كيف كان العلماء يتعاملون مع الكتاب :
• كان الجاحظ من أكثر الناس شغفًا بمطالعة الكتب؛ فإنه لم يقع بيده كتابٌ قط إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان، حتى أنه كان يكترى دكاكين الورَّاقين ويبيت فيها للنظر.
• يقول أبو هفان وكذا ورد عن المبرّد:
لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من ثلاثة منهم الفتح بن خاقان؛ فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكِّل، فإذا أراد القيام لحاجةٍ أخرج كتابًا من كُمِّه أو خُفَّه وقرأه في غير مجلس المتوكِّل إلى حين عوده إليه، حتى في الخلاء!
(والاثنان الآخران هما الجاحظ وإسماعيل بن إسحاق القاضي)
• ويقول الحسن اللؤلؤي: غبَّر قدمي أربعين عامًا ما قِلت ولا بتُّ ولا اتَّكأت إلاَّ والكتاب موضوعٌ على صدري.
*ويقول علي بن الجهم: إذا استحسنت الكتاب ورجوت منه الفائدة، فلو تراني وأنا ساعة بعد ساعة أنظر كم بقي من ورقة مخافة استنفاذه، وانقطاع المادة من قلبه، وإن كان الكتاب كثير الورق فقد تمَّ عيشي وكمل سروري.
• وكان عبد الله بن المبارك يستأنس بخلوته في البيت وحده ليشتغل بالقراءة فقيل له: ألا تستوحش؟
فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبيِّ e وأصحابه.
يعني بها كتب الحديث.
• وكان الزهري إذا جلس في بيته وضع كُتبه حوله فيشتغل بها عن كلِّ شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يومًا: والله لهذه الكتب أشدُّ عليَّ من ثلاث ضرائر!
• وكان أحمد بن عبد الله المهدي في الدراسة والمطالعة آية لا يكاد يسقط الكتاب من يده حتى عند طعامه.
• ويُقال إنَّ محمد بن الوليد المعروف بـ«ولاد النحوي» لَمَّا حضرته الوفاة أوصى أن يُدفن معه كتاب سيبويه.
• وبلغ من حرص جدِّ ابن تيمية (الجدّ بن تيمية) على وقته ومطالعة الكتب أنه إذا دخل الخلاء أمر حفيده أن يقرأ في الكتاب ويرفع صوته حتى يسمع.
• وكان إسماعيل بن إسحاق كما يقول عنه أبو هفان: ما دخلت عليه إلا رأيته ينظر في كتاب أو يُقلِّب كتابًا أو ينفضها.
• وكان ابن الرفعة لا يفارقه الكتاب حتى أثناء المرض، وكان مكبًّا على المطالعة حتى عرض له وجع المفاصل، بحيث كان الثوب إذا لمس جسمه آلمه، ومع ذلك معه كتابٌ ينظر إليه، وربما انكبَّ على وجهه وهو يُطالع.
• فكان ابن المبارك يستأنس بخلوته في البيت وحده ليشتغل بالقراءة، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، يعني بها كتب الحديث.
• ويقول ابن قيِّم الجوزية: أعرف من أصابه مرض من صداعٍ وحمَّى، وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غُلب عليه وضعه، فدخل عليه الطبيب يومًا وهو كذلك فقال إنَّ هذا لا يحلُّ لك.
• وكان بعض أهل العلم يشترط على من يدعوه أن يُوفِّر له مكانًا في المجلس يضع فيه كتابًا ليقرأ فيه.
• وقال ابن الجوزي: وإني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعت على كنـز، ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلَّد، كان أكثر، وأنا بعد في الطلب.
وكان العلماء يُنفقون في تحصيل الكتاب الأموال الطائلة، حتى قال بعضهم لزوجته حين عاتبته في أكثر ما يُنفق على الكتب:
وَقَائِلَةٌٍ أَنْفَقْتَ فِي الكُتُبِ مَا حَوَتْ .. يَمِينُكَ مِن مَالٍ فَقُلْتُ دَعِينِي
لَعَلِّي أَرَى فِيهَا كِتَابًا يَدُلُّنِي .. لآخُذَ كِتَابِي آمِنًا بِيَمِينِي