:: الفصل الرابع عشر ::
تمالكت توبنس أعصابها وتناست إلى حين .. الدور الذي استنتجت أن الكوماندوز هايدوك قد لعبه في اختفاء تومي وكان لابد لها أن تتمالك أعصابها فعليها أن تعمل المستحيل حتى لا يكتشف دورها .. وقفت على قديمها .. كأي امرأة ألمانية تواجه رئيسها ..
- اذن حضرت ..
- نعم .. انني الممرضة " إيلتون " ..
وابتسم هايدوك كما لو قد سمع دعابة وقال :
- عظيم .. عظيم .. أيتها الممرضة ايلتون .. تفضلي بالجلوس ..
- أعتقد أنه علي أن أتلقى منك تعليمات ..
- أتعلمين اليوم ؟
- انه الرابع ..
- اذن أنت تعلمين ذلك .. وعقد ما بين حاجبيه ..
فقالت توبنس بعد فترة سكون :
- أرجو أن تحدثني عما يجب علي ان أفعله ..
- كل شيء في أوانه يا عزيزتي .. ثم قال بعد لحظة :
- قد سمعت بلا شك عن سان سوسي ..
- لا ..
- ألم تسمعي عنها ؟
- كلا ..
فابتسم الكوماندوز ابتسامة غريبة ..
- اذن أنت لم تسمعي عن سان سوي ! ان هذا ليدهشني كثيرا فاني أعلم أنك كنت تقيمين هناك طوال الشهر الماضي أليس كذلك يا مسز بلنكنسوب ؟
- اني لا أفهم ما تعني يا دكتور بينيون .. لقد هبطت بالبراشوت صباح اليوم ..
- آه .. انني لست الدكتور بينيون يا عزيزتي .. الدكتور بينيون هو طبيبي وقد سمح لي باستعارة عيادته بعض الوقت ..
- حقا!!؟
- حقا يا مسز بلنكنسوب .. أو لعلك تفضلين أن أخاطبك باسمك الحقيقي يا مسز برسفورد .. لقد انكشفت اللعبة أخيرا .. وقال العنكبوت للذبابة .. " هذا أنت قد وقعت في خيوطي " وأحب أن أنبهك على نصيحة هامة .. هي ألا تصيحي فتزعجي الجيران .. فستقلين قبل أن تفتحي فاك.. ثم لا تنسي أن هذه عيادة طبيب أسنان، وكثيرا ما سمع الجيران أصوات المرضى ..
- يخيل إلي أنك فكرت في كل شيء .. لكن هلا حسبت حساب ان لي أصدقاء بالخارج يعرفون أين أنا؟
- أوه .. هل تفكرين في الشاب " أنتوني مارسدون " .. يؤسفني يا مسز برسفورد أن أصارحك بأن أنتوني من أنشط الشباب الذين يعملون تحت أمرتنا ، وقد استطاع بلباقته – بعد أن عرف عنك كل شيء من ابتك – أن يجعلك تؤمنين بقصة البراشوت بكل بساطة ..
- لست أفهم معنى هذا ..
- حقا .. لقد عملنا على أن يفقد أصدقاؤك أثرك اذا تتبعوه ، وقد يصلون إلى محطة يارو فيعلمون أنك ركبت في سيارة مع أحد الشباب.. أما الممرضة التي لا تشبهك من قريب أو بعيد .. والتي سارت على قدميها بين الساعة الواحدة والثانية في مدينة ليبرزيارو فإن أحدا لن يدرك أن ثمة علاقة بينها وبين اختفائك ..
- وبعد ؟
- انني معجب بأعصابك .. بل أنا شديد الاعجاب ، ويحززني استعمال الشدة معك ، ولكني مضطر لأن أعلم بالضبط كل ما اكتشفت في سان سوي .. واني أنصحك .. ولعلك تدركين ما قد يقود إليه عنادك..
فنظرت إليه توبنس بازدراء .. فاستطرد :
- نعم .. انني أقدر ما تتميزين بع من ثبات وعزم ولكن .. ماذا عن الوجه الآخر للصورة ؟
- ماذا تعني؟
- اني أقصد زوجك.. " توماس برسفورد ".. الذي كان يقيم إلى عهد قريب في سان سوسي تحت اسم مستر ميدوز .. والذي يقيم الان في قبو منزلي ..
- تومي .. لا أصدق ذلك ..
- بل يجب أن تصدقيه .. فان تومي العزيز كان ولا يزال في قبضة يدي ، فإذا أجبت عن اسئلتي أنقذته.. أما اذا رفضت فستسير الأمور على النحو المرسوم لها.. اذ سيقتل ويقذف بجثته في أعماق اليم ..
- ماذا تريد أن تعرف؟
- لحساب من تعملين ؟ وما وسيلتك للاتصال بهم ؟ وما المعلومات التي أبلغتها لهم حتى هذه اللحظة ؟ وبعبارة أخرى كل ما تعلمين ..
فهزت توبنس كتفيها وقالت :
- أستطيع أن أقول لك من الأكاذيب ما يحلو لي ..
- كلا ، انك لا تستطيعين ذلك .. لأنني سأبدأ بفحص كل ما تقولين .. ثم لا تنسي يا سيدتي العزيزة انني أقدر مشاعرك نحو هذا العمل .. ثم انني أقدر كل مجهوداتك أنت وزوجك .. ونحن في حاجة إلى أناس من امثالكما لبناء الدولة الجديدة التي ستقوم على أنقاض هذه الدولة الغبية ..
نظرت توبنس اليه ثم راحت تبحث عن كلمة ترد بها عليه ، وقالت دون وعي منها :
- أحلام ساندريلا .. أحلام ساندريلا ...!
وأرادت بعبارتها التهكمية هذه أن تشبه آمال النازيين بقصة الاطفال المعروفة التي رأت كتابها مع الطفلة بتي .. ولكنها دهشت عندما وجدت وقع هذه الكلمات على هايدوك كالسحر بل انها فزعت لما رأته على وجهه، اذ قفز واقفا مقتم الوجه ، ورأت فيه توبنس فجاة ما رآه تومي من قبل .. الضابط البروسي الفظ الذي اخذ يسبها باللغة الألمانية بأوقح الألفاظ .. ثم قال بالإنجليزية :
- أيتها المخبولة ، انك لا تدركين نتائج اجابتك هذه .. لقد حكمت بالإعدام على زوجك وعلى نفسك .. ثم صاح بأعلى صوته :
- آنا ..
فدخلت المرأة التي فتحت الباب لتوبنس فدفع هايدوك مسدسا في يدها وقال لها :
- راقبيها ولا تترددي في اطلاق النار اذا احتاج الأمر ..
وخرج كالعاصفة من الباب وأغلقه وراءه .. فقالت توبنس لـ آنا :
- أ ستقتلينني حقا؟
- تحاولي أن تخدعينني .. لقد قتل ولدي أونو في الحرب الماضية وكان سني حينئذ ثمانية وثلاثين عاما وقد اصبحت في الثانية والستين الان ، ورغم ذلك ..
وقد ذكر توبنس وجه هذا المرأة تلك المرأة البولندية واندا بولونسكا والأمومة.. بل احساس الأم حين تفقد طفلها .. ولمعت فكرة في رأس توبنس ... تلك الفكرة التي حاولت طويلا أن تتذكرها عن سليمان الحكيم ..
وفتح الباب ودخل الكوماندوز هايدوك .. وقال في غضب ..
- أين هي ، أين أخفيتها ؟
فحملقت فيه توبنس ، فان سؤاله لم يكن له معنى في نظرها لأنها لم تأخذ شيئا ولم تخف شيئا.. وقال هايدوك لـ آنا :
- اخرجي ...
فسلمته المرأة المسدس وخرجت .. وجلس هايدوك على أحد المقاعد وكان واضحا انه يبذل جهدا جبارا ليتمالك أعصابه .. ثم قال :
- لن تستطيعي الانتفاع بها .. فأنت هنا تحت رحمتي .. ولدي من الوسائل ما أحمل به الناس على الكلام، وستضطرين تحت ضغط هذه الوسائل أن تعترفي لي بالحقيقة ماذا فعلت بها ؟
ورأت توبنس أن هذه فرصتها الوحيدة للمساومة لو استطاعت أن تعرف ما " هذه " التي خبأتها.. فقالت في حذر :
- كيف عرفت أنها في حوزتي؟
- من كلامك أيتها الغبية .. واني أعلم أنها ليست معك الان ، فقد غيرت ملابسك. فقالت توبنس :
- افترض انني أرسلتها بالبريد إلى بعضهم ..
- لا تكوني غبية .. فان كل ما يرسل بالبريد يفحص واني واثق انك لم ترسليها بالبريد .. وهناك وسيلة وحيدة .. وهي انك خبأتها في سان سوسي هذا الصباح قبل خروجك.. واني أسمح لك بثلاث دقائق لتقولي اين خبأتها ..
ووضع ساعته على المنضدة وقال :
- ثلاث دقائق يا مسز توماس برسفورد ..
وأخذت دقات الساعة تسمع في الغرفة .. وجلست توبنس صامتة دون أن يبدو على وجهها أي تغيير ، وانكشف لها في تلك الحظات كل ما كان خافيا عليها ..
وقال هايدوك فجاة :
- بقيت لك عشر ثوان ..
فأخذت تراقبه كما لو كانت في حلم وقد رفع مسدسه في يده وهو يعد .. واحد . اثنين .. ثلاثة .. اربعة .. خمسة ..
وعندما وصل العد الى ثمانية .. انطلقت الرصاصة . وانقلب بمقعده ..
لم يكن قد لاحظ تحت تأثير حالته العصبية مراقبته للساعة أن الباب كان يفتح ببطء .
ووقفت توبنس على قدميها واتجهت مسرعة نحو الرجال الذين دخلوا من الباب وصاحت :
- مستر جرانت.. لقد تخلصنا الان من ( ن ) ...
- نعم .. نعم يا عزيزتي .. وأنت بخير الان ..
- اذن أسرعوا فليس لدينا وقت .. ألديكم سيارة هنا ؟
- نعم ..
- هيا الى سان سوي .. حالا .. قبل ان يتصل به أحد هنا ولا يجد ردا ..
وأخذ عداد السرعة في السيارة يتحرك نحو النهاية .. ولم ينطق أحد من راكبي السيارة بحرف واحد فيما عدا توبنس التي قالت :
- تومي ..
فأجابها جرانت :
- بخير ..
وأخيرا وصلت السيارة فقفزت توبنس وتبعها جرانت وأخذا يرتقيان الدرج في سرعة جنونية .. فلمحت توبنس الادراج في غرفتها مقلوبة رأسا على عقب ، فمرت بها ودخلت الى غرفة آل كايل وسارت الى الفراش ورفعت الاغطية ثم استدارت الى مستر جرانت وقدمت اليه أحد كتب الاطفال وقالت له :
- ها أنت تجد كل ما تريد في هذا الكتاب ..
وسمعا في هذه اللحظة صوتا يقول :
- ماذا يجري هنا ؟
والتفتا نحو الباب فرأيا مسز سبروت واقفة به فقالت توبنس :
- و الان أقدم لك ( م) .. نعم مسز سبرون .. كان يجب أن أعرف ذلك منذ حين ..