بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
وبعد ....
أحب ان أجمع أقوال السلف في وصف الكتاب .. وكيف كانوا يتعاملون معه .. سعيا وطلبا أن نستفيد منها ونزيد بخطولتنا إلى الأمام .. علنا نحذوا حذوهم .. ونقتفي آثرهم .. ونسلك سبيلهم .. ونربي فينا تلكم الهمة التي للأسف ماتت فينا .. الهمة على الطلب .. والهمة على القراءة .. والهمة على المطالعة .. والهمة على الكتابة .. وكل دلك عبادة .. فالسلف عليهم رحمة الله كانوا يستحبون الطلب ((طلب العلم)) على صلاة النافلة .. والآثار في هذا تكاد تكون متواترة عنهم ..
أسوق بين أيديكم هذه الجملة من أقوال السلف .. وأسأل الله أن ينفعني بها وإياكم .. آمين
قيل للإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: إنك تُكثر الجلوس وحدك! فغضب وقال: أنا وحدي؟!.. أنا مع الأنبياء والأولياء والحكماء والنبيِّ e وأصحابه، ثم أنشد لمحمد بن زياد الأعرابي:
وَلِي جُلَسَاءُ مَا أَمِلُّ حَدِيثَهُم أُلَبَا مَأمُونُونَ غِيْبًا وَمَشْهَدَا
إذَا مَا اجْتَمَعْنَا كَانَ حُسْنُ حَدِيثِهِم مُعِينًا عَلَى دَفْعِ الهُمُومِ مُؤَيِّدَا
يُفِيدُونَنِي مِنْ عِلْمِهِم عِلْمَ مَا مَضَى وَعَقْلاً وَتَأْدِيبًا وَرَأيًا مُسَدَّدَا
بِلاَ رِقْبَةٍ أَخْشَى وَلاَ سُوءِ عِشْرةٍ وَلاَ أَتَّقِي مِنهُمْ لِسَانًا وَلاَ يَدَا
يقول أبو الطيب المتنبي:
أَعَزُّ مَكَانٍ فِي الدُّنَا سَرْجٌ سَابِحٌٍ وَخَيرُ جَلِيسٍٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ
ويقول الجاحظ:
لكتاب نعم الذخر والعقدة، ونعم الجليس والعدَّة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الإنس لساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة.
والكتاب وعاءٌ مليءٌ علمًا، وظرف حُشِي ظرَفًا، إن شئت كان أبين من سحبان وائل، وإن شئت كان أعيى من باقل، ولئن شئت ضحكت من نوادره وعجبت من غرائب فوائده، ومن لك بمؤنس لا ينام إلا بما تهوي؟!
ويقول عبد الله بن المعتز:
الكتاب والجٌ للأبواب، جريءٌ على الحُجَّاب، مُفهِّم لا يفهم، وناطقٌ لا يتكلَّم.
ويقول المأمون:
لا شيء آثر للنفس ولا أشرح للصدر ولا أوفى للعرض ولا أذكى للقلب ولا أبسط للسان ولا أشدّ للجنان ولا أكثر وفاقًا ولا أقلّ خلافًا ولا أكثر عبارة من كتابٍ تكثر فائدته وتقل مؤنته، مُحدِّثٌ لا يملّ وجليسٌ لا يتحفَّظ، ومترجم عن العقول الماضية والحكم الخالية والأمم السالفة، يُحيي ما أماته الحفظ، ويُجدِّد ما أخلفه الدهر، ويُبرز ما حجبته الغبارة، ويدوم إذا خان الملوك والأصحاب.
فالكتاب جارٌ بار، ومعلمٌ مخلص، ورفيقٌ مطاوع، وهو صاحب كفء، وشجرة معمِّرة مُثمرة، يجمع الحكم الحسنة والعقول الناضجة، وأخبار القرون الماضية والبلاد المترامية، يجلو العقل، ويشحذ الذهن ويوّسع الأفق، ويقوّي العزيمة ويؤنس الوحشة، يفيد ولا يستفيد ويعطي ولا يأخذ.
يقول الشاعر:
نِعْمَ الأَنِيسُ إذَا خَلَوْتَ كِتَابُ تَلْهُو بِهِ إنْ خَانَكَ الأَصْحَاب
لاَ مُفْشِيًا سِرًّا إذَا اسْتَوْدَعْتَهُ وَتَنَالُ مِنْهُ حِكْمَةً وَصَوَاب
ويقول أبو بكر القفال:
خَلِيلِي كِتَابِي لاَ يَعَافُ وِصَالِيَا وَإنْ قَلَّ لِي مَالٌ وَوَلَّى جَمَالِيَا
كِتَابِي أَبٌ بَرٌّ وَأُمٌّ شَفِيقَةٌ هُمَا هُوَ إذْ لاَ أُمَّ أَوْ أَبًا لِيَا
كِتَابِي جَلِيسِي لاَ أَخَافُ مَلاَلَهُ مُحَدِّثَ صِدْقٍ لاَ يَخَافُ مَلاَلِيَا
مُحَدِّثُ أَخْبَارَ القُرُونِ الَّتِي مَضَتْ كَأَنِّي أَرَى تِلْكَ القُرُونَ الخَوَالِيَا
كِتَابِي بَحْرٌ لاَ يُفِيضُ عَطَاؤهُ يُفِيضُ عَلَيَّ المَالَ إنْ غَاضَ مَالِيَا
كِتَابِي دَلِيلٌ عَلَى خَيْرِ غَايَةٍ فَمِنَ ثَمَّ إدْلاَليِ وَمِنْهُ دَلاَلِيَا
إذَا زُغْتُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ أَقَامَنِي وَإنْ ضَلَّ ذِهْنِي رَدَّنِي عَنْ ضَلاَلِيَا
يقول الجاحظ:
الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشحن طباعك وبسط لسانك وجوَّد بنانك وفخَّم ألفاظك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، والكتاب يُطيعك بالليل كطاعة بالنهار، ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر، ولا يعتلُّ بنوم ولا يعتريه كلال السفر.
...يتبع بفضل الله