عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-2011, 01:57 AM   رقم المشاركة : 5
ILL
عضو متألق





 

الحالة
ILL غير متواجد حالياً

 
ILL عضوية لديها صيت بسيطILL عضوية لديها صيت بسيط

شكراً: 0
تم شكره 585 مرة في 210 مشاركة

 
افتراضي رد: الحث على طلب العلم والترغيب فيه

فضل العلم على المال

العلم ممدوح بكل لسان، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين، رجلٌ آتاه الله القرآن -وفي رواية: العلم، وفي رواية: الحكمة، وهذه الروايات كلها يفسر بعضها بعضاً- فهو يعلمه للناس، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق)، فقدم العلم على المال، كما قدم الله العلم على الملك، لما ذكر ما وهبه لسليمان عليه السلام، إذ لا يتم الملك إلا بعلم.

وقوله: (لا حسد) أي: لو جاز لأحدٍ أن يحسد أحداً لكان ينبغي له أن يحسد أحد رجلين: إما رجلٌ آتاه الله العلم، ويرحم الله الإمام أحمد حين كان يقول وهو يشير إلى تفضيل العلماء: (بيننا وبينكم شهود الجنائز).

انظروا إلى جنازة أكبر عالم، وإلى جنازة أكبر غني؛ فسترون الفرق هائلاً! فكل الناس يقولون عن الغني: ماذا عمل؟ مسكين! انظروا إلى الفلل التي تركها، والأموال، والضياع هل أخذ معه شيئاً؟ لا يدوم إلا الله، ويتكلمون على الزهد في الدنيا، وأن الرجل مضى ولم يأخذ شيئاً، لكن هل قال واحدٌ منهم: يرحمه الله، أو رضي الله عنه؟ لا، لماذا؟ لأنه كان يحرم الناس من رفده، وعطائه، جمع ماله للورثة.
لكن انظر إلى الناس في جنازة العالم! يبكون عليه ويحزنون، وليس بينه وبينهم أي نسب ولا أعمال، وما كان بينهم إلا ما تعدى العالم إليه وهو العلم، وإذا ذكروه ترضوا عنه وعن والديه.

فإن جاز لك أن تغبط رجلاً فلا تكن سافل الهمة، فتقول: ليت أن معي كفلان محلات وو لا، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، فقد صيرك المال خادماً، وصيرك العلم سيداً.

العلم يحرسك من الشبهات التي يلقيها أعداء الله، ومن الكفر الذي يزينه أعداء الله، فكلما وردت عليك شبهة كفر، أو شبهة وسواس صد العلم عنك وعن قلبك، لكن المال أنت تحرسه، لا تنام عينك خشية اللصوص، ولأنك تريد الازدياد منه، كل لحظة يقوم من الليل يعد الفلوس ويرتبها ويفعل ذلك مرات، إذاً: هناك متعة عنده في مسألة عد الفلوس.

وهكذا يضيع عمره في مثل هذا؛ فصار خادماً، والمال عبد جيد لكنه سيد رديء: (عبد جيد) كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (ورجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) أنت السيد، ومعك المال، تنفق المال يمنةً ويسره، إذاً: أنت السيد وهو العبد لأنك عندما تنفقه لا يعترض عليك، ولا يقول لك: لم وضعتني في هذا الموضع؟ إذاً: إذا صار المال عبداً صار عبداً جيداً؛ لأنك ستصل به الرحم، وتفرج به الكروب، وتبني به المدارس والمستشفيات، وترصف الطرق إلى آخره من أعمال البر والخير المباحة.

لكنه إذا استحوذ على صاحبه كان سيداً سيئاً رديئاً.

فأولى الناس بالغبطة بالحسد هذان: (رجلٌ آتاه الله العلم، فهو يقضي به، أو يعلمه آناء الليل وأطراف النهار، ورجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق).
وقوله عليه الصلاة والسلام: (في الحق) قيد ضروري لا يأتي إلا بالعلم، فالله سبحانه وتعالى لما قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] سماه أحسن القصص؛ لأنه وصفه بالحق: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف:13]، فهذا القيد ضروري في إنفاق المال.
هذا القيد: (ورجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته) ولم يقل: (في الحق).


وصايا لطلاب العلم



الإخلاص لله سبحانه وتعالى
القاعدة الأولى التي تقوم عليها هذه العبادة الجليلة، وهي: عبادة العلم: الإخلاص لله سبحانه وتعالى:- أن نتجه إلى الله بقلوبٍ ليس فيها أحدٌ سواه، فيأخذ طالب العلم هذا النور وهذه الرحمة وقلبه يريد ما عند الله جل جلاله، يأخذ هذا النور وهو يرجو رحمة الله في كل كلمةٍ يسمعها ويقولها، فتكون أشجانُه وأحزانُه لله جل جلاله، فلا يزال بهذا الإخلاص تخطو به في صحيفة عمله الحسنات، ويستوجب بها عند الله رِفْعة الدرجات.

الإخلاص الذي رفع الله به شأن العلماء، وجعل عبادتهم بريئة من غير الله عز وجل، وهو السر الذي فضَّل الله به سلف هذه الأمة على خَلَفها، ولذلك

قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بل إخلاص الدين لله هو: الدين الذي لا يقبل الله سواه.
فلا قبول لهذا العلم، ولا قبول للتعلم والتعليم إلا إذا أراد الإنسان وجه الله الكريم.


فتح الأسماع والقلوب للعلم

الوصية الثانية: أن نفتح لهذا العلم أسماعنا وقلوبنا، وأن نحس أن هذه الأسماع -حقيقةً- تتشرف وتتكرم بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:- أن ينطلق طالب العلم وهو يشتعل قلبه شوقاً لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فيفتح قلبه وقالَبه لماء الوحي، حتى إذا نزل ذلك الماء على ذلك القلب كان كالغيث الطيب على الأرض الطيبة؛ وما من إنسان يُعطِي العلم سمعه وقلبه، إلا نفعه الله بهذا العلم، ولذلك كانت أول وصيةٍ من الله لموسى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:13].

وأن نستمع للعلم، وأن يكون عندنا الشوق والتلهف إلى مجالس العلماء، وإلى حِلَقِ العلماء، وأن ننطلق إلى رياض الجنة ننافس فيها إخواننا، ونسابق فيها خلاننا، حتى نكون على أفضل ما يكون عليه المجد في طاعة الله عز وجل.
إن هذا العلم رحمةٌ من الله عز وجل، وكلما ازداد الإنسان من هذه الرحمة رفع الله قدره، وأجلَّ مكانه، وأعلى ذكره.

وأن نفتح لهذا العلم أسماعنا، وأن نفتح له قلوبنا، وكان بعض السلف يقول: [من استمع للعلم وأعطاه قلبه، فإن الله ينفعه لا محالة بهذا الاستماع للعلم].
وأن نفتح لهذا العلم كل جوارحنا.

فإذا وفق الله طالب العلم لكي يكون عنده الشوق إلى مجالس الذِكر ومجالس العلماء ورياض العلماء؛ فإنه لا يلبث بعد فترة حتى يجمع خيراً كثيراً.


ترجمة العلم إلى الواقع

الوصية الثالثة: أن يُتَرْجِم هذا العلم للواقع:- أن يخرجه الإنسان من قرارة القلب إلى القالَب، أن نخرج الأقوال والهدي الذي نسمعه إلى الواقع، فبعد أن يتأثر طالب العلم بالوحي، ويسكن في قرارة قلبه يستمسك به، ويطبقه، ويلتزمه،

قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف:43] قال: استمسك، ولم يقل له: أمْسِك، وإنما قال له: استمسك؛ فالاستمساك بهذا الدين: إذا تعلم طالب العلم سنة أو حكمة تمسك بها، وعمل بها، وأشهد الله على أنه من أهلها؛ فإذا سمعتَ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى سنة أو يدعو إلى خيرٍ وهدى؛ فكن عاملاً بذلك العلم، كن مطبقاً له، تترجمه على جوارحك، ولذلك إذا وفق الله طلاب العلم إلى العمل بعد العلم، جعلهم قدوة، قال الله في كتابه عن علماء بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].

ترجمة العلم إلى الجوارح فيه حياة العلم، وكم من سننٍ حيت لما خرج طلاب العلم، فنشروها أمام الأمة بلسانٍ يذكرُ الله وجوارح تترسم هدي الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطبيقُ العلم وترجمتُه بالعمل، وإخراجِه إلى الواقع حتى تراه الناس، فحينما تراك ترى السنن في أقوالك، وترى السنن في أفعالك، فبعض طلاب العلم إذا رأيته تذكرت هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طلاب العلم من شرح الله صدره للعلم والعمل، حتى إذا رأيته ذكرت الله، إذا رأيته قد عمل بما عَلِم.



الصبر والتحمل واحتساب الأجر

الوصية الرابعة والأخيرة التي أختم بها هذه الكلمة هي: الصبر والتحمل واحتساب الأجر: طالب العلم يعامل الله، والمعاملة مع الله فيها ابتلاء واختبار وامتحان، ولا بد لطالب العلم أن يَجِدَ الشدائد، وأن يَجِدَ المحن، وأن يَجِدَ من يثبطه ومن يخذِّله.

فأول صبرٍ يُوصَى به طالب العلم: الصبر على وساوس الشيطان: فإن الشيطان لن يدع لطالب العلم باب خيرٍ يطرقه إلا وجاءه من كل حدبٍ وصوبٍ حتى لا يَبْلُغَه، لا يمكن أن يترك طالب العلم وأن يُخَلِّي بينه وبين الخير؛ لأن الله عز وجل أخبر أن المؤمن مبتلىً، ودرجة طالب العلم فوق درجة المؤمنٍ العامِّي، فلا بد أن يكون مبتلىً، تعيش مع نفسك في الوساوس، فأول ما يأتي الشيطان للإنسان يخذِّله، يقول له: مَن أنت؟! من أنت حتى تطلب العلم؟! فلستَ بعالم، ولا أبوك بعالم، ولستَ من بيت علم، حتى يخذِّله عدو الله، ويجعلَ في قلبه اليأس من رحمة الله، والقنوط من روح الله.
فما على طالب العلم إلا أن يُحسن الظن بالله، وأن يقول: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].

فمَن فهَّم سليمان وعلَّم داوُد قادرٌ على أن يفهِّمك ويعلِّمك؛ فأحسِن الظن بالله جل جلاله، وكم من طلاب علمٍ كانوا على جاهلية وبُعْدٍ من الله تبارك وتعالى؛ ولكنهم أحسنوا الظن بالله! فما مضت الأيام ولا انقضت الأعوام إلا وهم أئمة هدى، ومشاعل خيرٍ وحب لله ورضا،
فأحسِن الظن بالله جل جلاله، وكن قوي العزيمة على طاعة الله، وقد تأتيك المحن التي تحتاج إلى الصبر في أهلك وذويك؛ فتجد من يخذِّلك عن طلب العلم، ويجعل العوائق بينك وبين طلب العلم من حاجات الناس، وحاجات الأهل وأغراضهم، فاستعن بالله، فإنه نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

لا بد من الامتحان والاختبار حتى في طلب العلم، ولا يزال طالب العلم يُبتلَى ويمتحَن، حتى أنه يبتلَى وهو في مجلس العلم، ويُختبَر حتى في العلم الذي يتعلمه، ولذلك إذا نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجدته من أول لحظةٍ في الوحي إلى آخر لحظةً من الدنيا وهو يتقلب في البلاء صلوات الله وسلامه عليه.
فأول لحظةٍ في الوحي: أخَذَه جبريل فغَطَّه حتى رأى الموت.
وآخر لحظةٍ من الدنيا قال فيها: (آه! إن للموت لسكرات).

فلا بد من البلاء، ولا بد من الامتحان، ولذلك حكمةٌ من الله عز وجل أنه جعل الدنيا دار بلاءٍ وعناءٍ وعِنَّةٍ على المؤمن؛ ولكن هذا البلاء رفعةٌ للدرجات، وتكفيرٌ للسيئات، ومضاعفةٌ للأجور والحسنات، وكم من إنسانٍ صُبَّ عليه البلاء فأمسى يوم أمسى وصحيفته مملوءةٌ بأجورٍ لا يجدها بكثير صلاةٍ ولا صيام.

فاصبر على طلب العلم واحتسب البلاء الذي تجده، واحتسب عند الله ما يقال عليكَ أو يقال لك، فقد يُبْتَلى الإنسان حتى بمدح الناس وَثنائهم، فإن الجاه والسمعة والشهرة قد تقتل الإنسان من حيث لا يدري، فما على الإنسان إلا أن يجاهد ويحتسب عند الله عز وجل أن يثبته وأن يوفقه.
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم أئمة هدى، هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

إن العلم مسئوليةٌ عظيمة، وواللهِ ما من جماعةٍ انفردوا بهذا العلم وأخذوا على أنفسهم أن يكونوا طلاب علم إلا تحملوا المسئولية بين يدي الله عن ذلك، ولذلك كل طالب علمٍ دخل إلى جامعة، أو جلس في حلقة، أو لازمَ شيخاً فليعلم أنه بمجرد دخوله وبمجرد ملازمته قد وَضَع قدمه على عتبة المسئولية بين يدي الله جل جلاله، وأنه سيحمل على ظهره أمانة يُوقف بها بين يدي الله، إما أن تشقيه وإما أن تسعده وترضيه.

فاعلموا إخواني أن التخصص في العلم وحل هذه الحِكَم من الكتاب والسنة ما هي إلا حجج تكون للإنسان أو على الإنسان.
جاء بعض السلف إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكان يسألها المسائل، فقالت له يوماً من الأيام: [أَيْ بُنَي، أَكُلَّ ما عَلِمْتَه عَمِلْتَ به؟! فقال: يا أماه، إني مُقصر.
وجلس يشتكي من تقصيره، فقالت له: يا بُنَي! لِمَ تستكثر من حُجَج الله عليك؟!].

فينبغي لنا أن نستشعر أن هذا العلم الذي نتعلمه حُجَجٌ لله علينا، وأن وراءنا أمم تنتظر هذا الوحي بفارغ الصبر، وراءك أهلُك ينتظرون هذا العلم الذي تتعلمه، وراءك حيُّك ينتظر هذا العلم الذي تتعلمه، وراءك أهلُ بلدتك وعشيرتك ينتظرون هذا العلم الذي تتعلمه، فاتقِ الله فيما تعلمتَ، وكن غيوراً على هذا الدين، وبُث الحِكَم من كتاب الله وسنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.

فاحتسبوا -إخواني- الأجر عند الله، واعلموا أن هذا العلم لا يُراد به الدنيا، وإنما يُراد به ما عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله لينال به عرضاً من الدنيا لم يرِح رائحة الجنة).

اللهم إن نسألك الإخلاص في العلم والعمل، ونسألك بعزتك وجلالك أن تجعل هذا العلم حجةً لنا لا حجةً علينا.


وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه، وآله وصحبه أجمعين.

آخر تعديل همسات مسلمة يوم 10-26-2011 في 10:20 PM.

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ ILL على المشاركة المفيدة: