أسباب الاختلاف المذموم
1_ قد يكون جهلا لأن الخلاف المحمود كما سبق هو ما وقع من أهله وهم العلماء والجهال ليسوا من العلماء .. والجهل قد يأتي الشخص من جهة كونه جاهلا بجهله .. أو من جهة ظنه أنه عالم .. أو من جهة عدم تحريره مواطن النزاع أو قد يأتيه الجهل من جهة جهله بمقاصد الشرع وقواعده العامة .
2_ الهوى : وهو ميل النفس إلى الشهوة .. سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية ..ويهوي بصاحبه في الأخرة إلى الهاوية ... ومن أمثلته تتبع رخض العلماء .. ومن تتبع رخص العلامء اجتمع فيه الشر كله .. مثال ذلك : الإمام اسماعيل القاضي يحكي أنه دخل على الخليفة المعتضد .. قال : فرفع إلي كتابا , فنظرت فيه ,فقلت : كاتب هذا الكتاب زنديق .
لأن الكتاب فيه رخص العلماء والكاتب له جمع كل زلة من زلات العلماء فيه .. فقال له : كاتب هذا الكتاب زنديق .. ثم قال : إن من أباح النبيذ لم يبح الغناء ومن أباح الغناء لم يبح المتعة وما من عالم إلا وله زله ومن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله "
الشاهد أنه حكم على جامع هذا الكتاب أنه زنديق .
ومن ذلك أيضا من صور الهوى الإفتاء لبعض الناس بقول يخالف الفتيا العامة .. كمن أفتى مثلا لصديق أو قريب أو ذوي الجاه أو سلطان بحسب المصالح ..
3_ التعصب : والتعصب شيمة من شيم الضعف وخلة من خلال الجهل يبتلى بها الإنسان فيعمى بصره وقلبه .
فالتعصب عموما هو فرع القول بعصمة النفس .. لأن المتعصب حينما يتعصب لقول ما أو مذهب معين فلازم ذلك إدعاء العصمة لنفسه أو لإمامه .. والعصمة دفنت بموت النبي صلى الله عليه وسلم ..
5 مراحل ظهور الخلاف الفقهي
مر الخلاف الفقهي بمراحل فبل أن يقعد له ويفرد بالتصنيف .. والغالب على من تكلم في الخلاف الفقهي أنهم حصروا هذا الخلاف الفقهي في ثلاث مراحل
:
المرحلة الأولى
طور النشأة والمقصود بها عصر النبوغ .. فقد ظهر هذا الخلاف في المجتهدات التي فيها نص محتمل أو ليس فيها نص بين الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .... وغالب هذا الخلاف لا يلبث أن يكون وفاقا بعد أن يرجع الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيفتي بسنته أو الوحي .
وهناك أمثلة كثيرة في مثل هذا كقوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب :" لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة " فاختلف الصحاب في المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم ..فقال بعضهم لا نصلي حتى نصل بني قريظة واجتهدوا وأخذوا بظاهر الحديث .. وقال أخرون بل نصلي العصر في وقته وفهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يعجلوا في السير واستدلوا بالأدلة الواردة في الحفاظ على الصلاة في وقتها ..
فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاتب أحدا منهم ..
وكما روى أبوداود في سننه من حديث عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل أنه احتلم في ليلة باردة فخاف على نفسه فتيمم وصلى بأصحابه الصبح .. فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" صليت بأصحابك وأنت جنب ؟" فقال عمرو :" إني قرأت قول الله تعالى (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده .
وكما في قصة الصحابيين الجليلين اللذان خرجا في سفر .. فجاء وقت الصلاة فلم يجدوا ماءا فتيمما وصليا .. ثم بعد الصلاة وجدوا الماء قبل خروج وقت الصلاة .. فاختلافا فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ..والأخر اكتفى بالصلاة الأولى .. فلما رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي اكتفى بصلاته الأولى أصبت السنة ..وقال للأخر لك الأجر مرتين ..
وهذا كله دليل على وجود هذا النوع من الخلاف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
المرحلة الثانية
عصر الصحابة الكرام
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الخلاف الفقهي يتسع بسبب تفاوت محفوظات الصحاب رضي الله عنهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .. وتفرقهم رضي الله عنهم في الأقطار الإسلامية .
تميزت هذه المرحلة بقلة الخلاف فيه .. وذلك لأسباب كثيرة منها أنهم حريصين على الجماعة وعدم التفرقة وتشتيت الأمة وغير ذلك .. والدليل على ذلك في حروب الردة فقد بدا لأبي بكر رضي الله عنه أن يقاتل مانعي الزكاة وخالفه بعض الصحابة في ذلك ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. ولكن سرعان ما رجع الصحابة إلى قول أبي بكر رضي الله عنه .
المرحلة الثالثة
عصر التابعين
وهذه المرحلة توسع فيها الخلاف كثيرا مما كان في عصر الصحابة لتفاوت الأفها والمحفوظات ..ولتوسع دائرة الإسلام والمسلمين
المؤلفات في هذا الميدان :
انبرى جمع من العلماء إلى التصنيف في الاختلاف الفقهي
فكان أول من صنف فيه :
الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه "الإحكام" وهذا يدل دلالة واضحة على أن التآليف في هذا العلم قد تأخر إلى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري
فابن حزم توفي سنة 456 ..
تلاه العلامة ابن رشد في مقدمة كتابه " بداية المجتهد ونهاية المقتصد "
ثم شيخ الإسلام بن تيمية في رسالة مستقلة " رفع الملام عن الأئمة الأعلام "
ثم السيوطي جلال الدين توفي سنة 911ه في رسالة مستقلة :" أسباب الاختلاف في الفروع "
وبعد محمد بن حياة السندي وهو قرين الإمام محمد بن عبد الوهاب ومعاصره في رسالة سماها " الإيقاف على أسباب الاختلاف " توفي سنة 1162
وهناك مؤلفات أخرى لبعض المعاصرين في هذا الميدان ...
...............يتبع بفضل الله