الموضوع
:
تعلم فن " التفكير والكلام " ... (( يوسف ميخائيل أسعد ))
عرض مشاركة واحدة
07-21-2011, 12:46 PM
رقم المشاركة :
5
7hokage
عضو نشيط
الحالة
شكراً: 10
تم شكره 42 مرة في 14 مشاركة
رد: تعلم فن " التفكير والكلام " ... (( يوسف ميخائيل أسعد ))
الكلام سابق على التفكير
أدوات النطق جاهزة عند الوليد :
من الحقائق المعروفة أن الطفل يولد وهو مجهز بأدوات النطق. فهو يصرخ لحظة ميلاده. صحيح أن صراخه الذي يصدر عنه بعد نزوله من بطن أمه بمثابة عملية فسيولوجية ، تؤهله للتعامل مع العالم الجديد الذي خرج إليه من البيئة الحشوية التي عاش فيها ، ونشأ جنيناً بها ، وصحيح أيضاً أنه لا يعبر لذلك الصراخ عن شعور أو فكر ، إلا أن ذلك الصراح بمثابة المقدمة الضرورية للتعامل مع الواقع الخارجي ، أو قل إنه المقدمة لتعلم الكلام ، مع استمرار نموه ، ومع تفاعله الدائب مع بيئة الناس ، واكتساب مهارة التعبير عن نفسه ، أعني الإفصاح عن مشاعره الوجدانية.
فالطفل الوليد إذن يكون مهيئاً حتى قبل ميلاده بأجهزة النطق باعتبارها الخامة التعبيرية التي سوف توظف في واقع حياته المقبلة ، ولكن في المقابل فإنه لا يبدي أية شواهد تدل على تشغيل مخه ، وإعمال فكره في وضعه أو بإزاء العلاقات التي سوف يقيمها مع عالم الناس.
وبناء على هذا فإننا نقرر أن صراخ الطفل لحظة ميلاده يكون تمهيداً لتعلم الكلام ، سواء كان ذلك الكلام تعبيراً عن الانفعالات أم كان تعبيراً عن الفكر. ومعنى هذا أن التعبير عن دخيلة المرء سابق على تشغيل عقله بالمعاني أو الأفكار.
صراخ الطفل تمهيد لبزوغ طبقات الشخصية :
لعلنا لا نخطئ إذا ما قلنا إن هرم شخصية المرء يتخذ القوام البيولوجي قاعدة له ، ثم يعلو تلك القاعدة طبقة الوجدان. ومع استمرار النمو تتشكل طبقة جديدة بالشخصية هي طبقة الفكر ، ثم يعلوها طبقة العلاقات الاجتماعية. ومع بزوغ طبقة الوجدان وما يتواكب معها من تعبير عن الألم أو الحزن أو الفرح ، تكون التعبيرات الوجدانية قد بزغت إلى الوجود وبدأت في التبلور ، ويكون التعبير عن المشاعر الداخلية لدى ذلك الطفل ، قد اتخذ طريقه بطريقة ذات فاعلية في إقامة علاقات بنيه وبين عالمه الخارجي المتمثل بالدرجة الأولى في أمه المحتكين به بطريق مباشر.
نشأة القوالب التعبيرية :
والقوالب التعبيرية الوجدانية التي تفصح عما يعتمل بدخيلة الطفل من مشاعر ، تستمر في التعقيد والتفاعل سواء بالنقل والتقليد من الناس المحيطين به والمتعاملين معه ، أم بتفاعل ما اكتسبه من قوالب كلامية بعضها مع بعض. ولا شك أن تلك القوالب الكلامية تأخذ في التلبس بالمشاعر من جهة ، كما تأخذ في العقلنة عن طريق إدراك الطفل لمغزى ما تشير إليه تلك القوالب الكلامية أ التعبيرية من جهة أخرى.
موسيقى الكلام :
ومن الملاحظ أن موسيقى الكلام ، أو بتعبير أدق فإن تعبير الطفل عن دخيلته ، يكون تعبيراً موسيقياً. فبكاؤه لحظة ميلاده هو في الواقع تعبير موسيقى تلقائي أو فطري. ولكنه مع سماعه لتلك الموسيقى الصراخية – إذا صح التعبير – التي تصدر عنه المرة تلو المرة ، فإنه يتجاوب مع أنغامها ، أو قل إنه يتناغم مع ذلك الصراخ الذي ينبعث ن قوامه الداخلي ، فيأخذ في التطور به ويعمل على تنويعه وتوظيفه لتحقيق مطالبه ممن يحيطون به من أشخاص.
تقليد الطفل للأصوات :
وكلما أنخرط الطفل في النمو ، فإنه يكسب كلامه نغمات جديدة من الموسيقى التعبيرية ، فهو لا يقتصر على النغمات التي فطر عليها ، بل يأخذ في كسب كلامه نغمات جديدة ، يتلقاها عن الناس الذين يحيطون به ، كما أنه يأخذ في تقليد أصوات الطيور والحيوانات ، بل إنه يتفاعل مع كل ما يصل إلى أذنيه من أصوات ، بما في ذلك صفير الرياح ، وخرير المياه ، وقصف الرعد ، وكل ما يصل إلى أذنيه من أصوات ، سواء تناغم معها وأحبها ، أم خشى منها وخاف من مصدرها ، وقد صار يهتز فرقاً لدى سماعه مثلما يحدث عندما يقصف الرعد ، أو تصفر الرياح بشدة ، أو عندما ينهمر المطر مصحوباً بقطع من الجليد.
بيد أن الطفل في تعبيراته عما يجيش في صدره من انفعالات ، يأخذ في تقليد المحيطين به بإزاء ما يلوكونه من كلام. فهو يقلدهم وينقل عنهم ، ويكون نقله للقوالب الكلامية منصباً على الأصوات التي تحملها الكلمات أو العبارات ، ولا يكون نقله منصباً على المعاني التي تحملها تلك الكلمات أو العبارات.
ومن الطبيعي أن يبدأ الطفل بتقليد السهل من الكلام ويتدرج منه إلى الصعب ، ولكنه على أيه حال يقوم بتقليد الكلام الذي يصل إلى سمعه بطريقة كلية ، بمعنى أنه يركز على ما يحمله ذلك الكلام من موسيقى كلامية ، ولا يهمه ما إذا كان تقليده لما يصل إلى سمعه دقيقاَ أم محرفاً. ولا يهمه أيضاُ ما إذا كان الكلام مسوقاُ في موضعه ، أم أنه مخالف لما اتفق عليه الكبار واتفقوا على استخدامه في مواقف معينه.
إلباس الكلام بالمعاني :
وكلما قيض النمو للطفل بيولوجياً ووجدانياً وعقلياً واجتماعياً ، فإنه يستمر في التمكن تدريجياً في إلباس ما يفوه به من كلام بالمعاني الأكثر دقة. ولكن الواقع الذي لا مرية فيه ، أن الكلام والتعبير عن دخيلة المرء هو الأساس ، حتى بعد أن يشب عن الطوق ، ويستمر في اكتساب الخبرات المتباينة. فحتى أكثر الناس علماً وثقافة ، يعطون الأولوية للكلام على الفكر. فالقوالب الكلامية هي الركيزة الأساسية التي تكتسب أو تشحن بالمعاني ، سواء أتى شحنها بالمعاني بطريقة دقيقة أم بطريقة فجة ومهوشة. فجميع الناس الأسوياء يتكلمون ، ولكن ثمة تفاوتاً بين الواحد منهم والآخر في القدرة على تحميل الكلام بالمعاني والمفاهيم الدقيقة. فالأمي ، برغم قدرته العالية على الإفصاح عن نفسه بالكلام ، فإن ما يفوه به ، ولا يحمل في قوامه ما يحمله كلام العالم أو الفيلسوف. فكل الناس الأسوياء يتكلمون ، ولكنهم يتفاوتون بعضهم عن بعض إزاء ما يلبسون كلامهم به من المعاني.
اتساع نطاق اللغة :
ومن هنا فإننا نستطيع أن نميز بين الكلام باعتباره أصواتاً تخرج من أجهزة النطق ، وبين ما يحمله العقل من أفكار ومعان ، وما استطاع المرء إحرازه من مفاهيم. ولا شك أن هناك تمايزاً بين اللغة وبين ما تستخدم فيه من مواقف اجتماعية. على أن اللغة تتسع نطاقاً ، فلا تقتصر على ما ينطق به اللسان ، بل تتواكب مع التغيرات التي تحدث في ملامح الوجه وقسماته ، ومع نظرات العينين ، ومع حركات اليدين ، وما يتخذه الجسم من أوضاع ، وما يصدر عنه من حركات. ناهيك عن أن اللغة بعد أن كانت منطوقة فحسب ، فإنها مع ما يكتسبه الطفل ويتعلمه بالمدرسة ، تأخذ في المواكبة بين لغته المنطوقة وبين لغته المكتوبة. ثم إنه يضيف إلى لغته القومية لغة أو لغات أجنبية ينطقها ويقرأها. ناهيك عن الرموز الحسابية والجبرية والهندسية التي يكتسبها.
اللغة استقبال وتصدير معاً :
وبعد أن كانت اللغة في حياة الطفل أداة لاستقبال الخبرات اليومية والتفاعل معها ، فإنها تصير مع استمرار نموه الخبري ، أداة تصديرية أيضاُ. فهو يتلقى الكلام من جهة ، ويصدره من جهة أخرى. وكلما توافر المناخ الثقافي حول المرء ، ومع اتباع وسائل التربية السليمة معه ، فإنه يتفقه فيما ينتقيه من مصادر الكلام فيتفاعل مع ما يستقبله منه ويهضمه ، بحيث يصير من لحم كيانه ، كما أنه يأخذ في التعبير عن نفسه بالكلام المنطوق والكلام المكتوب ، لا بطريقة نقلية ، كما كان حاله وهو بعد صغير ، بل إنه يأخذ الإبداع الكلامي ، فيقرض الشعر ، ويجيد في إبداع الكلام المنثور ، كما أنه قد يتمكن من التأليف بالكلام المدبج على الورق ، أو يصير من المفكرين المبدعين الذين يساهمون في إثراء الثقافة الإنسانية.
موسيقى الكلام لا يتغنى عن تحصيل مضمون :
على أنه لا يفهم مما سقناه قبلاً ، أن من يتمكن من موسيقى الكلام ، يصير بالضرورة عالماً أو فيلسوفاً أو مفكراً. الواقع أن ما نقصد الإعراب عنه ، هو أن التسلح بأدب الكلام ، واستيعاب حصيلة لغوية متينة ، تمكنه من التعبير عن أفكاره بدقة ويسر ، كما تمكنه من الإفادة إلى حد بعيد مما يقوم بتحصيله من معرفة. فكلما زدت من ثروتك اللغوية ، واستوعبت المصطلحات العلمية والفلسفية التي تدخل نطاق اهتماماتك العلمية أو الفلسفية ، أو بصدد أي مجال من المجالات المعرفية التي تهتم به ، أو تتخصص فيه ، فإن ذلك يجعلك جاهزاً للمشاركة فيه. فالحصيلة اللغوية التي تنالها ، وتتمكن من استخدامها ، بحيث تصير في قبضتك ، وتحت إمرتك ، ويجعل من السهولة بمكان التقدم حثيثاً في التحصيل والتصدير معاً. ذلك أن المتمكن من أداة التعبير ، يتسنى له أن يحصل بطريقة أسرع وأدق ، كما يتسنى له من جهة أخرى أن يبين عما اختمر في ذهنه ، و يتقن التعبير عنه ، والإبداع فيه.
اجعل من استخدام اللغة عادة سلوكية :
على أن الهدف الذي يجب أن تترسمه وتضعه نصب عينيك ، هو أن تجعل اللغة أو اللغات التي تتعلمها عادة ذهنية تعبيرية. وبذا يتسنى لك ممارستها بطريقة شبه لاشعورية. فالشخص المثقف والخليق بأن ينعت بهذا النعت ، هو ذاك الذي لا يتكلف أو يتحمل مشقة ما يقوم بقراءته ، وما يقوم بتصديره من أفكار سواء بلسانه أم بقلمه. فاللغة تصير عندئذٍ طوع بنانه. فهو كما يقوم ويقعد ويسير دون أن يلقى بالاً إلى ما يقوم به من حركات ، ودون أن يركز ذهنه فيما يضطلع به ، كذا فإن الشخص المتمكن من أداة استقباله للمعاني ، والمصدر لأفكاره ومشاعره ، لا يلقى بالاَ إلى الدقائق ، بل يهتم بالمعاني التي يسوقها ويركز ذهنه فيها ، ويوجه اهتمامه إليها ولكن هذا لا يعني أن يقع في الأخطاء اللغوية. ذلك أن التمكن من أداة الاستقبال والتصدير – أعني اللغة – يحمي المرء كم الزلل من أخي خطأ لغوي ، سواء من حيث السياق الكلامي ، أم من حيث استخدام المصطلحات أم من حيث هجاء الكلمات.
استخدام الكمبيوتر في الكتابة :
لقد ظل الناس يستخدمون القلم في الكتابة حتى وقت قريب. ولكن مع ظهور الآلة الكاتبة ومن بعدها الكمبيوتر ، فإن التطوريين من الأدباء والعلماء والفلاسفة وأصحاب الفكر ، قد طوروا أداة التعبير التي يدبجون بها كلامهم ، ويعبرون بواسطتها عن أفكارهم ، فهم لم يعودوا يستخدمون القلم إلا في نطاق ضيق ، ولكن اعتمادهم الرئيسي صار مركزاً على الكتابة بالكمبيوتر.
بيد أن المستهدف هو أن يتمكن المرء من استخدام هذه التكنولوجيا العجيبة التي تسهل الكثير من الصعوبات التي تكتنف طريقة التأليف بالقلم. فأنت إذا ما اشتريت كمبيوتر شخصي ، وتدربت على استخدامه في الكتابة بطريقة صحيحة بأحد المراكز التدريب ، أعني الكتابة باللمس باستخدام أصابعك العشرة ، فإن ذلك سوف يسهل أمامك الطريق للتعبير عما ترغب في التعبير عنه ، ثم طبعه بواسطة الطابعة ( البرنتر ) ، كما أنه يسهل أمامك مهمة تصحيح ما تقوم بكتابته ، دون أن تتكلف المحو أو الشطب أو عير ذلك مما ظل يضايق المؤلفين قبل اقتنائهم للكمبيوتر.
7hokage
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات 7hokage