عرض مشاركة واحدة
قديم 09-13-2011, 04:45 PM   رقم المشاركة : 31
dhoom491
عضو مبتدئ






 

الحالة
dhoom491 غير متواجد حالياً

 
dhoom491 عضوية تخطو طريقها

شكراً: 0
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة

 
افتراضي رد: قصص الأنبياء من آدم الى محمد صلى الله عليه وسلم

فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار. فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف، فأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . واستجمع القوم، فقال لهم حمزة ما لكم؟ قالوا: عمر، فقال: وعمر افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه فخرج إلى عمر حتى لقيه فيالحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جذبهُ جذبةً فقال: أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل اللَّه بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه. وأسلم فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد.
كان عمر رضي اللَّه عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين بالذلة، والهوان، وكسا المسلمين عزة وشرفاً وسروراً.
روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عداوة، قال: قلت أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إلي، وقال: أهلاً وسهلاً، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني قد آمنت باللَّه وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به قال: فضرب الباب في وجهي. وقال: قبحك اللَّه، وقبح ما جئت به.
وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي اللَّه عنه قال: كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال يضربونه ويضربهم، فجئت أي حين أسلمت إلى خالي وهو العاصي بن هاشم فأعلمته فدخل البيت. قال: وذهبت إلى رجل من كبراء قريش، لعله أبو جهل، فأعلمته فدخل البيت.
وذكر ابن هشام وكذا ابن الجوزي مختصراً. أنه لما أسلم أتى إلى جميل بن معمر الجمحي - وكان أنقل قريش لحديث - فأخبره أنه أسلم، فنادى جميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ فقال عمر - وهو خلفه - كذب، ولكني قد أسلمت، فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وطلح أي أعيا عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول افعلوا ما بدا لكم، فأحلف باللَّه أن لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا.
وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله. روى البخاري عن عبد اللَّه بن عمر قال: بينما هو - أي عمر - في الدار خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، وعليه حلة سبرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له ما لك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني أن أسلمت، قال لا سبيل إليك - بعد أن قالها أمنت - فخرج العاص، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال أين تريدون؟ فقالوا: هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ، قال: لا سبيل إليه، فكر الناس وفي لفظ، في رواية ابن إسحاق واللَّه لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه.
هذا بالنسبة إلى المشركين، أما بالنسبة إلى المسلمين فروى مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب، لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام - ثم قص عليه قصة إسلامه وقال في آخره - قلت - أي حين أسلمت - يا رسول اللَّه ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم، قال: قلت ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجاه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلي قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ.
وكان ابن مسعود رضي اللَّه عنه يقول ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر.
وعن صهيب بن سنان الرومي رضي اللَّه عنه، قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حِلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.

ممثل قريش بين يدي الرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :
وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين - حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهما - أخذت السحائب تتقشع، وأفاق المشركون عن سكرهم في إدلاء العذاب والنكال إلى المسلمين، وحاولوا مساومة مع النبي صلى الله عليه وسلم بإغداق كل ما يمكن أن يكون مطلوباً له؛ ليكفوه عن دعوته. ولم يكن يدري هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دعوته، فخابوا وفشلوا فيما أرادو
قال ابن إسحاق حدثني يزيد، زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيداً، قال يوماً، وهو في نادي قريش، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد؟ فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي اللَّه عنه ورأوا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون، فقالوا: بلى، يا أبا الوليد قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة، حتى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا كيْ تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: {بسم اللَّه الرحمن الرحيم حم * تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت: 1 - 5] ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وفي رواية أخرى أن عتبة استمع حتى جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] فقام مذعوراً، فوضع يده على فم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، يقول أنشدك اللَّه والرحم وذلك مخافة أن يقع النذير، وقام إلى القوم فقال ما قال.

أبو طالب يجمع بني هاشم وبني عبد المطلب:
تغيّرت مجرى الظروف وتبدلت الأوضاع والأحوال، ولكن أبا طالب لم يزل يتوجس من المشركين خيفة على ابن أخيه، إنه كان ينظر في الحوادث الماضية - إن المشركين هددوه بالمنازلة، ثم حاولوا مساومة ابن أخيه بعمارة بن الوليد ليقتلوه، إن أبا جهل ذهب إلى ابن أخيه بحجر يرضخه، إن عقبة بن أبي معيط خنق ابن أخيه بردائه وكاد يقتله، إن ابن الخطاب كان قد خرج بالسيف ليقضي على ابن أخيه - كان أبو طالب يتدبر في هذه الحوادث ويشم منها رائحة شر يرجف له فؤاده، وتأكد عنده أن المشركين عازمون على إخفار ذمته، عازمون على قتل ابن أخيه، وما يغني حمزة أو عمر أو غيرهما إن انقض أحد من المشركين على ابن أخيه بغتة.
تأكد ذلك عند أبي طالب، ولم يكن إلا حقاً، فإنهم كانوا قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علانية، وإلى هذا الإجماع إشارة في قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف: 79] فماذا يفعل أبو طالب إذن.
إنه لما رأى تألب قريش على ابن أخيه قام في أهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ولدى عبد مناف، ودعاهم إلى ما هو عليه من منع ابن أخيه والقيام دونه، فأجابوه إلى ذلك مسلمهم وكافرهم، حمية للجوار العربي، إلا ما كان من أخيه أبي لهب، فإنه فارقهم، وكان مع قريش .


آخر وفد قريش إلى أبي طالب
خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الشعب، وجعل يعمل على شاكلته وقريش وإن كانوا قد تركوا القطيعة، لكنهم لم يزالوا عاملين على شاكلتهم من الضغط على المسلمين، والصد عن سبيل اللَّه، أما أبو طالب فهو لم يزل يحوط ابن أخيه، لكنه كان قد جاوز الثمانين من سنه، وكانت الآلام والحوادث الضخمة المتوالية منذ سنوات لا سيما حصار الشعب - قد وهنت وضعفت مفاصله، وكسرت صلبه، فلم يمض على خروجه من الشعب إلا أشهر معدودات، وإذا هو يلاحقه المرض ويلح به - وحينئذ خاف المشركون سوء سمعتهم في العرب إن أتوا بعد وفاته بمنكر على ابن أخيه، فحاولوا مرة أخرى أن يفاوضوا النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، ويعطوا بعض ما لم يرضوا إعطاءه قبل ذلك، فقاموا بوفادة هي آخر وفادتهم إلى أبي طالب.

قال ابن إسحاق وغيره لما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشاً ثقله، قالت قريش بعضها لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ على ابن أخيه، وليعطه منا، واللَّه ما نأمن أن يبتزونا أمرنا، وفي لفظ فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون إليه شيء فتعيرنا به العرب، يقولون تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه.

مشوا إلى أبي طالب فكلموه، وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال من أشرافهم - وهم خمس وعشرون تقريباً - فقالوا: يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه، فخذ له منا، وخذ لنا منه، ليكف عنا ونكف عنه، وليدعنا وديننا، وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب، فجاءه فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك، ليعطوك، وليأخذوا منك ثم أخبره بالذي قالوا له وعرضوا عليه من عدم تعرض كل فريق للآخر، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها، ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم، وفي لفظ أنه قال مخاطباً لأبي طالب أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، وفي لفظ آخر، قال: يا عم، أفلا تدعوهم إلى ما هو خير لهم؟ قال: وإلى ما تدعوهم؟ قال: أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم، ولفظ رواية ابن إسحاق كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فلما قال هذه المقالة، توقفوا وتحيروا ولم يعرفوا كيف يرفضون هذه الكلمة الواحدة النافعة إلى هذه الغاية والحد. ثم قال أبو جهل ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال: تقولون لا إله إلا اللَّه، وتخلعون ما تعبدون من دونه، فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن أمرك لعجب.

ثم قال بعضهم لبعض إنه واللَّه ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم اللَّه بينكم وبينه. ثم تفرقوا.

وفي هؤلاء نزل قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ} [ص: 1- 7].

عام الحزن
وفاة أبي طالب:

ألح المرض بأبي طالب، فلم يلبث أن وافته المنية، وكانت وفاته في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهر. وقيل: توفي في شهر رمضان قبل وفاة خديجة رضي اللَّه عنها بثلاثة أيام.

وفي الصحيح عن المسيب أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال: أي عم، قل لا إله إلا اللَّه، كلمة أحاج لك بها عند اللَّه، فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أبي أمية يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] ونزلت {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56].

ولا حاجة إلى بيان ما كان عليه أبو طالب من الحياطة والمنع، فقد كان الحصن الذي تحتمي به الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء، ولكنه بقي على ملة الأشياخ من أجداده، فلم يفلح كل الفلاح. ففي الصحيح عن العباس بن عبد المطلب، قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.

وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم - وذكر عنده عمه - فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار تبلغ كعبيه.


خديجة إلى رحمة اللَّه:
وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام - على اختلاف القولين - توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي اللَّه عنها، كانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، ولها خمس وستون سنة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره.

إن خديجة كانت من نعم اللَّه الجليلة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته، وتشاركه في مغارم الجهاد المر، وتواسيه بنفسها ومالها، يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني اللَّه ولدها، وحرم ولد غيرها".

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول اللَّه هذه خديجة، قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

تراكم الأحزان:
وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه. فقد كانوا تجرأوا عليه، وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غماً على غم حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف، رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يؤووه وينصروه على قومه، فلم ير من يؤوي ولم ير ناصراً، وآذوه مع ذلك أشد الأذى ونالوا منه ما لم ينله قومه.

وكما اشتدت وطأة أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم ، اشتدت على أصحابه حتى التجأ رفيقه أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه إلى الهجرة عن مكة فخرج حتى بلغ برك الغماد، يريد الحبشة، فأرجعه ابن الدغنة في جواره.

قال ابن إسحاق لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً، ودخل بيته، والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لها لا تبكي يا بنية، فإن اللَّه مانع أباك. قال: ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب.

ولأجل توالي مثل هذه الآلام في هذا العام سماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام الحزن، وبهذا اللقب صار معروفاً في التاريخ.

الزواج بسودة رضي اللَّه عنها:
وفي شوال من هذه السنة سنة 10 من النبوة، تزوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة، كانت ممن أسلم قديماً، وهاجرت الهجرة الثانية إلى الحبشة وكان زوجها السكران بن عمرو وكان قد أسلم وهاجر معها، فمات بأرض الحبشة، أو بعد الرجوع إلى مكة، فلما حلت خطبها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وكانت أول امرأة تزوجها بعد وفاة خديجة، وبعد عدة أعوام وهبت نوبتها لعائشة.
الإسراء والمعراج
وبينا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة التي كانت دعوته تشق فيها طريقاً بين النجاح والاضطهاد، وكانت تتراءى نجوماً ضئيلة تتلمح في آفاق بعيدة، وقع حادث الإسراء والمعراج.

واختلف في تعيين زمنه على أقوال شتى:


فقيل: كان الإسراء في السنة التي أكرمه اللَّه فيها بالنبوة، اختاره الطبري.


وقيل: كان بعد المبعث بخمس سنين، رجح ذلك النووي والقرطبي.


وقيل: كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 10 من النبوة، واختاره العلامة المنصور فوري.


وقيل: قبل الهجرة بستة عشر شهراً، أي في شهر رمضان سنة 12 من النبوة.


وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين، أي في المحرم سنة 13 من النبوة.


وقيل: قبل الهجرة بسنة، أي في ربيع الأول سنة 13 من النبوة.

وردت الأقوال الثلاثة الأولى بأن خديجة رضي اللَّه عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة، وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس، ولا خلاف أن فرض الصلوات الخمس كان ليلة الإسراء. أما الأقوال الثلاثة الباقية فلم أجد ما أرجح به واحداً منها، غير أن سياق سورة الإسراء يدل على أن الإسراء متأخر جداً.

وروى أئمة الحديث تفاصيل هذه الوقعة. وفيما يلي نسردها بإيجاز:

قال ابن القيم: أسري برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى البيت المقدس، راكباً على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد.

ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأى هنالك آدم أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به، ورد عليه السلام، وأقر بنبوته، وأراه اللَّه أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره.

ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له، فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم، فلقيهما وسلم عليهما، فردا عليه، ورحبا به، وأقرا بنبوته.

ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف، فسلم عليه، فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته.

ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأى فيها إدريس، فسلم عليه، ورحب به وأقر بنبوته.

ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأى فيها هارون بن عمران، فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته.

ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران، فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته.

فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له ما يبكيك؟ فقال: أبكي لأن غلاماً بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي.

ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقي فيها إبراهيم عليه السلام، فسلم عليه ورحب به، وأقر بنبوته.

ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور.

ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مرّ على موسى، فقال له بم أمرك؟ قال بخمسين صلاة. قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم، إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى، وهو في مكانه هذا لفظ البخاري في بعض الطرق فوضع عنه عشراً، ثم أنزل حتى مر بموسى، فأخبره، فقال: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين موسى وبين اللَّه عز وجل، حتى جعلها خمساً، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: قد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم، فلما بعد نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، انتهى.

ثم ذكر ابن القيم خلافاً في رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى، ثم ذكر كلاماً لابن تيمية بهذا الصدد، وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلاً وهو قول لم يقله أحد من الصحابة. وما نقل عن ابن عباس من رؤيته مطلقاً ورؤيته بالفؤاد فالأول لا ينافي الثاني.

ثم قال: وأما قوله تعالى في سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدل عليه، وأما الدنو والتدلي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى. وهذا هو جبريل، رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى. واللَّه أعلم انتهى.


وقد وقع حادث شق صدره صلى الله عليه وسلم هذه المرة أيضاً، وقد رأى ضمن هذه الرحلة أموراً عديدة عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل: هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك.

ورأى أربعة أنهار في الجنة نهران ظاهران، ونهران باطنان، والظاهران هما النيل والفرات، ومعنى ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات، وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلاً بعد جيل، وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة.

ورأى مالك خازن النار، وهو لا يضحك، وليس على وجهه بشر وبشاشة وكذلك رأى الجنة والنار.

ورأى أكلة أموال اليتامى ظلماً لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون في أفواههم قطعاً من نار كالأفهار، فتخرج من أدبارهم.

ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم.

ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن، يأكلون من الغث المنتن، ويتركون الطيب السمين.

ورأى النساء اللاتي يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم، رآهن معلقات بثديهن.

ورأى عيراً من أهل مكة في الإياب والذهاب، وقد دلهم على بعير ندّ لهم، وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون، ثم ترك الإناء مغطى، وقد صار ذلك دليلاً على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء.

قال ابن القيم فلما أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه اللَّه عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه اللَّه له، حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها وكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا نفوراً، وأبى الظالمون إلا كفوراً.

يقال سمى أبو بكر رضي اللَّه عنه صديقاً؛ لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس.

رد مع اقتباس