عرض مشاركة واحدة
قديم 07-21-2011, 12:45 PM   رقم المشاركة : 2
7hokage
عضو نشيط






 

الحالة
7hokage غير متواجد حالياً

 
7hokage عضوية تخطو طريقها

شكراً: 10
تم شكره 42 مرة في 14 مشاركة

 
افتراضي رد: تعلم فن " التفكير والكلام " ... (( يوسف ميخائيل أسعد ))

المقدمة ..

من الخطأ الاعتقاد بأن التفكير فطرة لا تحتاج إلى تدريب وتوجيه. صحيح أن عقل الإنسان لابد أن يعمل ، سواء خضع للتدريب أم سار على هواه ، ولكن بغير الخضوع لتدريب العقل على التفكير السليم والمنظم ، فإنه يأتي بتفكير غث تافه ، لا يعتد به ، ولا يقام له أي وزن. فالعقل إذا لم يخضع للتدريب الجيد ، وإذا لم يعتد على التفكير المنظم والعميق ، فإنه يكون أشبه بالأرض التي لا تخضع للتفليح وتترك للحشائش تنموا فيها ، و بالتالي فإنها لا تقدم ثماراً يفيد منها الإنسان.


ولقد حاول الفلاسفة عبر العصور القيام بتقنين الوسائل التي ينبغي الاستعانة بها والتي يجب أن يخضع العقل لها ، وأن يتدرب بواسطتها ، حتى يتسنى له التفكير بطريقة جيدة. فنجد أولاً فيثاغورث ( القرن السادس ق م ) الذي اعتقد أن من يتمرس بالأرقام وفنون الهندسة ، يستطيع أن يفكر بطريقة جيدة ، وأن يسبر أغوار المجهول. ثم نجد سقراط ( 470 – 399 ق م ) الذي أخذ ينادي بقوله " أعرف نفسك " ، وهو يقصد بذلك أن تعرف كيف يفكر عقلك ، فتكون خليقاً إذن بأن تسوسه بحكمة لكي يفكر بطريقة جيدة. ونجد ديكارت ( 1596 – 1650 ) الذي يقول " أنا أفكر فأنا موجود " ، وهو يعني بذلك أنه طالما يفكر بالطريقة الجيدة ، فإنه يعتبر نفسه موجوداً. فمن لا يفكر بالطريقة السليمة ، لا يمكن الاعتراف بوجوده كإنسان ، يعلو في مستواه عن مستوى الكائنات الحية الأخرى.
والواقع أن المربين عبر العصور المتعاقبة ، وفي جميع المجتمعات البشرية ، قد أخضعوا الأجيال الصغيرة من أطفال ومراهقين وشباب ، للوسائل الكفيلة بتربية عقولهم بطريقة سليمة حتى يكتسبوا القدرة على التفكير الجيد. وهذه الوسائل تتمثل أكثر ما تتمثل في المناهج الدراسية ، وقد آمن المربون بأن دراسة مواد المهارة بصفة خاصة – أعني القراءة والكتابة والحساب – تساعد المرء على اكتساب القدرة على سياسة عقله بطريقة ناجعة. وما يزال المربون دائبين حتى اليوم على تشريب تلاميذهم المناهج الدراسية ، وعلى حشد المعلومات في ذاكرتهم فيحفظوها ، سواء كان حفظهم لها حفظاً نصياً أم كان حفظاً معنوياً ، وذلك حتى يتمرسوا بالتفكير السديد.
على أن التفكير هو قسيم الكلام ، سواء في ذلك الكلام المنطوق ، أم الكلام المكتوب. ومما لا شك فيه أن الكلام بنوعية بحاجة إلى دربة ، وهي ما لا تتأتي للمرء إلا عن طريق الخضوع لتدريبات معينة. ولقد أفرد الجاحظ كتابه البيان والتبيين لمعالجة الكلام منطوقاً ومكتوباً. فكما أن التفكير يحتاج إلى تربية حتى يستقيم ، كذا فإن الكلام بحاجة إلى تربية خاصة به حتى يكون ذا قيمة. صحيح أن الكلام التعبير عن التفكير ، ولكنه متميز منه ، فالتفكير شيء والكلام شيء آخر. فلقد يكون المرء متسماً بالتفكير الجيد ، ولكنه يكون مختلفا عن الإبانة السليمة ، فيعبر بطريفة فجة أو خاطئة عن أفكاره الجيدة. ولقد يكون المرء لسناً وصاحب قدرة تعبيرية مرتفعة المستوى ، بينما يكون تفكيره ضحلاً ، أو منحصراُ في نطاق ضيق ، أو في مجال لا يعتد به.
ونحن في هذا الكتاب ، نحاول أن نعالج الوسائل التي نرى أنها كفيلة باكتساب فن التفكير السديد من جهة ، وفن الإبانة ، غير المشوبة بالانحرافات الذهنية ، من جهة أخرى ...

رد مع اقتباس