نحن في ربيع عام 1940
رفعت مسز " بروسفورد" ووجهها إلى زوجها حين دخل الغرفة وقالت:
-لست أدري سببا يا عزيزي " تومي " يجعلك متجهم الوجه على هذه الصورة .. ماذا هناك؟
- لم أجد عملا حتى الآن .. سواء في الجيش أو البحرية أو الطيران أو حتى وزارة الخارجية .. إن الجميع يجيبون على سؤالي بنفس الإجابة ( فيما بعد .. قد محتاج إليك ) حتى أصبحت لا أطيق سماع تلك الإجابات .. رجل في السادسة والأربعين .. يعامل كأنما لا مقدرة له على العمل .. هذا أمر لا يطاق ..!
- إنها نفس المسألة بالنسبة إلي .. إنهم لا يريدون ممرضات في مثل سني .. انهم يأخذون فتيات لم يرين جرحا في حياتهن .. لقد نسوا أنني عملت ممرضة من عام 1915 إلى عام 1918 وأنني عملت أيضا في قيادة السيارات ..
- يعزيني أن ابنتنا " ديبورا " قد وجدت عملا فيها .. وكذلك ولدنا " ديريك " ولو أن المساعدة المالية التي يمدني بها تحز في نفسي وتشعرني أنني أصبحت ذلك الرجل المسن .. هل أصبحنا لا فائدة ترجى منا.. ؟ اني افكر احيانا ان القطار قد فاتنا .
فظهرت أمارات الغضب على وجع توبنس وتركت كرة الصوف تتدحرج من حجرها ثم قالت :
- هل فاتنا القطار حقيقة .. رباه !!
- ربما .. ولكن يعزيني أننا كنا موضع اهتمام الجميع في وقت من الأوقات.. فقد اختطفني الألمان كما تذكرين، واحتلت للنجاة بمعجزة، كما تتبعت آثار ذلك المجرم الخطير حتى قبض عليه.. وتلك الفتاة التي أنقذنا حياتها.. وأوراق المعاهدة السرية الهامة.. لقد شكرتنا الأمة والدولة حينذاك..
- والآن أصبح مستر و مسز " برسفورد " لا يحتاج أحد إلى مجهوداهما..
- لا فائدة من هذا الحزن يا عزيزتي .. إنه يؤذيك..
- لقد أخلف مستر كارتر ظننا فيه..
- لا تنسي أنه كتب لنا خطابا غاية في الرقة ..
- لم يكن فيه ما يبعث على الأمل..
- لست أظن أنه يستطيع أن يفعل شيئا في هذه الأيام .. ثم أنه يقيم في اسكتلندا الآن ليسلي نفسه بصيد السمك ..! لقد أصبح هو الآخر مسنا.
- ربما يحتاجون إلينا في عمل بإدارة الاستعلامات؟
- لا أظن، فإن أعصابنا لن تعد تحتمل ..
ورن جرس باب الشقة .. فقامت توبنس وفتحت الباب ..
وقال القادم :
- مسز برسفورد؟
- نعم ..
- إنني جرانت .. أحد أصدقاء لورد ايسامتون.. وقد طلب مني زيارتكما أنت وزوجك ..
- أوه .. تفضل بالدخول ..
وسارت أمامه إلى حجرة الجلوس .. ثم قالت :
- هذا زوجي .. وهذا مستر جرانت انه صديق مستر كارتر . أعني لورد ايسامتون..
وكان اسم مستر كارتر رئيس إدارة الاستعلامات السابق أسهل نطقا من لقبه الجديد لورد ايسامتون وبعد أن تبادل الجميع التحيات .. قدمت توبنس كؤوس النبيذ للرجلين.. وكان مستر جرانت رحلا لطيف الحديث.. قال بعد فترة:
- سمعت يا برسفورد أنك تبحث عن عمل؟
- أجل .. هل تعني..؟
- لا .. فإن الأعمال يحسن أن تترك للشباب .. أو على الأقل لأولئك الذين تمرسوا فيها عدة سنوات دون انقطاع .. إنما كل ما اعرضه عليك الآن .. هو عمل في أحد المكاتب.. تخريم أوراق وحفظها في ملفاتها .. وما أشبه ذلك ..
- أوه ..
- انه شيء أحسن من لا شيء على كل حال.. ومع ذلك أرجو أن تزورني في مكتبي بالغرفة رقم 22 بوزارة المهمات الحربية.. وهناك نستطيع أن نتفاهم..
ورن التليفون ، فأسرعت توبنس ورفعت السماعة..
- هالو .. نعم .. ماذا؟
وسمع من الطرف الآخر صوت يتكلم في جزع ولهفة.. وتغير وجه توبنس ..
- متى ؟ أواه .. عزيزتي طبعا .. إني سأحضر إليك حالا..
ووضعت السماعة ثم قالت لزوجها :
- تومي .. إنها مورين ..
- لقد خمنت ذلك .. فقد عرفت صوتها..
- آسفة جدا .. يا مستر جرانت إنها صديقتي .. التوت قدمها وليس معها من يعني بها .. ويجب أن اذهب إليها .. أرجو أن تلتمس لي العذر في الانسحاب ..
- طبعا.. مسز برسفورد .. إنني أقدر ذلك ..
ابتسمت له مسلمة .. وتناولت معطفها وخرجت من الحجرة.. وسمع الرجلان باب الغرفة يوصد بعنف.. وصب تومي قدحا من النبيذ لضيفه فتناوله .. وبعد لحظة قال :
- هل تعلم؟ إن خروج زوجتك المفاجئ قد خدمنا .. فانه سيوفر الوقت..
لقد اقترح ايسامتون اسمك.. وقال لنا انك الوحيد الذي يصلح لتلك المهمة.
- أية مهمة ..!
- طبعا.. أنت تفهم .. إن ما سأقوله لك سري جدا.. حتى زوجتك يجب ألا تعلم عنه أي شيء..
- لا بأس .. مادمتم تريدون ذلك.. ولكن لقد اشتركت مع زوجتي دائما.
- اني أعلم ذلك. ولكن هذه المهمة بالذات لك وحدك ..
- وهو كذلك ..
- وكما سبق أن قلت لك.. ستزعم أمام الجميع أنك كلفت بعمل كتابي في جهة ما باسكتلندا، جهة محظور عليك ذكر اسمها، ولا يمكن أن ترافقك زوجتك إليها.. ولكنك في الواقع ستذهب إلى جهة أخرى.. لاشك أنك قرأت في الصحف عن الطابور الخامس، وتدرك طبعا ماذا يعني هذا التعبير..
- العدو الذي بيننا..
- بالضبط.. وأحب بهذه المناسبة أن اقول يا برسفورد ان هذه الحرب بدأت وحالة الشعب النفسية متأثرة بنوع من التفاؤل المصطنع.. وإني لا أقصد طبعا أولئك الذين يدركون الأمور على حقيقتها مثلنا.. فإننا نفهم بلا شك ما وراءنا وما أمامنا كمقدرة العدو العامة وقواته الحربية ولكني اعني الشعب رجل الشارع الذي تأثر بما سمع أو بما يريد أن يسمع من ألمانيا سوف تتصدع عما قريب.. وأنها على أبواب الثورة وان عدتها الحربية قد صنعت من القصدير وأن جنودها يتساقطون من فرط الجوع.. إلى غير ذلك.. بينما الواقع يجري على العكس دائما..
- هذا ما يدركه كل عاقل..
- بالضبط ولا تنس إننا بدأنا في أوائل الحرب بلا نظام يلم شعبنا.. وكانت استعداداتنا في غاية النقص، ولعل ذلك يرجع إلى أننا لم نكن نرغب في الحرب ، فلم ننظر الى شتى الاحتمالات بشكل جدي ولم نحسن الاستعداد لمجابهتها.. وان كنا.. بعد مرور أكثر من سنة قد صححنا هذه الأوضاع على حد كبير، ووضعنا كلا في مكانه الذي يناسبه، وأصبحنا نوجه الدفة كما يجب أن توجه. ويمكننا أن نكسب الحرب وهذا لا شك فيه – إذا لم نرتكب الخطأ الأول.. ونحن لا ننظر الى الخسارة كنتيجة لأعمال العدو الظاهرة، كقوة قاذفات القنابل ولا في تسلط ألمانيا الشامل على البلاد التي تستغلها لمصالحها الاقتصادية واستعمال الألمان لتلك البلاد كمراكز للقفز علينا.. لا هذا ولا ذاك.. ولكن الخطر الذي نخشاه يأتي من الداخل.. من قصة طروادة.. والحصان الخشبي الذي أدخل إلى أسوارها .. وتستطيع أن تسميه الطابور الخامس إذا أردت .. وهو يتألف من نساء ومن رجال يشغل بعضهم مراكز عالية والبعض الاخر مراكز من كل لون.. ولكنهم جميعا يؤمنون بالعقيدة النازية.. ويعملون جاهدين على احلالها محل وسائلنا البسيطة في الحياة الديمقراطية.. وأهم من هذا كله.. أننا لا تعرف من هم هؤلاء..
ولكن بكل تأكيد ..
- نستطيع أن نصل إلى العصافير الصغيرة.. فهذا من السهولة بمكان.. ولكن العقبان والنسور.. هي التي تهمنا.. فهناك اثنان على الأقل يشغلان وظائف كبرى في البحرية، وأكاد أجزم بان احدهما يعمل في مكتب الجنرال ( ج ).. كما نعلم أن ثلاثة أو أكثر في أهم مراكز سلاح الطيران، وأن اثنين على الأقل في إدارة المخابرات يطلعان باستمرار على قرارات مجلس الوزراء السرية.. إننا نعلم كل هذا لان الطريقة التي تتسرب لها أخبارنا إلى العدو تدل عليه..
- ولكن .. إنني لا أعرف أحدا من هؤلاء..
- بالضبط.. كما أن أحدا منهم لا يعرفك وهذا هو ما يهمنا.. فهؤلاء القوم.. ذوو المراكز العالية يعرفون رجالنا جميعا ,, وقد أرهقتنا محاولات كشفهم أو حتى تضليلهم، حتى وصلنا إلى حالة من اليأس لا نحسد عليها .. فذهبنا الى ايسامتون نستشيره.. ورغم أنه لا يعتبر من رجالنا نظرا لمرضه.. ولكنه يعتبر ألمع ذهن عرفناه.. ففكر فيك وقال ان عشرين سنة قد مضت منذ تركت العمل في هذه الإدارة.. وانقطعت صلتك بها كما ان شبهك لا يعرفه أحد .. فما رأيك ؟
- أقبل..! طبعا.. ولكن.. ولكن لا أدري كيف يمكن لي أن أفيدكم..
- يا عزيزي برسفورد .. ان تفكير الهواة وتصرفاتهم هو ما نريد.. فالأمور تتعقد بالنسبة إلى المحترف.. ثم لا يحفى عليك أنك ستحل محل أقدر رجالنا..
- ماذا؟
- نعم .. فقد توقي فاركوهار المسكين في مستشفى بريدجت يوم الثلاثاء الماضي.. بصدمة لوري، وعاش بضع ساعات بعد الصدمة.. وقد يخيل للعابر أنها حادثة طريق.. ولكنها ليست كذلك .
- أ متأكد أنت؟
- طبعا.. وهذا ما يجعلنا نعتقد أنه كان وراءه أثر هام.. وقد بقى فاقد الوعي بعد الصدمة، وقبل الوفاة بلحظات حاول أن يقول شيئا.. وكان كل ما سمعناه منه هذه العبارة: ( ن.. او.. م.. سونج سوزي..).
- لا أعتقد أن في هذا ما ينير السبيل..!
- قد يكون فيه أكثر مما تظن.. فإن ( ن او م ) هو رمز سمعناه قبل تلك اللحظة وهو ينبئ عن اثنين من أهم وكلاء الألمان.. وقد عرفنا بعض الشيء عن نشاطيهما في البلاد الأخرى.. وليس لدينا عنهما معلومات كثيرة .. ولكننا نعلم أن مهمتهما هي الاشراف على تكوين الطوابير الخامسة في البلاد المختلفة، وهما يقومان بمهمة ضابط الاتصال بين ألمانيا وبين الطابور الخامس في أي بلد من البلاد المختلفة ، وأغلب الظن أن ( ن ) رجل وأن ( م ) سيدة ، وأنهما أعظم من وثق بهما هتلر بين مبعوثية.. وقد استطعنا الحصول في مستهل الحرب على صورة برقية أرسلت من برخستجادن جاء فيها " أرى تعيين ( ن ) أو ( م ) لانجلترا على أن يمنحا كل السلطات.. ".
- وماذا عن فاركوهار؟
- أظن أنه تتبع أثر أحدهما أو كليهما.. ولم نعلم أيهما لسوء الحظ، أما عن كلمة ( سونج سوزي ) فأطن أنها حرفة، نظرا لما نعلمه من عدم تمكن فاركوهار من اللغة الفرنسية، وقد وجدنا في أحد جيوبه تذكرة عودة الى مقاطعة ليهامتن على الساحل الجنوبي.. وفي تلك المنطقة كثير من البنسيونات والاستراحات والفنادق الخاصة,, وبعد التحري وجدنا أن أحدها يسمى ( سان سوسي ).
- هكذا .. ( سونج سوزي ) .. ( سان سوسي ).. فهمت.. وعلي أن اذهب الى هناك .. وأرى ماذا أستطيع أن اعمل ..
- تماما..
- لكن المسألة فيما أرى غير واضحة المعالم. فاني لا أكاد اعلم ما الذي أبحث عنه؟
- وأنا شخصيا لا أعلمه.. وعليك أن تجده، وعسى أن يساعدك الحظ..
- حدثني عن ذلك المكان.. أعني ( سان سوسي) .
- ربما كان كوخا.. وربما كان شيئا آخر.. ولعل فاركوهار كان يفكر في أمر أبعد عن كل ما نفكر فيه.. ان المسألة لا تعدو ان تكون تخمينا مجردا..
- وماذا عن ليهامتن نفسها؟
- إنها كأي مثيلاتها.. مجموعات من الأكواخ والعشش والفيلات والمنازل الصغيرة، تقيم فيها سيدات مسنات وضباط متقاعدون وعوانس طاهرات.. ورواد غامضون وربما بعض الجواسيس.. وبعض الأجانب .. إنها تبدو كحقيبة الطباخ..
- و ( ن ) أو ( م ) بين كل هؤلاء؟
- ليس ذلك ما يمكن الجزم به.. فربما وجدت أحد أعوانهما. ولكني أرجح ان يكون ( ن أو م ) هناك .. فالمكان لا يرقى إليه الشك .. بيت منعزل في بقعة ساحلية.
- أليس لديك فكرة.. عما إذا كان الشخص الذي سأبحث عنه رجلا أو امرأة؟
- كلا .. وأتمنى لك حظا سعيدا يا برسفورد.. والآن إلى التفاصيل..
عادت توبنس بعد نصف ساعة فوجدت زوجها وحيدا يصفر لحنا وقد بدت عليه أمارات الشك ، فقال لها:
- حسن.. لقد حصلت على عمل مكتبي.. في اسكتلندا .. حفظ مستندات وما شابه ذلك.. انه لا يبدو عملا مثيرا..
- لكلينا .. أم لك وحدك ؟
- أخشى أن يكون لي وحدي..
- اللعنة.. كيف يعاملنا مستر كارتر بهذه الوسائل الـ..
- ان اختلاط الجنسين غير مسموح به في مثل هذه الأعمال يا توبتس .. والا صعب على الموظفين تركيز تفكيرهم في العمل ..
- يظهر انه من تلك الأعمال التي ترهق الأعصاب .. كذلك الذي تقوم به ديبورا ابنتي.. واني أرجو ألا ترهق نفسك يا تومي بقدر الامكان فتحطم أعصابك..
- لست من هؤلاء كما تعلمين..
- أرجو ذلك.. ولو أنني اعتقد انك عرضة لما أقول.. ألا يمكن ان آتي معك؟ لا كزميلة في العمل.. وإنما .. كزوجة فقط.. تعد لك طعام العشاء .. و.
- إني آسف.. وكم يؤلمني أن أتركك يا عزيزتي.. على أي حال تستطيعين ان تشغلي نفسك بالـ.. تريكو..
- التريكو .. التريكو..
وقذفت بالكرة الصوفية و الإبر الى الارض ، ثم استطردت :
- اني اكره الصوف.. الكاكي و الازرق .. وكل الالوان التي يرتدونها في هذه الحرب..
وبعد قليل ، عادت توبنس إلى حالتها العادية .. وقالت إنها تستطيع أن تجد عملا باحدى جماعات الاسعاف..
وبعد ثلاثة أيام رحل تومي إلى ابردين .. وودعته زوجته توبنس على المحظة متجلدة، صابرة.. ولكنه أحس – بعد أن تحرك القطار وتضاءل شبحها الرقيق – أنه افتقدها .. غير أنه تمالك نفسه فالأوامر هي الأوامر..
وبعد وصوله إلى اسكتلندا سافر في اليوم التالي إلى مانشستر وفي اليوم الثالث وصل به القطار الى ليهامتن .. فتوجه فورا الى الفندق الرئيسي.. وفي اليوم التالي طاف بجميع الاستراحات والفنادق الخاصة، يسأل عن غرفة خالية وعن أسعار الإقامة لمدة طويلة ، وكانت سان سوسي عبارة عن فيلا حمراء على الطراز الفيكتوري، أقيمت على سفح أحد التلال وتطل نوافذها العليا على نظر البحر الجميل، ورغم أن أثاثها كان جميلا، إلا أنه كان قديما.. وقابل تومي صاحبتها برينا.. وهي سيدة في منتصف العمر تعلو رأسها هالة مخيفة من الشعر الأسود المجعد وقد لوثت وجهها ببعض المساحيق وبدت أسنانها البيضاء اللامعة مرعبة من خلال ابتسامتها المصطنعة.. وفي حديثه معها ذكر اسم مس ميدوز ابنة عمه الكبرى التي أقامت في سان سوسي منذ سنتين .. وتذكرت مسز برينا ابنة العم هذه وتحدثت عن ظرفها.. فأجابها تومي في حرص على تعليقاتها عن قريبته المزعومة، رغم أنه يعلم أن ادارة المخابرات كانت على ثقة من المعلومات التي زودته بها عن مس ميدوز.. ولما سئل عن أحوال قريبته، أجاب أنها توفيت، فأظهرت مسز برينا أسفها وألمها .. ثم عرضت على تومي غرفة قالت انها تناسبه كل المناسبة، فهي تطل على منظر البحر اللطيف.. وحددت لها أجرا أسبوعيا نظير الإقامة والأكل ، فأظهر تومي فزعة من ارتفاع الشعر ولكنها شرحت له أسباب ذلك ، فأجابها ان دخله قد نقص كثيرا عن ذي قبل.. ثم تطرق الحديث عن ذلك الرجل هتلر ، فقال تومي :
- انه يجب شنق ذلك الإنسان.. انه رجل مجنون.. نعم مجنون ولا شك..
فوافقته مسز برينا على رأيه، وقالت انها تجد مصاعب جمة في الحصول على مواد التموين من لحم و خبز وغيرهما، وان مأكولات كثيرة اختفت من الأسواق.. وان .. وان .. ولكن مادام مستر ميدوز ابن عم صديقتها المرحومة فإنها ستنقص المبلغ نصف جنيه.. فطلب تومي إمهاله يوما يفكر فيما اذا كان دخله يحتمل هذا المبلغ.. فرافقته مسز بريتا حتى الباب الخارجي وشيعته بكل ما تستطيع من تحيات ومجاملات..
وساءل تومي نفسه.. ماذا تكون جنسية تلك السيدة.. انها لا يمكن ان تكون إنجليزية.. فالاسم اما ان يكون أسبانيا أو برتغاليا.. ولكن .. ان احدى هاتين جنسية الزوج.. أما هي .. فربما تكون ايرلندية.. وأخيرا، صمم على أن ينتقل في اليوم التالي – باعتباره مستر ميدوز – إلى سان سوسي .
وفي الساعة السادسة من مساء اليوم التالي وصل الى فيلا سان سوسي فقابلته مسز برينا في البهو الخارجي بالترحاب ثم أصدر عدة أوامر تتعلق بحقائبه الى خادمة تظهر عليها أمارات الغباء.. ثم قادته الى غرفة الجلوس العامة وهي تقول :
- إنني أقوم بتقديم نزلائي بعضهم البعض .. هذا هو مستر ميدوز نزيلنا الجديد .. مسز أوروك .. ماجور بلتشلي .. مستر فون دينيم .. مس منتون .. مسز بلنكسوب ..
وكان تومي ينحني في أدب عند تقديم كل من الحاضرين إليه، ورأى في مسز أوروك سيدة بدينة قد خط شاربها بشكل مثير للضحك ، أما الماجور بلتشلي فقد فحص تومي بنظره كأنما يثمن الضيف الجديد ، ثم أحنى رأسه له .. وكان مستر فون دينيم شابا صلب العود أشقر الشعر ، أزرق العينين ، وقف على قدميه ثم انحنى كأنما يؤدي التحية العسكرية، أما مس منتون فكانت سيدة مسنة تعبث بإبر التريكو، وقد ابتسمت وهمهمت ببعض ألفاظ التحية ، وما أن رفعت رأسها لتحية القادم حتى توقف تنفس تومي.. ودارت به الغرفة..
كانت مسز بلنكنسوب هي توبنس.. زوجته.. ان هذا مستحيل ولا يمكن تصديقه.. ولكنها قابلته بعينين فيهما الأدب والتحفظ المتبادل بين الأغراب.. وهز رأسها..