وتعليمه عملياً إذا اقتضى ذلك:

ومن الأمثلة على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً جالساً وسط المسجد مُشبِّكاً بين أصابعه يُحَدِّثُ نفسه ، فَأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يفطن ، قال : فالتفت إلى أبي سعيد فقال : "إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان ، فإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه" .


ومن الأمثلة أيضاً قصة المسيء صلاته حيث أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفة الشرعية للصلاة ، وذلك بعد أن طلب منه أن يعيد الصلاة مراراً وفي كل مرة يقول له : "ارجع فصل فإنك لم تصلِّ" .


وقد يقتضي إرشاد المخطئ إعانته على تصحيح خطئه كما في قصة الأعرابي الذي واقع امرأته في نهار رمضان كما تقدم .


وقد يضطر الناصح إلى تعليم المخطئ عملياً ، لما للتعليم العملي من قوة في التأثير على التعليم النظري ، ولعل من أمثلة ذلك ما رواه جبير بن نفير عن أبيه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بوَضوء فقال : "توضأ يا أبا جبير" ، فبدأ أبو جبير بفيه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبتدئ بفيك يا أبا جبير ، فإن الكافر يبتدئ بفيه" ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء ، فغسل كفيه حتى أنقاهما ، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً ، واليسرى ثلاثاً ، ومسح رأسه وغسل رجليه .


4- تقديم البدائل الصحيحة للخطأ:

وهذا ليس شرطاً لترك الخطأ بل ينبغي على المؤمن أن يوطن نفسه على الامتثال للحق دون اشتراط البدائل ؛ فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليهم قوله تعالى : {يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ...}الآيات .


قالوا : انتهينا ربنا ، انتهينا ربنا ولم يشترطوا البديل ؛ لأن تقديم البديل هو بحسب القدرة والإمكان ، فقد يكون الأمر أحياناً خطأ يجب الامتناع عنه ، ولا يوجد في الواقع بديل مناسب . على أن إيجاد البديل المناسب أفضل وأشمل وألصق بالطريقة الشرعية في إيجاد البدائل ، فإن الشريعة لما حرمت بعض الأمور الجاهلية أوجدت البدائل ، فشعرت النكاح لما حرمت الزنا وأباحت البيع لما حرمت الربا ...إلخ .


ومن الأمثلة على إيجاد البدائل ما يلي:

عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على فلان وفلان (وفي رواية النسائي السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقولوا السلام على الله ، فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ،السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو" .



ومثال آخر : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر بَرْنِيٍّ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "من أين هذا؟" قال بلال : كان عندنا تمر رَدِيٌّ ، فبعتُ منه صاعين بصاع لِنُطْعِمَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك "أوَّه أوَّه ! عينُ الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتَرِه" .

5- تأديب المخطئ إذا استلزم الأمر ذلك:

فالناصح أشبه ما يكون بالطبيب يختار من العلاج ما يناسب حال المريض ، وقد لا يزول المرض إلا بشيء من الشدة والغلظة فكذلك الناصح .


ومن الأساليب النبوية في ذلك:

إظهار الغضب من المخطئ كما في حديث أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فيها ، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشد غضباً في موعظةٍ منه يومئذ ، ثم قال : "يا أيها الناس إن منكم منفِّرين فأيكم ما صلى بالناس فليوجز فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة" .


ومن ذلك عتاب المخطئ كما حصل في قصة حاطب رضي الله عنه .

ومن ذلك الإعراض عن المخطئ لعله يرجع عن خطئه لما رواه النسائي رحمه الله عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار" .


ومن ذلك هجر المخطئ ، وهو من الأساليب النبوية المؤثر خصوصاً إذا عظم الخطأ والذنب ، وذلك لما يحدثه الهجران والقطيعة من الأثر البالغ في نفس المخطئ ، ومن أمثلة ذلك ما حصل لكعب بن مالك وصاحبيه الذين خُلفوا في قصة غزوة تبوك : فبعد أن تأكد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لهم عذر واعترفوا بذلك قال كعب رضي الله عنه : ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ،فما هي التي أعرف . فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدهم ، وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه رد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ ، وإذا التَفَتُّ نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال عليَّ من جفوة الناس مشيت حتى تَسَوَّرتُ جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام ، فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت . فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت له فنشدته فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ... إلى أن قال رضي الله عنه في قصته: حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسولنا صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي ،وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفَى على جبل سَلْعٍ بأعلى صوته : "يا كعب بن مالك أبشر" .


ومن ذلك أيضاً الدعاء على المخطئ المعاند : ومن أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال : "كل بيمينك" قال : "لا أستطيع" ، قال : "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر ، قال : "فما رفعها إلى فيه" .

قال النووي رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر .

وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل .


يتبــــــــــــــــــــع>>>>>>>>>

آخر تعديل همسات مسلمة يوم 12-04-2011 في 07:04 PM.

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ الثلايا على المشاركة المفيدة: