عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2011, 09:33 AM   رقم المشاركة : 2
الشيخ بو علي
مشرف سابق
قـــاص مُبدع






 

الحالة
الشيخ بو علي غير متواجد حالياً

 
الشيخ بو علي عضوية لديها صيت بسيطالشيخ بو علي عضوية لديها صيت بسيط

شكراً: 1,057
تم شكره 763 مرة في 259 مشاركة

 
افتراضي رد: ~|| آغاثا كريستي ~> العميل السـري ||~

:: الفصل الثاني ::



لم يدري تومي كيف قضى ليلته الاولى في سان سوسي اذ كان من الصعب عليه ان يوجه نظراته ناحية مسز بلنكنسوب وظهر في ساعة الغذاء – في اليوم التالي – ثلاثة آخرون من الفيلا ، هم مستر و مسز كايلي وسيدة شابة تدعى مسز سبرون اصطحبت طفلتها الصغيرة معها.. وكان يبدو عليها دائما، عدم رضاها من إقامتها الإجبارية مع تلك الطفلة في سان سوسي وتصادفت ان جلست الى المائدة الكبرى الى جوار تومي وأخذت ترمقه بعينيها من وقت إلى آخر.. ثم قالت مستفسرة:
- ألا تظن أن الحالة أصبحت أكثر أمنا في هذين اليومين؟
وقبل أن يجيب تومي ردت السيدة التي تجلس الى يساره:
- لا أعتقد .. وقد سمعت ان هتلر ينوي الهجوم على بريطانيا في الأيام القليلة القادمة كما سمعت ان الهجوم سيكون بغاز من نوع جديد...
فقاطعها الماجور بلتشلي قائلا:
- ما أكثر الهراء الذي يتحدثون به عن الغازات .. إنهم لن يضيعوا وقتهم ليهاجمونا بالغازات إنما الهجوم سيكون بالقنابل المدمرة والحارقة فقد جربوها في أسبانيا..
وهكذا بدأ المستمعون يتناقشون وكل يلي برأيه وسمع تومي صوت توبنس الرفيع يقول :
- ان ولدي دوجلاس يقول في أحد خطاباته لي ..
وعجب تومي في نفسه.. لماذا يا ترى اختارت اسم دوجلاس لولدها..! وبد تناول الغذاء انصرف الجميع الى غرفة الاستراحة وبدأت السيدات يقتلن الوقت بالتريكو.. واضطر تومي ان يستمع الى حديث الماجور بلتشلي عن مغامرته في الحرب الاولى في الجبهة الغربية.. وبعد هينة انصرف الشاب الأشقر، وبعد ان انحنى لجميع من كانوا في الغرفة فقال الماجور بلتشلي لتومي :
- ان هذا الشاب الذي خرج توا.. أحد اللاجئين .. فقد خرج من ألمانيا هاربا قبل إعلان الحرب بشهر واحد..
- هل هو ألماني؟
- نعم.. ولكنه ليس يهوديا. وقد قتل والده ، لأنه انتقد النظام النازي وله أخوان في المعتقلات هناك، فقد خرج من الجحيم في الوقت المناسب.
وخرج تومي في الصباح التالي مبكرا، وأخذ يتمشى ذهابا وجيئة.. في الحديقة المحيطة بالفيلا حتى لمح شخصا آتيا من الناحية المقبلة فرفع قبعته محييا ثم قال :
- صباح الخير.. مسز بلنكنسوب فيما أذكر..
ولما لم يكن هناك من يستمع إلى الحديث، فأجابت توبنس متهكمة.
- ومن أنت؟ الدكتور ليفنجستون؟
- كيف أتيت إلى هنا ؟ أي توبنس.. انها وأيم الحق لمعجزة...
- ليس في الأمر معجزة قط.. كل ما في المسألة أنني أعملت ذهني وبأبسط الوسائل .. حتى أعطيكما .. أنت والسيد جرانت درسا لا تنسيانه أبدا..
- وكيف حدث هذا .. ؟
- الأمر في غاية البساطة.. عندما كان جرانت يتحدث معك وذكر اسم كارتر استنتجت ان العمل الذي يعرض عليك لا يمكن أن يكون عملا مكتبيا عاديا.. وقد أحسست أنه من نوع لن أشترك فيه.. ولما كان هذا ضد رغبتي فقد انتهزت فرصة خروجي لإحضار الشراب لكما ونزلت إلى شقة جارتنا مسز براون ومن هناك طلبت من صديقتي مورين تليفونيا ورجوتها أن تطلبني بعد لحظات، وأفهمتها ماذا تقول.. وقد نفذت تعليماتي حرفيا.. ومثلت دوري بعد ذلك ببراعة. اذ انسحبت لنجدة صديقتي كما خيل إليكما وقفلت باب الشقة بعنف حتى تعتقدا أنني خرجت.. بينما تسللت إلى غرفة النوم، وأخذت أنصت إلى حديثكما من خلف الباب..
- لا ذنب لي فيما حدث ، فمستر جرانت وحده هو المسئول..
- لم يكن جديرا بمستر كارتر أن يعاملني هكذا.. ان ادارة المباحث تغيرت كثيرا عما كانت في أيامنا..
- لاشك أنها ستعود كما كانت، ما دمنا قد عاودنا نشاطنا.. ولكن.. لم اخترت اسم بلنكنسوب هذا ؟
- ولم لا ؟
- غريب أن يقع اختيارك على هذا الاسم بالذات..
- إن حرب ( ب ) في بلنكنسوب يقوم مقام حرف الـ ( ب ) في برسفورد أيها الغبي .. وهذه الحروف مطرزة على جميع ملابسي الداخلية .. وأنت .. ما الذي دعاك إلى اختيار اسم ميدوز انه الغباء المعهود.. فيما أظن.
أنا لم أختره وإنما اختير لي والمستر ميدوز الحقيقي رجل له ماض ناصع حفظته عن ظهر قلب..
- هذا عظيم.. وهل أنت عازب.. أم متزوج ؟
- إنني أرمل .. توفيت زوجتي منذ عشر سنوات في سنغافورة..
وإذا افترضنا أن أحدا سعى للكشف عن حقيقة السيد بلنكنسوب المزعوم هذا..
- إن أولادي ليسوا من بلنكنسوب فهو زوجي الثاني.. أما زوجي الأول فاسمه هيل وانك لتجد ثلاث صفحات كاملة في دليل التليفونات تشترك كلها في اسم هيل ..


- انها دائما نفس المسألة.. فأنت تحبين تعقيد الأمور دائما.. زوجان.. وثلاثة أبناء .. اني اعتقد أنك ستناقضين نفسك بنفسك، اذا سئلت بعض التفاصيل..
- أبدا.. بل على العكس .. إنني سأنتفع بهؤلاء الأبناء .. ثم، لا تنس أنني حرة، لا أتلقى أوامر أحد .. وقد اشتركت في هذا العمل لأسلي نفسي.. وسأسليها ..
- يبدو أن الأمر بالنسبة إليك مجرد تسلية.. لعمري انها مهزلة..
- لماذا تقول ذلك؟
- حسن.. لقد أقمت بسان سوسي مدة أطول من إقامتي أنا بها.. فهل ترين في كل من كانوا معنا بالأمس، من يصح اعتباره من عملاء الأعداء.. ؟
- لعل الأمر صعب التصديق حقا.. ومع ذلك فهناك ذلك الشاب الأشقر..
- تقصدين كارل فون دينيم؟ انه أحد اللاجئين.. والبوليس يتحرى عنهم جميعا.. ومع ذلك فإنه يصلح .. ألا ترى أنه جذاب؟
- تقصدين أن الفتيات سيتعلقن به، ويدلين إليه بأخبار وأحاديث؟
- كفى هذرا يا تومي .. إننا ندرس جديا الآن..
- إني جاد تماما فيما أقول.. وأظننا نجري وراء سراب..
- ما رأيك في مسز برينا نفسها ؟
- نعم مسز برينا.. انها موضع نظر .. وتحتاج إلى شيء من الدراسة..
- وماذا عنا.. أعني كيف نتعاون .. ؟
- لا يجب طبعا أن نرى سويا ..
- كما يجب أن يتجاهل بعضنا البعض، فلا يظهر أن ثمة علاقات سابقة بيننا.. وما أريده هو تنظيم مبدأ للعمل.. وإني أقترح " الملاحقة" .
- الملاحقة..! ماذا تعني؟
- أن ألاحقك في كل مكان.. وأن تبذل جهودك في التخلص مني ولكنك – كجميع الرجال – لا تنجح دائما في الهروب.. ولا تنس أنني تزوجت مرتين ، وفي حاجة إلى زوج ثالث.. وعليك أن تمثل دور الأرمل المتبوع.. فإذا رآنا أحد سويا فلن يقول سوى .. انظر .. مستر ميدوز المسكين .. لعل السنارة قد شبكت ..
وفجأة أمسك تومي بذراعها، وقال هامسا:
- انظري .. انظري أمامك مباشرة..
- إنه كارل فون دينيم .. ولعمري .. من هذه الفتاة التي انهمك في الحديث معها هكذا ؟
- انها فتاة جميلة جدا على أية حال..

وراقبت توبنس الشابين فرأت وجه الفتاة الأسمر وهي تتحدث في حماسة إلى كارل الذي كان منصتا إلى حديثها بشغف واضح، ثم قالت توبنس :
- يحسن بنا أن نفترق الان ..

وبدأ تومي يسير في اتجاه مضاد .. حتى قابل الماجور بلتشلي الذي رمقه بنظرة فاحصة ثم قال :
- صباح الخير .. أرى أنك مثلي .. ممن يبكرون في اليقظة ..
ودار بينهما حديث طويل قص فيه تومي على الماجور كيف قابل مسز بلنكنسوب وعلم منها أنها أرملة بلا زوج. فحذره الآخر من حبائل الأرامل.. ثم اتجها سويا الى سان سوسي لتناول طعام الإفطار.. وفي الوقت نفسه سارت توبنس في طريقها ومرت بالقرب من الزاوية التي اختلى فيها الشابان، وكانت الفتاة هي التي تتحدث وسمعتها توبنس تقول :
- ولكن.. يجب أن تكون على حذر يا كارل .. فأقل شك..
ولم تستطع توبنس أن تقف لتستمع على بقية الحديث فسارت إلى نهاية الممر وعادت لتسمع من جديد..
- **************** .. هذا الجنس الإنجليزي البغيض..
وارتفع حاجبا مسز بلنكنسوب . ان السيد كارل فون دينيم لاجئ ألماني.. آوته بريطانيا لهربه من الوحشية النازية، فلم يكن جديرا به أبدا أن يتفوه بمثل هذه الألفاظ.. وعادت توبنس من جديد لتمر بجوارهما، ولكنهما كان قد افترقا، فقد اتجهت الفتاة إلى ناحية البحر بينما سار كارل فون دينيم في الاتجاه المضاد وقابل توبنس.. فوقف وضم كعبيه بطريقة عسكرية، ثم انحنى لها .. فقالت :
- صباح الخير يا مستر فون دينيم.. إن الجو جميل هذا الصباح!
- نعم.. ان الطقس بديع ..
- بقد اجتذبني للخروج .. فليس من عادتي اليقظة المبكرة .. أو على الأقل الخروج قبل تناول طعام الإفطار .. ولكني لم أنم جيدا بالأمس.. ان المرء لا يتمتع بالنوم في مكان جديد عليه.. ولابد أن يمر بعض الوقت حتى يألف الإنسان المكان.. وقد أفدت فعلا من السير هذا الصباح .. وتفتحت شهيتي للإفطار..
- أ ذاهبة أنت إلى سان سوسي الان ؟ إذا سمحت.. رافقتك إلى هنا:..
وسار إلى جنبها .. فقالت توبنس ::
- هل خرجت أنت أيضا رغبة في فتح الشهية ؟
- لا .. أبدا .. لقد تناولت إفطاري .. وأنا في طريقي إلى العمل .. إني كيميائي..
وبعد لحظة سكون استطرد يقول..
- لقد تركت بلادي هربا من الاضطهاد النازي .. وليس لدي مال كثير .. كما أني بلا صديق .. ولذلك أقوم بالعمل النافع الوحيد الذي أجيده.. إن أخواي في المعتقلات وقد توفي والدي في أحدها .. أما والدتي فقد ماتت من الحزن والرعب..
ومر بهما رجلان سمعت توبنس أحدهما يقول :
- أراهنك أن هذا الشاب ألماني..
فلاحظت توبنس الدماء تتصاعد إلى وجنتي كارل فون دينيم وفجأة فقد السيطرة على أعصابه.. وظهرت عواطفه الحبيسة فجأة فقال :
- أسمعت؟ أسمعت ؟ هذا هو ما يقولون .. إنني ..
- يا ولدي العزيز.. لا تكن غبيا .. انك لا تستطيع أن تملك ناصية الأمور أنت لاجئ .. ويجب عليك أن تحتمل السيئة والحسنة .. ولا تنس أنك حي وحر في نفس الوقت.. ولا تنتظر من رجل الشارع أن يميز بين الألماني الطيب والألماني الخبيث. .
- الحق معك .. وحتى أكون ألمانيا طيبا.. يجب أن أكون في عملي الآن.. فلا تؤاخذيني .. سعدت صباحا ..
ثم انحنى لها تلك الانحناءة التقليدية وانصرف..
كانت أبواب ردهة سان سوسي مفتوحة.. وسمعت وهي تقترب صوت مسز برينا تقول :
- لا تنس أن تطالبه بالكمية الأخيرة من الزبد الصناعي.. أوه .. صباح الخير يا مسز بلنكنسوب .. أرى أنك تبكرين في اليقظة .. أقدم لك ابنتي " شيلا " كانت على سفر ولم تحضر سوى مساء أمس ..
فتمتمت توبنس بألفاظ التحية المعتادة واتجهت إلى قاعة الطعام.. وكانت مسز سبروت هناك ومعها طفلتها .. و مسز أوروك فتبادلن جميعا تحية الصباح .. وكانت مسز سبروت تطعم الطفلة .. التي ما أن رأت توبنس حتى اتجهت نحوها بكل حواسها..
فقالت مسز سبروت لتوبنس :
- انها تحبك .. رغم أنها أحيانا تكون في غاية الخجل من الغرباء ..
وعادت بتي سبروت تصيح بكلمات غير مفهومة فسألت مسز أوروك في شغف :
- وماذا يا ترى تعني بهذا ؟
- إنها لا تنطق الألفاظ جيدا.. فعمرها أمثر من سنتين بأيام.. ولعل أكثر ما تقول لا معنى له.. ولو أنها تستطيع أن تقول ماما ,, أليس كذلك يا حبيبتي؟
وعادت بتي بعد أن نظرت إلى أمها طويلا تنطق بكلماتها المحرفة الغريبة..
فقالت مسز أوروك :
- ان للأطفال لغتهم الخاصة .. انها لغة الملائكة الصغار.. والآن يا بتي العزيزة قولي .. ما .. ما ..
فنظرت بتي إلى مسز أوروك ثم قالت في تأكيد :
- نازير..
ولعل مسز أوروك العجوز تضايقت من عدم استماع بتي لحديثها، وانصرفت من الحجرة غاضبة بعد أن رمقت الطفلة بنظرة غيظ..!
فضحكت الطفلة .. وكأنما ارتاحت إلى خروج العجوز.. وأخذت تضرب بالملعقة على منضدة الأكل ..
وقالت توبنس :
- ترى ماذا تعني بكلمة " نازير " ..
فأجابت مسز سبروت :
- انها .. فيما اعتقد الكلمة التي تقولها بتي عندما تكون كارهة لشخص ما .. أو لشيء ما ..
وضحكتا .. وعادت مسز سبروت تقول :
- على كل حال .. أعتقد أن مسز أوروك لا تظهر سوى الحنو نحو الفتاة.. ولكن يظهر أن طريقتها في ذلك لا تعجب بتي .. خاصة وأن ذلك الشعر النامي على وجهها ليس مما يسر بتي أن تراه..!
وأخذت بتي تصيح نحو توبنس .. فقالت مسز سبروت :
- لقد ألفتك يا مسز بلنكنسوب ..
وفي تلك اللحظة فتح باب الردهة ودخل الماجور بلتشلي وتومي فصاحت توبنس :
- مستر ميدوز .. ليس للغائب نصيب .. ولم يبق لك من طعام الإفطار إلا القليل ثم أشارت إلى المقعد المجاور لها كأنها تدعوه ..
فقال تومي ، وهو يجلس على مقعد في طرف المائدة الآخر:
- أوه .. شكرا .. شكرا ..
وحدثت توبنس نفسها.. لا بد أن يكون هناك خطا.. لا يمكن أن يكون هناك خطأ.. لا يمكن أن يكون هنا شيء .. أبدا .. أية عقلية تستطيع تصديق أن في سان سوسي مركزا لقيادة الطابور الخامس ؟



رد مع اقتباس