تطورات أحداث ميدان التحرير في يومها الرابع تعطي انطباعا بثورة ثانية في مصر يقودها شباب لديهم إصرار على مطلبين رئيسيين.. تشكيل حكومة إنقاذ وطني وتسليم السلطة لرئاسة مدنية في آخر أبريل القادم.
ارتفعت هتافات تطالب بسقوط المشير الذي تبنت دعوة لحملة مجهولة من الشباب خلال الأسبوعين الماضيين ترشيحه لرئاسة مصر في الانتخابات المتوقعة، إلا أنه والمجلس العسكري نفيا أي معرفة بهذه الحملة أو بالقائمين عليها. وتتزايد الهوة ويتعمق الشرخ في علاقة الجيش بميدان التحرير ويبدو أن شهر العسل الذي ترافق مع تنحي مبارك في 11 فبراير/شباط الماضي قد انتهى بالطلاق.
المجلس العسكري لم يقدم أي حلول سياسية ويكتفي حتى الآن بالتعامل الأمني خصوصا أنه من المستبعد الاستجابة للمطلبين السابقين، فالأول يعني تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى والثاني يعني تشكيل مجلس رئاسي مدني لإدارة الدولة وهو ما ترفضه القوى الإسلامية التي ستسارع بدخول المواجهة في حالة الغاء أو تأجيل الانتخابات.
في خمس دقائق مساء أمس الأحد أظهر الجيش "العين الحمراء" بنزول قوة محدودة من عشرات الجنود ذوي الأجسام الفارهة، وانهوا الاعتصام خلال تلك الدقائق وفر أمامهم آلاف المعتصمين، حيث ظهرت صنية ميدان التحرير خالية تماما منهم، ثم سرعان ما اختفى هؤلاء الجنود دون أسباب مفهومة.
"العين الحمراء" قد تراهن على مسألة الوقت لاستنزاف هؤلاء الشباب، وعلى غياب التعاطف الشعبي معهم خوفا من الانهيار الأمني التام الذين يعانونه بشدة منذ سقوط نظام مبارك، خاصة أن الكل يخشى من انسحاب الجيش الكامل إلى ثكناته وترك البلاد للجان الشعبية لتحمي الممتلكات العامة والخاصة.
يقوي من هذا الرهان أنه رغم تصاعد الصدام بين الشرطة والمتظاهرين وسقوط 33 قتيلا في أحدث إحصائية، إلا أن منطقة التوتر تنحصر في محيط ميدان التحرير، باستثناء بعض الإشتباكات التي تحدث بين الحين والآخر عند نهاية شارع محمد محمود المؤدي إلى وزارة الداخلية.
أما الشوارع المحيطة بالميدان من جهاته الثلاث وهي شوارع طلعت حرب و26 يوليو والتحرير فتسير فيها الأمور بشكل عادي. صحيح أنها خلت من المارة خلال مليونية الجمعة الماضية وأغلق التجار محالهم، لكنها سارت بعد ذلك بشكل طبيعي.
وهذا يظهر حالة المبالاة التي تجتاح سكان العاصمة تجاه ما يحدث في ميدان التحرير.
في الشوارع المحيطة فتح معظم أصحاب المحال التجارية أبوابهم دون خوف، لكنهم أكدوا لـ"العربية.نت" أنهم مستعدون لمواجهة أي محاولة للخروج عن القانون في حال تعرضت موارد أرزاقهم لأي مشكلات، هذا بالإضافة إلى تواجد بعض دوريات المرور التي تنظم عملية السير وتقاطعات الشوارع.
في مقهى الأندلسية بشارع 26 يوليو جلس المواطنون على المقهى يدخنون النرجيلة وأعينهم منصبة على شاشة التليفزيون لمتابعة حرب ميدان التحرير، ويدور بين رواد المقهى الحديث عما يجري .
يقول عمرو فرج مهندس بشركة مصر للبترول التي تقع في محيط المكان لـ"العربية نت ": أنا ضد ما يحدث، وأتصور أن الموجودين بالميدان الآن ليسوا من الثوار، وإذا كانوا يطالبون برحيل المجلس العسكري فمن سيتولى شئون البلاد؟ ".
ويؤكد "أنا لن أشارك مع هؤلاء المتظاهرين، لكنني شاركت في ثورة 25 يناير ، حتى رحل مبارك، واتفقنا على طريقة معينة مع الجيش والآن ماذا يريد هؤلاء ".
ويضيف "نحن الآن على مقربة من الإنتخابات ، فلتجر بسلام وبعدها نطالب برحيل المجلس العسكري وتسليم السلطة ".
مجموعة من الشباب في العشرينيات كانوا جالسين يتابعون ما يجري أجابوا على سؤال "العربية .نت" برأي واحد: "نحن شاركنا في الثورة، لكن ما يحدث في الميدان الآن غير مفهوم، ونحن لا ندري الحقيقة مع من ".
ويستنكر هؤلاء الشباب ما يجري من وزارة الداخلية من تعامل عنيف مع المتظاهرين، ويطالبون بأن تترك الداخلية الميدان وترحل، وتكف عن استخدام العنف، ساعتها لن يكون هناك مبرر لوجود هؤلاء الشباب في الميدان .
ويقول هاني زكري صاحب محل ملابس بطلعت حرب "نحن لا نفهم طبيعة ما يحدث في الميدان، حتى نشارك أو لا نشارك، ولكن ما نلاحظه أن بعضا من المتظاهرين أشكالهم غريبة وتحاول دفع الشباب لمهاجمة وزارة الداخلية، وهو ما يؤدي إلى استفزاز الشرطة، فتبدأ بين الحين والآخر عمليات الكر والفر".
ويؤكد هاني: " أغلقنا محلاتنا طوال يوم الجمعة الماضية، وسارت المليونية بسلام ولم تتد خل الشرطة، وتم عرض المطالب، فلماذا يصر هؤلاء الشباب على إشعال فتيل الأزمة مجددا ".
وعن دور الشرطة وطبيعة ما يحدث على الأرض أمنيا يقول الدكتور إيهاب يوسف الخبير الأمني والإستراتيجي لـ"العربية نت ": أنا على اتصال بوزارة الداخلية، وكلما سألت أحدا من المسؤولين عما يجري تأتي إجاباتهم غير واضحة، فعلى أرض الواقع هناك وبين تحليلات السياسيين لا تجد أبدا إجابة واضحة عن أهداف ما يحدث سواء من المتظاهرين أو الشرطة، ويؤدي هذا إلى فشل في إدارة الأزمة ".
وعن أسباب عزوف الجماهير العريضة عن المشاركة مع المتظاهرين في الميدان رغم سقوط ضحايا يرى الدكتور إيهاب يوسف "أن السواد الأعظم من الشعب المصري أسقط مبارك وكان هناك هدف واضح ومحدد من ثورة 25 يناير، أما الآن فهناك أزمة اقتصادية طاحنة يعاني منها الشعب فالأغلبية العظمى تريد الإستقرار، وإذا كانت الأقلية السياسية لها وجهة نظر في إدارة المرحلة، فالسواد الأعظم غير معني بالنظريات السياسية التي يسردها هؤلاء في الفضائيات.. فما يحدث الآن في الميدان يشوبه الغموض وليس هناك هدف محدد من هذه الإشتباكات ".
وردا عما يثار أن الأزمة تفتعلها وزارة الداخلية لإثبات أنها عادت بقوة يقول الدكتور إيهاب يوسف "إذا كانت الداخلية تفتعل ذلك وتريد إثبات قوتها من جديد حتى تعطي إشارة لمن يريد العبث بالعملية الإنتخابية القادمة فإن ما يحدث يؤكد فشلها، فهي غير قادرة لليوم الرابع على إخلاء الميدان، فالنجاح للداخلية يقاس بفضها للتظاهرات بأسرع وقت وبأقل الخسائر، ولكن ما يحدث هو العكس، فالضحايا في ازدياد وحرب الشوارع مستمرة .
ربما يكون عدم تجاوب السواد الأعظم من الناس سببه غموض أسباب هذه المظاهرات بالنسبة للشعب لكن هناك سبب آخر يراه عبدالله زكي مهندس "وهو عدم وجود قيادة فاعلة وموحدة للثورة منذ البداية، فكثرة الإئتلافات والتنظيمات الثورية الشبابية بالإضافة إلى انتهازية بعض الأحزاب ومحاولتها اغتنام الفرصة لتحقيق أكبر المكاسب دون النظر للوطن، مما أدى إلى شروخ حدثت في جدار الثورة، يتمثل في فقدان الشعب الثقة في هذه الإئتلافات الثورية والأحزاب".
حركة 6 أبريل أدركت ان هناك عدم تفاعل وسلبية من المواطنين تجاه ما يحدث فأصدرت بيانا حصلت "العربية.نت" على نسخة منه دعت فيه "كل مصري حر شريف للنزول الي الميدان لتحري الدقة وليعرف بنفسه هل من في الميدان بلطجية ام ثوار يناير الشرفاء، ونهيب بكل المصريين عدم مشاهدة التلفزيون المصري الذي حمل بعار يكفيه ألف سنة ولن يغسل هذا العار ماء النيل بكامله".
وقال البيان "إننا نؤكد أننا صامدون علي العهد إلي أخر نفس في الميدان حتي يتحقق لمصر ما نريد لها. ونقول للمجلس العسكري أنت سلطة سياسية وإذا سقطت لن تسقط الدولة، فكفاك استهزاء بعقول الناس انتم بشر ولستم آلهه تعبد ولا تخطئون ولقد ثبت بالدليل القاطع طيلة التسعة أشهر الماضية أنكم فشلتم. تنفقون نصف مليار علي الانتخابات وتدعون أن الاقتصاد مدمر. أنتم قلتم أنكم ستقفون بعنف ضد هذه التظاهرات السلمية ونحن نقول لن نرحل من الميدان إلا بعد تحقيق المطالب فتحملوا تبعات ما قلتم اللهم بلغنا اللهم فاشهد".
وأعرب السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديمقراطية في حديث لـ"العربية.نت" من ميدان التحرير، عن إستيائه الشدديد من الإفراط في إستخدام القوة، داعيا لوقف للعنف ووقف إطلاق الرصاص الحي والمطاطي على المتظاهرين.
كما دعا إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين من شباب الثورة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني للشاور بين جميع القوى السياسية، وتحديد موعد محدد لإنتخاب رئيس الجمهورية، وصدور إعلان دستوري يقتضي بمنح الصلاحيات للبرلمان القادم في تحديد إختصاصات رئيس الجمهورية.
وفي تعليقه على أحداث ميدان التحرير يقول الدكتور رشاد البيومي نائب المرشد العام للإخوان المسلمين لـ"العربية نت "نحن عندما جئنا في مليونية الجمعة الماضية قلنا مطالبنا ونقول إن هناك نية طيبة من بين المتظاهرين ، وبينهم أيضا سيئوا النية، ونؤكد أن القوى السياسية والمجلس العسكري والحكومة كلهم مسؤولون عما يجري".
ويحذر د رشاد البيومي من أن تتحول هذه المظاهرات إلى فوضى تؤدي إلى تعطيل العملية السياسية وأن أي تحرك يؤدي الى ذلك فنحن سنقف ضده ".
أما حزب النورالسلفي فقد عبر عن بالغ قلقه من أحداث ميدان التحريروقال الحزب في بيان وصل "العربية. نت" نسخة منه "شعرنا بمرارة شديدة لسقوط ضحايا" معلنا رفضه أي دعوة تطالب بتأجيل الانتخابات. وطالب المجلس العسكري الالتزام بتنفيذ خارطة الطريق، وسرعة إجراء الإنتخابات التشريعية وتوفير جميع وسائل حماية الناخبين، داعيا " أبناء مصر لرفض الدعوات المشبوهة التي تدعو للصدام مع المؤسسة العسكرية
منقول".