عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2011, 09:41 AM   رقم المشاركة : 7
الشيخ بو علي
مشرف سابق
قـــاص مُبدع






 

الحالة
الشيخ بو علي غير متواجد حالياً

 
الشيخ بو علي عضوية لديها صيت بسيطالشيخ بو علي عضوية لديها صيت بسيط

شكراً: 1,057
تم شكره 763 مرة في 259 مشاركة

 
افتراضي رد: ~|| آغاثا كريستي ~> العميل السـري ||~

:: الفصل السابع ::



سافرت مسز سبروت في اليوم التالي الى لندن وتركت بتي في عناية سكان سان سوسي بعد ان نبهت على الطفلة بعدم ازعاج اهل الدار, وتعلقت بتي بتوبنس لتلاعبها.. ومنعت الامطار الشديدة خروجهما للنزهة، فلجـأتا الى حجرة نوم الفتاة واتجهت بتي الى حيث تحتفظ بلعبها فسألتها توبنس أي هذه اللعب تفضل فقالت بتي:
- احكي لي حكاية..
فجذبت توبنس ونظرت الى عنوان الكتاب ثم سألت بتي..
- هل تعجبك أحلام ساندريلا ؟
- كلا .. انه قذر ..
وتناولت بتي الكتاب وأعادته الى مكانه وسحبت كتابا آخر من نهاية الرف وكان بنفس العنوان.. فأدركت توبنس أن الكتب القديمة أهملت وأن مسز سبروت اشترت مجموعة جديدة للطفلة .. انها من الامهات اللاتي يتطيرن من القذارة .. ويخشين على أطفالهن من عواقبها.. وأخذت بتي تعبث بالكتاب ثم أعادته وتناولت غيره ثم غيره ، وكانت بتي تختطف الكتب من توبنس وتخبئها وتحاول هذه العثور عليها.. وهكذا انقضى الصباح دون ان تشعر بمرور الوقت ..

وبعد الغذاء ذهبت بتي الى سريرها، واستدعت مسز اوروك توبنس الى غرفتها وكانت غرفة ضل النظام طريقه اليها.. تفوح فيها روائح النعناع والنفتالين.. وانتثرت فيها الصور بغير نظام. صور ابناء وأبناء وأخوة وأبناء اخوة مسز أوروك حتى خيل لتوبنس انها في معرض للصور. أقيم في العصر الفيكتوري ..
وقالت مسز أوروك :
- ان لك طريقة عجيبة في معاملة الاطفال يا مسز بلنكنسوب
- ان ذلك يرجع الى طول المدة التي ربيت فيها ولدي
- ولديك ! سمعت انهم ثلاثة ..
- آه طبعا .. انهم ثلاثة .. نعم ثلاثة .. ولكن أعني ولدي المتقاربين في السن فقد كنت أقوم بتربيتهما وهما في هذه السن تقريبا معا .. هذا ما قصدت ..


- آه.. اجلسي يا مسز بلنكنسوب واعتبري نفسك في غرفتك...

وأحست توبنس بنوع من الضيق الذي يحسه المرء وهو في زيارة احدى الساحرات ..
وقالت مسز أوروك أخيرا:
- والآن يا عزيزتي .. ما رأيك في سان سوسي ؟
فأجابت توبنس بكلام عام .. ولكن مسز أوروك قاطعتها بقولها :
- أود أن اسألك ما اذا كنت قد لاحظت شيئا غريبا في سان سوسي؟
- شيئا غريبا! ماذا تعنين ؟ كلا .. لم ألحظ..
- حتى ولا عن مسز برينا ؟ فقد أدركت انك تراقبينها .. بل انك تشددين الرقابة عليها ..
واحمر وجه توبنس ولكنها تمالكت نفسها وقالت :
- انها .. انها .. سيدة حلوة المعشر..
- اذن هي ليست .. أعني انها سيدة مجتمعات .. اذا كان الظاهر كالباطن.. ولكن اذا لم تكن .. أ هذا هو رأيك ؟
- الواقع يا مسز أوروك انني لا أفهم .. سيدة مجتمعات.. تتظاهر.. لم تكن .. ماذا تعنين ؟
- ألم يخطر ببالك يوما ان أية واحدة منا قد تكون فعلا خلاف ما تتظاهر به أمام الناس؟ فالمستر ميدوز مثلا .. يبدو لي أنه رجل غريب التصرفات .. فأحيانا أراه يمثل الرجل الانجليزي الغبي المحدود الأفق وأحيانا أسمع منه كلمة أو أرى منه ما يدل على أنه أبعد الناس عن الغباء.. ألا ترين في هذا غرابة ؟
فأجابت توبنس بحزم :
- أوه . انني لا أرى في مستر ميدوز الا نموذجا للرجل العادي ..
- اذن هناك غيره .. وأظن أنك تعرفين واحدا منهم على الاقل ..
فهزت توبنس رأسها نفيا..
فعادت مسز أوروك تقول :
- ان الاسم الذي أصده يبدأ بحرف ( ش ) ..
ولم تستطع توبنس أن تتمالك أعصابها أكثر من ذلك .. وظهرت عليها أمارات الغضب ، فقد خيل إليها أنها في موقف استجواب .. وأن عليها أن تدافع عن شيء عزيز عليها فقال في حدة :
- ان كنت تقصدين شيلا فهي فتاة طائشة ثائرة,, وقد كنا جميعا كذلك في مثل سنها..
- لا .. لا . لا .. ليست هذه من أقصد .. ألا تعلمين أن اسم مس منتون الأول " شيرلي " ..
- أوه .. اذن تقصدين مس منتون ؟
- لا ,, ليس هذا ما أقصد .. ولكن ..

ولم تقو توبنس على احتمال الموقف أكثر من ذلك .. ان هذه السيدة تتلاعب بها كما يتلاعب القط بالفار.. فقامت توبنس من مكانها واتجهت نحو الشرفة تراقب نزول المطر وقد تضاربت الافكار في رأسها .. فكيف تتخلص من موقفها هذا ؟ وكيف سمحت لنفسها أن تقع في هذا الشرك .. وتوقف تفكيرها لحظة .. رأت خلال النافذة تلك المرأة التي كانت تحادث كارل فون دينيم منذ أيام .. وكانت تتلفت يمنة ويسرة بعينين جامدتين لا حياة فيهما .. حتى خيل لتوبنس انها تمثال يتحرك.. وكانت تتطلع وتتطلع الى نوافذ سان سوسي .. وليس في نظراتها أي معنى.. رباه.. بل هناك معنى واضح كل الوضوح انها نظرات مجنون وطافت برأس توبنس خيالات عديدة . ان هذه المرأة تمثل الاشباح التي تسكن البيوت المهجورة.. واستدارت توبنس لتواجه مسز أوروك وغمغمت ببضعة ألفاظ ثم اندفعت سريعا من باب الحجرة.. ونزلت الدرج .. فالحديقة .. فالطريق .. إلى قمة التل .. فلما وصلت كانت المرأة قد اختفت .. فعادت توبنس من جديد الى الحديقة وأخذت تجول فيها .. بين الشجيرات غير عابئة بما أصابها من هطول الامطار.. وكانت تقتفي آثار أقدام المرأة الغريبة متوقعة أن تقودها هذه الآثار إلى حيث اختفت فجأة .. وقادتها الآثار الى ابواب الفيلا ، فأحست توبنس باختناق لم تدر له سببا وشعرت ان نكبة ما وشيكة الوقوع فقد حدثها انقباض قلبها بذلك .. ولكمها لم تستطع ان تخمن ما هذه النكبة ؟ .. وما كان يخطر ببال مخلوق أن يخمن ..

وبعد أن اعتدل الجو وانقطع المطر ساعدت مس منتون بتي على ارتداء ملابس الخروج استعدادا لنزهة في المدينة القريبة.. ولتشتري مس منتون لبتي إوزة من البلاستيك ، وكانت بتي تصيح في أرجاء الدار جزلة ..
ولاحظت توبنس عندما دخلت باب الدار ان هناك عودين من الثقاب قد ألقيا على المنضدة التي تتوسط الردهة الخارجية في غير عناية ، فعرفت ان مستر ميدوز يقضي الوقت في مراقبة مسز برينا ، فاتجهت توبنس الى حجرة الانتظار ووجدت مستر ومسز كايلي وكان زوجها في حالة يرثى لها .. يشكو الضجيج الذي تحدثه الطفلة ويقول انه لم يأتي الى سان سوسي الى هربا من الضجيج..
فقالت توبنس :
- من الصعب التحكم في الاطفال وهم في هذه السن ..
- هه .. هذا كلام لا معنى له .. انها آفة العصر الحديث .. أن يترك الاطفال يعبثون كما يحلو لهم .
فقالت توبنس تغير مجرى الحديث :
- أود أن تحدثني عن رأيك الخاص في طرق المعيشة في ألمانيا ، فقد سمعت أنك قمت برحلات إلى بلاد كثيرة ..
- انني كما تقولين يا سيدتي العزيزة .. رجل ذو تجارب وخبرة وفي رأيي انه يجب ان تتفاهم بريطانيا وألمانيا .. فالنظام النازي في رأيي هو خير الأنظمة صلاحية للبلدين..
وقطع الحديث دخول مس منتون تتبعها الطفلة حاملة إوزتها الجديدة ..

وما هي الا لحظات حتى أعد الشاي.. وفي تلك الفترة رؤيت مسز سبروت داخلة بعد عودتها من لندن وهي تقول :
- أرجو الا تكون بتي قد أزعجت أحدا..
ثم وجهت الحديث للطفلة :
- كيف قضيت الوقت يا بتي؟
- قذر ..

ولم يعلق أحد على رد الطفلة اذ كان مفهوما أنها لا تعني ما تقول وأخذت مسز سبروت تتحدث عن مشترياتها من لندن خلال احتسائها الشاي.. وانتقل الجميع الى الشرفة فقد بدات الشمس تتسرب من تحت الغمام.. وكانت بتي تملأ الجو بدعابتها وجريها في كل مكان.. واستمر الحال كذلك .. والنزلاء يتحدثون عن الاشاعات وما ينتظر ان يحدث حتى قطعت مسز سبروت الحديث فجأة قائلة :
- انها السابعة اآن .. كان يجب ان تنام الطفلة منذ ساعات ... بتي .. بتي ..بتي ..
ولم يكن أحد يلحظ غياب الطفلة في أثناء الحديث .. وعادت مسز سبروت تصيح وقد تزايد قلقها ..
- بتي .. أين أنت؟
وقامت مسز سبروت تبحث عن الطفلة ..
وقاتل مس منتون ان الطفلة لا بد أن تكون في مكان ما..
وقالت توبنس لا بد انها اختبأت في المطبخ اذ كان أطفالها يختبئون فيه ..
ودار البحث في كل مكان .. ولكن بدون جدوى . فقد اختفت الطفلة اختفاء تاما..
وظهر الغضب على وجه مسز سبروت .. وقالت:
- ربما تكون قد خرجت من الفيلا .. ؟
فخرجت توبنس مع مسز سبروت ووقفتا تتلفتان هنا وهناك، ولكنهما لم يريا سوى صبي على دراجة يحادث خادمة الفيلا المواجهة لسان سوسي .. فتقدمت توبنس نحو الصبي وسألته اذا ما كان قد رأى فتاة صغيرة تخرج من الفيلا فأجابت الخادمة :
- أهي تلبس فستانا قصيرا أخضر اللون ؟ رأيتها منذ نحو نصف ساعة .. تسير في هذا الطريق مع سيدة ..
- سيدة ..! أي سيدة ..!
- انها سيدة .. غريبة الهيئة .. و على كتفيها شال رخيص .. فخيل الي انها احدى المتسولات .. واني اذكر اني رأيتها أكثر من مرة تحوم حول هذا المكان..
وتذكرت توبنس فورا ذلك الوجه الذي رأته يتلصص بعد الظهر في الحديقة ولكنها لم تكن ترى علاقة بينه وبين بتي .. ولم تترك مسز سبروت لها فرصة للتفكير أكثر من ذلك فصاحت :
- بتي .. عزيزتي بتي .. طفلتي.. لا بد أن تكون تلك المرأة احدى الغجريات .. فردت توبنس على الفور..
- لا .. لا .. ان وجهها لا يدل على ذلك.. فهي جميلة . ولا يمكن ان تكون من الغجريات..
فنظرت اليها مسز سبروت في عجب ودهشة مستفسرة ، فقالت توبنس :
- رأيت هذه المرأة بعد ظهر اليوم .. تتلصص خلال شجيرات الحديقة .. كما اذكر انني لمحتها مرة قبل ذلك .. تحادث كارل فون دينيم .. نعم لا بد أن تكون نفس المرأة ..
وقالت الخادمة تؤكد كلام توبنس :
- نعم .. نعم .. انها نفس المرأة .. ان شعرها الاشقر لا ينسى ..
فصاحت مسز سبروت :
- أواه .. يا ربي .. ماذا أفعل؟
فقالت توبنس وهي تضع ذراعها في ذراع مسز سبروت :
- تعالي الى الفيلا .. لنطلب البوليس ..
فسارت مسز سبروت معها وهي تقول :
- لست أدري كيف رضيت بتي أن تسير هكذا مع الغرباء .. دون أن تصيح ..
- انها صغيرة جدا كما تعلمين .. وقد تكون المرأة مخبولة ..

وكانت توبنس تقول هذا لتخفف وقع الصدمة على مسز سبروت اذ كانت تعلم ان المرأة الغريبة في كامل قواها العقلية وقد شكت في ان يكون لكارل علاقة بحادث الاختطاف هذا ، وقد تبددت شكوكها لما أقسم كارل ان لا علم له بأي شيء عن هذا الموضوع ، وقد استغربه كذلك الجميع .. وبعد أن شرحت توبنس كل ما تعلم قال الماجور بلتشلي موجها كلامه لمسز سبروت ..
- لا تقلقي يا سيدتي .. سأذهب حالا الى مركز البوليس ..
فقالت مسز سبروت :
- انتظر لحظة .. فقد تكون هناك ..
ثم جرت مسرعة الى غرفة بتي وعادت وهي تلهث وهجمت على الماجور بلتشلي وخطفت سماعة التليفون من يده وهي تقول :
- لا .. لا .. لا تبلغ البوليس . .يجب الا نبلغ البوليس ..
وتهاوت على أحد المقاعد وهي تبكي ، فالتفت الجميع حولها وقد اشتد بهم العجب يحاولون تهدئتها وبعد لحظة قالت بصوت خنقته العبرات وهي ترفع شيئا في يدها :
- وجدت هذه .. في حجرتي .. كانت مربوطة الى تمثال قطة من الحجر .. انها انذار لي ..
فتناول مستر ميدوز الورقة وقرأ فيه ا:
" لقد وضعنا يدنا على طفلتك وسنخبرك فيما بعد بما تفعلين ولكن .. اذا اتصلت بالبوليس سنقتل الطفلة .. أغلقي فمك وانتظري تعليماتنا والا .. "
وكانت موقعه بجمجمة وعظمتين متقاطعتين ..
وتكلم الجميع في نفس الوقت :
- القتلة المتوحشون .. الوحوش ...

ولكن صوت الماجور بلتشلي علا جميع الاصوات وهو يقول :
- كلام فارغ .. مستحيل .. يجب أن ابلغ البوليس حالا .. فهو وحده الذي يستطيع ان يضع حدا لهذه المهزلة ..
وتحرك ثانية متجها الى آله التليفون .. ولكن مسز سبروت صرخت ، فصاح بها :
- يا سيدتي العزيزة .. لا بد من ذلك .. فما هذا الانذار الا حيلة مبتذلة لمنعنا من اقتفاء اثر الخاطفين السفلة ..
- سيقتلونها ..
- مستحيل .. انهم لا يجرءون ..
- اني لا أسمح .. أنا أمها .. وأنا التي أقرر ..
- أنا أفهم .. فاهم .. ولكن استمعي الى نصيحتي يا سيدتي فتبليغ البوليس هو الحل الوحيد .. ألا توافقني يا مستر ميدوز ؟
فهز تومي رأسه ايجابا .. وعاد بلتشلي يقول :
- وأنت يا كايلي؟ اذن انظري يا مسز سبروت .. ميدوز وكايلي يوافقاني ..
- آه .. نعم .. كلكم رجال .. اسأل السيدات ..
فقالت توبنس على الفور :
- اني مع مسز سبروت ..
وقالت مسز أوروك :
- لن تجد اما واحدة توافقك ..
وعادت توبنس تقول :
- وأنت يا سيد كارل.. ؟ اننا لم نسمع رأيك بعد ..
فأجاب كارل بتؤدة :
- انني اجنبي كما تعلمون .. ولا أعلم شيئا عن نظام بوليسكم .. وما اذا كان جديرا بهذه المهمة ..
ودخلت مسز برينا في تلك اللحظة ، فسألت :
- ماذا حدث؟
وسمعت القصة من الجميع .. فقالت في لهجة آمرة وكأنها سيدة الموقف :
- لا أوافق على الالتجاء الى البوليس مطلقا .. ان له طرقه العقيمة الملتوية ، ولكني أرى ان تبحثوا عن الطفلة بأنفسكم ..
وقال بلتشلي ثانية :
- انها فكرة .. هيا بنا .. ولا أعتقد انهم ابتعدوا كثيرا ...
فقالت مسز سبروت :
- نريد سيارة.. فلنتصل بهايدوك هوفن.. فلديته سيارة هيا بنا .. وسنستطيع اقتفاء اثر تلك المرأة بلا شك.. وسآتي معكم .
- لا يا سيدتي.. لا لزوم لمجيئك .. اتركي الامر لنا ..
- مستحيل ..

وما هي الا ثوان حتى كانوا قد اتصلوا بهايدوك .. فحضر بسيارته على الفور وجلس تومي الى جواره وجلس الماجور بلتشلي ومسز سبروت و توبنس في المقعد الخلفي .. وقبل ان تتحرك السيارة عادت مسز سبروت الى الفيلا وغابت لحظة ثم رجعت ولما استفسرت منها توبنس عن سبب صعودها فتحت حقيبة يدها وارتها مسدسا صغيرا ,, وقالت :
- أتيت بهذا من غرفة الماجور بلتشلي .. وكنت سمعت منه يوما ان لديه مسدسا واعتقد انه يفيدنا الان ..

وفكرت توبنس في عواطف الامومة ،، ان المرأة قد تفزع عندما ترى سلاحا ولكنها لا تتوانى عن استعماله اذا هدد فلذة كبدها خطر ..

وسارت السيارة .. الى محطة السكة الحديد كما اقترح الكوماندوز هايدوك اذ ان قطار قد قام منذ عشرين دقيقة ويرجح ان يكون الخاطفون قد ركبوه وعندما وصلوا الى المحطة بدءوا تحرياتهم كل في جهة وعاد الجميع الى السيارة دون جدوى .. وقال هايدوك:
- لا بد ان الخاطفين كانوا قد أعدوا سيارة وأرسلوا تلك المرأة لتختطف الطفلة ثم ساروا بها الى مكان مجهول ..

فقالت توبنس :
- اذن .. لنضع أنفسنا في مركز الخاطفين .. أين تظنون أنهم كانوا ينتظرون بالسيارة ؟ في مكان قريب من سان سوسي.. ولكن أي مكان يصلح لإخفاء سيارة لا تجتذب إليها الانظار ,, فلنر .. لقد سارت المرأة مع بتي وانحدرتا مع التل .. وهناك في بطن التل ، مكان يصلح لمثل ذلك ..

وفي تلك اللحظة تقدم اليهم رجل قصير القمة يبدو عليه التردد والإحجام .. يعرض قليل في مشيته وقال :
- لا تؤاخذوني فقد استمعت عرضا الى حديث السيد .. وهي صدفة غريبة اذ يخيل الي انني رأيت الطفلة التي كان يسأل بواب المحطة عنها ..
فصاحت مسز سبروت :
- تقول انك رأيتها .. أين ؟
- كانت مع سيدة غريبة المنظر ..
- أين سارتا ؟
- في هذا الاتجاه.. اتجاه القمة ..

فقال هايدوك وهو يجلس الى عجلة القيادة ويدير المحرك :
- تقول انها كانت تسير اتجاه القمة .. أليس كذلك ؟
- نعم .. عبر الميدان الكبير ..

قفز المتبقون في السيارة .. قبل ان يستكملوا الاستماع الى بقية حديث الرجل .. وسارت السيارة مسرعة في شوارع البلدة .. حتى وصلت الى ميدان فسيح وهناك قال الماجور بلتشلي :
- الافضل ان ننزل هنا ، ونصعد الى القمة سيرا على الاقدام ..
فأجاب هايدوك :
- هذا معقول جدا ولكني سأبذل جهدي لأصعد المنحدر بالسيارة رغم ان في ذلك مخاطرة .. ولكن ..
فقاطعته مسز سبروت قائلة :
- نعم .. نعم .. أرجوك أن تصعد .. فقد تأخرنا .. ويجب أن نسرع حتى نلحق بهما ..
فقال الكوماندوز كما لو كان يحادث نفسه :
- أرجو أن نكون وراء أثر صحيح وألا يكون ذلك القزم قد رأى امرأة أخرى . .معها طفلة .. ومع ذلك .. فلست أرى لهما أي أثر ..

وصعدت السيارة تزحف حتى وصلت القمة .. ثم أخذت تنحدر .. فتوقف هايدوك لحظة وتناول منظاره المعظم .. الذي لا يفارقه وأخذ ينظر فيه لحظات في كل اتجاه ثم صاح قائلا :
- ها هما .. انني أراهما .. هناك ..
ونظر الجميع حيث يشير .. كانت هناك نقطتان سواداون في الأفق البعيد تتحركان وعادت السيارة تنهب الارض من جديد .. وبدأت المطاردة .. فرأوا النقطتين تنكشف رويدا رويدا .. انهما شبحان ، أحدهما طويل والآخر قصير .. انهما يتضحان قليلا ، سيدة تجر وراءها طفلة .. نعم .. ان الطفلة ترتدي ثوبا أخضر اللون . انها بتي .. وصاحت مسز سبروت .. وقال الماجور بلتشلي وهو يصفق :
- ها نحن قد وصلنا اليهما ..
وفجأة أحست المرأة بدنوا السيارة منها .. فصرخت ورفعت الطفلة محتضنة إياها ، وأخذت تجري بها نحو المنحدر .. فتوقفت السيارة اذ انها لا تستطيع ان تتبعها في ذلك الطريق الوعر .. وخرج ركاب السيارة منها وكانت مسز سبروت أولهم . وبدأت نجري نحوهما حتى اصبحت على بعد عشرين خطوة منهما فتوقفت ..
كانت المرأة ممسكة بالطفلة بين ذراعيها وقد وقفت على حافة المنحدر ، فصاح هايدوك :
- رباه .. أخشى أن تقذف بالطفلة على الهاوية ..
وقفت المرأة وقد تجسم الحقد في عينيها وصاحت بكلمات لم يفهمها أحد ، وأخذت تنظر الى الهاوية حينا والى المهاجمين حينا آخر .. وكان واضحا أنها تهدد بقذف الطفلة في الهاوية ..
فوقف الجميع مبهوتين وقد أقلقهم الرعب دون أن يستطيعوا الحركة خوفا من الفاجعة المنتظرة .. ومد هايدوك يده في جيبه وأخرج مسدسا ضخما وصاح :
- انزلي الطفلة أو أطلق النار ..
فضحكت المرأة الغريبة وزاد احتضانها للطفلة حتى أصبحتا كأنهما جسد واحد .. فغمغم هايدوك :
- اني لا أستطيع اطلاق النار خشية اصابة الطفلة ..
وقال تومي :
- هذه المرأة مخبولة بلا شك وأتوقع أن تقفز هي والطفلة الى الهاوية بعد لحظة . وفي تلك اللحظة دوى صوت طلق ناري فترنحت المرأة ثم سقطت ولا تزال الطفلة بين ذراعيها .. وجرى الرجال حيث سقطت ، بينما وقفت مسز سبروت تترنح وفي يدها المسدس يتصاعد الدخان من فوهته ، ثم خطت بضع خطوات الى الامام ..

ركع تومي الى جوار الجسدين فرأى وجه المرأة وكانت عيناها مفتوحتين ، وقبل أن تنبس بحرف شهقت الشهقة الأخيرة وتراخت ذراعاها .. فتخلصت منها بتي وجربت نحو مسز سبروت التي كانت قد تصلبت أعضاؤها كأنها تمثال ، فرمت المسدس بعيدا ، ثم صاحت وهي تعانق الطفلة :
- انها سليمة .. سليمة .. بتي .. بتي العزيزة ..
ثم همست في جزع : هل .. هل ماتت ؟ هل قتلتها ؟
فقالت توبنس في عزم :
- لا تفكري فيها الان .. فكري في بتي العزيزة ..
فأخذت مسز سبروت تنشج في صوت مبحوح وسارب توبنس الى حيث وقف الرجال وكان هايدوك يقول :
- انها معجزة دامية.. وأترف انني لا استطيع اصابة مثل هذا الهدف .. واني لا أتصور أن مسز سبروت سبق لها استعمال المسدس قبل هذه المرة .. انها معجزة الغريرة لا أكثر ولا أقل ..
وقالت توبنس :
- الحمد لله .. فقد نجت الطفلة على كل حال ..


رد مع اقتباس