يرى محللون ومراقبون مختصون أن تركيا تحاول استثمار موقع المغرب الجيوسياسي لإقامة شراكة استراتيجية معه، تتيح لها لعب أدوار سياسية بارزة في المحور الإفريقي، وذلك على خلفية إبرام تركيا قبل أيام قليلة لعدة اتفاقيات علمية وثقافية وعسكرية مع المملكة المغربية.
واعتبر الخبراء أن "العثمانيين الجدد" يهتمون أكثر بصعود الإسلاميين في عدة دول من شمال إفريقيا في خضم الثورات العربية، حيث يسعون إلى الحضور بقوة في تأمين مساراتها، كما يتطلع الأتراك من جهة أخرى إلى فوز محتمل لحزب العدالة والتنمية المغربي ـ ذي التوجه الإسلامي ـ في الانتخابات البرلمانية، وترأسه للحكومة المقبلة للبلاد.
وجدير بالذكر أن المغرب وتركيا وقعتا على مستوى وزيري خارجية البلدين، منذ أيام قليلة، على أربع اتفاقيات تتعلق بالتعاون العلمي والتكنولوجي، والاعتراف المتبادل برخصة القيادة والتعاون في مجال الصيد البحري، والشباب، والرياضة.
دولتان محوريتان
واعتبر الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فاس، أن ما اتفق عليه المغرب وتركيا قبل أيام يسمح لنا بالحديث عن خطوة جديدة ومتقدمة في العلاقات المغربية التركية، لاسيما اتفاقهما على إنشاء خلية خاصة لتوسيع وتعميق الحوار السياسي والاستراتيجي بين البلدين، وكذا التفكير في تنظيم زيارات متبادلة من أعلى مستوى خلال السنة القادمة، مشيرا إلى أن هذه الخطة ستُضاف إلى ما راكمه البلدان من علاقات اقتصادية، خاصة توقيعهما لاتفاقية التبادل الحر بينها عام 2004.
وقال الصديقي في حديث مع "العربية.نت" إن الخصائص المتشابهة التاريخية والجيوسياسية لكل من تركيا والمغرب، سواء من حيث عمقهما التاريخي، أو موقعهما الجغرافي المتميز، أو علاقاتهما المتشابكة مع أوروبا؛ يؤهلهما لتكون لهما دبلوماسية متقاربة، وتكونا دولتين محورتين في العالم الإسلامي.
وتابع الخبير في العلاقات الدولية أن التقارب بين المغرب وتركيا يأتي في ظل تحولات عميقة يشهدها العالم العربي، جعلتها تركيا على رأس أولويات دبلوماسيتها، لذلك ليس غريبا أن يسعى الأتراك لتعزيز علاقاتهم، على مختلف الأصعدة، مع الدول التي أصبح لها دور في ما يجري في المنطقة.
وأردف الصديقي قائلا "المغرب من الدول التي نشطت دبلوماسيتها على المستوى العربي خلال انتفاضات الربيع العربي، وهي دون شك من أكثر المستفيدين من التغيرات السياسية الجارية، بسقوط أنظمة إما معادية للوحدة الترابية للمغرب، مثل ليبيا، أو مبتزة له رغم دعمها للمواقف المغربية، مثل تونس؛ لذلك فمن الطبيعي أن تسعى الدبلوماسية التركية إلى تقوية العلاقة مع محيطها الجيوسياسي، والذي يشكل المغرب أحد مفاصله الأساسية".
صعود الإسلاميين
ولفت الدكتور الصديقي إلى ظهور عنصر سياسي جديد في المنطقة يحظى باهتمام كبير لدى الأتراك، وهو صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم في أكثر من بلد في شمال إفريقيا، مشيرا إلى أنه بعد ترأس الإسلاميين للحكومة في تونس، وموقعهم المؤثر في ليبيا الجديدة، واحتمال حصولهم على مراكز متقدمة في الحكومة المصرية المنتخبة، فإنه لا شك أن أعين الأتراك مفتوحة على المغرب، وينتظرون ما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية القادمة.
وزاد الصديقي بأن احتمالات ترأس حزب العدالة والتنمية المغربي للحكومة القادمة، في حالة فوزه بالرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، سيعني الشيء الكثير للحكومة التركية، التي يرتبط الحزب المُشكل لها بعلاقات قوية مع الإسلاميين المغاربة.
واستطرد المتحدث بأن ذلك سيشكل منعطفا جديدا ومتميزا في العلاقات التركية المغربية، مضيفا أنه ربما سنشهد بروز حلف إسلامي مؤثر في العالم الإسلامي، يحتمل أن يضم أكثر من خمس دول على أقل تقدير، بحسب الخبير في العلاقات الدولية.
سياسة خارجية مؤثرة
ومن جهته، سجل الدكتور إدريس بووانو، أكاديمي مغربي متخصص في الشؤون التركية، أن تركيا كانت تعد لفترة طويلة دولة هامشية، وجزء من المعسكر الغربي، وأداة من أدواته، لكن منذ مجيء حزب العدالة والتنمية تغيرت هذه النظرة بشكل جذري، لتصبح تركيا دولة مركزية، وليست "دولة طرفا".
وأفاد بووانو، وهو مؤلف كتاب "إسلاميو تركيا.. العثمانيون الجدد"، في حديث مع العربية نت، أن دور تركيا أضحى هو إنتاج الأمن والاستقرار الإقليمي، ووسيلتها هي تجسير العلاقات مع دول الجوار بالطرق الودية، وأيضا إقامة تحالفات مبنية على مصالح متبادلة، وشراكات متوازنة على المستوى السياسي والاقتصادي.
وانطلاقا من هذا التغير، يضيف بووانو، أصبحت السياسة التركية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، واعية بدورها المحوري، فهي لم تغير نمط سياستها مع حلفائها، كالولايات المتحدة الأمريكية، أو أوروبا، بقدر ما باتت تلعب أدوارها على محاور أخرى مختلفة، طبقا لمصالحها، سواء في منطقة القوقاز، أو آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.
وأكد الخبير المغربي أن تركيا تبدو اليوم تملك إمكانات معتبرة من أجل سن سياسة خارجية مؤثرة في محيطها الجغرافي، بناء على موقعها في خريطة التجاذبات والتحالفات في المنطقة، وأيضا استثمارا لرصيدها التاريخي والثقافي، خاصة مع دول العالم الإسلامي، ومنها دول شمال إفريقيا عامة، والمغرب على وجه الخصوص.
الربيع العربي
وأبرز بووانو أن تركيا تتطلع إلى استثمار موقع المغرب الجيوسياسي، كما تنطلق من الروابط التاريخية التي تجمع بين تركيا والمغرب إبان المرحلة العثمانية، بهدف إقامة شراكة إستراتيجية مع المغرب، يمكن لها أن تلج لإفريقيا، وتلعب أدوارا سياسية طلائعية في المنطقة.
وزاد بووانو بالقول "حينما جاء الربيع العربي، لم تتأخر تركيا كثيرا في استثمار هذا الحدث لتكرس حضورها البارز في مسرح الأحداث، وسعيها نحو لعب دور بارز ونشط في تأمين مسارات هذا الربيع، حتى تتبرعم أزهاره ولا تتكسر، وهذا ما لاحظناه في مصر وتونس وليبيا بصفة أكثر، وكذا في سوريا بشكل أوضح".
وأما في المغرب، يردف المتحدث، فإن "تقرب تركيا من المغرب في هذا الظرف بالضبط يأتي لتدعيم مسار الإصلاحات التي بدأتها المملكة بكل شجاع
منقوول