ما زلت أراكم تحتاجون إلى عمل أكثر... ما زالت الهمم ليست على الأمل المنشود لكن حسن الظن بربنا أن سيبلغ هذا المشروع الآفاق؛ لتعبيد خلقه له سبحانه، هل أثر فيكم الحمد لله؟
هل ذقتم حلاوة "اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله"؟
تعالوا إلى لذة أخرى ربما لا تدانيها لذة:
يقول ابن القيم: "ومن خلقت فيه قوة العلم والمعرفة فلذته باستعمال قوته وصرفها الى العلم، ومن خلقت فيه قوة الحب لله والإنابة اليه والعكوف بالقلب عليه والشوق اليه والأنس به فلذته ونعيمه استعمال هذه القوة فى ذلك" (الفوائد: ص74).
تعالوا نتعلم (اعتكاف القلب) على محبة الله تعالى، على ذكره وإجلاله وتعظيمه، وهذه حقيقة الإنابة إلى الله {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33].
ولابد للقلب من معتكف؛ فهناك من:
يعكف على الدنيا، متى أتزوج؟
أريد عملا يدر عليَّ أموالا كثيرة...
أريد الانتهاء من دراستي لأبلغ مركزا مرموقًا...
أريد الانتقال إلى مستوى معيشي أفضل...
أريد أن نصيف هذا العام في مكان مختلف.... أريد....
فالقلب عاكف على الدنيا، مشغول بحطامها...
وهذه الدنيا كالتماثيل التي كان قوم سيدنا إبراهيم يعكفون عليها، فعند كلٍ منا تمثال يعكف عليه - للأسف - لو لم يعكف القلب على الله تعالى...
قال ابن القيم: ومن لم يعكف قلبه على الله وحده عكف على التماثيل المتنوعة كما قال إمام الحنفاء لقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]، فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف فكان حظ قومه العكوف على التماثيل، وكان حظه العكوف على الرب الجليل... فتعلق القلب بغير الله واشتغاله به والركون إليه عكوف منه على التماثيل التي قامت بقلبه وهو نظير العكوف على تماثيل الأصنام، ولهذا كان شرك عباد الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم على تماثيلهم فإذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفا عليها فهو نظير عكوف الأصنام عليها ولهذا سماه النبي عبدا لها ودعا عليه بالتعس والنكس؛ فقال: «تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش» [رواه البخاري، [أورده في صحيحه] وقال: لم يرفعه إسرائيل ومحمد بن جحادة عن أبي حصين وقال تعسا، كأنه يقول فأتعسهم الله]" (الفوائد: ص196).
فائدة اليوم:
قالت امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11]، فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون في الجنة؛ فإنَّ الجار قبل الدار.
ونريد أن نتعلم اليوم عبادة التبتل: أي الانقطاع والخلوة بالله تعالى، قال الله جل وعلا: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8].
وقد كان النبي قبل البعثة يحب الخلوة بالله، قالت أمنا عائشة: "ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك" [متفق عليه].
الواجب العملي: