في قديم الزمان كان هناك صياد سمك، ماتت زوجته و تركت له ابنا وحيدا عاش معه على صيد السمك إلى أن كبر و أصبح شابا يافعا شجاعا، لكنه طيب القلب و محبوبا و كان يدعى ميسون عاش حياة الفقر المدقع و البؤس و الشقاء مع والده عبدون .
ذات يوم كان صياد السمك عمدون مع ابنه ميسون على شاطئ النهر و كعادتهما و لحسن الطالع أنهما ما كادا ينشران الشبكة حتى اصطادا دلفينا كبيرا فسر الأب و ابنه سرورا عظيما و لكنهما لم يستطيعا أن يسحبا الشبكة إلى الشاطئ مع أنهما بذلا كل ما أوتيا من جهد .
ما العمل؟ فكر عمدون في الأمر مليئا ، و أخيرا قرر قطع الدلفين إلى أجزاء حتى يتمكن من إخراجه من الشبكة فقال لابنه ميسون : عد يا بني إلى البيت و اجلب لي فأسا.
عاد ميسون إلى البيت جريا على أقدامه، و بحث عن الفأس فلم يجده فرجع إلى الشاطئ فارغ اليدين و قال لأبيه: بحثت عنه في كل مكان و لم أجد له أثرا. أين وضعته؟
اغتاظ الأب من كلام ابنه و صاح في وجهه غضبا و قال له :
يا لك من ولد غبي كيف عجزت عن أمر بسيط كهذا تعال و شد الشبكة بقوة
و لا تترك الدلفين يفلت منها . .
ثم غادر عمدون متجها إلى البيت للبحث عن الفأس بنفسه.
عندئذ فتح الدلفين فمه و قال لميسون متوسلا:
آه أنقذني أيها الولد الطيب عندي أولاد صغار سأكون لك ممنونا، لو تركتنى اذهب و أعدك بالمساعدة ما دمت حيا.
ترى هل اثر الدلفين في ميسون حتى يساعده على الإفلات ؟....
فكر ميسون و قال: انه كائن حي مثلي . إن تركته يفلت ماذا سأقول لوالدي؟
احتار ميسون في الأمر لكن الدلفين سأله: لا تحتار،اعزم و سوف تجدني نعم الصديق لك.
قال ميسون:
أريد أن ادعك تذهب في حال سبيلك
و أمنحك حريتك لكن أخاف من أبي و في الوقت نفسه
يحزنني أن أراك في هذه الحالة ، فلا أعرف ماذا أفعل.
قال الدلفين : طيب لدي فكرة عندما يعود أبوك أقفز أنا في الشبكة بكل قوة
و تظاهر أنت بأنك غير قادر على إمساك الحبل حتى افلت من الشبكة و إذا أراد أبوك أن يضربك فاقفز إلى الماء، و سأنقذك من الغرق و هذا وعد مني.
رجع عمدون صياد السمك و معه الفأس راكضا فأخذ الدلفين يتحرك بقوة و جنون فتظاهر ميسون بعجزه على شد الحبل و صاح بصوت عال :
آه ... أبي تعال بسرعة لا أقدر على الإمساك بالحبل .
ثم أرخى الحبل عنوة و فلت الدلفين إلى قاع النهر ..
فاندهش عمدون والده / و تغيرت ملامح وجهه في الحال و بدأ يتملكه الغضب
ترى ماذا سيكون رد فعل عمدون والد ميسون ، هل سيتملكه الغضب الشديد بسبب إفلات الدلفين أم ماذا ؟....
أرخى ميسون عنوة الحبل ليترك الدلفين يفلت و اغتاظ والده
كثيرا...
لقد اصطاد عمدون الكثير من الأسماك في حياته و لكنها
أول مرة يصيد مثل هذه السمكة الكبيرة التي تركها ابنه
ميسون تهرب .
جن جنون الأب و هوى بالفأس على ابنه، فأخذه الخوف و قفز إلى النهر بسرعة فابتلعه الدلفين.
ثم سبح به إلى قاع النهر و بقي ميسون في بطن الدلفين سبعة أيام ثم توسل إليه قائلا:
أريد العيش مع بني البشر في اليابسة . فرد عليه الدلفين:
لقد أنقذت حياتي و سأتعهد إليك بالمساعدة على التخلص من أية محنة تواجهك
ثم سبح إلى سطح الماء و زفر زفرة فأوصل ميسون إلى شاطئ النهر.
التفت ميسون حوله و لم ير غير الجبال و الصحارى المقفرة فمشى على طول النهر عله يجد بشرا .
و بينما هو يمشي رأي ينبوعا يجري منه ماء رقراقا صافيا، تنمو حوله حشائش مزهرة و أزهار متنوعة و فوقها طيور تغرد بألحان عذبة و فراشات تطير هنا و هناك
أعجب ميسون بهذا المنظر الطبيعي الأخاذ و فكر لما لا أستريح قليلا هنا؟
استلقى ميسون على الأرض السندسية الوثيرة و ما لبث أن لفه النوم.
و بينما هو غارق في سبات عميق فوجئ بصوت غريب
فرفع بصره إلى فوق فرأى صقرين صغيرين واقفين
على قمة صخرة يصيحان بصوت بائس و عيونهما تنظر إلى تحت.
نظر ميسون هو الآخر إلى أسفل الصخرة، فإذا بثعبان ضخم خارج منها يزحف نحو الصقرين لابتلاعهما.
قفز ميسون في الحال و تسلل بهدوء من وراء الثعبان ثم التقط حجرا و ضرب به رأس الثعبان ضربة شديدة فتهشم رأسه و مات في الحال.
سر الصقران الصغيران سرورا عظيما و قالا له:
لا بد أن نرد لك الجميل يا ميسون .
تسلق ميسون الصخرة حتى وصل إلى عش الصقر فلمس الصغيران بأجنحتهما جبينه و وجهه برقة و قالا متشكرين: لولاك لأكلنا الثعبان .
سنذكر ذلك لأبوينا لكي يكافئاك. و لكنهما قد يؤذيانك قبل التعرف على شخصيتك . فاختبئ بسرعة تحت أجنحتنا فقد حان الوقت لرجوعهما.
و ستره الصغيران بأجنحتهما و بعد قليل تراكمت الغيوم و زمجرت الرياح و حجبت الرمال الصفراء كل السماء ،و في تلك اللحظة جاء الصقران الكبيران من أقاصي السماء و حلقا فوق قمة الجبل ثلاث دورات ثم حطا على الصخرة و تركا قنفذا كبيرا أمام و لديهما .
لكن الولدين لم يهتما كثيرا بالصيد خلافا لعادتهما ، و أخذا يتطلعان بعيون جاحظة إلى أبويهما و عندئذ سألاهما، و قد استغربا نظراتهما: لما لا تأكلان؟
فرد الصغيران بصوت واحد
كيف نعامل رجلا طيب القلب إذا صادفناه؟ و هنا أشارا الصغيران إلى جثة الثعبان و قالا :
اليوم أنقذنا شاب طيب اسمه " ميسون" من أنياب هذا الثعبان اللئيم .
و سأل الكبيران: أين هو الآن هذا الذي أنقذكما ؟
فرفع أحد الصغيرين جناحيه و قال : هاهو ذا
حيا الكبيران ميسون و قالا له باحترام:
منذ سنوات عديدة كنا نتعرض لإيذاء هذا الثعبان الشرير، و لم ينجو منه أولادنا أما اليوم فقد خلصتنا من شره نهائيا .
و مسح احدهما على وجهه و عينيه و استطرد قائلا: نحن مدينون لك .
سنبذل كل جهودنا من أجل مساعدتك على تحقيق كل ما تريد.
فشكرهما ميسون و قال : ليس عندي أي مطلب الآن
و هنا نتف الصقر الكبير ريشة واحدة من جناحه الأيمن و أعطاه إياه و قال:
خذ الريشة و لا تضيعها إذا واجهتك محنة أشعلها و سأحضر حالا.
أخذ ميسون الريشة و عاد الصقر الكبير، و ميسون راكب على ظهره من أعلى و انطلق به كالسهم ليوصله إلى الأرض المنبسطة.
واصل ميسون المشي طول النهار حتى وصل إلى سفح جبل و رأى صيادا يصوب بندقيته نحو ثعلب عائر الحظ ،و فكر ميسون في نفسه : قد يكون أن له أولاد صغار كم يحزنهم لو مات ....
و عندما هم الصياد بإطلاق النار على الثعلب أسرع إلى الصياد و منعه قائلا له : يا عم أرجوك أن تتركه يذهب ماذا سيفعل أولاده لو مات ؟ فأنزل بندقيتك و انصرف
انفعل الثعلب انفعالا شديدا و قال لميسون: يا لك من ولد طيب سوف لن أنسى معروفك لي أبدا تمنى أي شيء و سآتيك به. فأجاب: لا أحتاج إلى أي شيء حاليا.
فقال له الثعلب : إن احتجت إلى شيء فأشعل نارا يتصاعد منها دخان كثيف فاني آتي إليك فورا، و بسرعة البرق .
استأنف ميسون سيره و بلغ مدينة كبيرة بعد يوم، و بينما هو يطوف فيها و يتفرج هنا و هناك رأى مجموعة من الناس يتوجهون إلى مكان ما استغرب ميسون
و سأل شيخا
من أين جئتم و إلى أين انتم ذاهبون يا عم؟ قال : يا ولدي ألا تعرف إننا نتوجه إلى ساحة الإعدام و هو مكان يعدم الناس فيه اليوم سيقطع رأس هذا الشاب
و نحن سنتوجه إلى هناك لمشاهدته
و ما ذنبه ؟
نعم هو برئ لم يقتل و لم يسرق و لم يرتكب أي ذنب مطلقا ، لكن سبب موته لأنه لم يحقق شرط الزواج للأميرة
ففي هذه المدينة يا ولدي ملك له ابنة جميلة تمتلك مرآة سحرية يمكن أن تعكس كل الأشياء سواء في السماء أو في الأرض و قد تقدم لخطبتها الكثير من الشبان و لكن لم ينجح احد منهم ،و شرطها أن يختار خاطبها في ثلاثة أيام مخبأ له و يستتر فيه و في اليوم الثالث تصعد الأميرة إلى أعلى القصر و تبحث عنه بالمرآة السحرية فإذا وجدته تأمر بقطع رأسه و إذا لم تجده تتزوجه و قد مات العديد من الشباب من أجلها ...
قال ميسون في نفسه ما أقسى شرطها ،و إذا استمر الحال هكذا فمن يعرف كم من شاب سيقتل ظلما مستقبلا.
ترى ما ذا سيفعل ميسون هل سينتقم لهؤلاء الشباب الذين اعدموا من اجل ا لأميرة أم يقبل بشرطها ؟
اتجه ميسون إلى القصر و قال للحارس: سمعت أن حضرة الأميرة تريد اختيار زوج فجئت من مكان بعيد لطلب يدها فأرجو أن تنقل طلبي إليها.
سمعت الأميرة ما ابلغها به الحارس فأذنت له بأن يختبئ في مكان ما و بعد ثلاثة أيام ستصعد إلى أعلى القصر للبحث عليه في مرآتها السحرية ...
ذهب ميسون للاختباء في بطن الدلفين و جاءه الدلفين و سأله آه يا صديقي هل أنت في محنة ؟
قال أرجو أن تخفيني حتى لا تستطيع الأميرة العثور علي ، فأجابه الدلفين لا تجزع يا صديقي سأساعدك و فتح فمه الواسع و ابتلعه ثم غاص في أعماق النهر و أمر كل الأسماك أن تذهب إلى المجرى الأعلى لتعكير المياه و تقلب الطين و الرمل بذيولها و ما أن حان الوقت حتى صعدت الأميرة إلى أعلى القصر. نظرت في مرآتها السحرية فرأت كل الجبال و المروج و الصحاري و السماء و السحب و لكنها لم تعثر على ميسون و عندما أجالت بصرها نحو النهر رأته مختبئا في بطن الدلفين فأعلنت الأميرة و أمرت الوزراء بجلبه...
و فور وصولهم، صاحوا للدلفين أيها الشاب لقد وجدتك أميرتنا فاخرج بسرعة
تيقن ميسون انه انكشف و خرج من بطن الدلفين و رجع الوزراء بميسون
استغربت الأميرة كيف اختبأ في بطن دلفين في حين أن الشباب الذين سبقوه يختبئون في الكهوف و جاء الملك فقال لابنته لا تقتله اسمح له بالاختباء مرة ثانية فوافقت الأميرة لمطلب والدها الملك و أخذت بخاطره .
فكر ميسون أين يختبئ فخطر بباله ما قال له الصقران الكبيران فقصد الصحراء و اخذ الريشة و احرقها ، فإذا بالصقر حط أمامه و قال له : هل أنت في محنة ؟ قال نعم ابحث عن مكان اختبئ فيه .
ركب ميسون على ظهر الصقر و طار به إلى أعلى حتى دخل في الغيوم و بعد ثلاثة أيام صعدت الأميرة إلى سطح القصر ثم رفعت مرآتها السحرية لتبحث عنه و رأت صقرا كبيرا يطير بميسون فقالت للوزراء الذين كانوا بجانبها لقد رأيته انه يركب على ظهر صقر و أمرتهم بجلبه فتستر الوزراء و انتظروا مجيء الصقر الكبير و لما حط بجانب حوض ماء نزل من على ظهره ميسون و أخذا بشرب الماء في الأثناء صاح الوزراء فطار الصقر و بقي ميسون فأخذوه إلى الأميرة و أمرت بقتله لكن أمها تكفلته هذه المرة وطلبت منها بأن تسامحه لأجل خاطرها....
خاصة و انه قد فشل في المرة الثانية فدعه يجرب للمرة الثالثة و اتركيه يختبئ مرة أخرى استجابت الأميرة لطلب أمها و قالت لميسون حسنا لأجل أمي اسمح لك بأن تخفي نفسك مرة ثالثة ،و لكن يجب أن تعرف أنها الفرصة الأخيرة بالنسبة لك و لن أغير شرطي أبدا و إن وجدتك هذه المرة بالمرآة السحرية سوف أقتلك بلا رحمة و إذا نجحت في إخفاء نفسك فسأتزوج منك .
ذهب ميسون إلى حال سبيله و هو يفكر في طريقة أخرى للاختفاء . فخطر بباله وعد الثعلب فذهب إليه لطلب المساعدة ،و بعد أن سار يوما بأكمله حتى وصل إلى سفح الجبل الذي أنقذ فيه الثعلب أشعل النار و تصاعد الدخان الكثيف منها. فإذا بالثعلب بين يديه و هو يقول يا صديقي ماذا دهاك ، و هل أصابك مكروه و هل أنت في محنة ؟ هل من خدمة تريدها مني؟ قال نعم و حكى ميسون حكايته من بدايتها إلى نهايتها و طلب منه أن ينقذه
فقال الثعلب : لا عليك و لا تهتم سأساعدك حتى تصل إلى مبتغاك فأنت أنقذت حياتي في الماضي ، و تركه ينتظر.
ثم شرع يحفر حفرة و دخلها الثعلب و انتظر ميسون خارجها . لكن الثعلب لم يخرج بل واصل عمله و بقي ميسون يومين ينتظر و هو حائر و قد أخذ منه القلق كل مأخذ. و بينما هو على أحر من الجمر ظهر الثعلب من الحفرة و قال له : هيا ادخل يا صديقي و سر في هذا النفق الذي يوصلك إلى تحت قصر الأميرة و اختبئ هناك و عندما تنزل الأميرة من السطح ستمر بفتحة عليك أن تخرج منها بسرعة و قتها ضمها إلى صدرك أفهمت ؟
قال ميسون شكرا لك يا صديقي الثعلب .
و دخل ميسون النفق و مشى فيه حين كانت الأميرة تصعد إلى أعلى القصر و نظرت في مرآتها السحرية في كل الاتجاهات و الأعماق من الجبال و الأودية إلى الصحاري و المروج و الكهوف و إلى السماء و السحاب
و لم تعثر له على اثر ، و كان ميسون في هذه الأثناء يزحف في النفق مقتربا من قصرها . أما الأميرة فلم يخطر في بالها أن تنظر إلى تحت قدميها و نزلت من سطح القصر يائسة و قالت:
أيها الشاب الذكي أرجوك أن تأتي إلي و لا أبالي أين كنت سوف أتزوجك حسب ما وعدتك.
و عندما سمع ميسون كلامها صدم برأسه ما حول الفتحة من التراب حتى اتسعت و ما لبث أن قفز منها و أمسك بذراع الأميرة و ضمها إلى صدره كما قال له الثعلب .
و هكذا وافق الملك على أن يزوج ميسون بالأميرة و أمر بإقامة مأدبة فاخرة للاحتفال بسعادتهما غير أن ميسون قال في حفلة الزواج للملك و الملكة: أشكركم مولاي لست إلا ابن صياد سمك فقير اسمه عمدون فلا أطمع أبدا في ملكك ، و كل ما أريده هو أن أضع حدا لهذا الشرط القاسي للزواج بالأميرة ابنتك و الذي ذهب ضحيته عشرات من الشباب قبلي اعدموا بقسوة و هم أبرياء .
تسمر الجميع في مكانهم من الدهشة و تلون وجه الأميرة و تغيرت ملامح وجهها بسبب الغضب و السخط ، و أخذت مرآتها السحرية و ضربت بها على الأرض بقوة فتكسرت أما الملك و الملكة فقد وقفا احتراما لميسون و لشجاعته و أدبه و انحنى ميسون أيضا احتراما لهما. ثم غادر القصر مرفوع الرأس رغم فقره و رجع من جديد ليجد والده عمدون في انتظاره فتعانقا كثيرا و حضر الدلفين، و الصقران الكبيران و الثعلب بهدايا قدموها تكريما لهما و طلب رضاء والده عمدون و هكذا تنتهي القصة يا أصدقاء، فليست الثروة أو الملك أغلى من رضاء الوالدين فهي أهم من كل كنوز الدنيا .
ما رضاء الله إلا برضـــــاء الوالديـــــــــــن
ما بقاء الكـــــــــــــون إلا بحنان الأبويـــــن
والد الإنسان بعد الله أولـى بالمحبـــــــــــــة
كـل مـن يغضـب أما أو أبا يغضـب ربـــــــــه
فأحبــــــــــــوا أبويـــــــكم لتعيشوا سعـــــداء
و ابذلوا الروح فداء لهم تجدوا الخير جـــــزاء
مع تحياتي
التعديل الأخير تم بواسطة madara utchiha ; 11-19-2011 الساعة 08:47 PM